أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن عشر















المزيد.....



اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن عشر


جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين

الحوار المتمدن-العدد: 2528 - 2009 / 1 / 16 - 09:35
المحور: الارشيف الماركسي
    


الدرس الثامن عشر

تناقض المجتمع الرأسمالي
1 – علاقات الإنتاج الرأسمالية: تناقضها النوعي
كتب ستالين يقول، في وصفه المجتمع الرأسمالي الذي يتلو المجتمع الإقطاعي:
تكون، في النظام الرأسمالي، ملكية وسائل الإنتاج الرأسمالية أساس علاقات الإنتاج، بعد أن زالت ملكية المنتجين والعمال فلم يعد الرأسمالية يملك حق قتلهم أو بيعهم، لأنهم تحرروا من كل ارتباط شخصي معه، بيد أنهم محرومون من وسائل الإنتاج، ولهذا فهم مضطرون، كي لا يموتوا جوعا إلى بيع قوتهم على العمل إلى الرأسمالي، والتردي في نير الاستغلال يعني هذا أن العلاقات الرأسمالية تحتوي على تناقض أساسي بين مصلحة الطبقة المستغلة "البرجوازية الرأسمالية" ومصلحة الطبقة المستغلة "البروليتاريا". وهذا التناقض خاص بالرأسمالية. وذلك لأن وجود البرجوازية الرأسمالية ورخاءها لا يتوفران إلا بعمل البروليتاريا.
وهكذا ندرك، إذن، أن نضال الطبقات ملازم للرأسمالية، فهو يعبر عن فهو يعبر عن التناقض الداخلي في علاقات الإنتاج الرأسمالية،واستغلال الإنسان الرأسمالي لأخيه الإنسان، حتى إذا ما نشأت علاقات الإنتاج الرأسمالية – داخل المجتمع الإقطاعي نفسه – ظهر النضالى الطبقي الموضوعي بين البرجوازيين والبروليتاريين ويستمر ذلك النضال على يدى تاريخ البرجوازية.
وسوف يتيح لنا تحليل علاقات الإنتاج الرأسمالية تحديد طبيعة تناقضها النوعي الذي يؤدي بالضرورة إلى نضال الطبقات.
كان الصانع اليدوي يبيع مصنوعاته اليدوية ليشتري لنفسه حاجات مادية ضرورية، والرأسمالي يشتري المواد الأولية لبيع منتوجات مصنوعة. هدف الإنتاج اليدوي هو الاستهلاك، بينما غاية الإنتاج الرأسمالي هي الفائدة. وهكذا
يصبح الانتقال من الشكل الأول لدوران المال إلى شكل دوران الرأسمال ممكنا، كما وجدت الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وهذا ما يحدث في النظام القطاعي خاصة، كما يفسر لنا نشأة الرأسمالية في هذا النظام.
يتحول المال إلى رأسمال، في هذا النوع الجديد من دوران المال، وذلك لأن توظيف المال هو لزيادة إنتاج المال.
بيد أنه يجب، كي يتحقق الربح من هذه العملية، أن يجد الرأسمالي في السوق بضاعة لها ميزة خاصة، ألا وهي إنتاج قيمة أكثر من القيمة الضرورية لتجديدها، وأن يملك الرأسمالي لوحده فائض القيمة هذه.
فما هي هذه البضاعة المفيدة للرأسمالي؟ إنها ولا شك قوة العامل على العمل، لأن العمل وحده يمكنه إن ينتج القيمة .
ويجب أن نفهم من القوة على العمل مجموع الصفات الحية التي يستخدمها لإنتاج أشياء مفيدة .
ماذا يجب كي يمتلك الرأسمالي القيمة المنتجة؟ ويملك جميع وسائل الإنتاج؟
ماذا يجب كي تصبح قوة العمل الإنسانية بضاعة؟ ويضطر الناس إلى بأنفسهم في الأسواق؟
يجب أولا: أن يملكوا هذه القوة تماما، أي أن يتحرروا من قيود الرق. ثانياً: يجب وجود الأسواق: حيث يوجد الشراء والبيع والإنتاج التجاري. ثالثا: أن لا يكون لدى الناس للبيع سوى قوتهم على العمل، أي أنهم لا يملكون هم أنفسهم أي وسيلة للإنتاج.
يوجد مثل هؤلاء الناس البروليتاريين وذلك أما بسبب ازدهار النظام القطاعي اقتصاديا، أو بسبب المضاربة التي تسيطر في الإنتاج التجاري وتقضي على صغار الصناع اليدويين، وصغار التجار.
هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الرأسمالي، الذي يهمه استخدام العمال الأحرار الذين هم أرقى من الرقيق الجهلة، ويعرفون كيف يستخدمون الآلات الجديدة، يشجع بكل الوسائل نضال الرقيق من أجل تحريرهم.
ندرك الآن مصدر "الحرية" التي نادت بها الرأسمالية، وطبيعة هذه الحرية، هذه الحرية هي حرية التجارة والأعمال بالنسبة للرأسمالي، وحرية العمل عند الرأسمالي بالنسبة للبروليتاري.
