أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حجي - حول غياب العقل النقدي














المزيد.....


حول غياب العقل النقدي


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 2515 - 2009 / 1 / 3 - 05:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في ظني أن "العقل النقدي" شبه غائب في واقعنا. وأعتقد أن أبرز أسباب غياب العقل النقدي في عموم حياتنا هي ضآلة الهامش الديمقراطي ووجودُ عجلةِ القيادةِ في حالاتٍ كثيرةٍ في يدِ غيرِ الأكفاءِ وأصحابِ التكوينِ الثقافيِّ والإداريِّ البسيطِ وإنتشار ثقافةٍ دينيةٍ رجعيةٍ – فكل ذلك لا يمكن أن يُنتجَ إلاَّ ضعف في العقلانيةِ وضعف في المشاركةِ ودرجةٍ عاليةٍ من السلبيةِ وشيوعِ المسلماتِ التي لا تصمد للنقدِ الموضوعي الذي هو الأداةُ الكبرى للتقدم. إن ضآلة الهامش الديمقراطي يقوط لوقف الحراكِ الإجتماعيِّ … ووقفِ الحراكِ الإجتماعيِّ يؤديَ إلى إنتشارِ "عدمِ الكفاءةِ" … وإنتشارِ عدمِ الكفاءةِ يؤدي لإنهيارِ المستويات في كلِ المجالاتِ – وضمن ذلك "تراجع دورُ العقل" . لقد حاولَ إبنُ رشد منذُ ثمانية قرون إحياءَ العقلِ وإبرازَ قيمته الكبرى فضربه الجميعُ في مجتمعاتنا وتبنته فرنسا ليكونَ أداتَها الكبرى في هزيمةِ الثيوقراطيةِ . أنظر لما يكتبُه رجلٌ جاء لنا (عقلياً) من رحمِ القرونِ الوسطى كل أسبوع بجريدةِ الأخبارِ لتعرفَ لماذا نتحركُ (بسرعةٍ) للخلفِ ، إنه معولُ هدمٍ أسبوعيٍّ (وفي جريدةٍ واسعةِ الإنتشارِ) لكل قيمِ الإنسانيةِ والتمدنِ والتقدمِ ولا يعرف هذا الكاتبُ الجيوراسي (أي من الحفرياتِ) أنه يتكلم عن صورةٍ مجيدةٍ لم توجد في يومٍ من الأيامِ – إنها صورةٍ من صنعِ الخيالِ والوهمِ أما الواقع فقد كان عامراً بالقتلِ والدمِ (مثله مثل أحوال الدنيا في تلك القرون). ويتحدث هذا الكاتب الجيوراسي عن "الآخر" كشيطان. والواقع أن الآخرَ ليس شيطاناً وليس أيضاً ملاكاً . ولكن العقلَ القبليَّ لا يستطيع أن يدركَ إلاَّ أن الآخرَ هو العدوُّ الذي يريدُ هدمنا وينبغي علينا محاربته بالسيفِ واللسانِ – وتلك ظاهرةٍ طبيعيةٍ بالنسبةِ لمناخٍ ثقافيٍّ مثل مناخِ الصحراء التي ليس فيها إلاَّ القبلية والعزلة والرمال التي من ورائها يأتي الخطرُ . إن الآخرَ هو (في الحقيقةِ) ما ينبغي أن نندمجَ في حواراتٍ لا تنقطع معه للإستفادةِ والعملِ المشتركِ والتواصلِ الإنسانيِّ – علماً بأن العقلَ القبليَّ البدويَّ ليس بوسعِه أن يفهمَ معنى كلمة "الإنسانية" . لقـد كان للآخرِ دوراً رائعاً في حياتنا خلال القرنين الماضيين في سائرِ المجالاتِ ومن بين ذلك الصحافةِ والمسرحِ والأدبِ والترجمةِ والفكرِ بل إنني أزعمُ أن مصرَ كانت بوتقةَ إنصهارِ المصريِّ مع الآخرِ إنصهاراً إيجابياً مُنتجاً وفعالاً، أنتجَ عشرات الآثارِ الراقيةِ والجميلةِ، أما العزلة فقد أنتجت قبحاً لا يخفى اليوم على أحد . إن أمليَ كبيرٌ أن تكونَ الأقلياتُ في البلدانِ الناطقةِ باللغةِ العربيةِ هي "الموصل" لعدوى التقدمِ والتمدنِ والسيرِ تجاهِ "العصرِ الذي نعيشه" لا "تجاه الماضي الذي ينتمي لظلامِ القرونِ الوسطى" .

