|
منطق -الحرب- على ما شرحه بيريز!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2519 - 2009 / 1 / 7 - 07:30
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
"الجزيرة" استطلعت رأي بيريز في "الحدث"، أي في الحرب الفاشية التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة، وضد المدنيين من أبنائه على وجه الخصوص، وموقفه منه، فشرح على خير وجه المنطق السياسي والإعلامي الذي يقوم عليه الخطاب الإسرائيلي، والذي يتوفَّر مجرمو الحرب في إسرائيل، ومن قادتها، ومنهم بيريز نفسه، على إلباسه (على صعوبة الأمر والمهمَّة) لبوس "الشرعية"، أو ما تيسَّر منها.
غير مرَّة، سأل بيريز وتساءل، وكأنَّه مع أمثاله من قادة إسرائيل "الفضيلة" التي لا نود نحن العرب سمعها وهي تتحدَّث عن نفسها، وتشكو سوء فهمنا لها، عن السبب الذي يَحْمِل فلسطينيين، من أبناء قطاع غزة، يصفهم بأنَّهم "إرهابيون"، على إمطار مراكز سكَّانية إسرائيلية كسديروت، بـ "الصواريخ" مع أنَّ إسرائيل "تركت" القطاع وأهله، إذ أخرجت من هناك كل مستوطنيها وجنودها، عملاً بقرار إسرائيلي خالص.
هذا "الترك الإسرائيلي" هو، بحسب وجهة نظر إسرائيل التي شرحها بيريز وعبَّر عنها، ما يَنْزَع، أي ما يجب أن يَنْزَع، "الشرعية" عن كل عمل من أعمال المقاومة المسلَّحة يقوم به فلسطينيون ضدَّ إسرائيل انطلاقاً من القطاع، ويصمه بـ "الإرهاب"، الذي ينبغي للعالم بأسره أن يقف إلى جانب الدولة اليهودية في حربها عليه.
ولو قامت إسرائيل، عملاً بقرار ذاتي، بـ "ترك" مدينة فلسطينية ما من مدن الضفة الغربية، من خلال إخراجها كل جنودها ومستوطنيها منها، وضَرَبَت، في الوقت نفسه، حصاراً عليها من كل الجهات، متحكِّمة في كل ما يَدْخُل إليها، أو يَخْرُج منها، لانتفى كل سبب أو مبرِّر "شرعي" للقيام بأعمال عسكرية فلسطينية ضدَّها انطلاقاً من هذه المدينة، ولأصبح لزاماً على العالم بأسره أن ينظر إلى هذه الأعمال على أنَّها ضَرْب من "الإرهاب"، الذي لا بدَّ لكل الدول "المتحضِّرة" في العالم من أن تتضافر جهودها على محاربته.
ولكن، ما هي "الحال" التي أصبح عليها الفلسطينيون في قطاع غزة بعد، وبفضل، "ترك" إسرائيل لهم ولأراضيهم؟
كل ما تقوله إسرائيل، في معرض إجابتها عن هذا السؤال، هو إنَّها ما عادت "تَحْكُم" أهل القطاع، فهؤلاء أصبحوا "أحراراً" إذ نالوا "حرِّيتهم" في معناها الإسرائيلي هذا، والذي نقف عليه في كلمة "الترك" التي أكثر بيريز من استعمالها، فالدولة اليهودية لا تقبل وصف تلك "الحال" بأنَّها "رفع للاحتلال الإسرائيلي" عن قطاع غزة؛ لأنَّها لا تقبل أن يُفْهَم وجودها العسكري والاستيطاني في أي جزء من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب 1967 على أنَّه "احتلال"؛ ولأنَّ "القانون الدولي" لا يسمح لأيٍّ كان بأن ينظر إلى هذا "الترك" الإسرائيلي للقطاع على أنَّه "إنهاء للاحتلال الإسرائيلي" هناك، فإسرائيل، "تركت" قطاع غزة؛ ولكنَّها لم "تتركه" إلاَّ بما يؤكِّد أنَّ القطاع ما زال جزءاً من الأراضي الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وأنَّ إسرائيل ما زالت "قوَّة (أو سلطة) احتلال" هناك.