وهذا ليس سوى قوة البروليتاري على العمل. ولكن كيف سيدفع أجر هذه القوة؟ كما يدفع ثمن كل سلعة، إذ تتحدد قيمتها بكمية العمل الضرورية لإنتاجها. وقيمة المنتوجات الضرورية لاستمرارها وتجددها، كي يعيش البروليتاري ويشب أطفاله فيحلوا محله. ولما كانت هذه القيمة ستحسم من القيمة التي ينتجها العامل خلال عمله اليومي، فإن الزائد، وهو فائض القيمة، سيزيد من رأس المال: "يكون القسم الأول الأجر بينما يتولد عن القسم الثاني الربح ".
ولهذا كانت مصلحة الرأسمالي في تمديد العمل اليومي، كما أن مصلحة البروليتاريا، في تقصيره. فإذا وجب ثلاث ساعات لإنتاج قيمة تساوي ما تتطلبه تغذية قوة العمل عند العامل، وإذا كان هذا العامل يبدأ عمله في الساعة السادسة صباحا، فإنه منذ الساعة التاسعة يعمل لمصلحة الرأسمالي. فإذا عمل بدون انقطاع وانتهى من عمله الساعة 14 فإنه يكون قد عمل خمس ساعات لمصلحة الرأسمالي. وإذا انتهى الساعة 19 "نفرض عملا متواصلا" فإنه يكون قد عمل عشر ساعات لمصلحة الرأسمالي.
وهكذا يتضاعف ربح الرأسمالي ما بين ثماني ساعات عمل يوميا وثلاثة عشر ساعة: "وكان هذا شائعا في مطلع الرأسمالية" بينما أجر العامل لم يتغير: فهو محدد بالقيمة لتغذية قوة العمل، وهي قيمة تكفي ثلاث ساعات لإنتاجها.
يخفي، طبعا، الرأسمالي، هذا الأمر حين يدفع أجر العامل، في نهاية اليوم، بعد انتهاء العمل المطلوب.
ولهذا يضطر البروليتاري، كي لا يموت من الجوع إلى العمل طيلة الوقت المحدد كي ينال أجره.
ويعني هذا أن الرأسمالي، مقابل أجر يمثل تماما ما يساوي أقل حاجات البروليتاري المادية، يستولي على منتوجات عمل البروليتاري. وهكذا ينقسم العمل اليومي إلى عمل يومي ضروري وعمل يومي بالمجان.
يوجد إذن، في عهد الرأسمالية، كما وجد في عهد الإقطاع وعهد الرق، تملك خاص للعمل غير المأجور. غير أن البروليتاري لا يكتشف رأسا سر هذا الاستغلال، لأنه يخيل إليه أنه قد دفع إليه أجرة كل عمله عند نهاية اليوم. كان الرقيق يملك منتوجات اقتصاده الخاص، وكان يعرف أنه يعمل عددا من الأيام بالمجان في خدمة سيده.
أما البروليتاري العصري، فهو، كالعبد، لا يملك شيئا سوى "حريته"، أي قدرته على بيع قوته على العمل. وكان العبد ينال غذاءه من سيده، أما الرأسمالي فهو يعطي البروليتاري. في صورة أجر الضروري مما يحتاجه في غذائه، وربما عاد فاستولى على كل هذا الأجر في مستودع الأغذية أو عند دفع أجرة السكن: فالرأسمالية هي إذن العبودية المأجورة.
أتاح لنا هذا التحليل أن نتأكد أننا كنا محقين في قولنا أن مصالح الرأسمالي اقتصادية لا تتفق و مصالح البروليتاري في الاساس، ولا يمكن التوفيق بينها، وإن هناك تناقضا كامنا في الرأسمالية يكون جوهر علاقات الإنتاج الرأسمالية.
ينتج عن ذلك أن فكرة تعاون الطبقات والشراكة بين رأس المال والعمل هي سلاح لخدمة الرأسمالي. فهي تهدف إلى أبعاد البروليتاري عن النضال من أجل الدفاع عن مصالحه. ليس الاستغلال الرأسمالي نتيجة "استغلال رؤساء العمل الفاسدين". كما تدعي منشورات البابا، لأنه لا يوجد رأسمالية "صالحة" إذ أن كل رأسمالية مستغلة بطبيعتها ولهذا فأن القول بالقضاء على البروليتاريا، والقضاء على الاستغلال الرأسمالي مع المحافظة على الرأسمالية والملكية الفردية لوسائل الإنتاج إنما هو سخرية بعقول الناس، إذ يجب القضاء على الرأسمالية كي نقضي على البروليتاريا.
وتصح هذه الملاحظات بصدد "الاشتراكية" البرجوازية عند برودون التي لا تهتم بالقضاء على الرأسمالية بواسطة عمل الطبقات الثوري، بل "بتحسين مصير الطبقة العاملة".ضمن نطاق الرأسمالية بعد تعديلها .
وهناك نتيجة أخرى لتحليلنا، وهي أن نضال الطبقات ليس من اختراع كارل ماركس. فهو موجود مستقلا عن إرادة الناس. ولهذا لا يستطيع البروليتاريون توفير أسباب عيشهم ألا بالنضال ضد المستغل، حتى إذا ما كفت البروليتاريا عن النضال، من أجل الأجور، انتهت بما الرأسمالية إلى حالة قريبة من حالة الحيوان.
غير أنه يجب أن نلاحظ أن التناقض بين الرأسمال والعمل ليس هو التناقض الوحيد الذي وجد منذ مطلع الرأسمالية. ولكن تناقض المصالح بين الرأسماليين المتنافسين ليس أساسيا بل يتبع التناقض النوعي للرأسمالية، وهو التناقض بين الرأسمالي المستغل وبين العامل المستغل: ولولا هذا التناقض لما كان هناك رأسمالية. وهكذا يكون قانون سيطرة الإنتاج في النظام الرأسمالي تابعا لقانون فائض القيمة الأساسي.

