هايل نصر
الحوار المتمدن-العدد: 2535 - 2009 / 1 / 23 - 09:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وقف هش لإطلاق النار في غزة من جانب واحد, أعلنه الصهيوني اولمرت . ووقف هش لإطلاق الشتائم العربية العربية أُعلن في قمة الكويت بين الأطراف العربية المصنفة في ثلاث فئات: الصقور, والحمائم, والطيور المغردة بين السربين. أو الممانعون, والقابلون, والبين بين. أو التقدميون, والرجعيون, والسائرون بين الثلمين. أو أصحاب الرؤؤس الحامية, وأصحاب الرؤؤس الباردة, وأصحاب تلك التي لا حرارة فيها ولا برودة. أو الأثرياء, والأقل ثراء, والمتسولون على أبواب الجانبين. أو الملتزمون القضية الفلسطينية من ألفها إلى يائها, والأقل التزاما, و محبوها بين حين وحين. أو الرافضون التطبيع, والقابلون به بشرف وندية, والساعون إليه بلا شرف ولا ندية. وهكذا يتضح لكل من يتهم العرب بأنهم لا يرون الأشياء إلا بلونين, اسود وابيض, بأنهم يعرفون كذلك اللون الرمادي, البين بين, وكثيرا ما يختارونه على انه الأسلم والأحمد عاقبة والضائع بين اللونين.
هل هناك ربط بين وقف إطلاق النار من قبل اولمرت, ووقف إطلاق الشتائم العربية البينية؟ هل لم يعد هناك داع للصراع العلني الساخن والعودة للمكائد ولكن في الخفاء, خاصة وبعد أن برأ كل نظام ذمته أمام الله وشعبه, و بعد أن جند كل طاقاته الإعلامية وقدراته الكلامية, ــ ولعل التاريخ يبين تفوق العرب على العالم بأجمعه وبما لا يقاس, في شعر المديح والهجاء ــ ووظف الأناشيد الوطنية, والصور الناطقة بالمأساة, وأحصى إحصاءا دقيقا أعداد الشهداء والجرحى في غزة, دون أن ينسى الدمار, كل الدمار, للاف البيوت, والمؤسسات, والمراكز, والجوامع, والمدارس بما فيها المدارس الملتجئ إليها الهاربون من قصف مساكنهم. كل هذا أبرزوه بحماس منقطع النظير أمام العرب وللعرب وحدهم, ألا يستحق من قام بهذا النضال, وساند المقاومة بكل ما ذكر, وقبل أن يفاجئه عدوان جديد, أن يخلد لاستراحة المحارب؟. وهل غير القمة قادرة على ترتيب مثل تلك الاستراحة لتكون جماعية ؟
تنادى الزعماء العرب, بمبادراتهم الشخصية, أو بدفع و نصائح إقليمية و دولية, لقمم في الأيام الأخيرة, للعدوان المجرم, وبعد استشعار وقفه. ووفقوا نسبيا لأربعة منها : خليجية بحتة. قطرية بمن حضر. "شرم شيخية" عربية أوروبية. كويتية اقتصادية سياسية. قمم لا يفصل بينها إلا بضع أيام. المعلقون, والمحللون, والمؤرخون, والسياسيون, وبعض المفكرين, الرسميون منهم أو الساعون للترسيم ــ كل من وجهة, أو من وجهات نظره, التي تتبع التقلبات السريعة وغير المتوقعة لمزاج زعيمه المؤتمر بالقمة, والنجم خارجها ــ أعادوا ذلك إلى تجاوب الزعماء مع غضبة شعوبهم, وهم ممثلوها, فما كان عليهم إلا أن يغضبوا ويزبدوا. و لنخوة عربية ــ ثارت مع التأكد من وقف إسرائيل لإطلاق النار. نخوة جاءت بعد تفرج على مجازر ومحارق دامت 22 يوما من القصف والدمار الشامل ــ. و لتفعيل سلاح التضامن العربي في حده الأدنى, والوقوف صفا واحدا في وجه العدو "كالبنيان المرصوص". و لحماية المصالح العربية القطرية و القومية, وهم القوامون عليها. و لبدء الإعداد السليم لمواجهة أي عدوان صهيوني قادم, لا يفاجئهم مثلما كان الحال عليه في المرات العديدة الماضية. و لعدم تعكير الاحتفالات بالنصر المبين, وكلهم أصحابه.
وما لم يُذُكّر به احد من المعلقين, والمحللين, والمؤرخين, والسياسيين, وبعض المفكرين, الرسميين أو الساعين للترسيم, انه وكالعادة بعد اهتزاز النظام العربي الرسمي بشكله الحالي, والخوف من سقوط أعمدة المعبد, أو أحدها, يتداعي الجميع, بتصنيفاتهم المذكورة, للحيلولة دون سقوط مدو على الجميع. وعليه لا بد من إعادة ترميم الأعمدة الآيلة للسقوط. إنها غريزة الاستشعار عن بعد التي تميز, بامتياز, كل أعضاء النظام العربي الرسمي. فالسقوط يستدعي السقوط.
