أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - مسرحية -الغرباء-















المزيد.....



مسرحية -الغرباء-


شاكر خصباك

الحوار المتمدن-العدد: 2515 - 2009 / 1 / 3 - 04:49
المحور: الادب والفن
    


شاكر خصباك

الغرباء
مسرحية في ثلاثة فصول






الطبعة الأولى 1965م

أشخاص المسرحية

صالح : في السابعة والعشرين من عمره .
عاطفة : في العشرين من عمرها – زوجة صالح .
سليمة : في الثامنة عشرة من عمرها – شقيقة صالح .
سليم : في الثالثة والعشرين من عمره – شقيق صالح .
جلال : في الخامسة والخمسين من عمره – والد عاطفة .
ماجد : في الرابعة والعشرين من عمره – صديق سليم .
منى : في الثانية والعشرين من عمرها – ابنة خالة عاطفة .
عاصم : في الثلاثين من عمره – زوج منى .




فصول المسرحية

الفصل الأول : غرفة الاستقبال في دار الدكتور صالح ، في صباح يوم من أيا م
الشتاء .
الفصل الثاني : المنظر السابق نفسه – بعد يومين ، صباحاً .
الفصل الثالث : المنظر السابق نفسه – بعد بضعة أسابيع عصراً .
الفصل الأول
( غرفة الاستقبال فسيحة ذات أثاث حديث تتوزع الزهور في أرجائها . تبرز ي صدر الغرفة صورة تخطيطية تمثل بناية حديثة الطراز .
عاطفة في رداء منزلي وقد عصبت رأسها بمنديل وانهمكت في جلاء نوافذ الغرفة وهي تدندن بلحن السلام .
لحن السلام يرافق المسرحية طوال الوقت ويتلون حسب المواقف بين نعومة وثورة وتمرد وحزن وضيا ع .
تدخل سليمة متأبطة حقيبة كتب ) .
سليمة : صباح الخير يا عاطفة .
عاطفة : صباح النور يا عزيزتي سليمة .
سليمة : (تراقب عاطفة بدهشة وهي مكّبة على عملها ) كم الساعة ؟! ( تنظر في ساعة معصمها ) الحادية عشرة ! كنت أحسبك ما تزالين في الفراش يا عاطفة .
عاطفة : (بمرح) لا كسل بعد اليوم يا عزيزتي سليمة .
سليمة : ( بدهشة) ولكن ماذا حدث يا عطف ؟! وما هذه الزهور البديعة ؟!
عاطف : أنت تعليمن أنني أحب الزهور يا عزيزتي سليمة وأنا اليوم سعيدة وسأعود إلى هوايتي القديمة .
سليمة : ولكن ماذا جرى يا عطف ؟ أفرحيني وأخبريني ماذا جرى .
عاطفة : وأفق أبي على المشاركة في مشروع صالح يا عزيزتي سليمة .
سليمة : أصحيح ما تقولين يا عطف ؟! أصحيح ما تقولين ؟!
عاطفة : صحيح يا عزيزتي سليمة . خابرني صباح اليوم وأعلمني بذلك . وسيحضر لتناول الغداء معنا والتباحث مع صالح في مشروعه .
سليمة : ( تحتضن عاطفة وتقبلها في حرارة) أهنئك من كل قلبي يا عطف . جاء
الفرج أخيراً .
عاطفة : ( وقد ترقرقت الدموع في عينيها ) نعم جاء الفرج أخيراً . شكراً لك يا ربيّ .
سليمة : أرجوك يا عطف .. لا تبكي في هذه المناسبة المفرحة .
عاطفة : ( تمسح دموعها براحة يدها) إنها دموع الفرح يا عزيزتي سليمة .
سليمة : إذن فلنبتهج يا عطف .
عاطفة : أنا مبتهجة يا عزيزتي سليمة فلعل السلام يعود إلى حيا تي .. حرمت السلام منذ وفاة أميّ حتى لكأنه حلم من أحلام منامي .
سليمة : سيحقّق لك الله كل أحلامك يا عطف .
عاطفة : شكراً لك يا عزيزتي سليمة .. حرمني الله من الأخت لكنه عرّضني بك.
أنت لي أحسن من أخت ولا أدري كيف أعبّر لك عن شكري ومحبتي . (تحتضنها وتقبلها) .
سليمة : أنا أختك فعلاً .. إني حُرمت الأخت أيضاً وعوّضني الله بك .
عاطفة : لولا وجودك في هذا البيت يا سليمة لكانت حيا تي مع صالح كلها شقاء .
سليمة : صالح طّيب القلب يا عطف ولولا لهفته لتحقيق مشروعه ماسّبب لك أي كدر . ولا شك أن متاعبك ستنتهي ويرفرف السلام على حيا تك من جديد بعد أن وافق عمي جلال على تمويل المشروع .
