|
( رأس مال ) ماركس ودكان ( مهاوي خلاوي )!
عبد الامير المجر
الحوار المتمدن-العدد: 2523 - 2009 / 1 / 11 - 05:14
المحور:
الادب والفن
تأتي هذه السطور، استكمالاً لحديث لم أشهده، بل حدثني عنه الصديق الشاعر ماجد موجد، الذي شارك فيه مع أصدقاء له، وكان محوره عن جدوى ان يستمر المبدع في الكتابة، طالما انه بات يدرك عدم امكانيته الوصول الى مستوى الكبار الذين شغلوا العالم ومازالوا يشغلونه بنتاجهم، فكراً أو أدباً أو شعراً، الخ.. أو لنقل “مأزق” المبدع صاحب القامة القصيرة، وهو يرى عمره وقد ذهب نهباً لسنوات من الكفاح، ولم يبلغ المبلغ الذي كان يتمناه لنفسه، بعد ان ترك خلفه سيلاً من نزيف لم يوصله لمنزلة نيتشه في الفلسفة أو ماركيز في الأدب، أو رامبو في الشعر مثلاً..! الحديث يفتح الشهية لمداخلة، وهو ما حصل معي، وقد آثرت أن تكون مداخلتي من خلال هذه السطور لعلها تضيف شيئاً على الرغم من علمي بأنها لم تضعني في مصاف الكبار الذين أشرت اليهم، حالها حال ما تركته خلفي من نتاج، وهذا قدري، مثلما هو قدر الزملاء الذين راحوا يندبون حظهم الذي ألقى بهم الى حرفة الكتابة التي لم تمنحهم حياةً سعيدة، خالية من قائمة الحرمانات الطويلة، التي يرزحون تحت وطأتها! وللذين استغربوا العنوان، أقول، ان “مهاوي خلاوي” هو رجل صابئي فاضل يملك دكاناً صغيراً في مدينة المجر الكبير مخصص لصناعة أدوات الزراعة والصيد التي يحتاجها القرويون، هناك، ولعله واحد من مئات مثله توزعوا مدن العراق، كغيرهم في مدن وقصبات العالم، ليديموا عجلة الحياة للشريحة التي يقدمون خدماتهم اليها، وبين هؤلاء من هم بارعون ومن هم دونهم براعة وبينهم العاديون أيضاً، وكل هؤلاء تحتاجهم الناس ليغطوا مساحة الحاجة لانتاجهم، الذي برزت في عصر الصناعة، معامل لانتاج مفرداته، ما يعني ان قدرتهم على المنافسة باتت ضعيفة! لاشك ان كل من قرأ تاريخ الفلسفة، لاسيما في القرنين السابقين سيقف على كم كبير من فلاسفة بعضهم سبق كارل ماركس وبعضهم الآخر عاصره، وجاء بعده آخرون أيضاً، وان كم التنظيرات المطروحة قبل ماركس، كانت ضرورية لاغناء الحوار، وضرورية أكثر لماركس نفسه، الذي تحول بفعل اطلاعه عليها الى (ذئب) أفرزته كمية “الخراف” التي التهمها، مع الاعتذار حتماً من هذا التشبيه الذي ربما يوجد ماهو أفضل منه!.. اذن، ماركس كان “مبدعاً” جاء بجديد، من بين ماهو سائد، والسائد، كان جديداً قبل ان تتقادم عليه الأعوام والطروحات الأخرى، في اطار سيرورة الفكر ومشاغل الثقافة المختلفة، أو قل هكذا هي الحياة، منذ الأزل، ولماتزل،.. بعد ذاك، أصبح ماركس قديماً في بعض طروحاته، وظهر فلاسفة ومفكرون كثر، نوعوا عليها أو نقدوها، وكان هؤلاء ضروريون لكي لا تتوقف عجلة الحياة عند فيلسوف واحد، وان كان بمستوى ماركس، الا ان هؤلاء كذلك، كانوا اشبه بمجموعة خراف، التهمها فيلسوف اخر هو ميشيل فوكو، الذي اعاد قراءة ماركس ومن جاء بعده وقبله ايضا، لكن الفكر والابداع لم ولن يتوقف عند فوكو، وسيحتاج الى اجيال من الفلاسفة والمفكرين والمنظرين قبل ان يظهر فوكو او ماركس جديد، يكون افرازا لواقع ثقافي تتفاعل فيه الطروحات والنظريات التي لابد منها، تماماً، كدكان “مهاوي خلاوي” ومن هم على شاكلته قبل ان يظهر معمل لانتاج ادوات الزراعة والصيد، والذي هو بالتأكيد افراز طبيعي لمشغل مهاوي خلاوي وامثاله، والذي سيكون المعمل أو المعامل الجديدة بعد حين، في ثقل عطائها مساوية لقيمة الدكاكين، بعد ان تظهر معامل ارقى.. تظهر من رحم السابقة وكل جديد في عطائه النوعي، ضمن جنس ابداعي معين يمثل الرمز النهائي للجنس، من دون ان يلغي قيمة السائد، بل ان السائد في مستوياته المتفاوتة، يمثل المشغل والمرجل الذي يفرز الأرقى ويضعه كمعطى ربما حتمياً، انطلاقاً من قوة