2 – قانون الترابط الضروري في المجتمع الرأسمالي
درسنا فيما سبق علاقات الإنتاج الرأسمالية: وذلك بتحليل تناقضها الداخلي ذلك التناقض الخاص بالرأسمالية.
وسوف تسمح لنا هذه الدراسة أن ندرك مصير قانون المجتمعات الأساسي، في المجتمع الرأسمالي، وهو قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وطابع قوى الإنتاج. وسوف نرى، في المرحلة الأولى، كيف أوجد تناقض الرأسمالية الخاص ظروفاً مواتية لعمل قانون الترابط الضروري، أي لازدهار قوى الإنتاج.
ثم سوف نرى، في مرحلة ثانية، أن تناقض الرأسمالية الخاص يوجد ظروفا مواتية لعمل قانون الترابط الضروري: ومن ثم ينشأ النزاع بين علاقات الإنتاج وبين قوى الإنتاج. فيعين ذلك نمو قوى الإنتاج.

ا – الترابط بين علاقات الإنتاج الرأسمالية وطابع قوى الإنتاج
رأينا في الدرس الرابع "المسالة 4" أن طبقة البرجوازية تكونت وسط المجتمع الإقطاعي. ولما كانت مصالح الطبقة البرجوازية مرتبطة بازدهار قوى الإنتاج الجديدة( كالصناعات اليدوية، المصانع) فإنها لم تستطيع النمو إلا عن طريق النضال ضد علاقات الإنتاج الإقطاعية التي لم تنسجم مع قوى الإنتاج الجديدة. فكانت بذلك حجر عثرة في وجه قانون الترابط الضروري.
كانت مهمة الثورة الديمقراطية البرجوازية تصفية الإقطاع، فسيطرت علاقات الإنتاج الرأسمالية بفضل انتصار البرجوازية.
وهكذا أقبلت مرحلة تاريخية كانت فيها طريقة الإنتاج الجديدة تتفق تماماً مع متطلبات نمو الإنتاج. واستعاد قانون الترابط الضروري، الذي كان المجتمع الإقطاعي يعيق عمله، كل قوته في المجتمع الرأسمالي.
ويجب أن نلاحظ أن العلاقات الرأسمالية لا تتفق مع أية صورة أخرى لعلاقات الإنتاج. لماذا؟ تقوم الرأسمالية على الربح "راجع المسألة 1 من هذا الدرس" ولهذا كانت مصلحة الرأسمالية في زيادة الإنتاج باستمرار وبأسعار أقل. ولهذا تحتاج الرأسمالية إلى ضم قوى جديدة للإنتاج تقلل من الوقت اللازم للإنتاج، كما تحتاج إلى الحصول، بمختلف الوسائل، على أسواق جديدة. غير أن هذا الربح لا يمكن أن يأتي بربح أكبر إلا إذا استخدام في مشاريع صناعة، أو تجارية، أو زراعية جديدة. ولهذا كان على الملكية الرأسمالية أن تمتد إلى جميع وسائل الإنتاج بدون استثناء. وهكذا لا تستطيع الرأسمالية أن تسمح بوجود أية أخرى للملكية إلى جانبها. بل عليها أن تشمل الأمة بأجمعها، ومن ثم ما هو خارج من الأمة، فسعى منذ بدايتها إلى سيطرة عامة شاملة.
لا يمكن للبرجوازية أن توجد إلا بتطوير وسائل الإنتاج باستمرار، وهذا يعني تطوير ظروف الإنتاج وجميع العلاقات الاجتماعية. بينما كانت المحافظة على طريقة الإنتاج القديمة بدون أي تغيير، على العكس، الشرط الأول لوجود الطبقات الصناعة السابقة . ولهذا يتميز عهد البرجوازية، عن جميع العهود السابقة، بهذا التطوير الدائم للإنتاج الذي يؤدي إلى زعزعة مستمرة للنظام الاجتماعي بأكمله، وإلى اضطراب وعدم اطمئنان لا ينقطعان، فتزول جميع العلاقات الاجتماعية التقليدية مع ما يرافقها من نظريات وأفكار قديمة. وإذا بالشيخوخة تعتري العلاقات التي تحل محلها قبل أن يشتد ساعاها، فكل ما هو صلب دائم يصبح دخانا تذروه الرياح، كما يدنس كل ما هو مقدس، ولهذا يضطر الناس إلى النظر لأحوالهم المعيشية ولعلاقاتهم المتبادلة نظرة تنم على الخيبة واليأس .
ومع ذلك يعم قوى الإنتاج ازدهار عظيم. إذ تعتقد الرأسمالية، في هذه المرحلة، أن عليها أن تنمي قوى الإنتاج بصورة غير محددة.ومن هنا كان الإعتقاد "بالتقدم"اللانهائي داخل البرجوازية، وخلود الرأسمالية التي تبدو على أنها الصورة النهائية الكاملة للمدينة، فيعتقد، حينئذ، الاقتصاديون الرأسماليون أن الإنتاج الرأسمال ينمو بيسر، بعيداً عن التناقضات، فإذا بهذا العصر عصر "الانسجام الاقتصادي"
يخيل للرأسماليين عندئذ أنهم يخدمون مصالح المجتمع، ويزيدون من حجم السلع المستهلكة،و يوفرون العمل للجميع.
أما مشاغلهم "الاجتماعية" فهي، بالنسبة لفريق منهم، الأمل بعلاج الأمراض الاجتماعية، عن طريق تنمية الإنتاج، وبذلك تتوطد أركان النظام الرأسمالي والمجتمع البرجوازية. ويصبح مثل المصلحين البرجوازيين الأعلى، آنئذ، أن يجعلوا من جميع الناس ملاكين، لتكون البرجوازية بدون البروليتاريا. وقد ولد هذا الضرب من الإحسان المحافظ الجمعيات الخيرية المتعددة.
تعكس لنا هذه الأفكار أن الملكية الخاصة الرأسمالية لوسائل الإنتاج، في هذه الفترة، تساعد الإنتاج مساعدة قصوى.
لا شك أن العصر الذي تلى الثورة البرجوازية، حين قضت البرجوازية على علاقات الإنتاج الإقطاعية، وأحلت مكانها علاقات الإنتاج البرجوازية، قد مر بفترات كانت فيها علاقات الإنتاج البرجوازية حسب طابع قوى الإنتاج ، وإلا لما استطاعت الرأسمالية أن تنمو بسرعة، كما فعلت بعد الثورة البرجوازية .