عاطفة : آمل ذلك . أنا إنسانة طيبة .. هكذا ربّتني أميّ وعلمتني أن أحب الناس جميعاً .
سليمة : أنت طيبة يا عطف وسيحقق الله لك كل أمنيا تك . ( وهي تنهض) والآن علينا أن نهيءّ كل شيء قبل حضور عمي جلال . سأغيّر ملابسي وأعود في الحال . (تخرج) .
عاطفة : (مفكرة) كل ما أتمناه منك يا ربي أن تجعلني أعيش في سلام . (تستأنف عملها في تنظيف الزجاج بهمة . تعود سليمة بعد دقائق وهي تحمل فرشاة صغيرة وتنكب على العمل ) .
سليمة : بدأت كاظمية عملها في المطبخ مبكرة على ما يظهر .
عاطفة : نعم يا عزيزتي سليمة . خابرني أبي منذ الساعة العاشرة .
سليمة : سيكون الغذاء جاهزاً إذن .
عاطفة : نعم سيكون جاهزاً قبل حضور أبي .
سليمة : ( بعد لحظة) ولكن قد لا يتمكن عمي جلال من الحضور مبكراً في مثل هذا اليوم .
عاطفة : ( في فزع) لماذا ؟! هل تجددت المظاهرات اليوم أيضاً ؟
سليمة : المظاهرات اليوم أشد من أمس وأول أمس يا عاطفة .. الشوارع تموج
بالمتظاهرين .
عاطفة : ( وهي ترفع رأسها إلى السماء) ماذا سيحلّ ببغداد يا ربي ؟.
سليمة : خرج اليوم جميع طلاّب وطالبات كلية الآداب في مظاهرة صاخبة وانطلقوا إلى الكليات الأخرى لينضموا إلى طلبتها .
( مفكرة) وكم كان منظرهم حماسيا ! ( وكأنها تحدث نفسها) لولا خشيتي من زعل صالح لذهبت معهم .
عاطفة : ( في ارتيا ع) كيف تخطر على بالك هذه الفكرة يا عزيزتي سليمة ؟! أفلا تعلمين أن ذلك يعرّض حيا تك للخطر ؟!
سليمة : كل زملائي وزميلاتي يعرّضون حيا تهم اليوم للخطر . كانت مظاهرتهم تهتف بسقوط الحكومة .
عاطفة : (في ألم) ستراق الدماء البريئة في الشوارع إذن ! ( ترفع نظرها إلى
السماء) لماذا لا يعيش الناس في سلام يا ربي ؟! لماذا يبحثون دائماً عن سبب للخصام ؟! .
سليمة : المسألة ليست مسألة خصام يا عطف ، إخلاص الشبان ووطنيتهم يدفعانهم إلى المخاطرة بحياتهم .
عاطفة : بل هي السياسة يا عزيزتي سليمة والسياسة طيش وليس وراءها سوى المتاعب .
سليمة : أفيمكن أن تعتبري سليم وماجد طائشين إذن ؟! السياسة شغلهما الشاغل.
عاطفة : وهذا ما يحّيرني في أمرهما يا عزيزتي سليمة . إنهما مثال العقل ، لكنني لا أفهم لماذا يحبان السياسة إلى هذا الحدّ ! السياسة لا تجلب إلاّ المتاعب ولا تنفع سوى السياسيين الكبار وآمل ألاّ ينالهما مكروه يوماً بسببها ، فهما يستحقان كل خير .
سليمة : ( بعد لحظة) عطف .
عاطفة : نعم يا عزيزتي سليمة .
سليمة : ( في تردد ) بمناسبة ذكر سليم وماجد أحب أن أسألك سؤلاً خاصاً . ما
رأيك في ما جد ؟
عاطفة : رأيي في ما جد ؟ إنه شاب ممتاز يا عزيزتي سليمة . هو وسليم مثال
الشباب الصالح .
سليمة : ( في تردد) سأطلعك على سرّ إذن وأريد رأيك الصريح فيه .. تسلمت
رسالة من ماجد يعرض عليَّ فيها الزواج ويسألني رأيي قبل التقدّم لخطبتي .
عاطفة : ( تهرع إلى سليمة وهي متهللة الوجه وتحتضنها) ألف تهنئة لك يا عزيزتي سليمة.ألف تهنئة. كنت أقول لنفسي كلما رأيت ما جد أنه خير زوج لسليمة .
سليمة : شكراً يا عاطفة . (بعد لحظة في تردد) تعلمين يا عاطفة أن معرفتي به
سطحية ، لذا فانا مترددة في الردّ على رسالته .
عاطفة : ولِمَ التردد يا عزيزتي سليمة ؟1 ما جد شاب ممتاز وستكونان خير زوجين .
سليمة : لعلني أبدو متسرعة إذا كتبت إليه يا عاطفة .. والردّ على رسالة من هذا النوع قد لا يليق بي .
