آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2533 - 2009 / 1 / 21 - 02:38
المحور:
الادب والفن
جلست وراء طاولة الكومبيوترحتى أكتب مقالة.
أخذ الذئب مكانه بجواري, وراح يزفرالهواء من أنفه. إنه يرغب أن أربت على فروته.
ــ انتظريا ذئب, لحظة, يجب أن نعمل.
يجب علي أن أصف الذئب للقراء.
ـ قلت له, أجلس يا ذئب. أخذ بعضه, وجلس بلطف وهدوء عند قدمي.
بدأت بالكتابة.
أسمه الذئب، متوحش، بري، لكنه مطيع لأصدقائه.
الجسد: طويل وقوي.
الذنب: مثل المقشة الطويلة.
الفروة: أشعث، وبره خشن، بني، أسود وقليلاً من الرمادي.
الأطراف: له أربعة أطراف بيضاء في نهايتها أربعة مخالب سوداء، كالأوتاد الصلبة.
العينان: عذباتان، لطيفتان، لهما سيماء الغضب واللطف, والانقضاض, لهذا فهو خطرجداً.
الرأس: أربت على رأسه, سيكون راضياً وسعيدا منك.
خلال لحظات سينام إذا ربتم على خده
الأذن: الأحلى في العالم، كنعومة الجَرُوالوليد.
الأنف: طويل مع بقعة سوداء في نهايته, مصقول ولامع.
الشعر: مسترخٍ حول الأنف من الجانبين, مع لون أسود على الفتحة الصغيرة. بالتأكيد يبدو ذلك مثل خيط متين فوق جسد دبً صغير
الفم: الشفاه سود، الأسنان قليلة الأصفرار، اللسان أحمر فاتح.
هكذا.. الأن, علم َالقراء كيف بدأ لهم الذئب.
بعد ذلك, جلستُ, لأبدأ في كتابة المقالة عن العمل الصيفي. حاولت أن أجد أفضل الوسائل للبحث عن عمل.
بالطبع فكرت أولا في الناس الذين يعملون في هيئة تحريرالجريدة.
لست صغيراً, هكذا بدأت الكتابة.
تتعلق المقالة بقدرة الناس على العطاء أكثر مما يتوقعون. الإنسان يستطيع أن يؤدي عملاً. الذي يعمل, يستطيع أن يدفع للبائع حتى يشتري حاجاته الضرورية. رب العمل, لا يستطيع أن يقول, أن هناك رواتب مختلفة لأعمارمختلفة. يدفع للرجل الذي عمره 18 سنة 55 كروناً في الساعة، بينما يدفع 40 كروناً للرجل الذي عمره 15 سنة. إذاً, ما هو الراتب الذي سيدفعه للرجل الذي عمره 12 سنة.
الإنسان يقوم بنفس العمل، هكذا يقول بياع البوظة في المحل. لماذا الرواتب تختلف من إنسان لأخر؟ يكسب صاحب المحل أكثرمن خمسون كرونة في الساعة في محل بيع البوظة، شريطة أن يكون العامل كبيراً في السن.
أنا غاضب جداً من هذا الوضع! وصرت أكثرغضباً عندما بدأت الكتابة.
ليرغم المرء على كتابة مقالات فيه غضب محض؟ أنا لم أرى شيئاً, لم اتصل بأي إنسان, لم أجرأية مقابلة مع أحدهم. لم يعتاد الصحفيون على القيام بذلك؟
أنهيت المقال بجملة غاضبة:
ـ الذين يستخدمون الشباب, عليهم أن يرعوهم ويشجعوهم, ويدفعوا لهم مرتباتهم كاملاً!
ليرغم المرء على القسم في الجريدة؟
بعد ذلك, ندمت على ما فعلت, كتبت الجملة الأخيرة:
ـ جريدة الذئب, ستقوم خلال الصيف بإجراء مقابلات شخصية عن وضع العمال ورؤساء العمل.
ليتقدم, الرقم التالي!
يجب أن يضع كاتب المقالة توقيعه مع الأسم الصريح والواضح. لا أرغب أن أضع توقيعي على مقالة غيري. لأن عمري لا يتجاوز الثانية عشرة، لعل أي قارئ لديه دراية, سيعرف, وقتها لن يثق بما أكتب بعد ذلك. بالرغم من إنني أستطيع أن أضع توقيع وإمضاء أسم آخر.
