أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل ابراهيم المشايخي - قراءة في نص ( منفى .. آخر )















المزيد.....

قراءة في نص ( منفى .. آخر )


خليل ابراهيم المشايخي

الحوار المتمدن-العدد: 2516 - 2009 / 1 / 4 - 04:04
المحور: الادب والفن
    



لابد من أن يستوقفك عنوان النص ، ويثير في نفسك أشياء وأشياء ، قبل أن تلج اليه .. لقد عمد الشاعر ( محمد كاظم جواد ) بدريّة ودراية الى ان يكون العنوان مثيرا للتأمل وربما للفضول والتساؤل ... بدأ بنكرة مقصودة بعد مسكوت عنه معّلم بالتنقيط ليفسح المجال للتخيل والتأويل ليسبح في فضاء الفراغ بحثا عن شئ يتعلق بهذه النكرة التي كانت ومازالت تتشاكل مع حياتنا وآلامنا وآمالنا.. ( منفى ) ان الذي يعيش بصدق وبمعاناة حقيقية ممتطيا حزن العالم ما عليه الا ان يمتطي صهوة آلامه ومعاناته بحثا عن منفى حتى في داخل نفسه ..و ليكون العنوان اكثر ترميزا في دلالته جعل المسند اليه محذوفا واظهر المسند ليعطي اليه سمة ثبوتية ، فالشاعر كان بارعا في التقاط المسند وهو على صورة استاتيكية فعبر عنه بالاسم النكرة وكأني به اراد ترك المقيدات والاضافات الامتدادية على نواة الجملة لكنه بعد تفكير عميق عدل عن ذلك ، فاخترقها باسم نكرة اخرى ليقيدها ويخصصها محاولة ذكية منه لإدخال المتلقي في عملية صنع المعنى ..
فضّ الشاعر نصّه بهدوء نسبي
ربّما ... اتوسل بالبحر
ليقودني الى منفى ...
باستخدام حرف الجر الزائد ( ربّ ) وكفها عن الجر باستخدام ( ما) ليبيح لنفسه بعد مسكوت عنه التقاط الحدث وهو على صورة ديناميكية ، معبرا بالفعل المضارع المسند الى المتكلم ليمنحه قوة تعبيرية لرسم صورة ترجع انتاجيتها الى البنية السطحية لبناء نصه بناء هندسيا يمتاز بفنية عالية وباحكام هندسة الشكل الدلالي ، ويتضح ذلك من خلال محاولة الشاعر المحافظة على صياغة تركيبية واضحة ابعد عن الالتباس :
اتنفس فيه هواء لايشبهني
استجمع كل ّ قواي
التي دب ّ فيها الوهن
كدبيب النمل الجائع
لقد عمد الشاعر الى الانحراف عن بؤرة التركيز في تعبيره :
( أتنفس فيه هواء لايشبهني )
من اصل المعنى الملزوم الى ما ورائه الازم ، فقد خلق بذلك عملية تأويلية لدى المتلقي مقبولة لاينساق معها الى هوّة الخطأ ، وأنما استطاع ان يعتمد على انتقال الذهن من معنى اللفظ الى معنى مغاير له تمام المغايرة ..
الهواءـــــــــــــــــ انحراف بنية التركيز ــــــــــــــــــــ الشاعر ـــــــــــــ عدم المشابهة





