حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 2525 - 2009 / 1 / 13 - 04:48
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
د حمزة رستناوي
رغم أنه من غير الممكن أن نلغي العنف و تعبيراته من في المجتمعات المختلفة, و لكن يمكننا تقنين استخدام العنف , و النظر إليه كخيار أخير , و مُؤقت بغية استئناف لغة العقل و الحوار , فالعنف يجب ألا يكون خياراً أولا ً, و أو نهائيا ً أو مستمرا ً, و هو ليس بديل عن لغة العقل و الحوار, و يجب وضع ضوابط فيما يتعلق باستخدام العنف, كتحريم استخدامه ضمن المجتمع الواحد و البلد الواحد , إذ سرعان ما ينقلب إلى حرب أهلية, و مجازر ابادة عرقية و طائفية , و كذلك يجب ألا نكتفي بالدعوة الشعرية لنبذ العنف , بل يجب تحويل هذه الدعوة إلى فعل مُلزم عبر آليات مثل الديمقراطية –سيادة القانون- آلية حل النزاعات بين الدول..الخ لكي نتجنب الطرح المثالي المجرد للخيار اللاعنفي
- إن فائدة العنف لحسم النزاعات قد اضمحلت في العقود الأخيرة,فلم يعد من الممكن إبادة شعب كامل كما فعل الغزاة الأوربيين مع شعب الهنود الحمر و سكان استراليا الأصليين, و هذا يتعلق بطبيعة العصر الذي نعيشه مع انتشار المعلوماتية و وسائط الميديا و الفضائيات و الحضور الدولي كعنصر وازن في النزاعات , وكذلك فإن هذا يتعلق بمدى تمسّك الشعوب المُحتلة أو المضطهدة بحقوقها و إصرارها على هذه الحقوق و طرح قضيتها مهما كلف الثمن.
فالسود في جنوب أفريقيا تمسكوا بحقوقهم و خاضوا في البداية نضال مسلح لم يجنوا منه شيئا ً , ولكنهم بتحولهم للنضال السلمي و لكن دون التنازل عن حقوقهم وصلوا إلى النتيجة المرجوة لما فيه خير السود و البيض معا, لا يعني النضال السلمي أو اللاعنفي التنازل عن الحقوق و الاستسلام و السلبية بل هو تكتيك و استراتيجة فعَّاله و فعَّالة جدا إن أحسن فهمها و استخدامها, و سأضرب هنا مثالا :لو قام عمال النظافة في مدينة القاهرة بالإضراب لمدة أسبوع ماذا ستكون النتيجة؟
أو لنقل إضراب عمال أي شركة يخضع عمالها لظلم و جور.
ببساطة ستنهار الشركة ؟ و قد يقوم أرباب العمل بسجن وتخويف و قتل عدد من العمال و لكن النتيجة و باستمرار الإضراب ستُلبى مطالب العمال أو تنهار الشركة.
إن النضال اللا عنفي و الحل السلمي يحتاج إلى وعي و إصرار و تضحيات كبيرة ربما تصل لحد الشهادة , و لكن خسائره تبقى أقل من الحرب و خيار العنف , و مردوده أكبر و أسرع ,فالعنف يردّ عليه بعنف , و الكراهية تجلب الكراهية و هكذا ندخل في دورات من العنف تصل إلى حد العدمية
سيقول الطرف الأول هم بدؤنا و سيقول الطرف الثاني ألا ترى ماذا فعلوا بنا ..الخ و ندخل في أحجية الدجاجة و البيضة
أما في حال بتبني خيار النضال السلمي و الحل اللاعنفي: سيكون الحق واضحا , و بالتالي يوجد فرصة لمراجعة الخيارات الخاطئة و هذه الفرصة موجودة دائما عند المُعتدي , و تزداد احتمالات هذه الفرصة بإصرار الطرف الثاني على حقه و عدم استخدامه العنف المضاد و بذلك نغذي إمكانية التلقيم الراجع للضمير الانساني في المعتدي, فالخيار السلمي و اللاعنفي هو خيار أخلاقي و عملي معاً.
ففي نموذج نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ما كان للسود أن يتحرروا لو أنهم لجئوا إلى إستراتيجية العمليات الانتحارية و التفجيرات في الأماكن العامة,عندها يمكن تخيّل نموذج حرب أهلية ما تزال مستمرة إلى الآن
و لو أن نموذج جنوب أفريقيا العنصري وجد قبل قرنين فقط لم يحل بهذه الطريقة الايجابية,فنجاح الحل السلمي يتعلق بالمتغيرات العالمية الجديدة لدرجة كبيرة
- إن السمة العامة للحروب و النزاعات بعد الحرب العالمية الثانية هي عدم الحسم أو الحل السلمي
فبعد حرب حزيران خاض العرب و الإسرائيليون عدة حروب :تشرين – لبنان 1982- حرب تموز2006 – حرب اجتياح الضفة الغربية -و الآن حرب غزة و لن تنتهي أي حرب من هذه الحروب بانتصار الاسرائيليين على غرار انتصارهم في حرب حزيران67
فقد انسحبوا من سيناء , و جزء من الجولان و جنوب لبنان و فككوا المستوطنات من غزة لماذا؟
لم يعد بإمكانهم الانتصار بعد الآن , ربما ينتصرون عسكريا و لكنهم لن يستطيعوا تحويل النصر العسكري إلى نصر سياسي؟
لن يستطيعوا تهجير الفلسطيني بعد الآن من أرضه ,فقد ولى زمن التهجير,فالفلسطيني تعلّم من درس التهجير و مأساة اللاجئين و التشرد الكثير.
