|
خسرت إسرائيل هذه المعركة
سامي المصري
الحوار المتمدن-العدد: 2531 - 2009 / 1 / 19 - 07:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الحرب مع لبنان حققت إسرائيل كل ما تريده وهو أولا تدمير البنية التحتية للبنان وإحداث بها أكبر خسائر. والهدف الآخر الأهم هو تمكين حزب الله من السيطرة على لبنان لحساب إسرائيل، حتى تكون لإسرائيل اليد الطولى على لبنان من خلال حزب الله عميل إسرائيل الأول الذي يدعي العداء معها. وقد كان تمهيد حزب الله المستفز قبل المعركة اللبنانية هو الذي أعطي الفرصة لإسرائيل أن تكسب الرأي العالمي للقيام بكل أعمالها الإجرامية في لبنان. وبذلك حققت الحرب اللبنانية لإسرائيل كل أهدافها. تدمير لبنان ثم إظهار حزب الله كبطل ليُحكم قبضته على لبنان، وتختفي إسرائيل خلفه! وليتلقى حزب الله كل النقد عما يحدث بلبنان، بينما إسرائيل هي اللاعب الحقيقي في الخفاء دون أن تتعرض للإدانة على جرائمها التي ترتكبها بعيدا عن أنظار العالم.
الموقف في غزة مختلف تماما. حماس تلعب في غزة نفس دور حزب الله في لبنان. فعناد حماس المتفق عليه مع حكومة إسرائيل الصهيونية لم يعطي أي فرصة لأي حل للقضية الفلسطينية. إسرائيل لم تكن محتاجة لحرب كي تُحكِم قبضتها على غزة كما في حالة لبنان، فالحرب في غزة ليس لها نفس أهداف الحرب مع لبنان، بل كانت أهم أهدافها هو الاستفادة من حماس لتطوير العمليات حتى يمكن إقحام مصر في اللعبة. وهذا هو نفس الدور الذي لعبته سوريا في حرب عام 1967. فمن خلال محرقة غزة المتفق عليها مع زعماء حماس كانت إسرائيل تتطلع أن تختلق أسبابا للتحرش بمصر وجرها لحرب جديدة. وعلى أقل تقدير كانت تطمع أن تدفع بالفلسطينيين إلى سيناء، ومن خلال حزب الله يكون لها إصبع تلعب به داخل مصر كما تلعب في باقي الدول العربية.
بتوضيح هذه الأهداف يتبين إن إسرائيل في هذه المرة قد فشلت في تحقيق أهدافها بالرغم من عدد الضحايا المرعب وقتل الأطفال والنساء والمدنيين الذي كانت تقصد به أن تضغط على مصر ليرق قلبها وتفتح حدودها لحماس. وبدلا من تحقيق إسرائيل لأهدافها فقد أثارت الرأي العام العالمي ضدها وافتضحت جرائمها الوحشية أمام العالم وتبين أنها هي مصدر الإرهاب لا المقاومة الفلسطينية. وحققت غضب العالم عليها لأول مرة مما يعتبر خسارة كبيرة لها. في نفس الوقت لم يعد هناك أي مجال لتصوير حماس كبطل حقق أي شكل من أشكال الانتصار كما فعلت مع حزب الله.
إسرائيل تعتمد في كل جرائمها على تضليل الرأي العام العالمي بدفع عملائها الحماسيون أو حزب الله أو الجهاد أو الإخوان المسلمين؛ أو أي من المتطرفين الإسلاميين فكلهم يعملون لحسابها، ليمهدوا لها الجو بالأعمال الإرهابية التي يقومون بها، مع عمل تغطية إعلامية لا مبرر لها سوى التمهيد لجرائم إسرائيل المقبلة، وبذلك فقط تحصل على التأييد العالمي قبل أن تقوم بأعمالها العدوانية. إسرائيل هذه المرة خسرت الرأي العام العالمي فقد قامت بنفس أعمالها الإجرامية دون تمهيد إرهابي كافي من العملاء. لذلك خسرت الرأي العام العالمي دون أن تحقق أي هدف. فقامت المظاهرات ضدها في كل العالم. وحتى الجرائد اليمنية المتطرفة في العالم اضطرت لمهاجمتها. محرقة غزة لم تحقق لإسرائيل أي هدف سوى تأليب الرأي العام العالمي ضدها مما يُصَِّعب أهدافها المستقبلية. فهي لن تستطيع أن تقوم بأي أعمال عدوانية جديدة قبل أن ينسى العالم تماما مذبحة غزة الرهيبة.
