ثقافة تبضيع المرأة ونخاستها .

سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 2522 - 2009 / 1 / 10 - 10:19
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    

رغم المتغيرات السوسيوـ اقتصادية التي تعرفها مختلف الدول العربية ، فإن ثقافة الحريم تظل متجذرة في الوجدان الجمعي ، ولا يكاد تصيبه رجة بسيطة حتى يقدح ما تراكم من ثقافة التبضيع والتبخيس ؛ فتغدو هي الأساس فيما يتوارى كل دخيل من القيم الإنسانية التي يفوح عبقها في المنتديات ويتسامى بذكرها الخطباء . وإذا كان للإنسان العربي ، فيما مضى من قرون ، ما يبرر تمسكه بثقافة الحريم واهتداءه بقيمها ، فإنه يفقد كل عذر أو مبرر في عصر سمت فيه قيم وثقافة حقوق الإنسان . ومناسبة هذا القول الوقائع التي نشهدها في أكثر من مكان وبلد عربي ، وكلها محكومة بثقافة الحريم التي تخضع المرأة لكل أساليب التبضيع والنخاسة . وهذا نماذج للذكر لا الحصر :
1 ـ تناقلت وكالات الأنباء الخبر التالي ( أعلنت عائله جودة من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية مساء الخميس 18/12/2008 عن تبرعها بعروس محملة بالذهب وكافة مسلتزماتها تصل إلى بغداد إضافة إلى تغطية كافة نفقات محامي الدفاع عن الصحفي العراقي منتظر الزيدى الذي ركل بوش بحذائه في بغداد . وقال الحاج أحمد سليم جودة 75 عام من قرية عراق التاية بنابلس أنه يتحدث نيابة عن عائله جودة والبالغ تعدادها 500 رجل بنابلس أنهم توصلوا إلى هذا القرار بالإجماع بعد اجتماع عقدته العائلة بالمدينة ) . إنها ثقافة الحريم التي تجرد المرأة من إنسانيتها وتجعلها مجرد مخلوق مسلوب الإرادة والحرية ، ويخضع في حله ومآله لرغبات أربابه وحساباتهم . فتحولت المرأة هنا ـ حالة منتظر الزيدي ـ هدية/شيء يجسد نخوة القبيلة وفخرها بما فعله الصحفي إياه ضد الرئيس الأمريكي بوش . علما أن مشاعر الاعتزاز والفخر يمكن التعبير عنها بألف وسيلة وطريقة إلا أن تكون المرأة وقد بُخست إنسانيتها .
2 ـ إصرار الآباء على تزويج بناتهم لفك ما بذمتهم من ديون لفائدة غيرهم . فتصير الفتاة بضاعة أو جارية يُنتفع بها . وما يكرس هذه الثقافة ويشرعنها ، ليس فقط الأعراف وقيم البداوة التي تمسكت مجتمعاتنا الحديثة بالرث والغث منها ، ولكن أساسا التشريعات التي يستند إليها القضاء ، كما هو حال طفلة عنيزة بالسعودية ذات الثاني سنوات التي زوجها أبوها لرجل في عقده الخامس دون علم الطفلة ولا حتى والدتها . وجاء زواجها لقضاء دين على والدها . إلا أن المحكمة كرست الواقعة بإصدارها يوم السبت 20-12-2008 حكما يقضي برفض فسخ الزواج الذي طالبت به والدة الطفلة . والأسوأ أن القاضي إياه قرر انتظار بلوغ الطفلة الحيض، واكتمال التكوين الأنثوي للتقدم بطلب الطلاق . وتعرف المملكة العربية السعودية نقاشا حقوقيا وفقهيا لظاهرة تزويج الطفلات . وقد حاول المغراوي ، شيخ الوهابيين في المغرب ، شرعنة الظاهرة بفتوى تجيز زواج بنت التسع سنين ضدا على القوانين المعمول بها في المغرب .
3 ـ الرهان بالمرأة/الزوجة وخوض التحدي بتطليقها . وهذه كانت ثقافة مستشرية في الأوساط الشعبية في المجتمع المغربي حتى قضت عليها النصوص القانونية التي تنظم الطلاق ولم تتركه عرضة للتلاعب والمراهنة . إنها لا تخرج عن الممارسات التي تستمد أصولها القيمية من ثقافة الحريم التي لم يسلم منها حتى الشعراء الذين كانوا يمثلون ، في عصر ولى ، نخبة المجتمع . وتذكر لنا العديد من المصادر الواقعة التالية : " اجتمع جرير والفرزدق في مجلس عبد الملك بين مروان فقال الفرزدق : النَّوارُ بنت مجاشع طالق ثلاثا إن لم أقل بيتا لا يستطيع ابن المَراغَة أن ينقضه أبدا ولا يجد في الزيادة عليه مذهبا ، فقال عبد الملك : ما هو؟ فقال :
فإني أنا الموت الذي هو واقع // بنفسك ، فانظر كيف أنت مُزاولْه
وما أحد يابن الأتَان بوائل // من الموت ، إن الموت لا شكّ نائلُه
فأطرق جرير قليلا ثم قال : أم حَزْرة طالق منه ثلاثا إن لم أكن نقضته وزدت عليه ، فقال عبد الملك هات فقد والله طلَّق أحدكما لا محالة ، فأنشد :
أنا البدر يغشى نور عينيك فالتمس /// بكفيك يابن القَيْنِ هل أنت نائِلُه
أنا الدهر يُفني الموتَ والدهر خالدٌ فجئني بمثل الدهر شيئا يُطاولْه
فما كان على الفرزدق إلا أن طلق زوجته وأنشد نادما :
ندمت ندامة الكُسَعِي لما // غدت مني مطلقةً نَوارُ
وكانت جنتي فخرجت منها // كآدم حين أخرجه الضِّرارُ
ولو أني ملكتُ يدي ونفسي // لكان إلي للقَدَر الخيارُ
لا شك أن ثقافة الحريم وقيم البداوة الرثة لا يمكن مواجهتها إلا بترسانة قانونية لا تترك مجالا للنخاسين أكانوا باسم الدين أو الأعراف أو المذاهب . وللمرأة المغربية أن تفخر بما توفر لديها من قوانين تحميها من كل نخاس أثيم ، وفي مقدمتها بنود مدونة الأسرة خاصة المواد 10 و 11 و 12 لكونها تنص على أن الزواج ينعقد بالإيجاب والقبول من الطرفين ( الخطيبين) ، ويشترط فيهما (= الإيجاب والقبول ) أن يكونا شفويين عند الاستطاعة ومتطابقين في مجلس واحد ، وباتين غير مقيدين بأجل أو شرط واقف أو ناسخ . وفي حالة الزواج المشوب بالإكراه أو التدليس فإن المادة 12 تنص على تطبيق الأحكام المنصوص عليها في المادتين 63 و 66 اللتان تضمنان للمكرَه أو المدلس عليه فسخ الزواج قبل البناء وبعده ، فضلا عن المطالبة ، في حالة التدليس ، بالتعويض عن الضرر المترتب عنه وتعريض الفاعلين والمشاركين في التدليس للعقوبات لمنصوص عليها في الفصل 366 من القانون الجنائي . بالتأكيد أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .

#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات