|
مابعد غزة .... ما بين الوهم والتوهم
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 2525 - 2009 / 1 / 13 - 00:15
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مايؤرق النفس ويقض المضجع هو التحليل الخاطىء والمتاجرة بالكلمة والموقف اللامسؤول وكأننا إزاء سيناريو محتوم ينبغي علينا جميعاً أن ننقاد لإرادته الخفية . إذ ما يجري الآن في مدينة غزة ، وهذا الأجتياح الإسرائيلي الخطير ، لايدعو إلى الأستغراب على الإطلاق ، وذلك إذا أدركنا طبيعة المشكل في العلاقة ما بين ذهنيتين مختلفتين متعارضتين موجودتين فعلياً على الساحة السياسية الفلسطينية . فإسرائيل ولأسباب عديدة ما برحت لاتعتقد ولاتؤمن بالقيمة الحوارية في دمقرطة المسألة الفلسطينية ، ولاتقتنع بأهم سبب أنطولوجي في إضفاء سيرورة منطوق المدنية على العلاقة مابين دولتين ، أسرائيلية وفلسطينية ، تلتزمان بالضرورة بالعيش المشترك ، وبالحدود المجاورة ، ولابديل لها إلا الوهم والتوهم ، وما مكثت تهب الأفضلية والأسبقية القصوى للنفوق في قدرة العسكرتاريا ، ذلك التفوق الذي لايستحوذ إلا على قيمة نسبية عبر المراحل المختلفة في التاريخ . وهذا التصور الإسرائيلي يتمتع بإشكالية خطيرة قد تقذفنا جميعاً إلى هاوية الجحيم وقعر السعير، لأنه من زاوية يغذي منطوق وخطاب الإرهاب والعنف والتطرف ليس لدى الطرف الفلسطيني فقط ، إنما في ساحة الشرق الأوسط قاطبة ، ولأنه من زاوية ثانية يعوق ويعرقل المد الديمقراطي للقوى المحبة للسلم والسلام قي المنطقة ويلجم دورها الرائد . أما السلطة الفلسطينية الحالية فهي تقترف جملة أخطاء تاريخية مختزلة في سطوة التفرد لدى بعض الشخصيات الأمنية القيادية ، كما إنها لم تفلح في أقناع الشارع الفلسطيني والإسرائيلي والعربي بدورها القيادي وتجسيدها للمسألة الفلسطينية ، وكأنها ليست الطرف الوحيد الشرعي في المفاوضات مع أسرائيل ، أي بتعبير دقيق هي – السلطة الفلسطينية - لاتمارس ( علم السياسة ) ، إنما تمارس أعمال سياسية ، ودليلنا الأكيد مؤخراً وليس أخيراً هو موقفها من الإجتياح الإسرائيلي لمدينة غزة . أما حركة حماس ، المولود التاريخي المشوه ، المؤتلف أصلاً من بؤرة المشروع الإيراني وإرادته التوسعية والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط ، لاتفقه إلا دورها التخريبي للمسألة الفلسطينية ، ولاتكترث إلا بتقوية الدور الإيراني لو على حساب دماء أطفال ونساء وشيوخ غزة ، لو على حساب معادلة الأمن القومي للمنطقة برمتها . أما الآن وقد أجتاحت إسرائيل قطاع غزة ، وهذا ما تمنته إيران ، فإنها أنضوت رغماً عنها تحت سحاب المعادلة السياسية الإيرانية ، فما بعد غزة سيختلف جذرياً وراديكالياً عما قبلها ، وهي ، أي إسرائيل لاتملك سوى إما المضي قدماً في القضاء على حركة حماس ، وإما الإعتراف الضمني بواقع الحال كما حدث في صيف 2006 في الجنوب اللبناني مع حزب الله . ففي الحال الأولى ، من المؤكد إن إسرائيل لاتستطيع القضاء على حركة حماس لوجود مشكلة إنسانية في غزة ، ولإن العقل الشرق أوسطي مابرح عاطفياً إرتجالياً ، ولإن قيادة حماس لاتأبه بالنتائج ولابالدماء ولا بالمجازر ( حتى لو أبيدت غزة برمتها ، فأننا سنصمد ، هذا هو منطق المقاومة والصمود لدى إيران وحماس !!) ، ولإن السياسة الإقليمية والدولية لم تتحرر بعد من المرتكزات الخاطئة في الفكر السياسي التاريخي الحالي ( الجاهل ) العاقر. أما في الحال الثانية ، فإن إسرائيل سوف تفتح لهيب جهنم ، وسعير خطاب لعين ، ونفاق مشمئز مقرف على نفسها وعلينا وعلى الشرق الأوسط المنكوب المكلوم المثكول . وهنا أحبذ ، عند هذا التحليل ، أن أسرد