وهذا "الترك" الإسرائيلي، الذي بفضله ما عادت إسرائيل تحكم أهل قطاع غزة، والذي ترفض الدولة اليهودية وصفه بأنَّه "إنهاء لاحتلالها" للقطاع، يجب أن يقترن بمنع كل "سيادة فلسطينية حقيقية" هناك، جوَّاً وبحراً وبرَّاً. حتى "معبر رفح"، الذي هو معبر يخصُّ الفلسطينيين والمصريين فحسب، ظلَّ خاضعاً لسيطرة إسرائيلية (أمنية غير مرئية، وغير مباشِرة) عبر تلك "الاتفاقية" الخاصة بإدارته وفتحه وتشغيله.
ومُذْ "تركت" إسرائيل قطاع غزة وهي تحاول أن تُفْهِم أهله أنَّ "إنهاء الحكم" لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، "إنهاء التحكُّم"؛ وقد شرعت تُذيق أهل القطاع مُرَّ "التحكُّم"، فحاصرتهم، مانعةً عنهم (تدريجاً، أو شيئاً فشيئاً، أو بما يشبه المد والجزر) ما يلبِّي حاجاتهم الأولية (غذاء ودواء ووقود وكهرباء..) بدعوى (أرادت لها أن تكون مفعمةً بالشرعية) أنَّ أهل القطاع قد أسْلَموا أمرهم وقيادتهم إلى أُناسٍ غير مستوفين لشروط "الشرعية الدولية" التي في مقدَّمها الاعتراف بإسرائيل.
ثمَّ تحوَّل "الحصار"، المُتَذرِّع ضاربوه بتلك الذريعة، والذي شُدِّد وضُوعِف، إلى جرائم، من نمط "جرائم الحرب" و"الجرائم في حقِّ الجنس البشري"، ترتكبها إسرائيل يومياً، وعلى مدار الساعة، في حقِّ مليون ونصف المليون فلسطيني، عِلْماً أنَّ هؤلاء جميعاً يمكن أن يموتوا جوعاً وعطشاً ومرضاً وبرداً.. إذا ما أُغْلِقَت عليهم كل المعابر.
هذا "الحصار" إنَّما كان "رسالة" إلى أهل القطاع، كُتِبَت بالعبرية والعربية وبلغات أخرى، مؤدَّاها أنَّ عليكم أن تختاروا أمْراً من أمْرين أحلاهما مُرُّ: أن ترفعوا "الراية البيضاء" فوق "الكانتون" الخاص بكم، و"الموت الجماعي البطيء"، جوعاً وعطشاً ومرضاً..
ولكنَّ اختيارهم وقع على أمْرٍ ثالث هو هذا الذي حَمَل بيريز على أن يُكْثِر من التساؤل عن سبب إطلاق "الصواريخ" على إسرائيل على الرغم من "تركها" قطاع غزة!
وسرعان ما أضافت إسرائيل إلى كارثة الحصار كارثة نشر الموت والدمار من طريق آلتها العسكرية؛ ثمَّ اتُّفِق على تلك "التهدئة"، التي أرادت الدولة اليهودية لها أن تُتَرْجَم بـ "تهدئة في مقابل تهدئة"، وباستمرار الحصار مع تشديده أو تخفيفه بحسب ما ترتئي مصالحها، وبإدامة الفصل، أو الانفصال، بين الضفة والقطاع، وبالإبقاء على النزاع بين "فتح" و"حماس"، وكأنَّ الهدف الإسرائيلي الكامن في "اتفاقية التهدئة" هو أن تلتزم "حماس" ما يمكن تسميته "التهدئة (الأمنية) الأبدية" مع إسرائيل، على أن تظل، في الوقت نفسه، تدير ذلك "الكانتون"، وتحكمه، بما يبقي على نزاعها مع "فتح"، ويفاقمه، فإذا تحقَّق هذا وذاك يمكن عندئذٍ أن تدير إسرائيل "الحصار" بما يُظْهِر للعالم أنَّ المأساة الإنسانية لأهله أصبحت (أو توشك أن تصبح) أثراً بعد عين.