الجدل، الذي هو معنى الحياة وسر صيرورتها ايضاً! اذن، لاقيمة لأهمية رامبو واليوت وعزرا باوند لو لم يكن هناك الألوف من الشعراء الذين عاصروهم وسبقوهم ممن أغنوا المشهد بما يحث على التنافس و”الابداع” الأفضل، والأمر كذلك مع ديستوفسكي وتولستوي وبلزاك وفيكتور هيجو، من دون ان نغفل كبار الساسة الذين لم يكونوا كباراً مالم يكن هناك من هم أقل منهم منزلة، وكل هؤلاء مجتمعين يمثلون القيمة النهائية للفعل الذي يقومون به، وكلهم بالتأكيد تحتاجهم الحياة، ولاقيمة للرمز الأعلى من دون “رموزاً” أقل منزلة منه، لأن ذلك ينفيه كـ”نوع” ويلغي قيمته الاعتبارية في الحياة،.. الحياة التي فيها من الأنواع ما يعجز عنه العد، وفي كل نوع ماهو متميز، والذي لايتميز من دون وجود نوعه اصلاً! ان وجود هيكل في الصحافة المصرية، لا يلغي أهمية مئات الصحفيين والكتاب المصريين ممن عاصروه، وسبقوه، وكلهم أغنى المشهد الاعلامي الذي اغنى الحياة في جانب مهم منها والأمر كذلك مع الأدب والشعر والفن، وتلك هي النظرة “التقدمية” للحياة التي تنتصر للفعل الانساني، الجمالي وتحتاجه بمختلف مستوياته لأن الجمال في تفاوت مستوياته يخلق لدى المتلقي مساحة أوسع للتأمل والاشباع الروحي والنفسي الذي لايغتني بالأجمل وحده بل يحتاج ماهو دونه، لأن مبدأ المفاضلة نسبي اصلاً، وان الذي يتمتع بقصيدة أو رواية أو قصة أو أي عمل فني، سيجد لذة التمتع هذه مفقودة، ربما، عند آخر، قد يميل لغيرها وان هذه الأعمال “الابداعية” قد لاتصدر عن “مبدع” بقامة ماركيز أو الجواهري أو شارلي شابلن، بل عن “مبدع” مغمور، أسهم في اثراء المشهد الجمالي، لكي تتكامل صورة النوع او الجنس الابداعي الذي يشتغل عليه. اجتهد هنا في القول، ان التفكير في السعي لأن يكون “المبدع” رمزاً عالمياً، كهدف، ينطلق من رؤية غير ابداعية، او أنانية، لأن العطاء، هو قبل كل شيء صوت انساني، ينزع لأن يجعل الحياة أرقى، وانه محاولة “مخلصة” او هكذا يجب ان يكون، لادامة نهر الحياة، التي تتكامل بأصوات المتميزين فيها وان لم يبلغوا الذروة، منفردين، بل انهم يسهمون في خلقها بجهد ينتصر للقيم العليا، ولنقل ان هذا يتجلى دوماً في الصورة النهائية لأي مشهد في أي بلد أو مكان حين تكون حرارة هذا المشهد فيه معبرة عن حيويته والتي لاتقتصر على ابرز النجوم فيه، أو المتصدرين لقائمته. لا أجد حرجاً في القول بأني لايهمني أن أكون “كبيراً” او “صغيراً” في ما أقدمه، بل يهمني أن أطرح رؤيتي للحياة من خلال ما اقدمه، وان كان متواضعاً وان حصل وقرأني عدد قليل من الناس، فهذا يسعدني وان لم يعترف بي أحد فهذا لايؤلمني، فحسبي انما حاولت ان اضيف شيئاً، وشرف المحاولة وحده، يجعلني أشعر بأني القيت ما اعتقده مفيداً، وبلوحة فنية، قد تكون في وسط السلم او في اسفله،.. لايهم، فهذا قدري، لكني سأستمر، لعلي أترك ولو شيئاً بسيطاً، يفيد، وهذا يكفي، يكفي جداً..وعذراً لماركس، ولـ”مهاوي خلاوي” الذي اقحمته في حوارات ماجد موجد، وتطفلاتي التي قد أعدها نوعاً من ابداع!!
#عبد_الامير_المجر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
( اغماض العينين ) .. حين يحدق لؤي حمزة عباس عميقاً ويتألم!
-
الشعر العراقي والانتخابات الفرنسية!!
-
قصة قصيرة بيت القملة
-
كركوك.. المأزق الوطني واشكالية الحل الأقليمي
-
لمناسبة مرور عام على رحيله .. نجيب محفوظ في ابداعه ومواقفه ا
...
-
العقل الاميركي بعيون عراقية-رهان القوة في مواجهة حلم السلام
...
المزيد.....
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
-
مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
-
الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا
...
-
-الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|