وكانت علاقات الإنتاج الرأسمالية القوة الرئيسية التي تعمل على نمو قوى الإنتاج. بيد أننا قد برهنا في المسألة "1" من هذا الدرس أن العلاقات الرأسمالية هي علاقات استغلال، فإذا كانت قوى الإنتاج استطاعت أن تنمو في النظام الرأسمالي فما ذلك ألا نتيجة للاستغلال! لأن ازدهار الإنتاج كان بسبب وجود فائض القيمة الذي يولده العمل الإنساني، فاستولت البرجوازية على هذا الفائض. وهكذا يكون استغلال البروليتاريين هو الذي عمل على نمو الرأسمالية. فالبروليتاريون العصريون هم الذين أوجدوا روائع المدنية الحديثة، وعانوا البؤس المخيف الذي فتك بالرجال والنساء والأطفال، وكان من جرئه نمو قوى الإنتاج الرائع الذي أقامت عليه البرجوازية الرأسمالية بذخها وسلطانها يعني هذا أن الإنتاج في المجتمع الرأسمالي تابع للربح الرأسمالي، وهو يقوم على استغلال الطبقة العاملة.
يحق لنا القول، إذن، أن التناقض الخاص بالرأسمالية – وهو التناقض بين الطبقة المستغلة والطبقة المستغلة – أوجد ظروفاً مواتية لعمل قانون الترابط الضروري، وإن هذه الظروف مواتية أيضاً لازدهار قوى الإنتاج.
ولسوف نرى الآن كيف كان لنفس التناقض، في مرحلة ثانية (تبدأ نحو عام 1840) أثر معاكس لهذا الأثر.
ب – النزاع بين علاقات الإنتاج الرأسمالية وطابع قوى الإنتاج
كان الرأسماليون، في عصر ازدهار الرأسمالية، يعتقدون أنه يمكنهم تطوير وسائل الإنتاج بصورة غير محدودة، كما كانوا يعتقدون أن الصناعة سوف تخفف الآلام، وتحل جميع المشاكل. ولم يتراء لهم أن تطوير هذه الوسائل يمكن أن يقف في وجهه أحدألا و هو الرأسمالية نفسها . وذلك بنفس الطريقة التي يصبح فيها تكبير حبات العدس محدوداً في الميكروسكوب، فتحدث عندئذ ظواهر ضوئية جديدة تمنع الرؤية، وتحول دون أي تقدم في الميكروسكوب القديم. كما أن ازدياد سرعة الطائرات يحدث ظواهر جديدة حين تبلغ سرعة الصوت، وكذلك يجب على نمو قوى الإنتاج – الذي يسرته الرأسمالية – أن يضر بالرأسمالية نفسها لأن تلك هي الجدلية في الطبيعة والمجتمع. فلقد اصطدمت الرأسمالية نفسها "بجدار الصوت" فكانت الأزمات الاقتصادية . فما هو أساس هذه الأزمات؟
تستطيع الرأسمالية، بواسطة تطوير قوى الإنتاج أن تعرض في الأسواق كميات متزايدة من السلع بأسعار أرخص، فتزداد حمى المضاربة، وتقضي الرأسمالية بذلك على طبقة صغار الملاكين ومتوسطيهم. بينما تتجمع الثروة في أيدي آفة قليلة من الرأسماليين "المحتكرين". ويعم الفقر الأغلبية الساحقة "الطبقة المتوسطة، والفلاحين". وتزداد أهمية جميع هذه الطبقات، كلما تجمع رأس المال بين أيدي أقلية من المستغلين، كما تضعف قوتهم الشرائية، فإذا بالبيع في السوق يخف، وإذا بالكساد يحل، لأن أكثرية السكان تقتصر في استهلاكها على الضروري فقط. فيظهر الخلل عندئذ أكثر فأكثر بين الإنتاج والاستهلاك. وهذا ما يسميه الرأسماليون "فائض الإنتاج"، فتحدث حينئذ الأزمة.
وهكذا يولد الجري وراء الربح، وهو هدف الرأسمالية، عكسية: وهو توقف الربح. فإذا بغالبية المجتمع تتردى في البؤس، لأنها انتجث وسائل للعيش لا تستطيع شراءها.
فإذا بها تعاني الفقر بسبب كثرة الإنتاج!
يظهر التحليل الاقتصادي الماركسي أن التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، ونمو الإنتاج الاجتماعي بهدوء وانسجام لا يمكن أن يتحققا إلا إذا اعتبرنا مجموع حاجات المجتمع، سواء كانت سلع الاستهلاك أو وسائل الإنتاج. ولكن أنى للرأسمالي أن يعتبر هذه المتطلبات، بينما هدفه الوحيد هو مصلحته الخاصة وربحه الذي تحدده أحوال السوق؟
وليس الإنتاج، في النظام الرأسمالي، تابعا لحاجات الجميع بل هو تابع لأرباح الأقلية الرأسمالية. ولهذا لا يمكن تنمية الإنتاج، في الرأسمالية، بصورة منسجمة إذ ينقسم هذا الإنتاج بطابع استبدادي.
وهكذا نجد أن أساس الأزمات الاقتصادي، هو، النهاية، التناقض الذي نشأ بين مصالح الرأسماليين الخاصة بين متطلبات الإنتاج الاجتماعي، فلقد قضيت الرأسمالية، بتنميتها لقوى الإنتاج، على تجزئة الإنتاج الخاصة بالصناعة اليدوية، كما أدرت المضاربة القاسية بين الرأسماليين، في مطلع القرن العشرين، إلى التهام الأقوياء للضعفاء. فتكونت الاحتكارات، وهي أشبه بإقطاعيات اقتصادية هائلة تمتد حبالها خارج حدود بلادها "كالاحتكار الأميركي المؤلف من شركة (standard oil) تحت إشراف روكفلر ملك البترول ".
لا تفرق الرأسمالية، في هذه المرحلة، بين الصناعات المختلفة من استخراج المواد الأولية حتى المصنوعات. وتقوم الاحتكارات الضخمة بالإشراف على مجموع اقتصاد بلد أو عدة بلدان من صناعة وتجارة وزراعة، فتسيطر على الاقتصاد أوليجارشية (oligaarchie) اقتصادية تملك رؤوس الأموال الضخمة اللازمة لسير الإنتاج.
وهكذا حمل تطور الرأسمالية الرأسمالية نفسها على التسرب إلى جميع مظاهر الحياة الاجتماعية. فإذا بالمصارف والاحتكارات تربط مختلف فروع الإنتاج بروابط متينة.
وإذا بعملية الإنتاج تتخذ طابعاً اجتماعياً.
ولكن من يستفيد من كل ذلك؟ حفنة من الرأسماليين تملك وسائل الإنتاج الكبرى، ويصبح الإنتاج اجتماعياً أكثر فأكثر، ولكنه لفائدة أقلية طفيلية.
وتبحث الاحتكارات المتعادية، التي تكون هذه الأقلية عن الربح الأكبر، مستغلة الطبقات الكادحة وصغار الرأسماليين. وذلك لأن الحصول على الربح الأكبر إنما هو. بالنسبة إليهم، ضرورة موضوعية يحتمها اتساع أعمالهم، ذلك هو القانون الأساسي للرأسمالية الحالية.
ويمكن صياغة معالم قانون الرأسمالية الاقتصادي الأساسي ومتطلباته بما يلي: تأمين الربح الرأسمالي الأكبر باستغلال غالبية سكان بلد معين وتدميرها وإفقارها، وكذلك باستعباد شعوب البلاد الأخرى ونهبها بصورة منظمة، ولا سيما البلاد المتأخرة، وأخيراً تسخير الاقتصاد القومي، بواسطة الحروب، للتسلح لاستخدامها في تأمين أكبر الأرباح .
