|
كتابة الجيتول و النوميديين القديمة
أحمد التاوتي
الحوار المتمدن-العدد: 2524 - 2009 / 1 / 12 - 06:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تقديم:(المترجم) لعله جرم غريب دخل على جغرافيا المجتمعات من طنجة إلى جاكرتا جعلها في صدام أبدي مع كل الدنيا.. في أخف تقدير، على سوء فهم أبدي مع الإنسان.. هذا في تقاطعها مع العصر..، أما مع التاريخ، ففي جفاء سادي إزاء حضاراتها القديمة.. لا نكاد نعثر على شعوب أسرع إلى الريبة من متعلقات الثقافة أو السياسة أو حتى الترفيه للحضارات الأم مثلها.
هل يعود ذلك إلى واقع الانعزال – كعنصر نشاز بالمنظومة - عن المجرى التاريخي العام و الطبيعي للإنسانية..، هذا المسار الذي تنتمي إليه حضاراتنا الأم و إنسان اليوم معا؟.. أرجو أن أكون خاطئا.
في المقال المقترح، للباحث محمد دادي موسى*، محاولة لمد بعض الجسور إلى واحدة من أهم معالم التاريخ الثقافي القديم، الكتابة الليبية.
----
لا يفكر أحد أبدا في الحط من شأن الكتابة الليبية. أن تكتب أو ترسم، هوية واحدة في الأصل.. الذين أبدعوا الرموز قصدوا إلى الحفاظ على أساطيرهم و على دلائل الحياة القديمة.
اللوح الديكارتي المصقول**، قد يكون أقوى أغلوطة فلسفية لكل الأزمان. إذ من أجل تحقيق هذا اللوح المصقول، كم مرة لدى الانطلاق من الصفر نهدم ببرودة ما يمكن أن يكون نقطة تدعيم أو حجر أساس.
قد يكون مفيدا لعصرنا أن نكتشف أهمية المعطى اللساني كمعطى حي، قابل كما كل حياة إلى النمو، إلى الثراء بمنطلقات جديدة. و لا نحقق ذلك إلا إذا أعدنا اكتشاف أهمية التاريخ التي هي البحث عن التجربة انطلاقا مما هو استئناف لحياتنا.. يغدو هذا من التاريخ كطبقات الأركيولوجيا. التاريخ حياة، بشكل دقيق لأنه يحتوي على معطى. شيء يتواجد خلف مفاهيمنا، خلف أحكامنا المسبقة، خلف أنساقنا. الكتابة العتيقة الجزائرية، "الليبية"، الحاضرة من خلال الجداريات و الرسومات تعود إلى 6700 سنة قبل التاريخ.
بالصحراء، "التيفيناغ"، الكتابة الحالية للطوارق أحفاد الجيتول القدماء، تتميز بتشكل رسمها الأصيل.. إنها تنحدر من الليبية.
يمكننا التساؤل عما إذا كانت هذه الكتابة طفرة في طبيعة حدوثها أم أنها معبأة بالتاريخ..
الجواب هو أن الزمن يعبأ بالمحتمل، باعتباره مادة تفكير، إبداع، وجود و مصير، ترك لبصمات إرادة القوة.. الكتابة شرط.. منتوج تواصلي حر.
الدلائل التي تنقلها تشحن بكل قوة الرواسب عبر العصور. هي مرتبطة بكل بداهة في تشكلها، كما في استعمالها بعدد من المؤسسات و الوظائف الاجتماعية بدون أن نستطيع التمييز بينها كرونولوجيا أو تصنيفيا. سواء تعلق الأمر بالديانة، بالتقليد السائد في التعبير الثقافي كتابة أو رسما، بالعادة، بالبنية السياسية أو بظروف تاريخية. في القرن الخامس قبل الميلاد اكتسحت الليبية كل البلاد.. البونية لم تقدر على منافستها بكل بداهة، بل بالعكس تأثرت بها كثيرا. و عليه فالكتابة الليبية معترف بها منذ العصور القديمة.. نصب وجد بمعبد ماسينيسا يحمل تاريخ 139 قبل الميلاد.. شكل خطوط الكتابة الليبية توحي بنسق موجود مسبقا.، أمر يشير إلى فترة طويلة سابقة في التطور و الارتقاء.
