|
التوافق الوطنى المفقود.. فى مواجهة زلزال غزة
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2527 - 2009 / 1 / 15 - 08:53
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الحرب الضارية الجارية فى غزة منذ ثلاثة اسابيع، تصاحبها "حرب" سياسية موازية داخل مصر. وإذا كانت الحرب الأولى "مفهومة" لأنها تجرى بين "أعداء"، ولأن الطرف المعتدى فيها – وهو بطبيعة الحال الطرف الإسرائيلى – متأصل فى الإجرام ويرتبط تاريخه بالمذابح والمجازر وجرائم الإبادة الجماعية والمطامع الاستعمارية والتوسعية، وبالتالى فإنه ليس غريبا عليه، أو مفاجئاً منه، اقتراف كل هذه الخطايا التى تمثل جريمة متكاملة الأركان ضد البشرية بأسرها وليس ضد أهلنا فى غزة فقط.. فإن الحرب الثانية الموازية الدائرة داخل مصر تثير الاستغراب والحزن والغضب. لأنه من المفترض أنه لا يوجد طرف مع إسرائيل وطرف آخر مع الأشقاء الفلسطينيين فى غزة، ومن المفتراض أنه لا يمكن أن يوجد على أرض مصر شخص واحد، عنده عقل وضمير ودم، يمكن أن تسول له نفسه تأييد البربرية الإسرائيلية التى لا تستهدف الفلسطينيين فقط وإنما تستهدف العرب جميعا وفى مقدمتهم مصر. وبالتالى فإنه من المفترض أيضاً أن يكون المصريون صفاً واحداً ضد هذا العدوان الإسرائيلى الوحشى، وأن تكون الخلافات داخل الجماعة الوطنية بهذا الصدد بمثابة اجتهادات وطنية ومتعددة، ومن الصحى أن تكون متباينة أحياناً،حول أفضل السبل لوقف هذه المجزرة ودعم صمود الشعب الفلسطينى. لكن هذه التناقضات الثانوية، تحولت إلى حرب أهلية تستخدم فيها أسلحة مشروعة وغير مشروعة، ويتم فيها تبادل إتهامات خطيرة تصل إلى حد "التخوين". وفى ظل هذا المناخ العصبى الذى اختلطت فيه الأوراق، واختلط فيه الحابل بالنابل، تلاشى الفرق بين الاختلاف فى "الجائز" من الرؤى والاجتهادات السياسية وبين التخوين والتلويث والاغتيال المعنوى. وبح صوتنا منذ اليوم الأول لاندلاع العدوان الصهيونى الوحشى على أهلنا فى غزة أن إسرائيل لابد وأنها تفرك أياديها الملطخة بالدماء، فرحا، بهذا العمى السياسيى الذى أصاب أعداءها. ولا يعنى هذا أننا نطالب بتكميم الأفواه، أو فرض الوصاية على خلق الله بحجة أن " لا يعلو صوت فوق صوت المعركة"، إنما المقصود هو أن تكون خلافاتنا الداخلية، صحية، وبناءة، لا أن تكون خلافات هدامة وعمياء وعدمية تفتقر إلى فهم الأولويات والقدرة على التمييز بين المبدأ الأكبر – فى لحظة معينة- وبين المبادئ الأصغر. وهذه – بالضبط – هى السياسة التى تعنى فى أبسط تعريفاتها علم وفن إدارة التناقضات والتحليل المحدد للواقع المحدد. والديموقراطية لا تعنى التعددية فقط، وإنما تعنى أيضا – ضمن ما تعنى – البحث عن "مشتركات"، وبخاصة فى القضايا الكبرى والمسائل القومية التى يجب ألا تحكمها الاعتبارات الحزبية الضيقة فحسب، فما بالك ونحن بصدد قضية تتعلق بأمننا القومى ذاته! وفى قضية بهذه الخطورة كان المفترض، ومن أول لحظة لشن العدوان الإسرائيلى، أن تتم الدعوة إلى مائدة مستديرة تضم كل فصائل الجماعة الوطنية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون استثناء فريق أو استبعاد فصيل، ويتم تحليل الموقف من كافة جوانبه الذاتية والاقليمية والعالمية، من أجل تحديد الخطوط الحمراء للمصلحة الوطنية العليا فى هذه اللحظة بالغة التعقيد، بما يقتضيه ذلك من تحديد لجبهة الأصدقاء وجبهة الأعداء، والإطار العام للدور الذى يجب أن تقوم به بلادنا رداً على كل هذه التحديات. ويمكن الجزم بأن مثل هذا الحوار الوطنى، خاصة إذا كان مدعما بمعلومات كافية ووثائق أساسية، ومشفوعاً بإلقاء الضوء على حقائق خافية ومناطق معتمة، لابد أنه سيفضى إلى توافق وطنى. وهذا التوافق الوطنى المنشود لا يعنى ذوبان "الكل فى واحد"، أو أن