رمشت عيني وفكرت.
الجريدة أسمها الذئب...؟
وولف
نعم, سيصبح أسم وولف, الإمضاء الذي سأوقع به بعد اليوم.
ستكون المقالة التالية طريفة, بالرغم من أنها جزء من تفكيري.
هانس, واقف في محله, ليبيع السجق. جاءه زبون سكران في آخرالليل, مد فمه وراح ينفخ ويزفرعليه قائلاً:
ـ ما كمية الكاتشب التي أضعها على السجق. عندها, يغضب هانس, يجري وراءه راكضاً, وهو يعوي. في هذه اللحظات سيقلب سطل الكاتشب، الذي سعته 12 ليتراً، ليندلق على طول أرض الساحة، وسيتطاير الكاتشب مع الغطاء في الهواء ويرش كل مكان.
جئت بعد انقطاع طويل، رحت أضحك على نفسي. بدأت أعمل على وضع اللمسات الاخيرة للمقالة.
حينها, حدث شيئ غريب, مثل الخيال، لقد نفرالكاتشب بشكل قوي, طار في الهواء على شكل قوس مستدير، فوق ساحة رونبي، مرعليها مثل الحمامة المرعوبة التي كانت مسترخية مدة طويلة على قبة ما, وفجأة طارت. والكاتشب حط على عنق أحد الزبائن في الوقت الذي بدأ هانس يعوي.
أثنا عشرة ليتر من الكاتشب على العنق! بالطبع سيرى الرجل الدماء. أثنا عشرة ليتر كاتشب ينهمر كالمطر على قميصه وينزل إلى سرواله الداخلي.
الكل يضحك, باستثناء الرجل الذي ابتلى بالكثير من الكاتشب.
بالطبع, بدأت بقصة حقيقية. لكن, بعد ذلك صارمن المهم والممتع أن أعثر على نهاية سريعة لها.
هكذا هو حال المرء, الذي يعد القراء ليكتب في الجريدة.
لا، من الواضح, أن لا يسمح المرء لنفسه أن يكذب. بالرغم من أن الناس تقول أن المرء يكذب، ربما يضطرأن....
لهذا أنا أكتب عن ذلك وأضع بضع جمل في الوسط, مثل:
هذا حقيقي. لقد حدث ذلك في ساحة رونبي، ويوجد العديد من الشهود الذين تحدثوا عن الذئب. لكن، فيما بعد, ربما حلم هانس بأن التأريخ سيكتب قصص مختلفة كلياً, فيما إذا وضع نهاية جميلة لما حدث. سأبدأ مرة ثانية:
هانس يركل السطل مصادفة. سينفرالكاتشب بشكل قوي ويطيرفي الهواء على شكل قوس مستدير، فوق ساحة رونبي، مرعليها مثل الحمامة المرعوبة التي كانت مسترخية مدة طويلة على قبة ما, وفجأة طارت. والكاتشب حط على عنق أحد الزبائن في الوقت الذي بدأ هانس يعوي.
اثنا عشرة ليتر من الكاتشب على العنق! بالطبع سيرى الرجل الدماء. أثنا عشرة ليتر كاتشب ينهمر كالمطرعلى قميصه وينزل إلى سرواله الداخلي.
الكل يضحك. بأستثناء الرجل الذي أبتلى بالكثير من الكاتشب.
لكنه كان مجرد حلم.
إذا وعد المرء أن يكتب, ماذا عليه أن يفعل. إنه شيئ ممتع. ويتحدث عن الحقيقة، وما حلم به.
أو؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ 5 ـــــ
كان يوماً صيفياً جميلاً.
الشمس ساطعة، الناس تسبح أوتقود الدراجات الهوائية، بينما نحن نعمل.
جلست أمام طاولة الكومبيوتر. يوران مستلقياً على الأرض يرسم. كاترينا كانت في الخارج تصور. إيزابيل تعمل على ماكينة الطباعة الكبيرة، الرجل الصغيرنام مع جريدة البطة كاليه على الأريكة في غرفة الطعام، والذئب أيضاً.
