أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمان محمد شناوة - نشأت الفيدرالية















المزيد.....


نشأت الفيدرالية


سلمان محمد شناوة

الحوار المتمدن-العدد: 2518 - 2009 / 1 / 6 - 02:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حتى نفهم كيف نشأت الفيدرالية يجب إن نفهم كيف تطور نظام الحكم في أمريكا الشمالية لأنهما شيء واحد , الفيدرالية هي حالة تراكمية من الممارسات والفعل ورد الفعل بين المستعمر البريطاني وأهالي المستعمرات في أمريكا الشمالية , وكان فيها الكثير من الجذب والإرادة القوية لشخصيات لولها لم يتيسر لهذه التجربة الإنسانية بالوجود ....

المرحلة الأولى ....

في ستة 1620 هاجر مائة بريطاني واثنين(("تطهّري بيوريتاني" على ظهر سفينة "ماي فلاور" للهروب من الاضطهاد الديني، كان الهدف من إبحارهم هذه المسافة الطويلة من المحيط الأطلسي هو أنشاء ارض دينية مقدسة وحرة , كان البيوريتانيون هؤلاء انفصاليين، فصلوا أنفسهم عن الكنيسة التقليدية في انكلترا وأسسوا طائفتهم الخاصة لأنهم كانوا يريدون ممارسة الدين كما يرونه هم مناسباً , لا كما يرونه من ممارسات اشمئزوا منها .....
في البدء كان بحثاً عن حرية مفقودة , وأمريكا كانت ارض الفرص , الأرض الشاسعة التي أوجدها الله ....الأرض الخالية من أية سلطة ...فكان الحلم الذي نشأ مع هذه الطائفة لخلق نظام جديد دون وجود أية سلطة مستبدة .....
استمرت هذه الرحلة ستة وستون يوما كانت الرحلة مليئة بالمخاطر والرياح العاتية , تحملوا المرض والمعاناة والألم والقلق والخوف من المستقبل المجهول , فهم تركوا كل شي بالوطن وخرجوا بحثاً عن حلم ربما لن يتحقق أبدا , ربما هم يموتون في الطريق أو تنقلب بهم السفينة (( وفي جو من النقص في كل شي , المال , النفس , والأمان ....
في هذا الجو من التعب والقلق ... (( ولدت أول وثيقة وأول حروف وكلمات ربما لنظام فيدرالي )) .....

البدايات الأولي لتشكيل الولايات المتحدة الأمريكية كنظام فيدرالي .....
حيث وقع (( واحد وأربعون رجلاً راشداً على متن السفينة اتفاقا رسميا .. سمى ب(( اتفاق ماي فلاور )) ...
بحسب الاتفاق وافق الركاب على متن السفينة على إن يتحدوا ضمن هيئة سياسية مدنية ,وان يسنوا القوانين ,وينشأوا وينفذوا قوانين عادلة ومتساوية , وقوانين محلية , وصكوكاً ودساتير تتماشى مع الصالح العام للناس , وقطعوا وعودا بالتسليم والطاعة ))

يؤكد المؤرخون الأمريكيون إن اتفاق ماي فلاور هو أول وثيقة سياسية في التاريخ الأميركي.

في 21/11/1620 وصلت السفينة ماي فلاور إلى الأرض الجديدة ,,, وصلت إلى" إلى مرفأ "بليموث" في "مساتشوستس"، الحضارة الأوربية مع كل الأفكار في الحرية والأمل والمستقبل تلتقي مع الأرض الجديدة .... أنشأ "البيوريتييون" البالغ عددهم مائة وشخصين على متن السفينة، أنشأوا مجتمعاً ذاتي الحكم في مستعمرة "بليموث" استناداً إلى وعودهم التي قطعوها على ظهر السفينة ....
في مرفأ "بليموث"، توجد نسخة مطابقة لوثيقة (( ماي فلاور )) وليس بعيداً عنها نقش عليه عبارة (( 1620 )) يمثل هذا الحجر وصول النازحين لأول مرة إلى أمريكا الشمالية ......

هنا كانت البداية ....
بعد ذلك تأتي المرحلة الثانية ..... (( الاستقرار )) ....