تتطابق وجهات نظر اليمين واليسار أو تتشابه مواقف الأصوليين والعلمانيين. بل يعنى أن نحول تنوع روافد الجماعة الوطنية إلى مصدر ثراء وقوة للجميع فى هذه اللحظات الفارقة. وغنى عن البيان أن مسئولية هذه المبادرة، التى تأخر الجميع عن الدعوة إليها، تقع أولاً على عاتق الحكومة وحزبها بحكم إمساكها بمقاليد الأمور وامتلاكها قدرة الوصول إلى المعلومات والسيناريوهات وخطط مختلف الأطراف الإقليمية والعالمية ذات الصلة. وإذا كانت الحكومة قد تأخرت فى طرح هذه المبادرة فإنه مازالت أمامها الفرصة لاحيائها لأن زلزال غزة، إذا ما افترضنا توقفه بعد فترة طالت أو قصرت ستظل تداعياته وتوابعه مستمرة معنا لفترة ليست وجيزة. وكما يقول المثل الإنجليزى "أن تأتى متأخراً أفضل من ألا تأتى أبداً". وحتى إذا لم يسفر الحوار الوطنى عن توافق وطنى حاسم فإنه سيكون من شأنه ترشيد الخلافات المصرية – المصرية ووضعها فى الإطار المفيد والمعقول، بدلاً من هذه الفوضى غير البناءة التى جعلت نائباً فى الحزب الوطنى يتهم المعارضة – بكافة فصائلها – بأنها غير وطنية، وجعلت نائباً معارضاً يرد على هذا الاتهام الفظيع بسلاح الصحفى العراقى "منتظر الزيدى" الذى أصبح أشهر صحفى عربى، ليس بانجازاته المهنية وإنما بحذائه الذى رشق به الرئيس الأمريكى الأحمق جورج بوش. فالذى نحن بصدده الآن أمر جلل، أخطر كثيراً من هذا التلاسن السخيف والاهتمام بتبادل الاتهامات بين بعضنا البعض بينما إسرائيل تفتك بأهلنا الفلسطينيين وتسومهم العذاب. والذى على المحك ليس هو حركة "حماس" وتأييدها أو تصفية الحسابات معها. وليس هو فقط معبر رفح وشروط فتحه واغلاقه، وليس هو فقط وقف المجزرة الإسرائيلية الهمجية، بل هو تأثير هذه الحرب المسعورة على الأمن القومى المصرى، وتأثيرها على معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل، وعلى مستقبل التسوية السلمية للصراع العربى – الإسرائيلى، فضلاً عن قضايا مهمة أخرى فى مقدمتها العلاقة بين الدين والسياسة وهل الصراع العربى – الإسرائيلى صراع دينى أم نضال مشروع من أجل التحرر الوطنى. وامتداداً لذلك ماهو الموقف إذا ما أقامت حماس إمارة إسلامية إلى جانب الدولة اليهودية على حدودنا الشرقية، أو ما إذا أدى الضغط العسكرى والحصار الاقتصادى الإسرائيلى على أهلنا فى غزة إلى دفعهم دفعا إلى الهرب من جحيم غزة إلى سيناء المصرية التى تتحدث وثائق إسرائيلية قديمة وحديثة عن خطة إسرائيلية لإقامة وطن بديل للفلسطينيين على الأراضى المصرية. حتى القضايا الجزئية التى ترددت على ألسنة المصريين مؤخراً، مثل وقف إمداد إسرائيل بالغاز الطبيعى، كلها قضايا تستحق نقاشاً وموضوعياً بعيداً عن الغوغائية أو الوصاية، من أجل خلق وفاق وطنى مبنى على أسس ديموقراطية. فهل نفعل؟!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفارقات دبلوماسية!
-
إزالة آثار عدوان غزة
-
يا رجال الإعلام العرب.. اتحدوا
-
إعادة النظر فى كعكة «السلطة» المسمومة
-
نحن أفضل من أمريكا وأحسن من الغرب .. ولو كره الكافرون!
-
فقه الأولويات: إسرائيل هى العدو الآن .. يا عرب
-
فضيحة تغريم جابر عصفور
-
دبرنا يا وزير الاستثمار .. السطو على -قلب- القاهرة!
-
-عيد- الفساد!
-
عالم ما بعد الولايات المتحدة
-
حذاء -منتظر الفرج-!
-
عشاء -علمانى- .. مع أمين عام منظمة المؤتمر -الإسلامى-
-
من الذي يريد تعطيل القطار الهندى؟
-
اليمين المصرى يرتدى قمصان الشيوعية الحمراء!
-
نقيب النقباء .. كامل زهيرى
-
هل يشكل طه حسين حكومة الأمل؟!
-
اكتشافات كامل زهيرى الرائعة
-
رغم الاحتفالات بالمئوية: فضيحة ثقافية تهدد الفنون الجميلة
-
التعليم المفتوح.. يفتح عكا .. والمنصورة!
-
اليوم السابع
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|