|
أحداث غزة : صراع الأصوليات الدينية لنشر الدمار و الموت .
إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)
الحوار المتمدن-العدد: 2520 - 2009 / 1 / 8 - 09:12
المحور:
القضية الفلسطينية
كل من تابع أحداث 2006 بجنوب لبنان ؛ و يتابع الآن أحداث غزة يستنتج أن الفكر السلفي فعل فعلته في وجدان المواطن العربي ؛ بحيث أصبح الافتخار بالموت (الشهادة) سمة غالبة ؛ و أصبح من بين ما يفتخر به قادة هذه الجماعات السلفية العدد الكبير من الموتى ؛ و هذا إن دل على شيء فإنما يحيل على غياب روح الفكر الحديث من مجتماعتنا العربية ؛ و الذي يعطي للحياة قيمة لا يوازيها شيء آخر . إن الحروب على مر التاريخ استراتيجيات و خطط ؛ و ليست بتاتا موتا مجانيا ؛ عبر التضحية بآلاف الأبرياء من أجل الحفاظ على (روح المقاومة ) ؛ و من أجل فضح بربرية إسرائيل أمام العالم . إنه منطق سخيف لا ينبني على أبسط شروط التفكير الإنساني الحديث ؛ و لا يمكن أن نعثر له على نموذج مماثل إلا عند تلك الجماعات الدينية التي تشجع الانتحار الجماعي لمغادرة هذا العالم الآثم و الفوز برضى الخالق . إن ما يدمي القلب حقا هو أن يخرج علينا قادة حماس مبشرين بأن المقاومة في مأمن لا تصلها نيران العدو ؛ و في نفس الآن تنقل لنا الشاشات مئات الأطفال و النساء تتناثر أشلاؤهم في الشوارع ؛ و هذا ما يدل على أن هذه المقاومة تتخذ الأبرياء دروعا بشرية و تضحي بهم في معركة خاسرة من الأساس ؛ لعدم تكافؤ موازين القوى بين الجانبين . إن من الواجب علينا أن نفضح ما يجري و لا نسقط في الاستلاب السلفي الذي تمارسه هذه الجماعات مستغلة الدين لتبرير التضحية بآلاف المواطنين تحت يافطة الشهادة ؛ التي لا يقدم عليها قادة حماس بل يوثرون المواطنين على أنفسهم فيها ؛ و نحن في هذا الصدد لا نبرر جرائم العدو الصهيوني الغاشم ؛ الذي تجمعه مع هذه الجماعات أفكار أصولية ؛ تقوم على منطق ديني يقتل باسم الله و يمارس حيوانية لا سابق لها باسم الدين الذي يبرر له قتل غير اليهود للمحافظة على شعب الله المختار . إن الأصوليات الدينية واحدة لا تمييز فيها بين الإسلام و اليهودية و المسيحية ؛ فهي تشترك جميعها في احتقار الإنسان و معه احتقار الحياة التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة ؛ و لذلك فهي تقتل و تشرد و تمارس أبشع الجرائم باسم الدين ؛ و باسم رضى الله ؛ و هذه ظواهر مرضية يجب البحث فيها من منظور سيكولوجي ؛ بعيدا عن منطق الحرب بمفهومه الحديث ؛ و بعيدا عن منطق الدولة و المواطن ؛ و حتى بعيدا عن منطق حقوق الإنسان ؛ لأن الله عند هؤلاء هو الذي يقود كل هذا التدمير؛ و هم فقط ينوبون عنه ؛ لذلك يقتل الصهاينة غير اليهود تطبيقا لتعاليم دينهم ؛ و يبشر السلفيون هؤلاء الموتى بجنات النعيم و يدعون لهم بأن يتقبلهم الله شهداء عنده ؛ لأن الشهادة في سبيل الله من تعاليم الدين الإسلامي ؛ لكن على أرض هذه المعركة الفاقدة لأبسط شروط الإنسانية بله القانون الدولي ؛ يؤدي الضعفاء من الأطفال و النساء و الشيوخ ضريبة إرضاء إله اليهود و إله المسلمين . لقد كان الدين دائما سبب الدمار الذي ساد التاريخ البشري ؛ لأنه يوفر للمجرمين و المرضى النفسيين غطاء لممارسة وحشيتهم ؛ بل و يجازيهم بالثواب عن هذه الوحشية ؛ لذلك ظهرت الحرب المقدسة و ظهر الجهاد و تم تبرير قتل و تشريد غير اليهود ؛ كمفاهيم تخفي في باطنها وحشية الإنسان البدائي الذي لا يختلف عن الحيوان في شيء ؛ بل يفوقه أحيانا لأنه يتوفر على وسائل التخريب ؛ و من هذا المنظور فإن الدين يختلف جوهريا عن المنظومة الفكرية الحديثة التي صاغها الإنسان الحديث بعدما تمكن من القطع مع سلطة الدين ؛ و لذلك فإنه لا يمكن حماية الإنسان من الهمجية البدائية إلا عبر ترسيخ المفاهيم الحديثة ؛ التي صاغها الإنسان بعدما قطع مع الفكر البدائي ؛ مثل الديمقراطية و حقوق الإنسان ... و التي تواجه خطرا داهما خلال هذه المرحلة التي تميزت بعودة المكبوت