خلال مدة تقارب من 150 عاما كانت الصفة العامة للحكم هو الحكم الذاتي للمستعمرات , ولم يكونوا البريطانيين يتدخلوا إلا بما يسمح لهم الإشراف , فكان هم بريطانيا بالدرجة الأولى هو مراقبة أراضيهم والسيطرة عليها , مما سمح للحكومات المحلية بتشكيل نفسها مع بعض الإشراف البريطاني والذي لم يكن يتعارض مع إرادة الحكومات المحلية , لأنه كان يجب الحصول على موافقة بريطانيا على بعض القوانين والالتزام ببعض القواعد البريطانية …..إلا أنهم استطاعوا ادراة حكوماتهم المحلية بصورة كبيرة بعيداً عن تدخل بريطانيا …..
هذه التجربة الطويلة من الحكم الذاتي والتي استمرت ما يقارب من مائة خمسون عام مكن الأفراد في الدخول في ادراة المجتمع ونشر أرائهم حول الشئون العامة وان يحكموا أنفسهم بأنفسهم ....

المرحلة الثالثة ......
(( بداية الصدام )) .......
دخلت بريطانيا في منتصف القرن الثامن عشر مرحلة التوسع , حيث هزمت اسبانيا , وخاضت حرب السنوات السبع مع فرنسا في شمال أمريكا ....أدى هذا إلى حاجة بريطانيا إلى الأموال الكثيرة للاستمرار بهذه الحروب ....
ولموجهة هذا الأمر قررت فرض ضرائب جديدة على المستعمرات في شمال أمريكا لمواجهة الأزمة المالية ....
وخلال فترة تمتد لعشرة سنوات من ( 1763 لغاية 1773 )) فرض البريطانيون ضرائب مختلفة كل عام تقريباً على أهالي المستعمرات , وخاصة حين تم فرض ضريبة الطوابع , أدى ذلك إلى اشمئزاز الناس ورفضوا دفع الضرائب أكثر من مره . وأصبح التناقض بين البلد إلام والمستعمرات مستفحلاً ...
أدى ذلك إلى إن ترسل بريطانيا أعداد كبيرة من الجنود كانوا بإمكانهم التمركز أينما شأوا , وحتى بعضهم لم يراعوا حرمة البيوت الخاصة ودخلوها بغير استئذان , وقطعت التجارة وفرضت القيود على المحاكم والإدارات المحلية .....

كل هذا الذي يحدث ولد احتقاناً بين بريطانيا والمستعمرات وكان بلا شك يخالف كل ما جاء في وثيقة (( ماي فلاور )) .

مرحلة الثورة الأمريكية ....

في (( 19 ابريل 1775 م )) .....
خرق صوت طلقة نارية في الجزء الشمال شرقي للأرض الجديدة صمت السماء الصافية وغير مجرى تاريخها، في ذلك اليوم اصطدم بعض الجنود البريطانيين برجال الميليشيا في قرية "ليكسينجتون" في "مساتشوستس" وهي مستعمرة أميركية شمالية، حولت الطلقة الصراع إلى حربٍ اسمها "الثورة الأميركية".
في (( 4 تموز 1776 )) .......
وقّع ممثلون عن ثلاث عشرة مستعمرة أسمائهم على إعلان الاستقلال، وأعلنوا انتهاء الحكم البريطاني وولادة الولايات المتحدة الأميركية، وقد عين هذا اليوم ليكون يوم استقلال الولايات .
ورد في إعلان الاستقلال(( أن البشر قد خلقوا متساوين وأن الخالق وهبهم حقوقاً محددة لا يمكن إنكارها، ومن ضمنها الحياة، الحرية، والسعي إلى السعادة)) .
كانت المرة الأولى قبل مائتي عام التي تكون فيها المستعمرات موحدة لتحدي البلد الأم، بعد الإعلان عن استقلالهم، قاتلت ثلاث عشرة مستعمرة بريطانية في شمال أميركا بشدة ضد الإمبراطورية البريطانية، بدعم من بعض البلدان الأوربية، مثل فرنسا، قاتلت لثماني سنوات قبل أن تنشئ في النهاية بلدها المستقل.
اعتمدت الولايات المستقلة الثلاث عشرة اقتصاديًا على الإمبراطورية البريطانية، على الصناعة والتجارة في الشمال، الزراعة في الأراضي الوسطى، والزراعة في الجنوب، وكانت كلها قد تطورت في ظل النظام التجاري الذي حدّدته التجارة الحرة.

