|
عالمية القضية الفلسطينية
خالد صبيح
الحوار المتمدن-العدد: 2529 - 2009 / 1 / 17 - 08:42
المحور:
القضية الفلسطينية
حين انشات الحركة الصهيونية العالمية، عبر الكذب والتزوير، وبالتعاون مع قوى الغرب الاستعمارية، دولة إسرائيل، وضعت بذلك أمام العرب والفلسطينيين منهم بشكل خاص تحد حضاري كبير . ومنذ اللحظة الأولى اخذ الصراع مع الحركة الصهيوينة بعدا ثقافيا وحضاريا، كما هي طبيعة الصراع الكولنيالي في العصور الحديثة، استهدف كشف تزويرات التاريخ التي اعتمدتها الحركة الصهيونية لإرساء دعائم كيانها، والسعي لطرح البديل الحضاري الذي اخذ على عاتقه تأكيد الهوية الإنسانية الحضارية للشعب الفلسطيني. وأدى خوض هذا الصراع إلى أحداث عدة تحولات لدى الجانبين المتصارعين حيث افرز على الجانب الإسرائيلي نشوء وتطور حركة اليسار الشيوعي التي رافقت نشوء الدولة العبرية وانطلقت من منطلقات فكرية وسياسية مغايرة لدعاوى الحركة الصهيونية القائمة على العصبية العرقية والدينية. ولاحقا، مع تقدم آليات الصراع وتطور مراحله، أخذت هذه الافرازات أشكالا أخرى فأنتجت حركة اجتماعية سياسية مهمة هي حركة السلام الآن المتمايزة عن عموم الوعي السائد في المجتمع الإسرائيلي المستند في وعيه على أساطير الحركة الصهيونية وأكاذيب دولة إسرائيل. وعلى الصعيد الثقافي أنتجت هذه المرحلة ظاهرة (المؤرخون الجدد) الذين أعادوا كتابة تاريخ إسرائيل والحركة الصهيونية بدرجة عالية من الموضوعية والدقة العلمية والمنهجية.
على الجانب الفلسطيني حدثت انعطافات مهمة لعبت دورا في إعادة هيكلة القضية وتوزيع قواها بعد هزيمة حزيران1967، وذلك بعد تشكيل الفصائل الوطنية الفلسطينية ذات الخلفية اليسارية التي ربطت ربطا موضوعيا بين تحرير الأرض وتحرير الإنسان بإضفائها بعدا اجتماعيا على موضوعة تحرير الوطن، واستوعبت في مضامين رؤيتها الفكرية والسياسية تركيبة المجتمع الفلسطيني والعربي، وحددت القوى الاجتماعية المعنية بالتحرير. وارتبط التغير كذلك بتحرير منظمة التحرير الفلسطينية من سيطرة الأنظمة العربية التي اتخذت منها رهينة لتنفيذ مشاريعها السلطوية وفرض الوصاية على الشعب الفلسطيني، وذلك بعد تولي الراحل ياسر عرفات لقيادة المنظمة عام1969 وايضا بعد انتزاع قرار تمثيل الشعب الفلسطيني عام 1974 واعتبار المنظمة هي المرجع الوحيد له.
وخلال مرحلة التحولات تلك اكتسبت القضية الفلسطينية بعدا عالميا امميا، حيث جرى النظر إليها على أنها حلقة من حلقات حركة التحرر العالمية في مواجهة المنظومة الرأسمالية العالمية وأدواتها، وعلى أنها جزء من القوى المواجهة لها. وقد حظيت القضية الفلسطينية مذاك على تضامن عالمي واسع بلغ حد التعاون مع منظمات ذات طابع أممي كالجيش الأحمر الياباني والمنظمة اليسارية الألمانية (بايدر مانهوف) هذا بالإضافة إلى تضامن وتعاون الكثير من المؤسسات والمنظمات العالمية والشخصيات السياسية والثقافية حتى داخل إسرائيل نفسها.