لقد انتهت "التهدئة"، من الوجهة الزمنية، فلم تستطع "حماس" إلاَّ أن تختار من القول والفعل ما يؤكِّد أنَّها في حلٍّ من تلك "الاتفاقية" التي لم تقبلها إسرائيل إلاَّ لتُمْعِن في خرقها وانتهاكها، ولتتنصل من التزاماتها المنصوص عليها فيها.
واتَّخَذت إسرائيل من إطلاق صواريخ وقذائف فلسطينية عليها، أصابت خمسة من مواطنيها بجراح، ذريعةً لشنِّ حرب فاشية على قطاع غزة، قتلت فيها وجرحت، حتى الآن، ما يزيد عن ثلاثة آلاف فلسطيني جُلُّهم من مدنيين، جُلُّهم من أطفال ونساء.
أمَّا الهدف الكامن في هذه الحرب فهو خلق "واقع جديد"، قوامه أن يغدو القيام بأعمال عسكرية فلسطينية ضد إسرائيل انطلاقاً من قطاع غزة ضرباً من المستحيل، وأن يظل النزاع بين الفلسطينيين، أي بين "حماس" و"فتح" على وجه الخصوص، محتفظاً بكثير من وقوده وأسبابه.
وتوصُّلاً إلى هذا الهدف، يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي الآن أن يحقِّق النتائج الميدانية الآتية: احتلال مواقع ومناطق في جنوب القطاع تسمح له بالسيطرة الأمنية والعسكرية المباشرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وتدمير كل الأنفاق على الجانب الفلسطيني من حدود القطاع مع مصر، واحتلال مواقع ومناطق تسمح له بتقطيع أوصال القطاع (أي جعله يتألَّف من جزأين، أو ثلاثة أجزاء، أو أكثر) وبضرب حصار عسكري مُحْكَم على مدينة غزة على وجه الخصوص، مقدِّراً أنَّ تشديد الحصار (الشامل) عليها، مع الاستمرار في ضربها عسكرياً، واغتيال قيادات فيها، سيؤدِّي، في آخر المطاف، إلى تحقيق ذلك "الهدف المزدوج".
وعندما يصبح هذا "الهدف المزدوج" في متناول إسرائيل لن تمانع عندئذٍ في "تدويلٍ" لعملية تحقيقه، ولعملية إدامة ما تحقَّق والحفاظ عليه.
ويكفي أن نفهم حرب إسرائيل الفاشية على قطاع غزة على هذا النحو حتى تتأكَّد لنا أهمية وضرورة أن يتوفَّر الفلسطينيون جميعاً على إدارة وخوض الصراع بما يجعل النتائج الميدانية تذهب بما تتوقَّعه إسرائيل وتريده.
ولقد أحسن الرئيس الفلسطيني محمود عباس صنعاً إذ أعلن أنَّ السلطة الفلسطينية لن تعود إلى معبر رفح إذا ما كانت عودتها إليه جزءاً من الواقع الجديد الذي تحاول إسرائيل خلقه هناك عبر حربها الفاشية، التي هي حرب على الشعب الفلسطيني بأسره.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أردوغان -المُهان-.. أهاننا!
-
إسرائيل يمكن ويجب أن تهزم في غزة!
-
جلالة القول!
-
في إجابة سؤال -ما العمل؟-
-
مجرمون آخرون في خلفية الصورة!
-
حروفٌ حان تنقيطها!
-
هي حرب ضد الشعب الفلسطيني كله!
-
العالم إذ اخْتُصِرَ زماناً ومكاناً!
-
لا تسأل -هل الله موجود؟- ولكن اسْأل..
-
حرب هي الامتداد للانتخابات!
-
في نقد نقَّاد -الحذاء-!
-
-التهدئة-.. نتائج وتوقُّعات وعِبَر!
-
-الإرهاب- بعد بوش!
-
إذا تكلَّم الحذاء فأنصتوا!
-
ليفني تساعد نتنياهو ضدَّها!
-
بعث -المجتمع-!
-
بوش إذ تقمَّص حكمة الفلاسفة!
-
نحن المسؤولين عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية!
-
اتفاقية تؤسِّس للبقاء وليس للرحيل!
-
اتفاقية تنهي الاحتلال بإنهاء العراق!
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|