كانت التحديات جسيمة فبدون دعم بريطانيا كيف يمكن أدراه البلد .. ففيما يخص أدوات سلطة الدولة كان الكونجرس هو السلطة الوحيدة في الولايات المتحدة الأميركية، المستقلة حديثاً، لم يكن هناك رئيس ولا محكمة عليا! ولم يكن لهذا الكونجرس أي قوة عملية لحكم البلاد!
في الواقع أنه بعد استقلالها، لم تكن الولايات الثلاث عشرة أكثر من اتحاد كونفيدرالي غير محكم.
لم تكن هناك تجارة ولم يكن هناك عملة موحدة، ولم تكن هناك سياسة خارجية متبعة، وكل هذا كان أشبه بالكارثة.

لم يجلب الاستقلال بعد الحرب الاستقرار والازدهار للبلد الجديد! كان على "جورج واشنطن" القائد العسكري السابق في الجيش الأميركي أن يحذر الناس، "إما أن ننشئ فيدرالية تحت قائدٍ واحد، فنصبح بلداً واحداً، وإما أن يكون هناك ثلاث عشرة ولاية سيادية مستقلة سيكثر التنازع فيما بينها".

(( البحث عن الوحدة )) ..
في عام 1787 (( الميثاق الدستوري )) .
أي بعد إحدى عشرة سنة على إعلان الاستقلال، اجتمع ممثلون عن الولايات في "فيلادلفيا هنا تم توقيع إعلان الاستقلال.
سيناقش الآن الممثلون مستقبل الأمة الجديدة، كانت هذه بداية الميثاق الدستوري المعروف جيداً في التاريخ الأميركي.
في الدستور الذي أعد عام ألف وسبعمائة وسبعة وثمانين، كان المفهوم الأساسي لإنشاء حكومة وطنية هو: إن لم نتحد فستدمرنا القوى الأوربية، كنا بحاجة إلى حكومة مركزية.
اجتمع خمسة وخمسين وجيهاً في المجلس الدستوري، كان كل رجال الدولة تقريباً والجنرالات الذين شاركوا في تأسيس الأمة الجديدة كانوا موجودين هناك، وكان معظمهم من خريجي الجامعات، كان من بين الأعضاء مالكو المزارع، ورجال الأعمال، والمحامون ورجال المصارف.
تم اختيار "جورج واشنطن" كضابط مشرف على الميثاق الدستوري، جلبت الثورة الأميركية التي دامت ثماني سنوات شرفاً كبيراً وامتيازاً إلى واشنطن، وأصبح يمثل الرمز الجديد للأمة الجديدة في عقول الأميركيين، بعد انتهاء الحرب تخلّى واشنطن عن موقع القائد العسكري للجيش الأميركي، ورفض بعض اقتراحات الضباط بأن يصبح ملكاً.

رفض الملكية , وشخصية جورج واشنطن )) .

كان هناك رجل يبدو أنه من مواليد إيطاليا وكتب رسالة إلى واشنطن وعبّر عن فكرة مماثلة، كان رد واشنطن شديد الهجائية، قال: "لن أجد عرضاً منك أكثر إهانة لي وأكثر استحقاقاً للشجب من فكرتك في أن أصبح ملكاً"، فتراجع الرجل، كان الكل يعرف أن واشنطن هو أهم شخصية لديهم، إذا لم ينادي بالمَلَكية، فلن يكون هناك ملك.
رفض واشنطن كل الدعوات وعاد إلى "جبل فيرنون"، حيث تولى مسؤولية المزرعة، وعاش حياة مالك مزرعة، كما كان يفعل من قبل، واشنطن الذي كان رافضاً أن يصبح ملكاً، أعطى الأمة الجديدة مساحة شاسعة لتتطور، لقد أكسبه قراره احترام المزيد من الناس.
دام الميثاق الدستوري الذي أشرف عليه واشنطن مائة وستة عشر يومًا، كان هذا أطول ميثاق في التاريخ الأميركي.

الجدل بين الاتحاد وضمان الحريات الفردية .

كان هناك نزاعات وجدل حاد بين وفود الولايات حول المسألة الصعبة المتمثلة بكيفية تأسيس حكومة فيدرالية قوية، وفي الوقت عينه ضمان الحريات الفردية بشكل كامل.

17/9/1787 ولادة الدستور الأمريكي .