أهم أسباب فشل إسرائيل الأخرى هو موقف مصر الراسخ الذي لم يتزعز تحت تأثير أبواق الدعاية الصهيونية المتمثل في حماس وحزب الله والإخوان المسلمين من داخل مصر، إلى جانب إيران وسوريا وباقي الخونة من العرب. إن موقف مصر الراسخ اثبت أن البنية الداخلية المصرية مازالت بخير وثابتة بإعجاز، رغم كل ما تعانيه مصر من فساد داخلي شديد وفقر مدقع وتدهور في كل شيء. إن رسوخ الجبهة الداخلية المصرية لم تتوقعه إسرائيل وهو الذي أعطى للمبادرة المصرية كل قيمتها وقوتها وفاعليتها عالميا.
إن الموقف المتحضر للشارع المصري في مشكلة غزة لا يقل عن موقفه في عام 1967 عندما خرج كل مصري أصيل من بيته عقب إعلان عبد الناصر استقالته ليعلن رفضه للهزيمة، مما أرعب العدو الصهيوني المستند على الروس الذين دبروا الهزيمة لمصالحهم المشتركة. إن خروج الشعب المصري في ذلك اليوم فرض على العالم كله بما في ذلك العدو الروسي عودة عبد الناصر لموقعه وذلك كان العامل الرئيسي في إزالة آثار العدوان الذي تحقق في عام 1973 بطرد الروس وإسرائيل معا بشكل نهائي.
لذلك أتوقع الآتي 1- سقوط الحكومة الإسرائيلية في أول فرصة وتغيير جميع الوجوه التي فشلت في مهمتها. بعد القيام بعملية إخفاء محترم لفشلها الذريع.
2- يلزم أن تقوم إسرائيل بعمل تمهيدي أكبر من كل مرة لتقنع العالم أن مصدر الإرهاب هو العرب. لذلك أتوقع أن يقوم عملائها من الإرهاب الإسلامي (بأيادي مصرية لو أمكن) بعمل ضخم حتى تكسب إسرائيل عطف العالم مرة أخرى وتبرر جرائمها في غزة، وتشوه اسم مصر وذلك إعدادا لملحمة توسعية قادمة.
3- كما أتوقع أن تنشط الأعمال الإرهابية ضد مصر في الداخل والخارج بصورة ضخمة، كما تقوم الحكومات العربية العميلة مع إيران بشن حروب إعلامية مكثفة ضد مصر. ولا بد أن يكون لتلفزيون الجزيرة الذي يعمل تحت إدارة إسرائيلية مباشرة دورا كبيرا في بث السموم ونشر العداء ضد مصر.
لقد خسرت إسرائيل هذه المعركة ضد مصر وهي تعد نفسها لمعارك أكثر شراسة. فعلى الحكومة المصرية أن تتنبه وتعرف أن الفترة القادمة صعبة، فسيقوم فيها العدو الصهيوني بالتركيز على مصر بكل طاقاته، مما يستوجب سرعة القيام بأعمال وقائية داخلية ضرورية.
