|
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الموقف من التراث 1/2
بلكميمي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2534 - 2009 / 1 / 22 - 09:15
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في مرحلة الخمسينات والستينات ، كان الاهتمام بالتراث من قبل الفكر العربي ، هامشيا وشبه منعدم ، لكن في مرحلة السبعينات والثمانينات ، اصبح الاهتمام به طاغيا ، لماذا ؟ كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة المتناقضة ؟ ان فهم هذا التحول في الموقف من التراث ، يقتضي فهم التحول الذي طرأ على البنية المادية للمجتمع العربي خلال العقود الاخيرة . فما هو اذن بالتالي ، هذا التحول المادي البنيوي ، الذي مس المجتمع العربي ؟ . لقد تميزت مرحلة الخمسينات والستينات . بالحصول على الاستقلال السياسي وبناء الدولة الوطنية المستقلة . وهذا الاستقلال السياسي الذي تم تحقيقه ، في خضم النضال الوطني ضد الاستعمار الكولونيالي ، كان بمثابة النقيض التحرري لمرحلة الاستعمار السيئة الذكر . ولذلك فان الاعتقاد الذي كان سائدا في تلك المرحلة التاريخية التي اعقبت الاستقلال ، هو ان الدولة الوطنية الحديثة العهد بالاستقلال ، قد جسدت كخطوة اولى الاستقلال السياسي وستجسد في الخطوة الثانية الاستقلال الاقتصادي ، ثم في خطوة لاحقة الاستقلال الحضاري الشامل عن الحضارة الغربية الاستعمارية . لكن السنين اللاحقة ستظهر ، بان ذلك الاعتقاد رغم صدق القائلين به ، لم يكن سوى وهما ايديولجيا لا علاقة له بالصيرورة الحقيقية لتطور المجتمع العربي . اذ بدل ان يتطور المجتمع العربي في اتجاه الاستقلال الاقتصادي ، ثم الاستقلال الحضاري . ( كما كان الاعتقاد سائدا في فترة الحماس التي اعقبت بداية الحصول على الاستقلال ). فانه بالعكس من ذلك ، قد تطور في اتجاه التبعية الاقتصادية والحضارية . وفي اتجاه تعميقها مع مرور الزمن . بل اكثر من ذلك ، ان الاستقلال السياسي نفسه الذي تم انتزاعه بثمن باهظ من التضحيات الهائلة ، قد تعرض للمس بحكم تعمق التبعية الاقتصادية والمالية للمراكز الامبريالية ، وفي الحقيقة ان هذه النتيجة العكسية ( تعمق التبعية بدل تحقق الاستقلال الاقتصادي والحضاري ) ، التي انتهى اليها تطور الدولة الوطنية في اقطار الوطن العربي ، لم تات نتيجة للصدفة . ولا لاخطاء في السياسة المتبعة . ولا حتى لسيادة وهيمنة الاتجاه اليميني على راس الدولة في بعض بلدان الوطن العربي . بل تدخل في صلب المنطق الموضوعي الذي تحكم في صيرورة الانتقال ، من العهد الكولونيالي الى عهد الاستقلال ، بقيادة البورجوازية الوطنية العربية. وذلك بغض النظر عن طبيعة هذه البورجوازية الوطنية ، اكانت راديكالية ( القائمة على تحالف الطبقة الوسطى والطبقة العاملة ) ، ام اصلاحية ( القائمة على تحالف الملاكين العقاريين والبورجوازية الكبرى ) . بعبارة : لقد كانت التبعية هي الحصيلة النهائية الحتمية لجل دول الاستقلال العربية ( باستثناء دولة اليمن الديمقراطية ) . فلقد تولى التاريخ بنفسه مهمة تصحيح الوهم الايديولوجي ، الذي ساد مع بداية الاستقلال . وخلق في نفس الوقت الاسس الموضوعية لبلورة فهم علمي للمرحلة التاريخية الممتدة من بداية الاستقلال الى اليوم . ان الوهم الايديولوجي ( كما تمت الاشارة الى ذلك سابقا ) كان يقوم على الاعتقاد التالي : ان الاستقلال السياسي بما انه مثل النقيض الفعلي للاستعمار الكولونيالي ، لذلك فانه يمثل في نفس الوقت الاساس الوطني الذي سيبنى عليه الاستقلال الاقتصادي ، فالاستقلال الحضاري . وحيدة الجانب ونحن اذا تفحصنا جيدا هذه الاطروحة النظرية فاننا سنكتشف بانها اطروحة سطحية لماذا ؟ لانها قد لمست فعلا عنصر التجاوز ( فالاستقلال السياسي هو حقا تجاوز تاريخي فعلي للاستعمار الكولونيالي ) لكنها قد اغفلت عنصر المحافظة ، وبذلك تكون قد سقطت في الفهم الاطلاقي لمفهوم التجاوز . والتجاوز بمعناه المطلق يعني ان الشيء المتجاوز .. المنفي ، قد تم اقصاؤه كليا من الوجود ، وبالتالي فان الشيء الجديد ( الاستقلال السياسي ) الذي حل محل الشيء القديم ( الاستعمار الكولونيالي ) ، سيتطور من تلقاء نفسه بدون ان تكون له اية صلة بماضيه . وهذا الطرح السطحي الوحيد الجانب ، هو طرح خاطئ لانه يتناقض مع حركة الواقع وبالتالي مع النظرة العلمية التي تعكس ذلك الواقع في تناقضاته ، كيف ذلك ؟ . من الناحية العلمية ، لايمكن فهم التجاوز الا بمعناه النسبي ، لا المطلق ، وبهذا المعنى فان التجاوز لايعني التجاوز وكفى ، بل يعني في نفس الوقت المحافظة . فان الاستقلال الوطني ، الذي قام على انقاض الاستعمار الكولونيالي ، لايمكنه ، ويستحيل عليه ، ان يكون استقلال وطنيا خالصا ، بل انه يتضمن في نفس الوقت عناصر الاستعمار الكولونيالي المتجاوز بمعنى اخر .. ان الاستقلال الوطني هو مجرد وجه لحقيقة واحدة لها وجه ثان هو عناصر الاستعمار الكولونيالي ( التبعية ) . ان الواجب الوطني والتبعي ، لهما نفس مشروعية الوجود . ولذلك فهما لايفترقان . من ناحية ، لقد شكل الاستقلال الوطني تجاوزا للمرحلة الكولونيالية ، بسبب تصفية الدولة الكولونيالية وبناء الدولة الوطنية ، وبسبب فتح افاق اوسع لتطور الراسمال الوطني . لكن من ناحية اخرى ، لقد حافظ الاستقلال الوطني على الطابع الكولونيالي القديم ، لانه كان يستحيل عليه ان يتطور خارج القاعدة المادية الموضوعية التي ورثها عن الاستعمار ، والتي ربطته بالسوق الراسمالية . والفرق الذي كان قائما بين الوجه الوطني والوجه التبعي ، في بداية الاستقلال ، هو بروز الاول الى السطح واختفاء الثاني الى الوراء . وهذه الملابسة التاريخية ، هي التي تفسر الوهم الايديولوجي لتلك المرحلة ، الذي اكتفى بالنظرة السطحية للظاهرة ، بدل ان يلمسها في وحدتها المتناقضة . لكن في المرحلة التاريخية الحالية ، سيؤدي جدل العلاقة بين الوطني والتبعي ، الى قلب العلاقة بينهما ، بحيث سيصبح الوجه البارز على السطح هو الوجه التبعي مما خلق بدوره اساسا موضوعيا للانزلاق نظرة جديدة سطحية وحيدة الجانب اختزلت النظام العربي في وجهه التبعي . الخلاصة التي اراد الفقيد عبد السلام المؤذن ان يؤكد عليها مما سبق ، هي التالية حسب وجهة نظره : لقد كافحت الشعوب العربية كفاحا مريرا ، من اجل الاستقلال السياسي والاقتصادي والحضاري . وبعد اكثر من ثلالة عقود على الاستقلال السياسي ،، وبينما كانت تعتقد انها كانت تسير في اتجاه نحقيق الاستقلال الاقتصادي والحضاري بعد ان حققت الاستقلال السياسي ، ستكتشف فجاة انها عادت من حيث اتت ، أي انها لم تكن تبني الاستقلال الوطني بل التبعية . لقد اثيرت من جديد اشكالية الاستعمار والتبعية على راس جدول الاعمال ، لكن هذه المرة لم تات المبادرة من رجال السياسة ، بل من المثقفين العرب ، لقد اراد المثقفون العرب اعطاء بعدا ثقافيا للاشكالية المثارة .. من هنا تاتي العودة الى التراث . والسؤال الان هو : هل استطاع المثقفون العرب التقدميون بلورة موقف علمي من التراث ؟ الجواب : لا لماذا ؟ ذلك ماسيتناوله الفقيد عبد السلام المؤذن في الركن القادم من اضاءته .
#بلكميمي_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بولمان نقط وحروف: مدينة مغربية لضحايا الإهمال الإداري.
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//وجهة نظر هيجل في ال
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//وجهة نظر هيجل في ال
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// وجهة نظر هيجل في ا
...
-
مدينة بولمان/ بين القسمة: والطرح- والزيادة+ لهم دينهم ولنا د
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الاسس المادية للثو
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// تناقضات البورجوازي
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// تحول الاقطاع الى ب
...
-
الاسس المادية للثورة التحديثية في المغرب -1- عند الفقيد عبد
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//الاسس المادية للثور
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الاسس المادية للثو
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الاسس المادية للثو
...
-
من / تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// جيل الانشغالا
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// مثالية البرنامج وم
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// عاشت« الكتلة الديم
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الحلم بتغيير العال
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//في ذكرى اقتراب نصف
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//في ذكرى اقتراب نصف
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//في ذكرى اقتراب نصف
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// عندما يتوحد التكتي
...
المزيد.....
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|