ظهر أخيراً أول دستور مكتوب للولايات المتحدة.إي دستور ناجح هو الذي يمثل الرغبات الشرعية للشعب، لا أعتقد أن الأميركيين يعتقدون بأن هناك نموذجاً لدستورٍ واحدٍ في العالم، إن النظام البرلماني يناسب بريطانيا، والنظام الرئاسي يناسب الولايات المتحدة، المهم هو أن يعكس شكل نظام الحكم الرغبات الأصيلة للذين يلتزمون بالدستور.
يؤكد الدستور ويضمن أن تنتقل سيادة الدولة من حكومات الولايات إلى الحكومة الفيدرالية، في الوقت نفسه يشترط الدستور أن تحتفظ كل ولاية بحق الحكم الذاتي من دون تدخل الحكومة الفيدرالية.
في نيسان إبريل عام ألف وسبعمائة وتسعة وثمانين استلم واشنطن رسمياً الحكم كأول رئيس للولايات المتحدة.
إن صياغة وتطبيق الدستور الفيدرالي أنتج ولايات متحدة أميركية حقيقية.
وصف بعض الناس الدستور بأنه اقتصادي، إذ إن الدستور يعرّف تقسيم العمل للفرد، وحكومة الولاية، والحكومة الفيدرالية في إن الدستور كان عنصراً مهماً جداً للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، فقد حوّل مجموعة من المستعمرات الخاضعة للنظام البريطاني وللضوابط التجارية البريطانية، إلى نظام قادر على الحفاظ على نمو اقتصادي طويل الأمد.
بموجب بنود الكونفدرالية، سيكون هناك حواجز تجارية بين مختلف الولايات، هذا يعني أن نقل البضائع بين الولايات سيخضع للقيود، مما يؤثر على تشكيل السوق العامة، ومن أهم مميزات الحكومة الوطنية هو أنها توفّر سوقاً شعبية.
العملية الاقتصادية التي تمنح ضماناتٍ قانونية لتطوير الاقتصاد الأميركي.
منذ ذلك الحين لم يكن لهذا البلد الجديد حكومة موحدة فحسب، بل كان له سوقٌ موحدة وعملة موحدة ونظامٌ ضريبي موحد، فيما يخص العملية الاقتصادية، فقد تبنوا مباشرة النموذج الاقتصادي البريطاني "دعه يعمل".
من أجل تغيير الحقيقة الواضحة بأن الاقتصاد الأميركي كان متأخراً عن الاقتصاد الأوروبي، قامت الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة بنسخ النظام المالي ونظام الخزينة من أوروبا.
في شباط فبراير عام ألف وسبعمائة وواحد وتسعين تم إنشاء أول مصرف وطني في الولايات المتحدة.
بدأت السوق المالية والبورصة وشركات المال الشبيهة بنظيراتها في أوروبا، بدأت بالظهور، أضف إلى ذلك أنه تم جمع المال، من خلال إنشاء شركات مالية لإنجاز البنى التحتية، كالطرقات السريعة والقنوات والجسور.
بدأت الولايات المتحدة التي تحمل بيدها "عصا الأبدال"، بدأت الثورة الصناعية متأخرة قليلاً، لكن العملية الصناعية في الولايات المتحدة قد نفذت بطريقة أسرع من تلك التي نفذت في أوروبا، وكانت أكثر ديناميكية.
بحلول عام ألف وثمانمائة وستين، كان النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة قد فاق النمو في معظم البلدان الأوربية، لكن حتى ذلك الوقت كانت الحكومة الفيدرالية ما زالت غير قوية بشكلٍ كافٍ.
بوادر الحرب الأهلية
بعد سبعين عام على صياغة دستور الولايات المتحدة، كاد أحد الأمور التي لم يحلها الميثاق الدستوري أن يفكك البلاد.
أكثر الأرضي في جنوب الولايات المتحدة، أراضي خصبة والإنتاج وافر، والأرض تعج بالقطن "الذهب الأبيض".
عمل الزنوج الذين أحضروا من أفريقيا في حقول القطن، قام البيض والسود بأعمالٍ مختلفة، وكانت هذه غرابة السياسة الأميركية، في ذلك الوقت وفيما كانت الولايات الشمالية مشغولة بالتطور الصناعي والتجاري، وتطبيق المفهوم الرأسمالي "دعه يعمل"، كانت الولايات الجنوبية منشغلة بالدرجة الأولى بالمحاصيل الزراعية والاحتفاظ بنظام العبد الأسود، الذي كان يسيطر عليه مالِكو المزارع.
لم يكن النظام المتبع في الجنوب منافياً للفكرة الأساسية التي تقول بأن كل الرجال متساوون على الأرض الجديدة فحسب، بل أعاق التدفق الحر للعمال، وأعاق عملية التطوير الصناعي.
لماذا إذاً بقي نظام العبودية سارياً في ظل الميثاق الدستوري؟
في ذلك الوقت لم يَمسّ أحد بنظام العبودية، لأنهم أدركوا أنه إذا تم إلغاء نظام العبودية، فإن الكثير من الولايات لن تعترف بالحكومة الفيدرالية، كنتيجة لذلك كانت الولايات المتحدة فيدرالية فيها الحرية وفيها العبودية، لقد أعطت الولايات المتحدة الحماية ليس للتحرر والحرية فحسب بل لنظام العبودية أيضاً .