يؤدي الجري، إذن وراء الربح الرأسمالي إلى نتيجة حتمية وهي بؤس الطبقات الكادحة المتزايد، واندلاع نيران الحروب. فلقد أعلنت الحرب الكورية على يد زعماء الرأسمالية الأميركية: لأن هؤلاء الرأسماليين، وقد تملكهم الذعر من شبح الأزمة الاقتصادية، لا يستنكفون عن السعى بواسطة الحروب، عن طلبات تعود عليهم بالربح الوفير ولهذا صرح الرئيس ايزنهاور بقوله "رخاؤنا هو رخاء حرب".
تقف الرأسمالية، في المراحل الحالية، موقف المعتدي الدائم على الشعوب. وهذا هو الاستعمار.
غير أنه بوسع الرأسماليين إزالة التناقض الكامن في الرأسمالية، وهو التناقض بين مصالح الطبقة المستغلة ومصالح المجتمع بمجموعه. وبالرغم من إدراك البرجوازية لهذا التناقض فإنها لا تستطيع تضحية مصالحها الطبقية والنكوص عن أربحها. ولهذا تعمل على الحد من قوى الإنتاج حسب مصالحها. فتحمي بذلك علاقات الإنتاج الرأسمالية ضد تقدم قوى الإنتاج التي تهددها.
ويمكننا تعداد الأمثلة الكثيرة التي تظهر أن الرأسمالية، وقد تملكها الخوف من الأزمة الاقتصادية، تعيق تطور قوى الإنتاج، فتعود إلى العمل اليدوي، وتنتج سلعا سيئة، وتهمل المخترعات الجديدة، وتقلل أو تلغي الإعتمادات الضرورية للمختبرات الخ... يفسر لنا كل ذلك ركود الإنتاج الرأسمالي في مجتمع الميادين.
كتب ستالين يقول في وصف حال الرأسمالية:
تردت الرأسمالية في تنافضات يصب عليها حلها، لأنها نمت قوى الإنتاج بصورة هائلة. فهي، بإنتاجها كميات متزايدة من السلع وتخفيضها للأسعار، تزيد من خطورة المضاربة، وتقضي على طبقة صغار الملاكين ومتوسطيهم فتجعل منهم بروليتاريين، كما تنقص من قدرتهم على الشراء فتكون نتيجة ذلك استحالة تصريف السلع المصنوعة. وتجعل الرأسمالية، بتوسيعها للإنتاج وتجميعها لملايين العمال في مصانع ضخمة، لعملية الإنتاج طابعا اجتماعيا، كما أنها في نفس الوقت تهدم أساسها، لأن طابع عملية الإنتاج الاجتماعي يستدعي ملكية وسائل الإنتاج الإجتماعية ، غير أن ملكية وسائل الإنتاج تظل ملكية فردية رأسمالية لا تتفق وطابع عملية الإنتاج الاجتماعي.
تظهر هذه التناقضات المتنافرة بين طابع قوى الإنتاج وبين علاقات الإنتاج في أزمات فائض الإنتاج المستمرة.فيضطر الرأسماليون، لانعدام الشراء، بسبب القضاء على الطبقات التي كانوا هم السبب في إفقارها، إلى حرق الحبوب وإفساد السلع الجاهزة وإيقاف الإنتاج، وتحطيم قوى الإنتاج بينما ملايين الناس يعانون البطالة والجوع، وليس ذلك بسبب فقدان السلع، ولكن بسبب كثرة هذه السلع.
يعني هذا أن علاقات الإنتاج الرأسمالية لا تتفق وحالة قوى الإنتاج في المجتمع فنشأ التناقض بينهما .
التناقض إذن بين علاقات الإنتاج الرأسمالية وبين طابع قوى الإنتاج الاجتماعي هو أساس الأزمات التي تعتري الرأسمالية.
غير أن هذا التناقض نفسه قد تولد من التناقض الخاص بتكوين الرأسمالية "الذي درسناه في المسألة (1) من هذا الدرس".
وإذا ما أردنا أن نختصر المسألة (2) فماذا نجد؟
كان التناقض الخاص بالرأسمالية "حيث تقف البرجوازية المستغلة ضد البروليتاريا المستغلة" مواتياً أولاً لعمل قانون الترابط الضروري: وكان قانون فائض القيمة، وهو مصدر الربح الرأسمالي، يعمل على ازدهار قوى الإنتاج، تلك كانت مصلحة الطبقة البرجوازية.
ثم أدى نفس التناقض إلى نتيجة عكسية، إذ أصبحت المصلحة الطبقية حجر عثرة في وجه الإنتاج. لأن قانون فائض القيمة، الذي يتمثل اليوم في قانون الربح الأكبر، قد عمل على فشل قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وطابع قوى الإنتاج، غير أن قانون الترابط الضروري كما نعلم , هو القانون العام للمجتمعات الإنسانية الذي يشمل جميع صور الإنتاج. فلا، يمكن للمجتمعات أن تتقدم إلا في ظل هذا القانون.
وهكذا يعمل القانون الخاص بالرأسمالية" وهو قانون فائض القيمة الذي لا ينفصل عن الاستغلال البرجوازي" على فشل قانون المجتمعات الإنسانية العام. وهذا النزاع هو مصدر انحطاط الرأسمالية. ويعني هذا أنه قد نمت، داخل النظام الرأسمالي قوى إنتاجية لم يعد يستطيع كبح جماحها. كما يعني أن علاقات للإنتاج جديدة، وهي العلاقات الاجتماعيةsosyalist üretim. أصبحت ضرورية، موضوعيا، لأنها الوحيدة التي تلائم قوى الإنتاج الحديثة.
تحمل الرأسمالية في أحشائها ثورة، وعلى هذه الثورة أن تحل محل ملكية وسائل الإنتاج الرأسمالية الحالية الملكية الاشتراكية .
وسوف نلاحظ أن الرأسمالية، بتنميتها لحصر وسائل الإنتاج. قد عملت. بالرغم عنها، ضد مصلحتها. لأن مجموع الإنتاج يتخذ طابعا اجتماعيا في مرحلة الاحتكارات ويصبح التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج وبين التملك الفردي الرأسمالي حاداً لا يطاق. كلما ازدادت سطوة الاحتكارات. فتكون البرجوازية قد حفرت بنفسها قبرها في عملها على ازدهار قوى الإنتاج. خدمة لمصلحتها الطبقية وحصرها لقوى الإنتاج أكثر فأكثر للحصول منها على الربح الأكبر. أما حفار القبور فهي الطبقة التي أتاح عملها وبؤسها للرأسمالية أيامها السعيدة: ألا وهي طبقة البروليتاريا.