عدة نقاط أراها ضرورية ، النقطة الأولى : إن إدارة الصراع الذي يسمى الصراع العربي الإسرائيلي لاترتقي إلى المستوى المقتضى ، ولاتتوسم في ذاتها إلا المواقف الآنية الأعتباطية الجزافية ، بل أكاد أن أصفها بالفاشلة ، ونسبة الفشل أوزعها بالتساوي مابين خمسة أطراف أو جهات ، إسرائيل ، السلطة الفلسطينية ، الحكومات العربية التي لم تنتهج موقفاً حاسماً من سورية وإيران ، سورية وإيران وحماس وحزب الله ، الجماهير الحمقاء على حد تعبير الأخ شاكر النابلسي وكتابها . ثم إني لو تجاسرت لقلت إني ما رأيت مقالاً أو موقفاً قط يعالج منطوق الصراع في تشخيصه الدقيق ، في طبيعته الموضوعية ، في حله الملائم والموائم لكل الأطراف ، وها نحن منقسمون ، بصدد هذا الإجتياح ، إلى فلقيتن ، فئة تشدو لحماس بخطاب جاهل مقيت ، وفئة تهجو حماس بخطاب غير مثمر . النقطة الثانية : ينبغي أن نقر ونعترف ونعي إن الحيثيات الحالية والمعطيات المرئية في الأفقين المنظور وغير المنظور تؤكد علم اليقين إن ( القوى الفلسطينية ) بكافة أطرافها غير قادرة على الوصول إلى حل نهائي مع الطرف الإسرائيلي ، وأنا هنا لاألمح إلى الأنقسام في الشارع الفلسطيني ما بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية ، إنما طبيعة المشكل والإشكال ما بين الطرفين ( الفلسطيني والإسرائيلي ) لايمكن أن تصادف الحل التاريخي المرام و المبتغى لإنها تتجاوز الطرفين على السواء ، ولوجود معضلة ، على الأقل ، غير قابلة للأنفكاك ما بين الطرفين وهي مشكلة مدينة القدس الشريف . النقطة الثالثة : ينبغي أن تدرك إسرائيل تمام الإدراك ، دون لبس وألتباس ، دون غموض وأبهام ، إنها تعيش الآن في نقطة فضائية هي خارج زماننا ، خارج تاريخنا ، خارج جغرافيتنا . فهي تنتمي إلى موسوم آخر ، إلى قشعريرة تختلف عن تلكنا ، ولامندوحة أن تؤوب يوماً ما إلى نقطة فضائنا ، حيث زماننا ، تاريخنا ، جغرافيتنا ، آلامنا و آمالنا . وهذا الإياب لايمكن أن يحدث وهي تملك هذا العقل العسكري ، وهي تبني هذا الجدار الأرعن الأخرق الممقوت من الدم ، وهي تفرض تفسيرها الخاص بها على كل مجريات الأمور في المنطقة وتصادر عقلنا ، حريتنا ، جوهرنا . هذا لايعني أننا نعادي عقلها ، جوهرها ، حريتها ، بل على النقيض نحن ندعوها ، وهي أيضاً ينبغي أن تدعونا ، إلى منح الحياة لهذا (العقل ، الحرية ، الجوهر ) المشترك ، في نقطة فضائنا المشتركة . النقطة الرابعة : ليس من المألوف لدي أن أهول القضايا ، أو أن أقييم المسائل خارج تأصيلها اللصيق بها ، لكن هنا أقرع ناقوس الخطر ، هذا الغول الإيراني الداهم الذي أوشك أن يصفد جوانحنا ويغل أطرافنا سوف ، في حال تحققه ، يفترس فضاءنا ويلتهم مستقبلنا . وإذا ما تداركنا هذه الخطورة اليوم قبل الغد فأننا نرهن مستقبل المنطقة للمشروع الإيراني القومي . ذاك المشروع هو أس الفكر الإيراني الحديث والقديم ، هو قوام الوجود الفارسي ، هو مرتكز معتقده ، هو المرتجى في بسط سطوة معادلته الخاصة على المنطقة ، لذلك هي تجاهد دون كلل أو ملل لتقوية تلك المعادلة غير مكترثة بالنتائج الوخيمة التي تنجم منها هنا وهناك ( عراق ، غزة ، لبنان ، سورية ، دول الخليج ). وللأسف ثمة شخصيات متعددة في العالم العربي غافلون عن هذا المشروع ويراهنون على هذا الخطاب الإيراني المزور ، لكنهم لايبصرون إلا السراب ، حتى أنوفهم لايرون . فإيران لاتعادي إسرائيل ولا الولايات المتحدة إلا لإنها تدرك إن هكذا خطاب يقربها من الشعور العربي العام . النقطة الخامسة : ليست إيران وحماس وحزب الله هي الجهات الوحيدة المسؤولة عن إهراق وإراقة هذا الدم النقي السخي في غزة ، فالنظام السوري