وإلى جانب غياب العقل النقدي في عموم حياتنا فإنني أتشككُ في وجودِ طبقة إنتليجنسيا في سائر البلادِ التي تتكلمُ باللغةِ العربيةِ. فمنذ الخمسينات ومعظمُ النظم العربية شديدةُ الحرصِ على إيجادِ ما أُسميه "المثقف الرسمي" . هذا المثقف قد يكون قارئاً ممتازاً وباحثاً جيداً ، ولكنه في معظمِ الحالاتِ "موظفٌ عامٌ" لا يملك من الإستقلاليةِ ما يَلزم لتكوينِ طبقةِ إنتليجنسيا حرة ومؤثرة لا تدور في فلكِ الحكوماتِ كما هو الأمرُ في معظمِ البلادِ العبريةِ. فمن المؤسف أن أعداداً غير قليلة من العقولِ في مجتمعاتنا تم إصطيادهم بالبترودولار البدوي وعددٌ أخرٌ تم إصطيادهم بالبترودولار البعثي … وأعدادٌ غفيرةٌ تم إصطيادهم بقانونِ جاذبيةِ الوظيفةِ العامةِ – وهكذا أصبح الواقعُ في معظمِ هذه البلادان شبهَ خالٍ من المثقفِ الحرِ، ودليلي الإضافي على ذلك أن معظمَ المثقفين في واقعنا يرددون ذات الآراء في معظمِ المسائلِ، وهي ظاهرةٌ غير إنسانيةٍ وغير ثقافيةٍ .

وتكتمل درامية الصورة بأن ندرك أن "العقل" في مجتمعاتنا قد أصابته ضربتان أو هزيمتان كبريان: أما الهزيمةُ الأولى فهي التي تمثلت في إكتساحِ مدرسةِ النقلِ في القرونِ من العاشرِ إلى الثالثِ عشر (الميلادية) مدرسةَ العقلِ التي تمثلت في تلاميذِ أرسطو وشُرَّاحه وعلى رأسهم العقلُ الفذُ (إبن رشد) . إن هزيمةَ هذه المدرسةُ أغلقت قروناً من الإنتعاشِ الفكريِّ النسبيِّ ومهدت لقرونٍ من الركودِ والجمودِ والخمودِ . وأما الهزيمةُ الثانيةُ فهي هزيمة مدرسةِ التنويرِ المصريةِ والتي شخَّصها أحمد لطفي السيد وسلامة موسى وطه حسين وعلي عبد الرازق والعقاد (قبل تراجعِه الذي عاصر فصلَه من الوفدِ) وربما كان آخرُ هؤلاءَ لويس عوض وحسين فوزي وزكي نجيب محمود . كانت مصرُ في العشرينيات تبحثُ عن تألقٍٍ ثقافيٍّ بوصفِها واحدةٍ من دررِ البحرِ الأبيضِ المتوسطِ وعلى أساسٍ من ثمارِ عصرِ النهضةِ . ولكن ظروفاً معروفةً واكبت المدَّ الفاشيَّ في الثلاثينياتِ وكذلك هزيمةِ الليبراليةِ المصريةِ جعلت مدرسةَ التنويرِ الحديثةِ في مصرَ تنهزمُ لصالحِ قوى الفاشيةِ أو الرجعيةِ . ومع ذلك ، فإنني على يقينٍ أن مدرسةَ تنويرٍ ثالثةٍ بدأت في التواجدِ على الساحةِ الآن وأن المستقبلَ لها حتى وإن لم ير التنويريون المعاصرون حدوث ذلك في حياتهم . فيقيني مطلق أن معركةَ التقدمِ مع التخلفِ لها نهايةٍ واحدةٍ هي إنتصارُ التقدمِ وإنحسارِ التخلفِ – ولكننا قد لا نرى نهايةَ هذه المعركةِ .




#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حواراتنا .. بين الحضارة والفاشية
- هل للإبداع والفكر -جنسية- ؟
- نظرات في سلبيات الشعوب
- نظرات في المسألة القبطية
- علي شريعتي ونظرية الإستحمار
- الملك والسيف
- السعودية والإختيار الحتمي
- لا للأحزاب الدينية
- التقدم بين الثبات والتغيير
- .دليل القارئ الذكي لعقل المتأسلمين
- التعليم ... التعليم ... التعليم
- الإسلام المحارب
- العقل المسلم .. إلى أين؟
- الإسلام بين النقل والعقل
- الثقافة العربية والإقامة في الماضي
- هوامش على دفتر الواقع 3
- هوامش على دفتر الواقع 2
- هوامش على دفتر الواقع 1
- حديث الأولويات ...
- الأعمدةُ السبعة للإرهابِ


المزيد.....




- أحمد الشرع: سنشكل حكومة شاملة وسنعلن في الأيام المقبلة عن لج ...
- مراسم يابانية قديمة لجلب الحظ والسلامة البحرية في فوكوكا
- القسام تؤكد مقتل قائد أركانها محمد الضيف ونائبه وعدد من أعضا ...
- وزير الدفاع اليوناني يطلب رسميا من سفيرة فرنسا توضيحات حول ص ...
- ترامب يعرب عن تعازيه إثر مقتل روس في تحطم طائرتين بواشنطن وي ...
- صحيفة تكشف التقارير الأخيرة لجهاز استخبارات بشار الأسد قبل س ...
- السفارة الروسية في واشنطن: نعرب عن تعازينا بضحايا حادثة الطا ...
- مرتضى منصور يهدد ترامب: التراجع أو المحاكمة أمام الجنائية ال ...
- وكالة: الشيباني يشارك في مؤتمر دولي حول سوريا في باريس
- واشنطن تخطط لتفجير اختباري للبلوتونيوم العسكري


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حجي - حول غياب العقل النقدي