أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راسم المدهون - -حُلة حمراء وعنكبوت- القبض على حلم الأنثى















المزيد.....

-حُلة حمراء وعنكبوت- القبض على حلم الأنثى


راسم المدهون

الحوار المتمدن-العدد: 2530 - 2009 / 1 / 18 - 07:51
المحور: الادب والفن
    



بين مجايليها من الشعراء المصريين الشباب تختلف هبة عصام بانحيازها إلى قصيدة التفعيلة ، كما بتأنّيها ووقوفها الطويل بصبر وأناة أمام مسألة النشر ، هي التي انتظرت سنوات ، قبل أن تدفع للطباعة مجموعتها الشعرية الأولى :حلّة حمراء وعنكبوت".
هي قصائد أقرب إلى "منمنمات شعرية" نخال صاحبتها وقد غزلتها بشغف وصبر طويلين ، رغم تلك اللمسات "العفوية" التي لا تزال واضحة لنا ، والتي تجعلنا نتوقف أمام شاعرية "الهاجس ألأنثوي" وبوحه ، أحلامه وخيالاته ، ورؤاه المزدحمة بصور ورسومات تمزج الفكرة بالمخيلة ، وتدفع القصيدة إلى التعبير عن نفسها بلغة بسيطة ، سهلة ومنسابة ، وإن تكن ذات ظلال وتحمل دوما بعدها الآخر.
هبة عصام في "حلّة حمراء وعنكبوت" (منشورات دار شرقيات – القاهرة – 2009) تكتب من مقعدها في زاوية ضيقة ، منعزلة وشبه معتمة، ترى منها مشهد اليومي العابر، كما الفكرة وخيال الحبيب، ذلك الذي يأتي مخيلتها منسوجا من خيوط الفكرة ومن ملامح التمني وكأنه كائن أثيري تحتفل به وتهيء له مقعده في القصيدة :

" في الشُرفة جِنِّيٌ أسمرْ
يتقلد تاجاً فضِّياً
العينُ اليمنى شاخصةٌ نحو اللاشيءْ
واليسرى يسكنها الحلم
في كل صباحٍ أَرقبُهُ
يتسلق درجات الشمس
عيناه يُحدّثها الله
يُنبئها عن سر البدءْ
عيناه نتوءٌ في جبهة زمنٍ صخريْ
تتفجر دمعاً..
فيحلِّق في الغيب نبيْ ".

مثل هذه اللغة الشعرية تتكئ على الصورة والمشهد أكثر من أية رغبة في الكتابة بأدوات حديثة، فالشاعرة إذ تستحضر إلى القصيدة رؤاها وأحلامها وحزنها الشفيف ، تختار كتابة تنحاز لإيقاع الشعر وموسيقاه ذات الرّنين الخارجي، وهي تفعل ذلك متسلّحة بحيوية مخيلتها وانفتاحها على روحها الداخلية الغنية بالكثير من المشاهد الملونة والطافحة بالحركة. هنا يمكننا العثور على رغبة تشكيلية حارّة تدفع هبة عصام إلى استدراج اليومي نحو صورته الأخرى، تلك الطالعة من "البال" ومن الفكرة على حد سواء.
في "حلّة حمراء وعنكبوت" بوح أنثوي لا يتجاوز عتبات الألفة ، ولكنه مع ذلك يرسم عالم امرأة تكتب الشعر كي ترسم صورة للحلم ، صورة تتحاور معها ، وتمنحها بعض أحزانها 0
من المهم الإشارة هنا إلى حيوية الموضوعات التي تكتب عنها هبة عصام، وبالتحديد أكثر زوايا الرؤية والنظر، وهي هنا التفاتات ذكية تعرف كيف تلتقط التفاصيل الصغيرة التي تكوّن المشهد الشعري، وتجعله ينبض بالحياة والحركة، ما يمنح المشهد والصور بلاغة أعلى هي بالتحديد بلاغة الرؤية وجماليتها.
أعتقد أن هذه التجربة الشعرية الأولى تأخذنا إلى ملاحظة الأهمية الكبرى لموضوع التجريب الشعري عند الأجيال الجديدة من الشعراء، وهو تجريب نراه يصبح أكثر إيجابية وأكثر شاعرية حين يمتزج بروح البحث عن فضاءات حيوية للقصيدة لا تنفصل عن الحياة في حالاتها الواقعية وموضوعاتها الأشد حقيقية ومنها بالطبع موضوع الحب، كمساحة إنسانية تؤرق الشعر منذ بدء الخليقة، وستظل تدفع الشعراء إلى "ارتكاب" الشعر ، ومواصلة "سرقة النار" دون كلل أو وهن.
في قصيدة "كانت أنا" نقف على مشهد آخر يطلع من مخيلة الشاعرة وهي تتأمّل الزمن في صعوده نحو الأيام القادمة بسرعة :

" تلك العجوز المرهقة
بملابس سوداء ترمق بعض أشيائي الصغيرة
تمضي بأمتعة الرحيل
برعونة المذعور أركض خلفها
تخطو كرعبٍ في دمي
أدنو، فتختلج الخطى
ترنو إليّ .. تحل بي
رباه ما هذا الجنون..
كانت أنا.."