إن أهم مقاومة للاحتلال الإسرائيلي هي أن أبقى في أرضي و ألا أغادر وطني و لو كلفني هذا الموت لن أغادر إنه نموذج رائع للنضال السلمي
و أصلا ً إسرائيل فقدت الأمل في تهجير الفلسطينيين .
و لنأخذ نموذج آخر على الحرب هو حروب الخليج :ففي الحرب العراقية الإيرانية بعد ثمان سنوات عدنا إلى نقطة الصفر؟
و في الحرب الكويت فشلت محاولة ضم الكويت و جلب الاحتلال العراقي إلى المنطقة النفوذ الأمريكي فخسر العراقيون و خسر الكويتيون و خسر العرب و لم يتحسن وضع أمريكا في الخليج فأمريكا الآن تحرس أبار البترول بنفسها و هي متخوفة مع النفوذ الايراني المتزايد في المنطقة و الذي يزاحمها النفوذ الآن في العراق.
و في حرب اجتياح العراق لم ينتصر الأمريكيون سياسيا فهم قريبا سيغادرون العراق بأقل الخسائر الممكنة ,لم يبقوا كما بقي الاحتلال العثماني 400 عام في العراق و كذلك كما بقي الاحتلال البريطاني أكثر من ثلاث عقود في العراق..الخ
- إن الخيار العُنفي له تأثيرات جانبية إنسانية باهظة,ربما تزيد على ما نتوخاه منه, و القاعدة الذهبية في الطب تقول :قارن بين جدوى العلاج و بين التأثيرات الجانبية المحتملة للعلاج , و بعدها اتخذ القرار المناسب
فالحرب في صحراء الكويت أو في صحراء سيناء أو فوق هضاب الجولان تختلف كثيرا ً عن الحرب على مدن مكتظة بالسكان و مأهولة
فالأبرياء هم ضحايا الحروب ,العادلة منها و الظالمة , و غالبا ما يخطط المتحاربون بعيدا عن مصالح هؤلاء الأبرياء, بل إنهم يصبحون مجرد مادة للمزايدات السياسية.
- إن الذي يحدث الآن في غزة هو وصمة عار في تاريخ الإنسانية و الجنس البشري, إنه مثال صارخ على العنصرية التي لم يستطع الجنس البشري حتى الآن وقفها و استئصالها أسوة بأمراض أخرى كالطاعون و السل و العبودية و القرابين البشرية
- و أخيرا ً : من المسئول؟
المسئول هو الجنون و غياب الرشد, و لكل طرف أن يتحمّل نصيبه من الجنون و غياب الرشد, و لا أقصد بالمسؤولية اليوم فقط
فما كان لحرب غزة أن تحدث لولا وجود سلسلة متتالية من الأخطاء من المجتمع الدولي و العرب و الفلسطينيين أنفسهم
و لكن أليست إسرائيل الخاطئ و المجرم الأكبر في هذه الحرب؟
نعم بالتأكيد و لا ينقص ذلك من مسؤوليتها شيئا ؟
و لكن السؤال الحقيقي كيف يمكن لجم و علاج هذه النزعة العدوانية ؟
و ما مسؤوليتنا كعرب في ذلك؟
فما كان لإسرائيل أن تقوم بما قامت به لولا أنها تيقّنت من لامبالاة العرب أو على الأقل سلبتهم تجاه عدوانيتها؟
إن المسؤوليين عن انقسام الشعب الفلسطيني هم محرضين على عدوانية الصهاينة
بطريقة أو بأخرى,و كذلك المسئولين عن وجود الدول العربية الاستبدادية الفاشلة الغير قادرة على اتخاذ قرارات سياسية مناسبة هم محرضين على عدوانية الصهاينة.
ما يحرض العدوانية هو عدم وجود رادع في الطرف الآخر؟
و ما و كذلك ما يحرض على العدوانية الاسرائيلية هو وجود عدوانية في الطرف المقابل تستند إلى دعاوى تاريخية و دينية , بل و ربما دعاوى غير بريئة للمتاجرة بقضية عادلة كالقضية الفلسطينية
و أخيرا ً يجب النظر إلى ما يجرى من حرب إبادة في غزة كنتيجة , فالهزائم نتائج أكثر منها أسباب.
إنها مناسبة للتقييم و النقد الذاتي و دراسة أفضل الطرق بغية عدم تكرار غزة جديدة و لكن في تاريخ أو جغرافيا جديدة
هي مناسبة للتقييم أكثر منها مناسبة للغضب و الثأر و الصراخ.
و لكن أكثرهم غاضبون
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