لقد لعب البعد العالمي هذا دورا مهما للغاية لأنه منح القضية الفلسطينية آفاقا كبيرة للحل باعتبارها مشكلة ذات أبعاد دولية، وذلك بالارتباط مع كون الحركة الصهيونية نفسها هي حركة ذات طابع ونشاط عالميين. ومن هذه الأرضية غدا الموقف من القضية الفلسطينية معيارا مهما لمفهوم العدالة الدولية واحترام حقوق الشعوب. وخلال كل مراحل النضال الفلسطيني ألذي قادته منظمة التحرير الفلسطينية كان الخطاب السياسي والثقافي ألذي قدمته خطابا علمانيا ركز على كل أبعاد الصراع ومستوياته، القومية والقانونية والسياسية والحضارية التي شكل الدين، كبعد ثقافي وروحي، واحدا من تدرجاتها. لكن بعد صعود تيارات الإسلام السياسي أواسط الثمانينات فيما اصطلح على تسميته بالصحوة الإسلامية، تكرس في خطاب معظم الحركات الإسلامية البعد الديني كبعد أساسي واحادي لمفهوم الصراع. وتحدد العنف كأسلوب وحيد ونهائي في حل القضية، ونظر للقضية على أنها تشكل امتدادا لصراع تاريخي طويل كان المسلمون واليهود طرفيه الرئيسيين، واعتبر ان نصرة القضية الفلسطينية فرض وواجب ديني على كل مسلم. وبرزت في خطاب هذه القوى بكل تلاوينها، الجهادية والمعتدلة، مفردات كرست هذا المنحى بإطلاق تسميات لا تعكس طبيعة المسميات بقدر ما تريد حرف اتجاه الصراع، والتأكيد على ان الصراع بمطلقه هو صراع ديني؛ كتسمية الصليبيين على قوى الغرب واليهود على الإسرائيليين، وهو توصيف ذو نفس عنصري واضح. ويمكننا ان نعثر على هذا في تفاصيل كثيرة في لغة الإسلاميين السياسية والاصطلاحية بعمومها، وفي مؤلفاتهم السياسية والفكرية التي تطرح معالجاتهم للقضية الفلسطينية، وكذلك في خطبهم التعبوية وصولا إلى مظاهرات الاحتجاج التي يخرجون فيها. وهذا الخطاب وهذه اللغة يخلقان بالضرورة مصاعب كبيرة في طريق حل القضية الفلسطينية لانهما يبعدان قوى اجتماعية وسياسية، محلية وعالمية، كان لها دور مهم في العمل من اجل حل القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني. فمحليا يقصي هذا الخطاب مسيحيي البلدان العربية، مؤمنين وعلمانيين، الذين أسهموا بقوة في حركة التحرر الوطني العربية عبر مراحل نضالها، فقد برز داخل منظمة التحرير الفلسطينية نفسها قادة مهمون من خلفيات مسيحية كالراحل جورج حبش والشهيد وديع حداد ونايف حواتمة وغيرهم كثير. والمسيحيون يشكلون قوة بشرية كبيرة في فلسطين وفي بعض بلدان المنطقة، وإقصائهم لا يعطل دورهم في حل القضية وحسب وإنما يربك مسار حركة التحرير. ويطرح التساؤلات عن أفق هذا التحرير. والسؤال هو: أين يكون مكان هؤلاء في هذا الصراع إذا كان الصراع كما تريد له القوى الإسلامية هو بين اليهودية والإسلام؟. وكيف سيعمل مسيحي على تحرير ارض فلسطين وبديل الإسلاميين فيها هو دولة ثيوقراطية يكون هو فيها مواطن درجة ثانية( ذمي)؟. وأين سيكون مكان قوى او شخصيات ذات خلفية يهودية كحركة السلام الآن، او المفكر ناعوم تشومسكي والكاتبة والصحافية أميرة هاس وغيرهم ؟
والى أين يؤدي بالقضية هتاف الاحتجاج ألذي يطلقه الإخوان المسلمون في مصر( خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود)، او ما يطلقه الدعاة الإسلاميون السعوديون من دعاوى تبث الكراهية لليهود كيهود، والتقليل من قيمة التضامن العالمي مع مأساة الشعب الفلسطيني كموقف فنزويلا وبوليفيا مثلا، وتفسيره على انه ناتج عن إشكالات خاصة بين هذه البلدان وأمريكا وإسرائيل؟.( حملات دعم غزة في قطر مثلا). وبالتأكيد ان هذا الهتاف وتلك الدعاوى سوف يخرجان القضية الفلسطينية من افقها الإنساني الرحب ويدخلانها في شقوق التعصب الضيقة.
