|
أردوغان -المُهان-.. أهاننا!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2518 - 2009 / 1 / 6 - 09:52
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لقد أهان أردوغان بعض "أصدقائه" من "القادة" العرب إذ قال إنَّ قرار أولمرت شن الحرب على قطاع غزة، بعد وقت قصير من محادثات "جيِّدة" أجراه معه في أنقرة، ينطوي على إهانة لتركيا لا يمكنها السكوت عنها، داعياً الحكومة الإسرائيلية إلى أن تقرأ أيضاً ما بين السطور في هذا الذي قال. وتوسَّع أردوغان في إهانتهم إذ حمَّل إسرائيل مسؤولية انهيار "التهدئة" قائلاً إنَّ الحكومة الإسرائيلية لم تلتزم "التهدئة"؛ لأنَّها لم تلبِّ أحد أهم شروطها وهو رفع الحصار عن قطاع غزة، وفتح المعابر.
وحتى لا نرى معنى أقوال أردوغان بـ "عين التخمين والتكهن"، نُذكِّر (إنْ نفعت الذكرى) بما قالته ليفني، في القاهرة، في مؤتمرها الصحافي المشترَك مع وزير الخارجية المصري، قبيل عودتها إلى إسرائيل للمشاركة مع باراك وأولمرت في إعلان الحرب على قطاع غزة.
أردوغان "أحسَّ" بالإهانة الإسرائيلية له، ولدولته، ووقَفَ منها الموقف الذي ينبغي لكل من يحس بالإهانة، ويأبى، في الوقت نفسه، ابتلاعها أن يقفه؛ أمَّا العرب الذين تلقُّوا من الإهانة الإسرائيلية أضعافاً مضاعفة فلم يحسوا بها، وإنْ أحسوا فآثروا ابتلاعها والسكوت عنها.
وثمَّة من يقوده موقفه هذا، والذي يُظْهِرُ أنَّ "الاحتلال الإسرائيلي" أوسع معنىً من احتلال أرضٍ فلسطينية، إلى مزيدٍ من المواقف المماثلة والمشابهة، وكأنَّه لا يعرف من طرائق "العلاج" إلاَّ طريقة "داويها بالتي كانت هي الداء"!
ولكن ما الذي جَعَل التركي أردوغان يحسُّ بالإهانة الإسرائيلية، ويستشيط، بالتالي، غضباً على أولمرت، وعلى إسرائيل وسياستها؟
لو لم يغضب أردوغان هذا الغضب لَمَا رأيْنا شيئاً من معاني الإهانة الإسرائيلية، فنحن اعتدنا التفريط حتى في بواعث الشعور الإنساني فينا.
قال أردوغان شارحاً ومعلِّلاً: زارني رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت في أنقرة، فأكَّدتُ له أنَّنا في تركيا مستعدون للمساعدة في العمل على تجاوز أزمة انتهاء فترة "التهدئة"، واقترحنا عليهم التوسُّط للإفراج عن الجندي الإسرائيلي شاليط، ولقد وعدني أولمرت باستشارة وزرائه في الأمر، والرد عليه، لكنَّه ذهب للهجوم على غزة.
إنَّ أردوغان "حسَّاس" أكثر ممَّا يجب، فما هي، وأين هي، "الجريمة" التي ارتكبها أولمرت في حقِّه، وفي حقِّ دولته، حتى يغضب عليه هذا الغضب، ويَشْعُر أنَّ كرامته الشخصية، وكرامة بلده، قد جرحتا؟!
وقياساً على ما قاله أردوغان التركي الأطلسي، وأحسَّ به، وأعرب عنه من مشاعر ومواقف، يمكن أن نتوقَّع أن تُعْلِن تركيا الحرب على إسرائيل لو قالت ليفني في أنقرة ما قالته في القاهرة، فأين هي "العقلانية" و"الحكمة" وفضائل "ضبط النفس" و"العضِّ على الجراح" و"التسامي عن الصغائر" و"برودة العقل".. في أقوال أردوغان ومواقفه؟!