في القصيدة السابقة ثمة مغامرة الدخول في واحدة من المقولات الكبرى التي تؤرّق البشرية بعد فكرة الموت، ونعني هنا فكرة العمر والشيخوخة وذبول الشباب. هنا تكتب هبة عصام واحدة من أجمل قصائد المجموعة وأكثرها حميمية واتصالا بالوجد ، فتنجح باتكائها على سردية عالية السبك، تقوم بنائيتها على الصورة أساسا.
الكلام الشعري إذ نراه يتوجه إلى "آخر" نلمحه حاضرا حتى في حالات الغياب. هنا تلفت الانتباه الجملة الشعرية القصيرة، السريعة، والمتكئة على حضور الصورة باعتبارها أساسية، تمنح شعرية جدلية ومشتعلة.
هي بنائية تستفيد بالتأكيد من إيقاعاتها إذ تتآلف معها وبها على تكوين مشاهدها بكثير من أناقة الصياغة، ومن جمالياتها إلى الحد الذي يجعلنا نقرأ قصائد "حُلّة حمراء وعنكبوت" بمتعة، خصوصا وأن الشاعرة تنجح كل مرّة في جعل "حكاياتها" الشعرية لوحات تشكيلية تنبض بالحركة وتشتعل بالألوان، وهي تستفيد في ذلك من كل ما توفره القصيدة الإيقاعية من تناغم بين الجملة الشعرية وبين وقعها في نفس القارئ، خصوصا وأن قصائد المجموعة تجمع بين الغنائية والسّردية في سلاسة ويسر:

" يا ظلّي المخبوء خلف وساوسي
ارقص فإن العمر يأكل ساقه
والرقص سال لعابه من خطوتك
أرقص لتهرب أيها المذعور
من شبح الفناء"

في تجربة هبه عصام الجديدة نضوج اللّغة في علاقتها بالمعنى والصورة معا، فنحن نقف على حرفية تبدو وقد نجحت في تغليف ذاتها بالكثير من "العفوية" التي لا تسمح للقارئ أن يلمح حضورا شخصيا للشاعرة إلا بذلك القدر الذي يشير إليها في صورة طبيعية ومقبولة. هي بمعنى ما قصائد حب ورعشات روح تنبض بحياة غائبة ولكن الشاعرة تنمح غيابها قوّة الحضور إذ هي تستدرجها من ملكوت المخيلة إلى عالم الشعر بكل هذه الشفافية الآسرة والانسيابية المتحرّرة من التكلف والصنعة وزخرفة قصيدة التفعيلة، فالقصائد تبدو وقد امتلكت نسيجها الخاص المناسب لقوامها، والمنسجم مع سياقاتها وتراكيبها اللغوية وصورها.
نقول ذلك وفي البال ما حملته قصائد هذه المجموعة من تجريبية أساسها المزج بين عالمي المشهد الشعري وبين اللغة بما هي تركيب يكتسب شاعريته من براعات الصياغات وأساليبها، فالقصائد تكتفي من اللغة بما يلزمها كضرورة، نائية بذاتها عن أية استزادة تثقلها وتفيض منها، وبهذا المعنى تربح الشعرية واللغة على حد سواء، خصوصا أنها بذلك التكثيف الغوي تحقق تكثيفا بصريا هو من عدّة الشعر وأهم جمالياته.
هبة عصام في "حلّة حمراء وعنكبوت" تكتب وقد تجاوزت كثيرا ما تواجهه التجربة الأولى عادة من عثرات، وامتلكت ناصية التعبير عن أحلامها، هواجسها بكثير من إبداعية الشعر وألقه الجميل، كما من حضور الأنثى الدافئ والزاهي بالحب.



الكتاب: حُلة حمراء وعنكبوت
المؤلف: هبة عصام
الناشر: شرقيات

نقلا عن جريدة "أخبار الأدب"
11/1/2009
http://www.akhbarelyom.org.eg/adab/issues/809/0800.html



#راسم_المدهون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى تأسيس «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» ... أيديول ...
- يوميات يهودي من دمشق- لإبراهيم الجبين: مغامرة إستحضار شخصية ...


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راسم المدهون - -حُلة حمراء وعنكبوت- القبض على حلم الأنثى