كان العمل ممتعاً, كان لدينا هدفاً, سنصدر جريدة.
سيكون رائعاً, إصدار جريدة مشهورة ومدهشة. أود حقاً, الذهاب إلى هيئة التحرير, كي أبيعهم نسخة من الجريدة.
عندما دنا الليل، كان العديد من المقالات قد جهزت، الصور في أماكنها. يوران وضع العناوين الرئيسية المناسبة في المكان المناسب والجميل.
الذئب رقم 1 .
ــ لم أحصل على البريد الإلكتروني لأصدقائي, قالت كاترينا. لكن، بالتأكيد سأحصل عليهم في الغد.
ــ في الحقيقة, الأن, فهمت كيف تعمل المطبعة، قالت إيزابيل.
اشتغلنا النهار كله. صرخنا من الجوع. ذهبنا إلى غرفة الطعام, نبحث عن شيء ما نأكله. تقريباً لم نجد شيئاً نأكله. أما الجبنة التي اشتريناها, فقد رميناها للفأر. أكلنا البقايا، الأشياء الطرية التي كانت في الكيس, ومكعبات السكر. بكل بساطة، علينا الذهاب إلى البيت, كي نأكل.
ــ صباحاً، قلت. في الصباح سنطبع، كل واحد منا كتب مقالة على حدة.
ــ ليس أنا، قال الرجل الصغيركما لوأنه استيقظ للتو. أنا لم اشترك معكم.
ــ لكن, عليك الاهتمام بالنقود، قالت كاترينا.
ــ عندما هم, يامن, في كتابة مقالة! قلتها بانزعاج, لأخي الصغير. لماذا علي دائماً, أن انتبه عليه؟ ما زال صغيراً! الأن هوعلى الأرض يخنخن. لا يستطيع المرء في هذا العمر, خمس سنوات, أن يشارك, ويعمل في الجريدة، إنه لا يفهم؟
ــ أستطيع أن أساعدك، قال يوران بهدوء. أنا جالس أمام الكومبيوتر، تكلم ما تريد وأنا سأكتبه.
هز الرجل الصغير رأسه بانزعاج.
ــ لديك من الأن إلى الغد لتفكربالمقالة ، قال يوران.
ــ بقي لدينا مكان في الصفحة الأولى، قلتها بانزعاج.
أمل أن يفكرمن تلقاء نفسه, أن ذلك حماقة. لكنه لم يفعل ذلك.
ــ الصفحة الأولى؟ قالها بسعادة.
إنه مازال صغيراً جداً, وأرغب في مسح المخاط من على أنفه. لم أعثر على منديله، جميع المناديل سقطت، لأن جيوب بنطاله من الأسفل مثقوبة.
لقد فرزتُ المحارم الورقية.
ــ فرزتهم! قلت.
فرزهمْ. إنه ما زال صغيراً, هل فهمتم؟
ــــ 6 ــــ
في الليل لم أتمكن من النوم. حدثت أشياء كثيرة خلال النهار. وصلنا إلى المطبعة في الساعة الثامنة من صباح اليوم, وبدأنا التنظيف. شعرت كما لو أنها بلا نهاية. وعندما اقترب الليل, ظهرالعدد الأول من جريدة الذئب, جاهزة تماماً.
استلقيت على سريري, رحت أتقلب على الجانبين, يميناً وشمالاً. وأخيراً رحت في ملكوت النوم, حلمت في كتابة المقالات، لكن الكومبيوتر, لم يستطع أن يخزنها في ذاكرته، وعندما وضعناها على آلة الطباعة, خرجت الأوراق بيضاء من الطرف الآخر. عندما استيقظت من حلمي, أحسست إنني دائخ تماماً.
في الساعة الثامنة صباحاً, جلسنا ثانية, لنبدأ. أنا وإيزابيل ملئنا اللون, ووضعناه في علبة التلوين. ثلاث ملاعق من ملاط الألوان في علبة الطباعة. كاترينا أحضرت عنوانها ولصقته في الصفحة الثالثة.
وقف الرجل الصغير, وراح يملي على يوران شيئ مهم.
ــ يجب علينا أن نفرد مساحة للإعلان أيضاً, قال يوران. كل الجرائد لديها إعلانات.