في تشرين الثاني نوفمبر عام ألف وثمانمائة وستين، فاز "أبراهام لينكولن" المناوئ لنظام الاستعباد بالانتخابات الرئاسية، طالبت بعض الولايات الجنوبية بالانفصال عن الفيدرالية فوراً، عام ألف وثمانمائة وواحد وستين انفصلت ست ولايات جنوبية، وبعد أربع وثمانين سنة من تأسيسها، كانت الولايات المتحدة الأميركية على حافة التفكك، دارت حرب استمرت أربع سنوات بين الولايات الشمالية التي كانت تدعم إلغاء نظام العبودية والولايات الجنوبية التي أصرت على بقاء العبيد وانفصلت عن الفيدرالية.
إذا كان تقسيم البلد إلى قسمين ممكنًا، فإن تقسيمه إلى ثلاثة أو أربعة أو ستة أو اثني عشر قسما ممكن أيضاً، إن سبب إشعال إدارة لينكولن للحرب هو أن الجنوب كان قد انتهك مبدأ الوحدة، وروح الدستور ومبدأ حكم الأكثرية.
في واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة الأميركية، يقول البعض إن واشنطن هو الذي أسس الولايات المتحدة وإن لينكولن هو الذي أنقذها، في هذه الحرب الأهلية الوحيدة في التاريخ الأميركي، ربح الشمال لأنه كان متفوقاً على الجنوب من حيث الاقتصاد والسكان والثراء، لقد أعتق لينكولن العبيد السود وحمى وحدة الأمة.
لكن فيما يتعلق بأهميتها في جعل الولايات المتحدة قوة كبرى لاحقاً، فإن الحرب الأهلية تعني أكثر.
خرجت الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية بلداً واحداً قوياً وموحداً، وأرست الأسس للولايات المتحدة كي تصبح من أقوى البلاد في القرن العشرين، لم يكن ذلك ليحصل لو قسّمت الولايات المتحدة في ستينيات القرن التاسع عشر إلى قسمين أو أكثر، أو لو فشل الشمال في كسب الحرب، لذا كان للحرب تأثير واسع على مستقبل الولايات المتحدة الأميركية. إن الحرب الأهلية جعلت السيادة المجزأة في الحكومة الدستورية الأصلية موحدة، لقد فتحت الطريق أمام تطور الصناعة في الولايات المتحدة، وكان هذا أساسياً، لو لم تكن السيادة موحدة والأرض موحدة ونظام العمل موحداً، لكانت العملية الصناعية سوف تتأجل.
كثير من علماء التاريخ الأميركي يزعمون بأن الحرب الأهلية كانت حداً فاصلاً في التاريخ الأميركي، بعد الحرب أصبحت الحكومة الفيدرالية أقوى، ودخلت الزراعة والصناعة والبلاد برمتها في تحوّلات مهمة.