صحيح ان نبرة هذا الخطاب بدأت بالتراجع مع تراجع حضور هذه القوى في الشارع بالقياس إلى ما كانت عليه إبان فورتها الأولى، لكن ما يعيد لهذا التيار قدرته على تهييج الشارع، ويقويه، ويجعل لخطابه النبرة الأعلى في مشروع حل القضية الفلسطينية، هو ممارسات إسرائيل العدوانية باعتداءاتها الإرهابية المستمرة على الشعب الفلسطيني، وسعيها لاحتواء مقاومته وهضم حقوقه، وأيضا بسبب طبيعة المواقف غير المقنعة وغير الفاعلة للأنظمة العربية المعنية بحل القضية الفلسطينية، وكذلك بسبب سعي السلطة الفلسطينية لاختزال منظمة التحرير الفلسطينية بسلطة فتح الفاسدة ،وبسبب مواقفها التي انحدرت تماما بعد رحيل ياسر عرفات، إلى حالة من التبعية شبه المطلقة لأجندات الأنظمة العربية المتواطئة مع الرؤية الإسرائيلية لحل الصراع العربي الإسرائيلي.
ويبدو لي هنا ان السبب الكامن وراء تراجع حظوظ القضية الفلسطينية في الحل الكامل يكمن، بالإضافة إلى نوايا الدولة الصهيونية وتعدياتها، في ضعف وتراجع الطابع العلماني للحركة الوطنية الفلسطينية، ولعموم المجتمع الفلسطيني، كما هو عليه حال كل المجتمعات العربية الأخرى. ويعود سبب تراجع دور القوى العلمانية واليسارية في المجتمع، برايي، إلى ضعفها البنيوي وقصورها الذاتي وقدراتها المحدودة والمرتبط بدوره بما تعانيه قوى اليسار والديمقراطية في العالم من تراجع وانحسار. والقضية الفلسطينية الآن بين نارين، نار سلطة فاسدة ومستغلة للشرعية وتابعة لأنظمة مستبدة تريد بأي ثمن إيجاد حل للقضية الفلسطينية للتخلص من أعباء استحقاقات تحرير الشعب الفلسطيني، وبين نار قوى إسلامية نافرة عن السياق الوطني وتلتقي موضوعيا مع قوى إقليمية تريد استثمار القضية الفلسطينية، دون رصيد، لتحقيق مطامحها التوسعية الخاصة. ولاشك ان عناصر الحل تكمن أولا في تحجيم القوى الإسلامية على الساحة الفلسطينية ودفعها للاقتناع بان تكون فصيلا من فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية وليس فوقها، وبان يكون تمثيلها للشعب الفلسطيني من داخل منظمة التحرير الفلسطينية لأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وان تتوقف كذلك عن محاولة الانفراد بالقرار الوطني الفلسطيني. وهذا يتم ثانيا بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وجعلها هي السلطة الحقيقية بإنهاء احتكار فتح للسلطة. وهذا يرتبط ثالثا بسعي القوى الوطنية والديمقراطية اليسارية، كحزب الشعب والجبهتان الشعبية والديمقراطية ( هذه القوى هي القوى الفلسطينية الوحيدة تقريبا التي لاتتبع لأي نظام عربي) لتوحيد خطابها وتنسيق جهودها لتشكيل مواقف سياسية وخطاب سياسي يستطيع ان يعبئ الشعب الفلسطيني حوله ليحققوا من خلاله تأثير فعال وشامل في القرار الوطني الفلسطيني. يؤدي إلى إخراج القضية الفلسطينية من حالة الجمود والتلكا التي وقعت بها. ويعيدها إلى موقعها الطبيعي ألذي نمت وحققت نجاحاتها فيه، وهو مناخ العلمانية والتضامن الاممي.
#خالد_صبيح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في إنصاف النقد
-
إحراجات غزة
-
أدوات العدوان الإسرائيلي
-
غزة والعرب
-
حذاء الزيدي ووجوه البعثيين
-
لماذا اتحاد لكتاب الحوار المتمدن
-
اتحاد كتاب الحوار المتمدن
-
الحوار المتمدن رتوش في طريق التطور
-
دكتاتورية مبطنة بحرير الديمقراطية
-
عذرية البنادق
-
صحوة اليسار
-
بشتاشان بين نارين
-
ورقة من شجرة الوطن
-
كتّاب وكتابة الانترنيت
-
الرسائل من كردستان الى الانترنت
-
تمخض الجبل فولد القاضي رزكار محمد امين
-
أمطار النار... عتبة مرتفعة في عالم الدراما العراقية
-
في إنصاف سلمان رشدي
-
نوشيروان مصطفى... سقوط ورقة التوت
-
أحضان دافئة
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|