الليبية تظهر بتنوع لافت للانتباه بغناه. التيفيناغ يحفظ اليوم طابع الشاهد على طريقة في الكتابة القديمة. اللغة الجماعية تبقى إذن بعد عدة آلاف من السنين. إنها تحمل وظيفة موحدة كعنصر للهوية التاريخية يحمي و يثمن الذاكرة الجماعية.
خصوصية العقل البشري هي القدرة على إبداع رموز و دلالات جديدة للرموز الجارية. أو مراجعة التواضع الذي يجعل الاتصال ممكنا. ذلك أن لذاكرة أية حضارة، عدة مراحل تسويها.
الكتابة تشيع هذا المعنى الذي يضاف إلى العقل من أجل خاصية الضبط الداخلي في فوضى المظهر. عبقرية شعب، هي ميزة الدول الكبيرة في كل ما أنتجت. و لكن نحتاج الى كثير من الوقت و الاحترام للاستكشاف ثم عرض الجوهر.
المجتمع المغاربي يسكن بالعادة إلى ضميره غير المتغير في احترام تاريخيته. لقد كان موعد مخاطبات الاشارة و الاتصال اللغوي مرحلة لا يمكن تجاوزها في تطور المجتمعات.
دراسة التاريخ، اللغة، الفن و الموسيقى تعطي للشباب الخبرة التي تنقصهم.. و كذا حب الخلق و الإبداع، و أصالة حقيقة كوننا في الواقع لم نخسر أبدا. يوجد من المؤكد محيط من الأحكام المسبقة لمواجهتها، و جبل من عدم الفضول لتجاوزه..، و لكن يمكن اعتبار أن الخطوة الحاسمة قد تمت. البحث العلمي كما التكوين و التربية، يشير إلى أن هذا المنبع اللساني غير مستكشف تماما.
ملاحظة
* محمد دادي موسى: كاتب جزائري، باحث في التاريخ القديم.
** اللوح المصقول: عبارة استعارها أصحاب المدرسة التجريبية من أرسطو تفيد بأن العقل قوة صرف كاللوح لم يكتب فيه شيء بالفعل.
ينشر بالتعاون مع فريق الترجمة في شبكة العلمانيين العرب http://www.3almani.org
#أحمد_التاوتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا و العلمانية (دونيس لاكورن)
-
أصول الإنسيّة اللائكيّة (شارل كونت)
-
العنف ضد المرأة: من التباس المعنى الى تمييع النضال
-
هل قتل الدين الابداع؟
-
هل ينتهي الارهاب
-
سياق الانسداد بالثقافة الجزائرية: البعد السياسي.
-
ثقافتنا بين قيدي التاريخ و الجغرافيا
-
سياق الانسداد بالثقافة الجزائرية
-
الشغب الفلسفي و الأمر الواقع
-
الشغب الفلسفي و الامر الواقع
-
الأسئلة القاتلة
المزيد.....
-
متحدثة البيت الأبيض: أوقفنا مساعدات بـ50 مليون دولار لغزة اس
...
-
مصدر لـCNN: مبعوث ترامب للشرق الأوسط يلتقي نتنياهو الأربعاء
...
-
عناصر شركات خاصة قطرية ومصرية وأمريكية يفتشون مركبات العائدي
...
-
بعد إبلاغها بقرار سيد البيت الأبيض.. إسرائيل تعلق على عزم تر
...
-
أكسيوس: أمريكا ترسل دفعة من صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
-
ميزات جديدة لآيفون مع تحديث iOS 18.4
-
موقع عبري يكشف شروط إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي السورية ب
...
-
مصر.. -زاحف- غريب يثير فزعا بالبلاد ووزيرة البيئة تتدخل
-
تسعى أوروبا الغربية منذ سنوات عديدة إلى العثور على رجال ونسا
...
-
رئيس الوزراء الإسرائيلي: ترامب وجه لي دعوة لزيارة البيت الأب
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|