ليت الحكومة المصرية تكون قد أدركت أهمية الجبهة الداخلية وصلابتها والتي كانت موضع الاهتمام الأول لجمال عبد الناصر ثم تعرضت من بعده للإهمال الشديد. إن رجل الشارع المصري ووعيه المتحضر هو درع واقي قوي يحمي مصر من العدوان. ليت الحكومة المصرية تعطي الأولوية في قراراتها لرفع المعاناة عن الشعب المصري الذي لا يستحق كل هذا الإهمال والقهر. إن المعاناة الأمنية التي يتعرض لها الشارع المصري تشكل خطرا شديدا على مصر. فلو انهارت الجبهة الداخلية أول من سيتضرر الحكومة بكل أفرادها، فليت المسئولين أن يدركوا أننا نركب عبارة واحدة لو سقط قاعها سنغرق جميعا.
وحدة الجبهة الداخلية أمر لا يمكن التفريط فيه بأي حال في المستقبل القريب. المصالحة مع بدو سيناء ورفع المعاناة عنهم بالتنمية المطلوبة أمر حيوي وضروري ولا يحتمل تأجيل. العمل البوليسي الشرس الذي يقوم به الجهلة من رجال الأمن لا يخدم إلا عدو واحد يلزم أن نتضافر كلنا لنحمي منه مصر.
المسألة القبطية يلزم أن تعالج بتحقيق العدالة وتنفيذ القانون دون أي تهاون. سياسة البلطجة الأمنية والتهويم الإعلامي لن ينفع ولا يخدم القضية المصرية ومصلحة الوطن العليا. الصدق والشفافية والعدالة المبنية على حق المواطنة يلزم تحقيقها للمواطن القبطي. الانقسام بين حماس وفتح لم يحقق سوى الخراب لغزة، ولو حدث مثله في مصر فسنخسر جميعا ولن نحصد سوى الخراب لخدمة عدو متربص بنا جميعا.
#سامي_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسنين هيكل يؤيد حماس في قناة الجزيرة
-
معبر رفح ومخلب القط
-
قطنة بزيت
-
الاستعمار - وأخلاق العبيد - والنقاء الوطني -1
-
صراع على الساحة القبطية بين الحق والباطل - 2
-
صراع على الساحة القبطية بين الحق والباطل
-
الفوضى الخلاقة هل تجتاح مصر اليوم للخراب كما اجتاحت العراق؟
-
النكسة 1- بكاء على النكسة بعد 41 عاما
-
العلاوة الجديدة مخدر لمريض بالسرطان
-
صرخة من أجل مصر
-
جيل أكتوبر لم يعرف التفاح والياميش
-
الحوار المتمدن اسم على مسمى
-
حول قضية ماكس مشيل والأوضاع القبطية المتردية
-
رأي حول لائحة انتخاب بطريرك الإسكندرية المقترحة
-
محنة الأقباط
-
لبنان وتقرير فينوغراد
-
مفاهيم خاطئة بالمجتمع القبطي
-
مطالب الإصلاح ورد الفعل -6
-
مطالب الإصلاح ورد الفعل -5
-
مطالب الإصلاح ورد الفعل –4
المزيد.....
-
سوريا.. فيديو حراسة موكب أمير قطر بدمشق ولقطة مع أحمد الشرع
...
-
-سيفعلان ذلك-.. تصريح جديد لترامب عن مصر والأردن وخطة استقبا
...
-
الحوثيون على قائمة الإرهاب: ماذا يعني ذلك لليمن؟
-
بعد الدمار.. نازحون فلسطينيون يعودون إلى شمال غزة وينصبون خ
...
-
تحذير لمكاتب الكونغرس الأمريكي بعدم استخدام تطبيق -ديب سيك-
...
-
اليونان.. قرار بإزالة طوابق فندقية مخالفة قرب معبد الأكروبول
...
-
الصليب الأحمر يدعو إلى عمليات نقل -آمنة وكريمة- للرهائن
-
قنبلة نووية في متناول اليد!
-
السعودية.. فيديو يشعل تفاعلا لشخص وما فعله بمكان عام والأمن
...
-
-بلومبيرغ-: شركات العملات المشفرة تبرعت بملايين الدولارات لح
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|