أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - إدريس جنداري - أحداث غزة و فشل استراتيجية الإعجاز و الجهاد المقدس















المزيد.....

أحداث غزة و فشل استراتيجية الإعجاز و الجهاد المقدس


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 2516 - 2009 / 1 / 4 - 09:13
المحور: القضية الفلسطينية
    


كل من يطلع على التاريخ العربي القديم ؛ يجد أن مفهوم الجهاد قاد حركة توسعية كبيرة ؛ تمكنت خلالها الدولة العربية من أن تمتد من آسيا إلى شمال إفريقيا وصولا إلى أوربا .
و قد كان النص الديني الذي يحرض على مواجهة الخصوم و قتالهم ؛ هو الموجه الأساسي (للمجاهدين ) باعتبارهم يخوضون معركتهم ضد كفار خارجين عن شرع الله يجب إدخالهم تحت لواء الدين الجديد .
و في كل هذه الحركية كان الهدف مرتبطا ببعد استراتيجي ؛ يسعى إلى توسيع حدود الدولة العربية من آسيا إلى إفريقيا و أوربا . و قد نجح الفكر العربي أيما نجاح في توظيف الدين كأداة في الصراع الاستراتيجي الذي كان قائما آنذاك بين الإمبراطوريات الكبرى .
لكن هل يمكن لهذا المفهوم أن يؤدي وظيفته خارج إطاره التاريخي ؟
و بتعبير آخر هل يمكن للعرب أن يواجهوا تحديات الحاضر الكثيرة عبر مفهوم الجهاد ؟
و هل حقق العرب في تاريخهم الحديث و المعاصر إنجازات باعتمادهم لهذا المفهوم ؟
إن عودة خاطفة إلى ما واجهه العرب خلال مرحلة القرن التاسع عشر من تحديات فرضها عليهم الاستعمار الغربي ؛ لتبين بشكل واضح أن نخبة المرحلة فطنت إلى اختلال الموازين بين الأمة العربية و بين الخصم ؛ من خلال المعارك التي خاضوها في مواجهته ؛ حيث كانت المواجهة بين (مجاهدين) سلاحهم المعجزات و سيوف قديمة و إقبال على الموت ؛ في غياب أي بعد استراتيجي أو تخطيط أو تجهيزات عسكرية . و في الجانب المقابل حضر الخصم مجسدا أرقى ما وصلت إليه المعرفة الإنسانية الحديثة من تجهيزات عسكرية و بعد استراتيجي و تخطيط محكم .
و عندما نتساءل عن النتيجة ؛ نجدها استعمارا كاملا لمجموع الوطن العربي مشرقا و مغربا ؛ و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على فشل منظومة فكرية قديمة ؛ تقوم على الخوارق الإلهية في مواجهتها للمنظومة الفكرية الحديثة التي تقوم على المعرفة العلمية بعقلها الحسابي الدقيق .
و في غياب هذه العقلية العلمية الحديثة ؛ لا يمكن النجاح في المواجهة باعتماد الروح الإيمانية ؛ و الإقدام على الموت ؛ لأن هذه المفاهيم تتناقض و العقلية الحسابية الحديثة ؛ التي تقوم على التخطيط الدقيق و الإعداد الجيد و التجهيز العسكري المتطور . و لمحاولة فهم هذا التناقض بين النموذجين ؛ نستمع لأحد الرحالة المغاربة و هو يصف استعراضا عسكريا فرنسيا ؛ مقارنا بين عقلية الجهاد و عقلية العلم الحديث :
" مضوا و تركوا قلوبنا تشتعل نارا لما رأينا من قوتهم و ضبطهم وحزمهم و حسن ترتيبهم ووضعهم كل شيء في محله؛ مع ضعف الإسلام و انحلال قوته و اختلال أمر أهله. فما أحزمهم و ما أشد استعدادهم و ما أتقن أمورهم و أضبط قوانينهم و ما أقدرهم على الحروب و ما أقواهم على عدوهم لا بقلوب و لا بشجاعة و لا بغيرة دين؛ و إنما ذلك بنظامهم العجيب و ضبطهم الغريب " . محمد بن عبد الله الصفار – نقلا عن سعيد بنسعيد العلوي –أوربا في مرآة الرحلة –منشورات كلية الآداب – الرباط – ط:1 – 1995 .
إن السر في قوة الخصم يرتبط بالضبط و الحزم و حسن الترتيب و الانضباط للقوانين ؛ لا بالشجاعة و الغيرة على الدين – يؤكد الرحالة المغربي- أي إن المواجهة ليست بين مؤمن و كافر ؛ ينصر الله الأول و يخذل الثاني ؛ و لكنها بين العقلية العلمية الحسابية ؛ و العقلية الدينية الإعجازية ؛ و النتيجة الواضحة هي انتصار الأولى و خذلان الثانية خلاف المنطق الديني .
إن المرحلة التي نعيشها الآن لا تختلف في شيء عن المراحل السابقة ؛ و كأن التاريخ العربي جامد لا يتحرك ؛ فما زالت العقلية الدينية الإعجازية هي التي تقود معاركنا ضد الخصوم ؛ و ما تزال الشعوب العربية تقوم الليل صلاة و النهار صياما تنتظر النصر الإلهي المؤزر ليخرجها من نكساتها المتتالية ؛ حيث لا تحصد إلا الهزائم في جميع المعارك .
و يحضر المتخيل الديني مدعما هذيانها ؛ فمن غزوة بدر التي غلبت خلالها ثلاثمئة ألفا ؛ و التي نزلت خلالها الملائكة لمؤازرة المؤمنين ؛ فتم النصر بإذن الله ؛ إلى علقمة ذلك الشيخ الهرم الذي حمل سيفه و ركب فرسه ؛ و اتجه ليفتح بلاد فارس بأكملها ؛ فتم له ذلك بإذن الله ؛ و انهزم الكفار شر هزيمة ؛ ...
و تتسمر الشعوب العربية أمام شاشات التلفزيون تنتظر بشغف نزول الملائكة في غزة لمؤازرة حماس المؤمنة ؛ أو أن يحطم صاروخ القسام كل دولة إسرائيل بإذن الله ؛ و يخرج خالد مشعل طالبا من هذه الشعوب المخدرة الإكثار من الدعاء في صلواتهم كي ينصر الله حماس في معركتها ضد اليهود الخنازير ؛ و يؤكد لهذه الشعوب بأن له يقين تام بأن الله سينصر المؤمنين في غزة و سيخذل الكفار ؛ و يخرج الفقهاء من جحورهم داعين إلى الجهاد ضد اليهود ؛ موزعين الفتاوى بالمجان في المواقع الإلكترونية و القنوات التلفزية و الإذاعات و الصحف . و تخرج كل الشعوب العربية إلى الشوارع داعية بالويل و الثبور على اليهود الخنازير ؛ مرددة شعاراتها : " خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود ". و تعيش الأمة العربية من المحيط إلى الخليج هذيانا ليس له مثيل ؛ بينما لا يرتبط الأمر بكل هذا الاستنفار تماما ؛ بل يرتبط باستراتيجيات و خطط عسكرية و تجهيزات متطورة ؛ و المواجهة بين من يمتلك هذه الوسائل و من لا يمتلكها .
سيقول قائل بأنني مع اليهود و ضد المسلمين ؛ بينما كان علي كذلك أن أخرج إلى شوارع الرباط لأردد الشعارات و أدعو لليهود بالويل و الثبور ؛ و أهددهم بأن جيش محمد سيعود.
إنني أجيب ببساطة بأننا الآن و أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى التساؤل حول عقليتنا ووسائلنا القديمة في مواجهة دولة عرفت كيف تستفيد من العقلية العلمية الحديثة في مواجهتها لنا . و بدل أن نملأ الدنيا صياحا و نحيبا و نشغل أنفسنا بقيام الليل دعاء ؛ و الخروج إلى الشوارع لترديد الشعارات الحماسية ؛ بدل كل هذا يجب أن نفكر في بناء الدولة الحديثة القائمة على المؤسسات ؛ يجب أن نفكر في ترسيخ الديمقراطية ؛ يجب أن نفكر في طرد الدين من حياتنا العامة و العودة به إلى المساجد مكانه الحقيقي؛ يجب أن نفكر في تعليم حديث يمكننا من ترسيخ المعرفة العلمية الحديثة لناشئتنا ؛ بدل تعليمهم الخرافات و الشعوذة و تربيتهم على الفكر الغيبي الإعجازي ...
إن هذا بالضبط هو ما قامت به اليابان بعد أن أحرق شعبها بقنبلتين ذريتين ؛ لقد اعترفت بالهزيمة و أقرت أنها ليست في مستوى المواجهة ؛ و هذا لا يعني أنها تخاذلت كما قد يبدو لبعض العنتريين منا ؛ بل على العكس من ذلك كان التوجه لمعالجة الضعف الذي تعاني منه على جميع المستويات ؛ و قامت بإصلاحات جذرية على مستوى الاقتصاد و السياسة و المجتمع و الثقافة ... و الآن تلعب اليابان في نادي الكبار؛ و تسدد الأهداف تلو الأهداف ؛ عبر اكتساحها للأسواق العالمية ؛ و تأثيرها على السياسات الدولية و تطمح بشكل مشروع أن تحصل على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي ؛ حتى تكون لها كلمتها جنبا لجنب مع دولة قصفتها لما لا يتجاوز نصف قرن بقنبلتين ذريتين .
إنها رسالة واضحة لكل من يفكر بشكل عقلاني ؛ فإما نتوجه لإصلاح شؤوننا الداخلية على جميع المستويات ؛ و إما سنواجه مستقبلا نفس التحديات التي واجهناها منذ القرن التاسع عشر و حتى الآن ؛ و في كل تحد كنا نخرج أضعف من سابقه ؛ و نفس المصير هو الذي ينتظر الأجيال القادمة إن ظلت دار لقمان على حالها .







#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مساءلة التراجع الحضاري للأمتنا العربية : هل سببه تخليها ع ...
- في حاجة الفكر العربي المعاصر إلى استلهام روح التنوير النهضوي ...
- من الشورى إلى المستبد العادل : الفكر الديني و تكريس دولة الا ...
- الحلاج .. في صلبه المباغت
- الديمقراطية بناء ثقافي و ليست فقط صناديق اقتراع .
- العلمانية و الدولة المدنية في الثقافة العربية : المشروعية ال ...
- تأويل النص الديني و تكريس الرجعية في الثقافة العربية


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - إدريس جنداري - أحداث غزة و فشل استراتيجية الإعجاز و الجهاد المقدس