لم يشر احد, ممن ذكرنا, إلى أصحاب المصالح الدولية ذات القرار, في دوام النظام العربي على ما هو عليه, ودعمه بشكل أو بأخر إلى أن تقيض تلك المصالح امرأ أصبح مقضيا.
لم يشر احد, ممن ذكرنا, إلى مشاريع إعادة ترتيب المنطقة مع المعطيات الجديدة. وتسابق الزعماء العرب, كل بدوره, ليقدم نفسه للمرحلة القادمة خير تقديم, على انه مفيد وصاحب دور لم ينته بعد في المنطقة وحولها, ولا يمكن الاستغناء عنه, وانه مستعد لإعادة ترتيب الأمور شريطة أن يكون موجودا فيها. والتجربة خير دليل.
لم يشر احد, ممن ذكرنا, إلى توقعات هؤلاء الزعماء من اوباما شخصيا, وكأنه ديكتاتور بلا رقيب, ونواياه القادمة المتعلقة بالشرق الأوسط, والمنطقة العربية. وتقديم حسن النوايا له, والاستعداد لتبادل "المصالح" المشتركة والتعاون المشترك, مصالح أمريكية مقابل بقاء مدعوم للأنظمة, وضمان لها ضد كل مكروه.
لم يشر احد ممن ذكرنا, إلى أن التقرب إلى الرئيس الجديد يكون من أولوياته الاستعداد المسبق لقبول إسرائيل في المنطقة, وبالشكل الذي تريده هذه الأخيرة. ووقف أية مساندة لأية مقاومة, والتفرج على كل ذبح لكل مقاومة, والمساهمة فيه أن كان الثمن "محرزا" ومجز, وفيه ضمان لولد الولد.
لم يشر احد, ممن ذكرنا, إلى أن وحدة الصف العربي, أو التضامن العربي, هو أخر ما يفكر به الزعماء, رغم كل الوقائع والمشاهدة بالعين المجردة منذ عقود طويلة, وان أتى ذلك يأتي لغاية في نفس يعقوب.
لم يشر احد, ممن ذكرنا, إلى أن الاستجابة لمواقف الشعوب العربية وغضبها إثر كل عدوان على الشعب الفلسطيني, لا "تقبضه " الأنظمة العربية, ولا تأخذه في الاعتبار. فشعوبها رعاع, وفي أحسن الحالات رعايا. يمكن تسييرها في قنواتها ورصها خلفها.
لم يشر احد, ممن ذكرنا, إلى أن الأنظمة العربية, غير المنتخبة ديمقراطيا, وبشكل صحيح من شعوبها, لا يمكنها الادعاء بتمثيل تلك الشعوب. ولا المحاجة أمام أحد بشرعيتها, ولا بحقها بالتصرف في القضايا المصيرية نيابة عن تلك الشعوب. ولا يمكنها, وان طال الزمن, اكتساب شرعية مفقودة.
ولم يشر أي منهم إلى أن السياسة, مجردة من قواعدها, تصبح نصبا, واحتيالا, وخداعا, واغتصابا لحقوق الآخرين, وتتحول إلى استبداد وفساد. رغم كل الشعارات و ادعاءات المبادئ والقيم والأخلاق, وغيرها من ادعاءات سمعتها وخبرتها شعوبنا العربية المخطوفة سيادتها وسلطتها, والمهدورة كرامتها.
وان قواعد السياسة بمعناها الأساسي (الذي تحدثنا عنه في مقال سابق بعنوان" في السياسة ") تفرض أن الشعب وحده صاحب السيادة ومصدر السلطات. وان تمثيل هذا الشعب لا يكون إلا بالانتخابات العامة الحرة والنزيهة. وان الممثل المنتخب تكون ولايته محددة ومحدودة, بمقتضى أحكام الدستور والقانون. وبان هناك رقابة وحساب وعقاب, ليس فقط في الحياة الآخرة, وإنما في الحياة الدنيا, للمؤسسات وللأفراد على السواء ودون استثناء. وان كلمة القانون هي وحدها العليا.
لم يشر احد, ممن ذكرنا, إلى أن الشعوب المقهورة والمقموعة بفعل حكامها, والبعيدة عن مواقع القرار, لا يمكنها أن تبني أوطانا أو تتصدى, بغير الهتاف المرخص, لآي عدوان.
لم يشرمن ذكرناهم, كيف يمكنهم, وهم المعبرون عن مواقف حكامهم ولسانهم الفصيح ــ في غياب الفصاحة ومجافاة البلاغة لغالبية زعماء هذه المنطقة من العالم ــ تبرير التراجع عن الاتهامات البينية المتبادلة بالخيانة, والتآمر, والعجز, وبث الفرقة في الصفوف العربية, وكل التهم والشتائم الحرة الضاربة فوق الحزام وتحته. وكيف يمكن إعادة الاعتبار للمتهمين بتلك التهم, وهم يرون, فجأة, حكامهم في القمة الكويتية, في عناق حميم, كل مع خصمه, ويتبادلون الابتسامات العريضة , والكل يمسك بيد الكل في سيرهم الرشيق في الردهات والقاعات الفخمة, والكل يخفي ما يُبيّت في الرؤوس من مكائد للقادم من الجولات, و ما تستوجبه متطلبات النضال. والعود على بدء.
#هايل_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