لقد استفزَّنا أردوغان إذ دعانا (من غير أن يدعونا) إلى أن نغضب، فغَضِبْنا، وصَبَبْنا جام غضبنا على "البردعة"، التي هي كناية عن تشيكيا، فهذه الدولة، التي هي نسياً منسياً، تجرَّأت، ويا للهول، على وصف حرب إسرائيل الفاشية على قطاع غزة بأنَّها "حرب دفاعية"!
"الحمار"، والذي هو كناية عن إدارة الرئيس بوش، لم نسمع نهيقه، ولم نغضب عليه، بل لم نجرؤ على التظاهر بالغضب عليه.
ثمَّ، كيف لنا أن نغضب على "البردعة" و"الحمار" ونحن الذين قُلْنا، وعلى رؤوس الأشهاد، في أمر العدوان الإسرائيلي النازي على قطاع غزة ما يَصْلُح لجعل غيرنا يَنْظُر إلى هذا العدوان على أنَّه "حرب دفاعية"؟!
ألَمْ نَقُلْ، ولكن بلغة سياسية "محتشمة" قليلاً، إنَّ لإسرائيل، بوصفها "سلطة احتلال" في قطاع غزة، "الحقَّ"، أو ما يشبه "الحقَّ"، في ضَرْبها الحصار على القطاع، بدعوى أنَّ "احتلالها" له، والذي هو في حدِّ ذاته "جريمة" بحسب القانون الدولي، يمنحها "الحقَّ"، أو ما يشبه الحقَّ، في التحكُّم في كل ما يَدْخُل إلى القطاع، أو يخرج منه، عبر "معبر رفح"؟!
ألَمْ نَقُلْ، أيضاً، إنَّ عدوان إسرائيل على قطاع غزة كان يمكن اجتنابه لو لَمْ تُعْلِن المنظمات الفلسطينية هناك أنَّ "التهدئة" قد انتهت، ضاربين صفحاً عن حقائق تفقأ العيون، في مقدَّمها أنَّ الستة أشهر من "التهدئة" قد اسْتُنْفِدَت، وأنَّ الحصار لم يُرْفع، بل ضُوعِف وشُدِّد، وأنَّ إسرائيل، وقبل انتهاء "التهدئة"، هي التي بادرت إلى شنِّ اعتداءات عسكرية على القطاع؟!
إذا كنتم مؤمنين فالمؤمن لا يُلدغ من الجحر ذاته مرَّتين (فكيف بعشرات ومئات المرَّات؟!). وإذا كنتم "حكماء" فالحكيم لا يَخُض التجربة ذاتها عشرات ومئات المرَّات معلِّلاً نفسه، كل مرَّة، بوهم التوصُّل إلى نتائج مختلفة.
إنَّكم لستم بمؤمنين، ولستم بحكماء؛ والدليل (الجديد ـ القديم) على ذلك هو ما حلَّ بكم في مجلس الأمن الدولي، الذي له باب ليس بيدٍ واهية يُدقُّ.
سافرتم إليه على متن طائرة الوهم، فعدتم تجرجرون أذيال الخيبة، فمجلس الأمن لا يسمعكم، ولن يسمعكم، إلاَّ إذا تكلَّمتم بلغة عربية فصحى.
الآن، أنتم (وعلى ما تُظْهِرون) غاضبون عليه، مستاءون منه؛ لأنَّه قال لكم، ضِمْناً، "تكلَّموا حتى أسمعكم"، واتَّفِقوا على ما تَدْعون مجلس الأمن إلى قوله وعمله.