الديني ؛ الذي ظهر في أكبر الديمقرالطيات العالمية ؛ و التي تحدث زعيمها عن الحرب الصليبية التي تحمل صورة همجية عن حيوانية الغرب حينما مارس حربا مقدسة على شعوب المسلمين ؛ فقتل و دمر شعوبا بأكملها باسم الله و باسم محبة المسيح ؛ و يؤكد بوش و هو يستعيد المكبوت الديني القديم أن الله هو الذي كلفه بهذه المهمة ؛ و يجب عليه ألا يغضب الله بعدم تطبيق أوامره ؛ و لذلك فقد توجه نحو العراق و أباد شعبا و حضارة عن آخرها ؛ و هو في ذلك -في اعتباره- ليس بمجرم حرب ؛ بل إنه ليس بمريض نفسي يتلذذ بقتل الآخرين ؛ بل هو على العكس من ذلك تماما مؤمن يطبق أوامر الله في أرضه ؛ و له الجنة جزاء له على ما قدمه لله من قرابين بشرية تحصى بالآلاف . و الكيان الصهيوني لا يختلف عن ذلك في شيء ؛ فالله هو الذي فضله على جميع شعوب الأرض و الله هو الذي اختاره لنفسه ؛ و الله هو الذي بشره بأرض شاسعة تمتد من النيل إلى الفرات ؛ و الله هو الذي أعطاه الحق في قتل و تشريد شعوب بكاملها ؛ و ترحيلها من أرضها تائهة لا تدري أين تتجه ؛ و هو حينما يقتل الأطفال و النساء ؛ فهو يطبق أمرا إلهيا يوصيه بالمحافظة على شعب الله المختار . و نفس المنطق نجده في الإسلام الذي يؤكد أنه الدين الوحيد ؛ و من يبتغ غيره دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين ؛ و لذلك فإن مفهوم الجهاد يبرر قتل الكفار و تشريدهم بلا رحمة و لا شفقة ؛ و إذا انهزم المسلم في قتاله و مات فهو شهيد يدخله الله الجنة ؛ و اعتمادا على المفهومين فإن الله أوصى المسلم بقتال الكفار (الذين يختلفون عنه في الدين) إذا لم يسلموا ؛ و هو في قتاله مبشر بأحد الحسنيين ؛ إما النصر في المعركة ؛ و إما الاستشهاد و دخول الجنة . و سواء في الإسلام أو في المسيحية أو في اليهودية فالمنظومة الدينية واحدة ؛ تقوم على ممارسة العنف بجميع مظاهره؛ و هي بذلك تكرس صورة الإنسان البدائي ؛ الذي لا تحكمه قوانين و لا قيم ؛ بل و تضيف إلى هذه البدائية أنها تستغل صورة الإله لإخفاء ما تقترفه من جرائم في حق الإنسان إن المخرج الوحيد للإنسانية ؛ كي تشيع ثقافة السلام و الاحترام المتبادل بين مختلف الشعوب و الثقافات ؛ هو محاربة كل النزعات الأصولية باختلاف انتماءاتها الدينية ؛ و يمر ذلك بالضرورة عبر الدفاع عن المنظومة الفكرية الحديثة التي تشكل فلسفة حقوق الإنسان أكبر إنجازاتها ؛ و حمايتها من بطش الفكر الديني الأصولي ؛ الذي أصبح يهدد وجود الإنسان في العالم ؛ و ينشر الصراع بين الشعوب و الثقافات . إن مسؤولية المثقف التنويري الحامل لقيم التحرر و الحداثة هو المؤهل اليوم للدفاع عن حرية الإنسان و حمايته ضد الأصوليات التي تهدد حياته و تفكيره .
#إدريس_جنداري (هاشتاغ)
Driss_Jandari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في حاجة النشر الإلكتروني إلى الأقلام العربية المتنورة
-
نموذج التدين المغربي سلاح لمواجهة التطرف الديني الوهابي
-
أحداث غزة و فشل استراتيجية الإعجاز و الجهاد المقدس
-
في مساءلة التراجع الحضاري للأمتنا العربية : هل سببه تخليها ع
...
-
في حاجة الفكر العربي المعاصر إلى استلهام روح التنوير النهضوي
...
-
من الشورى إلى المستبد العادل : الفكر الديني و تكريس دولة الا
...
-
الحلاج .. في صلبه المباغت
-
الديمقراطية بناء ثقافي و ليست فقط صناديق اقتراع .
-
العلمانية و الدولة المدنية في الثقافة العربية : المشروعية ال
...
-
تأويل النص الديني و تكريس الرجعية في الثقافة العربية
المزيد.....
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
-
ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنو
...
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة 23 في الغارة الإس
...
-
ما هي الدول والشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل؟
-
سلسلة غارات إسرائيلية على منطقة البسطا وسط بيروت
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|