الفدرالية شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزي ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة.
كان لكتابات أثنين من المراقبين السياسيين الإنكليز (ألبرت دايسي و جيمس برايس) تأثير كبير على بدايات نظرية الفدرالية. لقد حدد دايسي شرطان لتشكل الدولة الفدرالية.
أولهما هو وجود عدة دول "وثيقة الإرتباط يبعضها محلياً و تاريخياًَ وعرقياً أو ما شابه يجعلها قادرة على إن تحمل- في نظر سكانها- هوية وطنية مشتركة.
و الشرط الثاني هو "الرغبة الوطنية في الوحدة الوطنية و التصميم على المحافظة على استقلال كل دولة في الإتحاد".
من الملامح الأساسية للفدرالية توزيع السلطات. يطلعنا البروفيسور ك.س. وير في عمل كلاسيكي حول موضوع الحكومة الفدرالية: "هل يجسد نظام الحكم تقسيماً كبيراً في السلطات بين المركز والأقاليم و تنسق كل واحدة من تلك الحكومات في إطار صلاحياتها مع الأخرى وتعتمد عليها؟".
النتيجة الرئيسية لتقسيم السلطات تتمثل في عدم قدرة أي من الحكومتين (المركز- الأقاليم) على ممارسة نفس القدر من السلطة التي كانت ستمارسها في ظل دولة موحدة غير فدرالية.
الدستور في النظام الفدرالي هو السلطة العليا التي تستقي منها الدولة سلطاتها. ومن الضروري وجود قضاء مستقل لإبطال أي قانون لا يتماشى مع الدستور. والشرعية هي التي تعيق الفدرالية. إذ ينبغي أن يكون الدستور "صارماً" و غير "فضفاض . ويجب إن تكون القوانين الواردة في الدستور المذكور غير قابلة للتغيير إلا من قبل سلطة أعلى أو هيئات تشريعية. وغالباً ما تؤدي صعوبة تغيير الدستور إلى نشوء مشاعر محافظة.
الفدرالية في النظرية الفدرالية توفر نظاماً دستورياً قوياً تستند عليه التعددية الديمقراطية، وبأنها تقوم بتعزيز الديمقراطية النيابية عبر توفير مواطنة مزدوجة في مجمع جمهوري. و بالإمكان العثور على هذا التصريح الكلاسيكي في الوثيقة الفدرالية , والتي تقول بأن الفدرالية تساهم في تجسيد مبدأ العدالة القضائية و في الحد من الأعمال التعسفية للدولة. وذلك لأنها،
أولا: بإمكانها الحد من قدرة الدولة على انتهاك الحقوق، طالما أنها تضمن بأن البرلمان الراغب في تقييد الحريات فاقد للصلاحيات الدستورية و بأن الحكومة القادرة على ذلك فاقدة للرغبة فيه.
و ثانياَ: أن العمليات القانونية لصنع القرار في الأنظمة الفدرالية تحد من سرعة الحكومة على التصرف. إن مقولة أن الفدرالية تساعد على تأمين الديمقراطية و حقوق الإنسان قد تأثرت بالنظرية المعاصرة حول الاختيار الشعبي. ففي الوحدات السياسية الأصغر بإمكان الأفراد الاشتراك بشكل مباشر في حكومة عمودية وحدوية. و زيادة على ذلك فإن لدى الأفراد الساخطين من الظروف السائدة في إحدى دول الإتحاد خيار الانتقال إلى دول أخرى- و هذا طبعاً بافتراض أن الدستور يكفل حرية الانتقال بين دول الإتحاد الفدرالي. لا تزال قدرة النظام الفدرالي على حماية الحريات المدنية محل جدل، إذ غالباً ما يكون هناك خلط بين حقوق الفرد و حقوق الدولة.
ففي أستراليا على سبيل المثال يعد سبب العديد من الخلافات داخل حكومة البلاد خلال العقود الأخيرة مباشرة إلى تدخل سلطات المركز لحماية حقوق الأقليات، وهو ما أستدعى وضع القيود على صلاحيات الحكومات المحلية. ومن الضروري تفادي الخلط بين القيود التي تفرضها المرجعية القضائية – الصلاحية الدستورية الممنوحة للبرلمان لتجاوز البرلمان- وبين الفدرالية نفسها.