أهي مأساة أم مهزلة؟
كلاَّ، إنَّها اجتماع الاثنتين، فأنتم قلتم لمجلس الأمن إنَّنا نريد هذا.. وذاك.. وذلك..، فأجابكم "المجلس" قائلاً (ضِمْناً) لتجتمعوا أوَّلاً، ولتقرِّروا، من ثمَّ، أنَّكم قد تواضعتم، وتوافقتم، واتفقتم، على هذا.. وذاك.. وذلك..!
إنَّكم لم تجتمعوا لتتفقوا حتى على ما دعوتم مجلس الأمن إلى إقراره والموافقة عليه، فما كان منكم، بعدما أحبط "سعيكم"، إلاَّ أن تعودوا بخفيِّ حُنين، لاعنين "المجلس" و"عجزه"، فبئس مَنْ لام غيره على عجزه عن الإتيان بشيء ينبغي له هو أن يأتي به أوَّلاً!
إنَّكم كمثل من اشترى حماراً، فلَمْ يُطْعِمه لفرط بخله، فمات، فقال في ألم وحسرة واستغراب: لقد مات بعدما تعوَّد قِلَة الأكل!
وأنتم أمَتُّم مجلس الأمن إذ أمسكتم عن إطعامه شيئاً من قوَّتكم؛ ولكن كيف لكم أن تطعموه وأنتم لا تأكلون ممَّا رزقتم من قوَّة، فخسَّستم وزنكم بأنفسكم!
عودوا الآن إلى خيمتكم الجامعة، واتَّفِقوا (إنْ استطعتم إلى ذلك سبيلا) على حلٍّ قوامه الإنهاء الفوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ ولكن ليس بما يُلْحِق هزيمة بالفلسطينيين وحقوقهم وقضيتهم القومية، وإنِّما بما يَحُول بين إسرائيل وبين قطف الثمار السياسية الحلوَّة لعدوانها. ل ِيَكُن القرار العربي (والدولي) هو الإنهاء الفوري للعدوان الإسرائيلي من خلال الوقف، أو ما يشبه الوقف، الدائم لإطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة. ولْتَكُن قوَّة تابعة للأمم المتحدة، تُشْرِف على تنفيذه، وتضمن ديمومته. ولكن، ليقترن وليتزامن هذا وذاك مع الإنهاء الفوري والتام للحصار المضروب على القطاع، ومع فتح المعابر جميعاً، ومع تولِّي الأمم المتحدة إدارتها وتشغيلها في الجانب الفلسطيني لها، ومع فتح "الممر" بين القطاع والضفة، وضمان الأمم المتحدة استمرار فتحه، ومع إدراج الضفة الغربية في هذا الحل، فالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يجب أن ينتهي مٌنْهياً معه كل انفصال بين القطاع والضفة.
هذا هو القرار العربي الذي نريد؛ أمَّا أن يكون قراراً عبرياً مُتَرْجَماً (فحسب) بالعربية، فهذا هو ما نرفض ونستنكر.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل يمكن ويجب أن تهزم في غزة!
-
جلالة القول!
-
في إجابة سؤال -ما العمل؟-
-
مجرمون آخرون في خلفية الصورة!
-
حروفٌ حان تنقيطها!
-
هي حرب ضد الشعب الفلسطيني كله!
-
العالم إذ اخْتُصِرَ زماناً ومكاناً!
-
لا تسأل -هل الله موجود؟- ولكن اسْأل..
-
حرب هي الامتداد للانتخابات!
-
في نقد نقَّاد -الحذاء-!
-
-التهدئة-.. نتائج وتوقُّعات وعِبَر!
-
-الإرهاب- بعد بوش!
-
إذا تكلَّم الحذاء فأنصتوا!
-
ليفني تساعد نتنياهو ضدَّها!
-
بعث -المجتمع-!
-
بوش إذ تقمَّص حكمة الفلاسفة!
-
نحن المسؤولين عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية!
-
اتفاقية تؤسِّس للبقاء وليس للرحيل!
-
اتفاقية تنهي الاحتلال بإنهاء العراق!
-
الشارني وموسم ازدهار المنجمين!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|