3 – نضال طبقة البروليتاريا منهج لحل التناقض بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج.
أظهر لنا التحليل الجدلي للرأسمالية:
أ‌) وجود تناقض في علاقات الإنتاج يعمل على تعارض البروليتاريا المستغلة والبرجوازية المستغلة. وقد تبينا، من درسنا لهذا التناقض في المسألة "1" من هذا الدرس، أنه يدوم دوام الرأسمالية نفسها، لأنه التناقض الخاص بالرأسمالية.
ب‌) وجود تناقض بين علاقات الإنتاج الرأسمالية وبين طابع قوى الإنتاج. وهو لا يظهر إلا حين تبلغ قوى الإنتاج، التي تنميها الرأسمالية، مستوى معينا (نحو عام 1840)- وقد درسنا هذا التناقض في المسألة "2" من هذا الدرس.
فما هو أساس تغير طريقة الإنتاج وما هو سبب الثورة الاشتراكية؟ رأينا أسباب ذلك هو التناقض الثاني. غير أن التناقض الأول هو الذي يولد التناقض الثاني، لأن الاستغلال الرأسمالي، استغلال البروليتاريا على يد البرجوازية، هو الذي ساعد على ازدهار قوى الإنتاج. وهو ازدهار --- الطبقة المستغلة حتى اليوم الذي أصبحت فيه قوى الإنتاج هائلة بالنسبة للرأسمالية.
نستطيع الآن أدراك مهمة نضال البروليتاريا الطبقي التاريخية. وسنرى بأن هذه المهمة هي حل التناقض "ب" الذي ظهر بين علاقات الإنتاج الرأسمالية وبين قوى الإنتاج.
كانت البرجوازية تنمي البروليتاريا، في نفس الوقت الذي كانت تنمي فيه قوى جديدة للإنتاج، حسبما تقتضيه طبيعة علاقات الإنتاج الرأسمالية "راجع المسألة 1". وطبقة البروليتاريا هي الطبقة المستغلة، أي المناقضة للبرجوازية المستغلة. وكلما تجمعت وسائل الإنتاج بين يدي البرجوازية كلما ازداد عدد البروليتاريا وقوتها. وهكذا جمعت البرجوازية، من أجل الاستغلال الرأسمالي، عشرات الآلاف من العمال. ثم الملايين في مصانع واسعة أقامتها في المناطق الصناعية، كما أنها جمعت عشرات الآلاف من العمال الزراعيين لاستغلالهم.
غير أنه لا يمكن للعمال البروليتاريين أن يؤمنوا معيشتهم، كما نعلم، إلا بالنضال المستمر ضد الطبقة التي تستغلهم. وهكذا ولدت البرجوازية، بتوليدها نقيضها "البروليتاريا المستغلة"، جيشاً من الأعداء يقومون بنضال طبقي ضد المستغلين.
ولقد وصف كارل ماركس، في بيان الحزب الشيوعي مراحل هذا النضال الرئيسية، فنرجو من القارىء أن يعود إلى قراءة ما كتب . سدد العمال، في مطلع الرأسمالية، ضرباتهم إلى الآلات التي كانت نذير البطالة، وذلك لجهلهم طبيعة النظام الذي يعانونه. فهم لا يميزون بين الآلة وبين كيفية استخدام البرجوازية لهذه الآلة، وهم يناضلون ضد قوى الإنتاج بدلا من النضال ضد الاستغلال.
ثم إذا بهم يكتشفون شيئاً فشيئاً أن عدوهم الحقيقي ليس الآلة بل هو الرأسمالية. وذلك لأن الرأسمالية، باستعمالها للآلات، تخفض تكاليف الإنتاج فتنخفض قيمة قوة الإنتاج وتنخفض بذلك الأجور. ولهذا يقوم البروليتاريون بالنضال للدفاع عن أجورهم. حتى إذا رأوا أن الرأسمالي يحاول إثارة العمال بعضهم على الآخر (إذ يرضى البائسون منهم بأجور منخفضة جدا فيضطر من هم أتعس منهم إلى قبول أجور منخفضة أكثر من الأجور الأولى) أدركوا مصالحهم المشتركة فيتحدون عندئذ للنضال ضد عدوهم المشترك ألا وهو الرأسمالي.
هذه الصورة الأولى للنضال هي الإضراب الذي يهدف إلى الإبقاء على الأجر. وتقصير العمل اليومي". وكان الإضراب يعني. وهو السلاح الأول للبروليتاريا، وعي البروليتاريا الطبقي بأن مصالح العمال الفردية لا يمكن الدفاع عنها ألا بالتضامن الطبقي والنضال المشترك.
ذلك لأن الصناعة الكبرى تجمع في مكان واحد جمهوراً من الناس يجهل بعضهم بعضاً. فتفصل المضاربة بين مصالحهم. ولكن البقاء على الأجر، وهو مصلحة مشترك ضد رب العمل. يوحدهم في المقاومة والتحالف.
وهكذا تسعى المحالفة إلى هدف مزدوج: وهو إزالة المضاربة فيما بينهم للقيام بمضاربة عامة ضد الرأسمالي .
يؤدي التحالف العابر، من أجل الإضراب، إلى تحالف مستمر للوقوف في وجه الاضطهاد الرأسمالي وتلك هي النقابة.
التحالف العابر للإضراب والتحالف المستمر "للنقابة" هما صورتا النضال والتنظيم التلقائيين عند البروليتاريا، وهي تصل إليهما بدون مساعدة أية نظرية علمية عن طريق تجربتها الخاصة. وهكذا انتزعت الطبقة العاملة من الرأسماليين بعض الانتصارات الكبرى، كتحديد العمل اليومي بثماني ساعات.
غير أن البرجوازية الرأسمالية تسعى، بتأثير قانون الربح الصارم، إلى استعادة كل ما تنازلت عنه. فإذا ما تحدث الرأسماليون ورجالهم السياسيون، بحرارة، عن "تحسين مصير الطبقة العاملة" فلا يجب الانخداع بذلك، إذ أن هذه التحسينات قد كسبها العمال المنظمون بعد نضال مرير. ولهذا تشن البرجوازية حربا ضارية على النقابات العمالية، فهي تتهم هذه النقابات بتكوين "إقطاعيات جديدة" كي تثير الطبقات المتوسطة والفلاحين المخلصين لذكرى 1789 ضد البروليتاريا المنظمة وهذا اتهام سخيف يتردد على أفواه "إقطاعيي" رأس المال الذين يلتهمون جميع ثروات المجتمع "ثروة صغار البرجوازيين والفلاحين".
حتى إذا ما تسرب علم المجتمعات، الذي أسسه ماركس وانجلز، بين صفوف البروليتاريا ارتفع مستوى النضال الطبقي بفضل الحزب الثوري . لأن مهمة هذا الحزب الذي يضم تحت لوائه عناصر البروليتاريا الناهضة، أن يدخل الوعي الاشتراكي في الطبقة العاملة، وأن يقودها، هي وجميع الطبقات الكادحة المتضامنة معها، إلى دك صرح الرأس مالية فهو يناضل من أجل مطالب العمال العاجلة غير أنه لا يكتفي بذلك، بل يشرح لهم، بصورة عملية، مصدر الاستغلال، كما يظهر لهم أنهم لا يستطيعون التخلص من هذا الاستغلال إلا بالقضاء على المجتمع الرأسمالي والدولة البرجوازية التي تحميه، ويستعيض عن هذا المجتمع، بواسطة دكتاتورية البروليتاريا، بمجتمع لا يستغل فيه الإنسان أخاه الإنسان، ألا وهو المجتمع الاشتراكي. مثل هذا النضال يستحق وحده اسم النضال الثوري.
يهم البروليتاريا أن تقود هذا النضال حتى النهاية، وأن تقضي على علاقات الإنتاج الرأسمالية. ولقد رأينا أن البروليتاريا، نظرا لارتباطها بأحدث قوى الإنتاج، هي نتيجة ضرورية للاستغلال الرأسمالي. فهي لا تستطيع إذن التحرر من الاستغلال الطبقي إلا بالاستيلاء على وسائل الإنتاج من البرجوازية، الطبقة المستغلة، لتجعل من هذه الوسائل ملكا للجميع، في مجتمع لا يعرف المستغلين و لا المستغلين و بينما تسعى الطبقات المتوسطة "كصغار الصناع، وبائعي المفرق، والعمال اليدويين، والفلاحين الفقراء والمتوسطين" للعيش كطبقات من صغار الملاكين داخل الرأسمالية، فليس للبروليتاريا، وهي التي لا تملك سوى قوتها على العمل، من هدف سوى القضاء على الاستغلال الذي هي موضوعه، أي القضاء على نفسها كطبقة مستغلة لتبني المجتمع الذي لا يعرف الطبقات.
وكما تضامن الإقطاعيون القدماء في جميع بلدان أوروبا، ضد البرجوازية الغازية، تتضامن اليوم البرجوازية في مختلف البلاد الرأسمالية، ضد البروليتاريا الثورية. واشتد هذا الوضع، الذي استمرت معه التناقضات بين الرأسماليين الألداء، بصورة غربية، مع ظهور الاحتكارات.لأن الرأسمالية الكبرى عالمية. غير أن البروليتاريا تضامنت بدورها في جميع البلاد كطبقة ثورية مرددة النداء الذي يختم بيان الحزب الشيوعي: اتحدوا أيها العمال في جميع إنحاء العالم".
وهكذا نجد أن النزعة العالمية للبروليتاريا هي نتيجة وضع العمال الموضوعي مهما كانت جنسياتهم. لأن المستغلين في جميع البلاد لهم عدو مشترك هو الطبقة المستغلة مهما كانت جنسيتها.
ذلك هو النضال الثوري ضد الاستغلال.
ومع ذلك لن يفوز هذا النضال بالنصر، طالما أن علاقات الإنتاج الرأسمالية تتفق موضوعياً مع مستوى قوى الإنتاج، أي طالما أن الرأسمالية تنمو حسبما يقرر قانون الترابط الضروري، ولا يعني ذلك أن نضال البروليتاريا غير مجد حينئذ، لأن البروليتاريا، بفضل هذا النضال، تعي قواها فتعمل على جمعها وتنظيمها، كما أن هذا النضال يربيها ويهذبها. ولا يستطيع نضال البروليتاريا، في هذه المرحلة، إزالة الاستغلال الرأسمالي بل يحد من تأثيره.
حتى إذا لم تعد علاقات الإنتاج الرأسمالية مناسبة لقوى الإنتاج، بسبب إزدهار هذه القوى، أي حين تدخل الرأسمالية في نزاع مع قانون الترابط الضروري بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، تتوفر حينئذ الشروط الموضوعية الجديدة لنضال البروليتاريا .
ويسعى نضال البروليتاريا، من أجل تأميم وسائل الإنتاج، إلى تهيئة ظروف مواتية لعمل قانون الترابط الضروري الذي لم تعد الرأسمالية تحترمه. وهكذا يسير نضال البروليتاريا الثوري في اتجاه التاريخ، ولهذا كان واثقا من المستقبل لأن هذا النضال يسير حسب قانون المجتمعات الأساسي.
غير أن البرجوازية الحريصة على أرباحها كطبقة مستغلة. نستخدم كل وسيلة لتقف في وجه قانون الترابط الضروري، فينتج عن ذلك، كما رأينا أعظم الآلام للمجتمع.وليس هناك سوى قوة اجتماعية واحدة تستطيع التغلب على مقاومة البرجوازية لقانون الترابط الضروري، فما هي هذه القوة؟ خيل للخياليين من المفكرين أنهم يستطيعون تغيير المجتمع بواسطة قوة الأفكار. ويعود الفضل إلى ماركس وانجلز بأنهما اكتشفا أن الوسيلة الوحيدة التي تستطيع حل التناقض بين طابع قوى الإنتاج الاجتماعي وبين الملكية الخاصة "التناقض ب" (راجع ما سبق) هو نضال الطبقة العاملة الثوري معتمدة على تأييد ضحايا الاستغلال الأخرى. وذلك لأن البروليتاريا ليست وحيدة في نضالها، لأن نمو الرأسمالية – وانتقالها من المضاربة إلى الاحتكار – يؤدي إلى إفقار مختلف طبقات المجتمع. إذ لا تستطيع البرجوازية الكبرى أن تزدهر ألا بتعميم البؤس حولها. فيقف في وجهها لا محالة – عدا البروليتاريا الثورية عدوها الطبيعي - الطبقات المتوسطة التي افتقرت، والفلاحون العمال، والصناع اليدويون، وأصحاب الدكاكين، الخ.. وجميع الطبقات التي قضت عليها، فتجمع البروليتاريا جميع طبقاتها، بقيادة الحزب الماركسي اللينيني، وتؤلف جبهة واحدة للنضال ضد العدو المشترك، ألا وهو البرجوازية الكبرى المستغلة. وهكذا تقوم قوة اجتماعية جبارة لتحطيم العلاقات الرأسمالية وإقامة علاقات جديدة للإنتاج، ألا وهي العلاقات الاشتراكية المواتية لمستوى قوى الإنتاج الحديثة.
أما قدرة البروليتاريا على جمع أكبر الجموع للنضال ضد الأقلية المستغلة فهي تظهر بوضوح مهمتها القومية، وهكذا تقف الطبقة العاملة، كما أشار إليه كل من ماركس وانجل، في نضال الثوري، في مقدمة الأمة، بينما تنفصل عنها أوليجارشية رأس المال الكبير نظرا لمصلحتها الطبقية. وكلنا يعرف، اليوم في فرنسا، كيف انتقلت هذه الاليجارشية إلى الخيانة المفضوحة للمصلحة القومية. وهي مستعدة لارتكاب كل شيء حباً بالبقاء، ولهذا سلمت البلاد إلى الاستعمار الأجنبي. وهذا وضع يشبه وضع الإقطاعيين عام 1789، حين تحالفوا مع إقطاعيي البلاد الأخرى ضد شعبهم أملا في استعادة السلطة في البلاد.
بينما تتفق، على العكس، مصالح البروليتاريا الثورية مع مصالح الأمة ضد البرجوازية الكبرى المستغلة التي لا تعرف لها وطنا.
وهكذا تصبح النزعة الوطنية البروليتاريا والنزعة العالمية البروليتارية مظهرين لا ينفصلان لنفس النضال الذي تقوم به الطبقة العاملة ضد البرجوازية الرجعية التي تضحي حياة الشعوب في سبيل الربح الأكبر.