انحراف بنية التركيز

الهواء


الشاعر
عدم المشابهة





لقد استخدم الشاعر ببراعة فائقة البنية الفعلية لانتاج التجدد ، بعد أن طعم الكلمات السمة الزمنية ( الحال والاستقبال )
اتنفس + يشبهني + استجمع سمة الزمنية المتجددة
سمة الفاعلية الواجبة
وفي نهاية المقطع نجده يستخدم الحدث الحامل دلالة زمنية ماضوية ليكون مركز التحول لانه وجدها بنية وافية بالمراد (دبّ) ويحاول الشاعر ببراعة واقتدار بلاغي ان يبين مااعترى قواه من وهن فيلجأ الى بنية التشبيه فجعل ( الدبيب ) هو بؤرة التركيز فانزاحت هذه البؤرة عن جميع المكونات الى مسكون واحد ، فنجح بخلق صورة ابداعية باعادة انتاج الواقع ، وقد وصل من خلال هذا التشبيه في لحظته الابداعية الى حالات التجرد ... بعد ان جعل المركز الذي انفجر منه المعنى هو الفعل ( دب) مستخدما المشبه به مصدر الفعل نفسه لتعظيم حالة الوهن مما ملأ النص بزخم دلالي كبير .
ويبدا المقطع الثاني من النص بقوة باستخدام البنية الفعلية لانها بنية وافية بالمراد لانتاج التجدد:
يقولون ان المنافي ضيقة.......
والبلاد ستلاحقك
لتسدد فاتورة حسابها
فمن خلال مقول القول يؤكد على ان المنافي مهما تنوعت فهي تضيق بما رحبت بالانسان وهذه حقيقة يعيشها الانسان في منفاه يجد كل شيء يضيق به حتى السماء كما يقول الشاعر الاسباني لوركا:
اية سماء هذه
ما من منفذ؟
فحاول الشاعر تأسيس انطباع واقعي (المنافي ضيقة) ليستطيع عبره تأسيس جو انفعالي لدى المتلقي في احساسه بالضيق وربما بالآختناق لاسيما بملاحقة بلادك لك التي أنت مدين لها بكل شيء فستطالبك بحقها عليك
وستلاحقك محبة الأهل والأصدقاء والأحبة وذكريات المكان ومسمياته ،وكثيرا ما تقض مضجعك في المنفى.
وقد عمد الشاعر الى تسمية الأمكنة خارج الوطن بــ(المنفى) وربما أجده قصد حتى داخل الوطن ،فأراه استخدم مفردة المنفى كناية عن الابتعاد مرة عن الوطن وأخرى كناية عن التهميش الذي يمارس ،بحيث يجد الانسان (الانسان) نفسه منفيا في نفسه ،في ذاته فيما حوله (البيت ــ الشارع ــ مقر عمله ان كان له عمل بقي لم يسلب منه) .
كل الأشياء بتباينها وتغايرها وربما في تشابهها قد تستمطر الدمع من العينين التي ألفت و منت النفس غير ما تبصره وتعيشه ...وكفى بالمرء حزنا وأسى وآلاما أن يحدق في المرآة ليجد آثار ذلك مرتسمة بل محفورة على الجبين :
لست بحاجة الى أن تدخل نفسك
في أشياء تبصرها بعيون باكية
أنظر الى وجهك في المرآة....
سترى خارطة صماء..........
تمتد من القلب ......
الى خطوط جبينك المتغضن
نجد ان الشاعر تغيرت شفرة كلامه وانحرف اتجاهه من ضمير المتكلم الى ضمير المخاطب المفرد ليتمكن من وصف حاله عبر هذا الانحراف لمخاطبة الآخر فكثف فيها آثار ماخطه الألم وما فعلته به الأحداث وكأني بالشاعر يتفاعل مع الآخر ليؤسس لنا مظلومية نفسه التي هي مظلومية صديقه الشاعر عبد الرزاق الربيعي ،وفي المقطع الثالث يكشف الشاعر وجله وقلقه وآلامه ومعاناته بتعابير مجازية ذات دلالات مكثفة تنم عن وعي كبير وبراعة فائقة في استخدام الطاقات اللغوية بدفقات شعرية قوية:
نصف قرن وأنت تحلم
برفقة ألمك الذي لاينتهي
حتى أحلامك ضيقة
أحيانا تحذر من رفقتها
بمثل هذه التعابير البلاغية السلسة القريبة من النفس لصدقها وعفويتها يتحدث الشاعر الى الآخرحديثا عذبا رائقا مخبرا عن الزمن الذي قضاه الأخير (الشاعر عبد الرزاق) انه نصف قرن من المعاناة فالأحلام عبئا صارت صنو الألم (الذي لاينتهي) .....أخذت هذه الأحلام يأكلها الألم وتقضمها المعاناة طوال هذه الفترة فما عاد يأمن حتى من أحلامه....وفي المقطع الرابع يقول الشاعر:
وفي منتصف العمر
كنت تئن من وجع الحرب
وهي تحاول أن تطرد من عمرك
مابقي من أيام
نجده في هذا المقطع يعود الى هدوئه،لما يتطلبه الموقف منه ذلك .اذ يبدأ بشبه جملة من الجار والمجرور ليخبرنا ماكان يعانيه مثل غيره من مصائب الحرب وويلاتها التي حطمت أجمل أيام الشباب وسرقت منا أحلامنا ومستقبلنا وما زال طلاب الحرب ممن ألقت بهم جيف البطون على العراق يغذون ايقادها ويعزفون اللحن الظلامي للاجهاض على مابقي من أيام وأحلام الناس الطيبين .ويتصاعد بناء هذا النص الابداعي بهندسة متقنة وبفنية عالية لما يمتلكه الشاعر من هيمنة معرفية على أدواته التعبيرية وخبرة شعرية وموهبة حقيقية فنجده ينتقل الى المقطع الآخر مستخدما الجملة الطلبية الاستفهامية:
هل جربت أن تطلق صيحتك
في صحراء جوعك الأبدي ؟
أنت خبرت الصحراء
وعرفت دلائلها
التي تغيب أحيانا
كنت تأكل من ذرات رملها
وتتحسسها بين ملابسك الرثة
استفهم الشاعر عن شبه الجملة اطلاق صيحة صديقه المخاطب ،أجرب اطلاقها في صحراء الجوع أم لا؟
ثم يتحول من اسلوب الطلبي الاستفهامي الى الاسلوب الخبري ،اسلوب التقريري المباشر (أنت خبرت الصحراء)باستخدام الخبر اللازم الفائدة ..وكانت بؤرة التركيز مفردة الصحراء ،فعمد الى استخدام اسلوب الانزياح البلاغي

* حقيقة ـــــــــــــــــــ المكان الواسع لانبات فيه
• ألصحراء
• * مجازاــــــــــــــــــ الحياة التي سلب مباهجها ومفاتنها أعداء الحياة



