أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - هشام أبو شهلا - سبع قذائف.. وقذيفة














المزيد.....

سبع قذائف.. وقذيفة


هشام أبو شهلا

الحوار المتمدن-العدد: 2522 - 2009 / 1 / 10 - 04:30
المحور: القضية الفلسطينية
    


شمعة أمامي، وسماء غزة من فوقي، وجريدة الأمس تنتظر مصيرها المحتوم، أوراق عذراء، وصوت المذياع بالكاد يتغلب على سمفونية أوركسترا الموت من خلفي؛ صراخ، زخات الرصاص المصبوب، طنين المقاتلات كأنها بعوضة تسرق منا الحلم في ليلة باردة، وقذيفة..

ترتعد النافذة خوفاً، أترك أوراقي وأنظر إلى السقف، ولحسن حظي لا يزال مكانه،عويل سيارات الإسعاف الذاهبة إلى حيث سبقها الموت، أرفع صوت المذياع قليلاً،خبرُ عاجل، انفجار وقتيل. يا ترى، ما اسمه؟ ما عمره؟ أمتزوج، أم أنه – ولحظ الأولاد – لم يفعلها بعد؟ من سيقول لوالدته الخبر؟ أسئلة من وحي الخبر العاجل، كذب الخبر العاجل ولو صدق، أسئلة تزدحم، ولا يبعثرها إلاّ خبرُ آخر، وقذيفة..

يقول الخبر، أن القتيل أصبح اثنين، عفواً، ورد الآن أنهم ثلاثة، أربعة، خمسة.. يجيب المذيع، ولكن من يسأل؟ ومن يهتم؟ لماذا يفترض المذيع أننا نسأل، كم؟ صوتُ آتٍ من العدم؛ هل كلنا شهداء؟ لا جواب. يعلو الصوت على أنين الصمت، ويتكرر السؤال؛ هل كلنا شهداء؟ لماذا نجيب؟ بماذا نجيب؟ لا وقت للإجابة ولصور الجدران، نحن نصفق، نحن نكفنهم بخبر عاجل، يجرف أسماءهم في إحصائية، بعد أن سرقت منهم الجسد، قذيفة..

سألت مخرجاً ذات مرة، لماذا يتكرر هذا المشهد التراجيدي في كل فصل؟ في كل مسرحية؟ فيجيب؛ لقد صفقوا له أول مرة، فنثرناه في بياض الورق، لتكتمل المسرحية. يُكمل، يا بنيّ؛ عندما ينزفون لك تصفيقاً في المرة الأولى، ستصاب به وبالركام، وستفعل المستحيل من أجله، ستقتل الممثلين وكاتب السيناريو، بل وحتى نفسك، ولن تبالي كثيراً من أين جاءت القذيفة..

يا سادة، جرّبوا شيئاً جديداً، فالجديد أيضاً يستدعي التصفيق. كم مرة تنعون أشلاءكم؟ كم مرة تقيمون الجنازة؟ كم يوماً تغرقون في وحل الأخبار؟ لا تتركوا البيت يحترق، ولو على سارقيه، فالعنب عنبي، وأنا لا أغفر الذنب ولكن، أعفو عند المقدرة، عند المجزرة، عند المعركة. أعفو حين تصلي البنادق، كل البنادق، لقبلتها الأولى. اتركوا الموت للموتى يا سادة، وجرّبوا أن تحيوا يوماً واحداً للوطن، فقد يعلو التصفيق يومها، على صوت القذيفة..

بعد نشوة الرماد والتصفيق، تستيقظ فينا الكلمات، خجلةً، فهي لن ترتق للأحمر، بينها وبينه سبع بحار، وعصا موسى مفقودة منذ أزل، يركض ما تبقى منها إلى صدرٍ عارٍ، لتغمض عينيها، وتبكي. تعانق وجع المنازل، وشاباً يزرع روحه مدويةً بالمداخل، تصلي الكلمات للجدران الحزينة وللمناجل، لجسدٍ توحّد بما حوله من أشياء غامضة، واختار بنفسه ما سوف يكون، لأن الموت ليس خياراً، ليس خياراً، هذا جواب الجسد، وجواب القذيفة..

وغزة اكتمال الأسئلة، لمن وراء ظهرها، لمن وزّعتهم الشمس على نافذتين، فنسوها وعبدوا الستائر، لأغصانٍ خائفة، سقطت بمرور العاصفة. كفّوا أيديكم عن غزة، واتركوها وحيدة، تفرد خصلات صمتها السوداء على الشاطئ، تقرأ التقاء الأزرقين، وتداري قدميها العاريتين خجلاً من أمواج تلاطمت تقبّلهما، والموت من ورائها ينشر ما غسلته قذيفة..

لملمي الوطن – أو ما تبقى – من على حبل الغسيل، ولتعلقي أحلامك يا غزة، على أنجم جديدة، فكلما زادت وطأة الظلام اشتدادا، توهج الحلم وتمادى. افردي جناحيك صعوداً، وانشريهما صموداً، وليكن ما شئت، لن تصعدي الحصار، ولن ننتظر القيامة. لا تشبهي أمسك أبداً، انتزعي قميصك غزة، وأجيبيهم دماً، وقذيفة..



#هشام_أبو_شهلا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لديك ما يكفيك من خبز ولكن!!
- عرفات، لو ينهض..!!
- التقارب الفرنسي السوري.. والمدخل اللبناني
- إلى الحاضر ملء الغياب.. محمود درويش
- عن العدالة.. والتنمية
- دلال.. كأنها نائمة
- الإتحاد من أجل ساركوزي !! ..
- وحيداً في وطني ..


المزيد.....




- الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
- ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات ...
- إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار ...
- قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
- دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح ...
- كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع ...
- -كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة ...
- مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل ...
- القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت ...
- الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - هشام أبو شهلا - سبع قذائف.. وقذيفة