أماني أبو رحمة
الحوار المتمدن-العدد: 2527 - 2009 / 1 / 15 - 06:08
المحور:
الادب والفن
ليلة جديدة....
أخشى الليل مذ كنت صغيرة. اكره سواده وعتمته الحالكة, أرى في هداة الكون الخاشعة حزنا مقهوراً وهزيمة .أراه انتصارا لجيوش الظلام على الضياء , كنت ولا زلت أغالبه بالنوم باكراً , أحضن هواجسي التي تكبر معي , أهدهدها, أحكي لها الحكايات حتى تنام و اغرق بعدها في نوم عميق .
استيقظ مع خطوط الفجر , افرح بعودة الضياء , أسجل في مفكرتي الصغيرة أن ولدت من جديد وان النهار ما زال في أوله وربما انتصر الضياء اليوم وربما أن الليل لن يعود.
الليلة في غزة توافق 12/1/2009 , اليوم الخامس عشر للهجوم الوحشي على المدينة الفقيرة البائسة .
عليّ أن أسهر ليلي الطويل . أحرس نعاس أطفالي وأطفال المدينة المتدثرين بالفزع واللذين بقوا على قيد الخوف والموت المؤجل , علي أن أفاوض الطائرات الغازية , أن أروض أصوت المدفعية الثقيلة, وأن ابحث عن هدنة مع بارجة تتصيد طفلا شاردا في أزقة المدينة التي أنهكها التعب فأسندت رأسها على حافة غيمة واستسلمت للحاضر المتربع فوق هاوية من فراغ.
الطائرات المقاتلة, طائرات الاستطلاع , الزنانات, الاف 16,تعود من جديد لتحلق في سماء المدينة. تطلق المدينة الغافية آهة تململ الفضاء ..وتطرق زجاج نافذتي . أفتح النافذة ... ظلام دامس وفضاء رحب يتهاوى أمامي بكل مكوناته:
تمتلئ الأرض بجماجمه
ينفجر الرعد من الغضب
يحتضر الشجر
وعلى الرصيف تتناثر أرقام الضحايا .يلتقطها مراسلو الفضائيات. لتعرضها في أخبارها العاجلة, ترشقها في الوجوه البكماء الغارقة في الصمت , الملتفة بالغياب.
في خبر عاجل تقول إحدى الفضائيات: أن إسرائيل الحليمة الحكيمة وبعد أن ضجرت بصواريخ المقاومة , واستنفذت كل وسائل الحوار والمهادنة , وسعت إلى الصلح والتعايش السلمي مع جيرانها, اللذين تحتلهم في غزة وتسد منافذهم وتراقب جوهم وبرهم وبحرهم وتسجل مواليدهم وتقصف لو شاءت أفراحهم وتعطيهم الإذن بالدخول والخروج وتنظم الموت والحياة وتشرف على طرقاتهم وغذائهم ومائهم ووقودهم. تمنح مرضاهم فرصة الحياة لو أرادت وتحكم عليهم بالإعدام لو شاءت . هذه الاسرائيل وقد ضاجت ونفذ صبرها فراحت بسطوة النازف , الخائف, الراعش تنقض على الأشياء في غزة المعتدية . تحطم يراعات الكلمات إذ أنها عتاد المتمردين في المدينة التي تحارب بالخطب , تدوس الحروف الكسيرة , تقتل الحلم المؤجل , تطارد الوشوشات على الشفاه ,تمنع دفق الماء في الحلوق , تخنق خفقة القلب وتحاصر رعشة العين ثم تعود أدراجها كل يوم عند الفجر لتقتات من جثث الفراغ .
أرتال من الجثث
شهقات , أسبلت الجفون
آه يا غزة
لم تعد شاهقة أحلامنا
والسنابل ما ارتوت بعد من دمنا
على من سنبكي برموش من ملح تحرق الحدقات
أرتال من الجثث
والشهداء أرقام بلا أسماء
حكايات عشق دحرجت الأماني على دروب من الزعتر البري وانغرست في قاع السهل بين زيتونتين.
فضت بكارة صمت العالم المذهول من هول ما صنع
فانبجس الدم عذبا يروي شقائق النعمان
___________
مواسم الحزن الموشى بالقهر عادت من جديد
لنبدأ من جديد.
أماني أبو رحمة
غزة
12/1/2009
#أماني_أبو_رحمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