يعقد صفقات وعقود تجارية على هذا الدم ، وهو الذي يورط الفلسطينيين فيما يسمونه زوراً وبهتاناً بالمقاومة ، ويحرض الإسرائيليين من زاوية أخرى على ذبحهم ، لكي ينجوهو بنفسه ويتعشش على هذا التواطؤ والتآمر . ونحن نعلم تمام العلم إنه لايكترث بتلك الدماء وإنه يطلب منها المزيد رغم تباكيه عليها تستراً ونفاقاً . وينبغي أن يدرك هذا النظام إن أمره بات مفضوحاً ، وإن إسرائيل لن تحميه من السقوط إلى الأبد ، وإن الشعب السوري والشعب الفلسطيني الشقيق لن يغفرا له ماأقترفت يداه ، ولن يسامحاه مطلقاً على بيعه سورية لأيران . وسوف يأتي دهر يندم فيه هذا النظام أشد الندم وعندئذ لن ينفع هذا الندم لإن الأمور تكون قد وصلت إلى النهاية البشعة المشؤومة . النقطة السادسة : بما إن الشرق الأوسط الجريح لايمكن أن يستمر في العيش في هذه الأوحال القذرة إلى الأبد ، فلامناص من الشروع في بداية حل قد يرضي الجميع . وبما إن الأساليب القديمة قد أثبتت عقمها ، فلابد من أسلوب جديد يفرض على كافة الأطراف بكل حزم وقوة . وأنطلاقاً من النفاط الخمسة التي أتينا على ذكرها ، أنني أرى ضرورة عقد أجتماع خاص يشارك فيه حصراً وفقط ، خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز ، فخامة الرئيس المصري محمد حسني مبارك ، سعادة الرئيس الأمريكي القادم باراك أوباما ، السيد رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت ، سيادة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ، والسيد محمود عباس كونه الرئيس الفلسطيني الشرعي والفعلي . شريطة أن تتم المعالجة على مرحلتين بعد وقف الأعمال العسكرية فوراً ونشر قوات دولية في المناطق المهمة ( بدون نشر هذه القوات تتفاقم حدة الصعوبات ) ، في المرحلة الأولى لابد من تحييد مفهوم الصراع وتحويله إلى مفهوم أختلاف في الرؤية والشروع في إقامة الدولة الفلسطينية دون قيد أو شرط على قطاع غزة والضفة الغربية ( مع إبقاء وضع مدينة القدس الشريف للمرحلة الثانية ) تحت سيادة الرئيس الفلسطيني وبحماية الأطراف الأخرى الفعلية . وفي المرحلة الثانية لامحيص من معالجة القضايا الصعبة وإيجاد حل لايبخس أحداً حقه ، وترك أمور الدولة الفلسطينية ، فيما بعد ، لأهلها دون تدخل من أحد ....
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرد على الدكتورة واثبة داود السعدي
-
الرد على الدكتور طارق علي الصالح
-
شيء من العقل .... شيء من النعال
-
إستقالة رب العالمين ... كل عام وأنتم بخير
-
نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... الحلقة الأخيرة
-
القيم .... ما بين الصاوي و القمني
-
سوريا وأيران ....ما بين لبنان والعراق ( الأتفاقية الأمنية وا
...
-
الرأسمالية ... ما بين التفسخ والأنتحار
-
الشرق الأوسط ... ما بين الزبالة والثورة .( حالة صدام حسين ،
...
-
كوردستان سورية ... مابين دالتين .. التاريخ والمصير
-
نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... ( الحلقة الثانية )
-
نقض منطوق فلسفة القانون ... لدى هيجل وكانط
-
رؤية مستعصية في واقع متناقض .. جدلية المعنى والقوة .. الحالة
...
-
ميشيل عون ... مابين الأنتحار والأعدام
-
ماركس .... مابين النقض ووعي الضرورة ... ( الحلقة الثانية )
-
ماركس ... ما بين النقض ووعي الضرورة ... ( الحلقة الأولى )
-
نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... ( الحلقة الأولى )
-
رسالة سرية للغاية للرئيس مسعود البارزاني
-
نقض اللوغوس .... وموت النظام
-
نقض مفهوم الكينونة ... لدى فيورباخ ( الحلقة الثانية )
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|