الملاحظ إن لدى بعض الولايات الأمريكية تاريخ غير مشرق في مجال حجب الحريات المدنية عن المجموعات العرقية و عن النساء و المجموعات الأخرى من ناحية، و من ناحية أخرى وفرت القوانين و الدساتير في بعض الولايات الأخرى حماية لمثل تلك المجموعات بتشريعات تفوقت على ما ورد في نصوص الدستور الأمريكي أو لائحة الحقوق الأمريكية التابعة له.
هذا التناقض يستبعد إن يوجد في اى نظام أخر في العالم سوى النظام الفيدرالي ... لان النظام الفيدرالي حرص من البداية على توفير أسس المعادلة الصعبة بين متناقضات بين الوحدة المركزية المتمثلة بوحدة البلد وبين سلطات الحكومات المحلية سواء كانت ولايات أو أقاليم بأن تحكم نفسها بنفسها ..... فأصبح لدينا حكومة (( فيدرالية )) تمسك بالخيوط العامة للبلاد والتي بدونها لا يكون البلد متحداً تلقائيا ومنذ نشأة وولادة الدستور الأمريكي لغاية اليوم أخذت تنتقل السلطات السيادية إلى يد الحكومة الفيدرالية وهي رئاسة الدولة ووزارات الخارجية والدفاع والمالية بينما ....سمح لحكومات الولايات بسن قوانينها الخاصة ...لذلك وجدنا إن لكل ولاية دستورها الخاص وبرلمانها الخاص ووزاراتها الخاصة وحدودها بين الولايات وزيها الرسمي وعلمها الخاص .... وهنا نجد هذا التناقض بين الولايات وهذا هو الذي سبب الحرب الأهلية والتي استمرت لمدة أربعة أعوام ...

ومن الدول التي أخذت بالنظام الاتحادي :-
• الولايات المتحدة الأمريكية 1775 م
• الاتحاد السويسري سنة 1848 م .
• المكسيك سنة 1857 م , وكذلك دستور سنة 1917 م .
• الأرجنتين منذ سنة 1860 .
• البرازيل سنة 1891 م .
• فنزويلا في سنة 1893 م .
• الاتحاد السوفيتي 1918 م .
• النمسا في ظل دستور 1920 م .
• يوغسلافيا في دستور سنة 1946 م .
• اندونيسيا سنة 1949 م .
• ليبيا ما بين سنة 1952 م إلى سنة 1963 م .
• الهند طبقاً لدستور سنة 1956 م .
• استراليا وجنوب أفريقيا .
• العراق لدستور سنة 2004 م .

اليوم هنالك 25 دولة تعتبر نفسها فيدرالية أو تعرض بعض خاصياتها. في تلك الدول يعيش 40% من البشرية. أقدم الدول الفيدرالية هي: الولايات المتحدة (1789) سويسرا (1848) كندا (1867) أسترالية (1901). بحسب تقرير للأمم المتحدة حول التطور البشري الذي يرتب 180 دولة نجد أن هنالك أربعة دول فيدرالية بين أفضل ستة دول من حيث نوعية الحياة وهي: أسترالية، كندا، بلجيكا، والولايات المتحدة؛ بعدها بقليل تأتي سويسرا وألمانيا.



#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة على الانتخابات
- العراق والفيدرالية
- قصص من بغداد البعيدة
- رئاسة جمهورية لبنان
- الشعب مصدر السلطات
- حول الدستور العراقي
- اليوم اكتملت انوثة حبيبتي
- الأردن المستفادة دوماً
- سارة خاتون والتراث العراقي
- سمك لبن تمر هندي
- ثقافتنا المتحجرة
- الجريمة في الشخصية العراقية
- اموال الخمس والزكاة .......... اين هي ؟
- نحن والسلطة المستبدة
- دين بلا رجال دين
- المتنبي ينعى نفسه
- جند السماء
- شيعة .... وسنة
- ابن جبرين ..يجب ان تعتذر
- وحدها ...ماجدة الرومي بقيت


المزيد.....




- وزير إسرائيلي يضع خطة لمنع الضفة الغربية من أن تصبح جزءا من ...
- -الطلبة يصلون مدارسهم خلال الحرّ، لكن المشكلة تكمن ببقائهم ه ...
- بعضهم مصاب بـ-اضطراب ما بعد الصدمة-.. إسرائيل تستدعي جنودها ...
- فيديو: في مشهد خلاب وحفل استثنائي.. 20 زفافا في يوم واحد على ...
- نيبينزيا: السلام في أفغانستان مستحيل بدون التعامل مع -طالبان ...
- قنابل حائمة روسية تدمر وحدات القوات الأوكرانية
- بلا أسرى أو الضيف أو السنوار.. - البث الإسرائيلية- تقول إن إ ...
- هولندا تعتزم تقديم منظومة -باتريوت- لأوكرانيا
- بوتين في كوريا الشمالية: المعلن والمخفي
- اتحاد المصريين بالسعودية يكشف مصير جثامين الحجاج المصريين ال ...


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمان محمد شناوة - نشأت الفيدرالية