كان هناك جلبة, هرج ومرج. كنت لدي صداع ودوخة، لهذا لم يتيسرلي أن أقرأ مقالة الرجل الصغيرقبل أن تذهب إلى الطبع، كما أن يوران لم يقل شيئاً.
الأن هو على وشك تجهيزالصفحة الأولى والأخيرة. بالطبع, وضعنا الأثنان بجانب بعضهما البعض عندما بدأ الطبع.
بعد ذلك عملنا النسخة السالبة على الصفيحة المعدنية للمقالات. أنا جهزت النسخة السالبة، لكن، بالطبع, كان الشكل معكوساً، لهذا لم أقرأ مقالة الرجل الصغيرعندما وضعتها.
ركبنا الصفيحة المعدنية على آلة الطبع, وكبسنا زرالتشغيل إيذاناً ببدء الإقلاع مرة ثانية مع صوت بووشش, دينك دان دون. بووشش, دينك دان دونك. بووشش دينك دان دونك.
في البدء كانت الطباعة غير واضحة, لأن الحبرأواللون لم ينزل بالكامل. يوران أصلح الخلل, انتقل إلى الجهة المقابلة, من الصفحة الكبيرة من نوع A2.
إيزابيل بدأت تشتغل على آلة الثني, لكي تطوي أوراق الجريدة فيما بعد. كما كانت تفحص بعض الأوراق البيضاء, التي تخرج فارغة, من دون أن يمسها الملاط.
كنت أتابع, بدقة, مقالة الرجل الصغير, كيف كانت مطبوعة على أسفل الصفحة الرئيسية. كنت أتابع بدقة العنوان الرئيسي:
ـ الرجل الصغير 2/1 5 سنوات، يكتب مقالة لوحده. وشاهدت الصورة التي رسمها يوران. الولد على الدراجة العادية, والصغير يركض وراءه.
كنت أحدق بعمق في الكلمات، كلمة وراء كلمة, لكن لم أستطع أن أتابع إلى النهاية, لأن إيزابيل كانت تنادي علي.
ــ أنها آلة حمقاء, خرقاء! صرخت إيزابيل. في كل مرة تلتقط ورقة, وبدلاً من أن تطويها, تجعلك الواحدة مع الأخرى.
ــ استطيع أن أجعلك الأوراق وحدي! قالتها بهمس. لا يحتاج المرء أن يستأجرماكنة كبيرة لأجل ذلك.
يجب أن يكون هناك شيئ من الإعداد للقيام بمثل هذه الأمور.
ــ ومانويلا لا ترد على الهاتف الجوال! أنها مستلقية داخل بركة الماء, تسبح.
لم أجب. عدت إلى المطبعة, لأرى الصفحات التي طبعت. رأيت شيئاً لا يصدق, جريدة حقيقة أمامي.
لقد طبعنا جريدة كاملة لوحدنا.
أول شيئ فعلته, قرأت مقالة الرجل الصغير ويوران.
ترقرقت الدموع من عيني من الفرح والسعادة.
ـــ 7 ــــ
الرجل الصغير2/1 5 سنة، يكتب لوحده:
يقول دائماً
ما زلت صغيراً
اسمي الرجل الصغير
بالرغم من أن اسمي الحقيقي هو ماكس.
حلمت إنني صغير
سأشرب الحليب
لكن الكأس في البيت
أنا صغير, صغير
مسكني القفازات الصوفية
أركض كل الوقت
لن يدهسني أحدهم
إحدى المرات كنت أركض
بينما الآخرعلى الدراجة
يسبقني
قلت له, أنا لست صغيراً
لكن
أنت على الدراجة
لهذا تسبقني
حلمت بشيئ واحد
أن لا أخاف مرة واحدة في حياتي من أخي الكبير.
التوقيع
ماكس
أبن الخمسة أعوام ونصف العام.
قرأت النص, شعرت بالغصة تطبق على روحي.
جاء الرجل الصغير إلى جانبي.
ــ جيد، أليس كذلك؟ كان ذلك جيداً؟ قال الرجل الصغير.
لا أريد أن انظرفي عينيه.
خرجت من المكان واستندت على حافة الطاولة.
لا شيئ يبهج بعد اليوم.
يتبع...
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