4 – الخلاصة
تؤدي بنا دراسة تناقضات المجتمع الرأسمالي ونموها إلى عتبة مجتمع جديد لا استغلال فيه. وقبل أن نستمر في البحث يجدر بنا أن نمعن الفكر في بعض النتائج الفكرية للاستغلال الرأسمالي.
هناك نزعة إنسانية Humanisme برجوازية. إذا ما قلنا "إنسانية" عنينا الثقة بالإنسان، وحب الإنسان.
كانت البرجوازية الثورية، ولا سيما في فرنسا، تفخر باعتقادها بالأخوة الشاملة. لماذا؟ لأنها كانت تناضل موضوعياً لتعيد لقانون الترابط الضروري تأثيره الذي وقفت في وجهه الأقطاعية، وهكذا كان عملها يسير باتجاه التاريخ.
ولكن ماذا بقي اليوم من كل ذلك؟ أصبحت اليوم البرجوازية، نظراً مصلحتها الطبقية، حجر عثر في وجه عمل قانون الترابط الضروري بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وذلك هو الأساس الموضوعي! " اللا أنسانية البرجوازية" Inhumanisme (التي تقوم على احتقار فاشيستي للإنسان وتكون موضوعاً للانحطاط.)
أن عقلية البرجوازية العالمية هي عقلية عصابة قطعت كل علاقة لها بالجنس البشري. أما فلسفتها الفكرية، التي تدعى حرمان كل معرض من ابسط حقوقه، فهي فلسفية فكرية تقوم على البطش والموت، كما أنها تبرر الجرائم المرعبة التي ترتكبها طبقتها من أجل خلاصها (كحرب كوريا مثلا).
بينما تكون الطبقة العاملة، التي تناضل لتعيد إلى قانون الترابط الضروري حقوقه، طليعة الإنسانية. ولما كانت الطبقة العاملة طبقة ثورية، فهي تقيم علاقات حية بين ماضي المجتمعات ومستقبلها. بين الماضي، لأنها تحتضن كل العوامل التي عملت على تقدم المجتمعات (ولهذا فهي تحيي النزعة الإنسانية البرجوازية بالرغم من معارضة البرجوازية الرجعية). وبين المستقبل لأنها تضع هذا المستقبل في نضالها الطبقي.
وهكذا تناضل الطبقة العمالية من أجل جميع الناس ولهذا كان نصرها الأول – ثورة تشرين الأول "أكتوبر"- أعظم حادث في تاريخ الإنسانية.
تعريب شعبان بركات
المكتبة العصرية .صيدا . بيروت



#جورج_بوليتزر_وجي_بيس_وموريس_كافين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع عشر
- اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس السادس عشر
- اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الخامس عشر
- اصول الفلسفة الماركسية..الدّرس الرابع عشر
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدّرس الثالث عشر
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني عشر
- اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الحادي عشر
- اصول الفلسفة الماركسية..الدرس العاشر
- اصول الفلسفة الماركسية . الدرس التاسع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السادس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الخامس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الرابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثالث
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني
- اصول الفلسفة الماركسية


المزيد.....




- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...
- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
- تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا ...
- تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال ...
- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...


المزيد.....

- مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس / حسين علوان حسين
- العصبوية والوسطية والأممية الرابعة / ليون تروتسكي
- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن عشر