جوع العقل
* جوعك الأبدي ــــــــ جوع النفس
جوع البدن
يحاول الشاعر أن يجعل المتلقي يقظا كيلا تأخذه التعبيرات وتبعده عما بدأ به الحديث عن (الوسيلة) التي بدأ بها نصه وهي البحر ليبدلها بوسيلة أخرى ميزها للانتقال الى منفى آخر:
سأتوسل بالأنهار
مادام البحر بعيدا
البحر الذي لاأعرفه الا في كتب الجغرافيا
وصيحات التأريخ
ها هو الشاعر يخبرنا لم بدل وسيلته؟ ، لأن جغرافية المكان الذي عاش فيه بعيدة عن البحر،فالبحر غريب عنه لايعرف عنه شيئا الا في كتب الجغرافية وفي كتب التأريخ حينما يتحدث عن الحروب (البحر من ورائكم والعدو أمامكم).....(الحروب الصليبية ـ القرصنة الدولية ـ السفن الحربية ـ البارجات ـ الغواصات ـالحرب العالميتين ـ )

ثم ينتقل الى وسيلة أخرى غير الأنهار ان لم تؤد به الى المنفى:
سأتوسل بالوطن الملقى
على قارعة الدرب
أن يمنحني منفى أتلمس فيه سنيني
فأنا ما عدت أطيق رؤية حتى من يفهمني
ربما يجد المتلقي شيئا من الغرائبية في التعبير كيف أن الشاعر يريد منفى آخر بعيدا عن وطنه ،ثم يتخذ من الوطن ان لم ينفعه البحر
أو الأنهار وسيلته وصولا الى منفى آخر ...وأرى ان الغرابة قد تزول حينما يعلم المتلقي أن الشاعر لايرى الوطن مثلما اعتاد أن يراه الآخرون ، وطنا ذا أهمية كبيرة فما عاد كذلك بالنسبة الى الشاعر فقد دمرته الحروب ومزقت أحشاءه وبيعت بأبخس الأثمان..انه وطن ملقى على قارعة الدرب يسلبه من يشاء ويركله من يشاء بما يشاء ...فعسى الشاعر أن يجد ماضاع من سني عمره في منفى آخر ،لقد وصل به الضجر والألم والوهن حدا أصبح لايطيق أقرب الناس اليه ....ثم يحاول الشاعر الاعلان عما يريده معطيا تعليلا لكل مايريده:

أريد حلما
يهيأني لمسرات أتلمس فيها أوجاعي
أريد نشيدا شاملا ألملم فيه شتاتي
أريد ربيعا مكتنزا بطفولتي
أريد حاكما يعرف معنى نظرية فيثاغورس
والقاسم المشترك الأعظم
نجد ان الشاعر قبل أن يختم قصيدته يكشف عما يحلم به بشكل صريح مستثنيا حلم المنفى ،فبتعبير بليغ متقن مستخدما فيه عملية الانزياح لخلق صورة حية ناطقة تنث مسرات ملونة بأوجاع الشاعر فيحلم بربيع مكتنز بطفولته ،وهي ارادة غير متحققة ربما حتى من قبيل الأحلام بعد أن أخبرنا انه لما يزل يئن من وجع الحرب التي تحاول طرد مابقي من ايام عمره....
ثم يعلن انه يريد حاكما فاهما لا جاهلا وقد استخدم الترميز وهي معرفة الحقيقة العملية المطبقة في العلم فعلم الرياضيات هو رأس العلوم ،ومعرفة القاسم المشترك يعني معرفة الشيء المشترك بين الأشياء بشكل علمي هو أقل المشتركات بين الأشياء وأرى ان هذا التعبير كناية عن العدل والسوية بين الرعية عن حاجة الوطن بمن تتوافر فيه عقلية سليمة ناضجة تتمتع بشيء من العلمية بعيدا عن الأهواء والمنافع الشخصية والحزبية والطائفية...
وفي ختام نصه يلجأ الى اسلوب الطلب مستخدما اسلوب النداء بــ(أيها) دون غيرها من أدوات النداء لأن فيها أوجها من التأكيد وأسبابا من المبالغة ،لأن مقتضى الحال تحتم على الشاعر أن ينادي بالأوكد والأبلغ ...
أيها البحر...أيتها الأنهار....أيها الوطن
فبعد أن حاول الشاعر أن يتخذ منها وسائل تقوده الى منفى آخر يعلن في نهاية نصه
(أن لا حاجة لي الى منفى آخر
.................................
أسقط فيه كل خساراتي)
وكأني بالشاعر قد تخلى عن أحلامه وانفرد بمصاحبة آلامه وهمومه ولم يبق مايسقطه من خساراته الكثيرة لا من عمره ولا من آماله وأحلامه اذن فما الذي يدعوه بعدذلك للبحث عن منفى آخر مثلما بحث صديقه الشاعر واستقر فيه ؟ ليسقط فيه خساراته.



#خليل_ابراهيم_المشايخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل ابراهيم المشايخي - قراءة في نص ( منفى .. آخر )