عاطفة : ولكنه يجب أن يعرف حقيقة شعورك يا عزيزتي سليمة ،فما يدريه بحقيقة شعورك ؟ أنت موافقة ، أليس كذلك ؟
سليمة : ( مفكرة) أحسبني موافقة .
عاطفة : ( وهي تعانق سليمة ) مبروك . أتمنى لكما السعادة والسلام من كل قلبي.
سليمة : ( ضاحكة في استحيا ء) أنت تستعجلين في تهنئتك وكأن كل شيء قد تم .
عاطفة : ولماذا لا يتمّ ؟‍ ما جد شاب ممتاز ، وهو صديق لسليم 0
( يدخل سليم) .
سليم : صباح الخير . أظنني سمعتكما تذكران اسم سليم .
سليمة : ( تغمز لعاطفة دون أن يراها سليم) نعم يا سليم . كنا نتساءل إن كنت
ستصل في المعياد والشوارع تغصّ بالمتظاهرين .
سليم : سلكت شوارع خلفية وإلاّ ما استطعت الوصول الآن .( يتلفت حواليه في
دهشة ) أرى حركة غير عادية ، وعاطفة مشمرّة عن ساعد الجدّ ، فماذا عدا مما بدا ؟‍
عاطفة : ( في ابتهاج) لا كسل بعد اليوم يا عزيزي سليم .
سليمة : استيقظت عاطفة في الساعة العاشرة اليوم يا سليم .
سليم : ( ي استغراب) حقاً ؟
عاطفة : نعم يا عزيزي سليم .. لا كسل بعد اليوم .
سليم : أرى في الأفق أنباء طيبة .
سليمة : فعلاً يا سليم . وافق العمّ جلال على المشاركة في مشروع صالح.
سليم : ( إلى عاطفة ) هذا خبر سارّ تستحقين عليه التهنئة يا عاطفة وإن شاء الله تزول متاعبك .
عاطفة : شكراً لك يا عزيزي سليم0 ظللت أدعو الله طويلاً أن يجعلني أعيش في سلام ، وقد استجاب إلى دعائي أخيراً .
سلم : أنت تستحقين كل خير .
عاطفة : شكراً لك يا عزيزي سليم 0 ومادمت سأتمتع بالسلام فسأكون نشطة كل يوم .
سليم : كنت واثقا يا عاطفةً أنك ستكونين أكثرنا نشاطاً إذا ما تحسنت ظروفك .
عاطفة : شكراً لك يا عزيزي سليم ، أنت تسمعني دائماً كلاماً رقيقاً وآمل ألاّ أخّيب ظّنك هذه المرة .
سليمة : ( تخاطب عاطفة وهي تفرغ من علمها ) صرنا الآن جاهزين لاستقبال
الضيف العزيز .
عاطفة : ذلك بفضل همّتك يا عزيزتي سليمة .
سليم : هل سيحضر العمّ جلال للغداء معنا ؟ ‍
عاطفة : نعم يا عزيزي سليم ، سيحضر أبي لتناول الغذاء معنا والتباحث مع صالح في مشروعه .
سليم : هذه فرصة طبية لكي نراه ، فمنذ مدة لم نره .
عاطفة : شكراً لك يا عزيزي سليم . ( يسمع رنين الجرس الخارجي) لعله أبي بالباب .
سليمة : سأرى ماذا فعلت كاظمية بالغداء . ( تخرج) .
( يدخل صالح حاملاً حقيبة طبيّة ) .
صالح : مساء الخير .
عاطفة : مساء النور يا عزيزي صالح00 ظنتك أبي .
صالح : ( يتجه إلى منضدة في زاوية من الغرفة ويضع عليها حقيبته ) ألم يحضر العم جلال بعد ؟‍
عاطفة : لا يا عزيزي صالح ، لكنه سيصل في أية لحظة .
صالح : ربما تأخر في الوصول فالشوارع غاصة بالمتظاهرين والمواصلات معطلة
تقريباً .
عاطفة : ( في قلق ) طمئني يا عزيزي صالح ، هل حدث مكروه لأحد ؟‍
صالح : الأمور تتحوّل من سّيء إلى أسوأ . قبل ساعة بدأ إطلاق النار في شارع
الرشيد وشارع الشيخ عمر وشارع غازي ، ويقال أن خمسة من المتظاهرين قد قتلوا .
عاطفة : لعلهم شبان بعمر الزهور . عفوك ربي . ما ذنب هؤلاء الأبرياء ؟‍ هل تشقي الأمّهات بتربية أبنائهن لكي تُراق دماؤهم في الشوارع ؟‍
صالح : ( في استنكار ) وماذا يتوقع من يتصدى لإسقاط الحكومة ؟‍ كانوا يهتفون بسقوط الحكومة .
سليم : وما الغرابة في ذلك ؟‍ أليس من حقّ الشعب أن يُسقط الحكومة الغاشمة؟
صالح : أنا واثق أن هذه الآراء ستوردك يوماً مورد التهلكة يا سليم ما دمت
تصغي إلى دعاوى تجّار السياسة الذين يغرّرون بالسذّج .
سليم : أولاً أنت تعرف أن هذه الآراء لا يدعو إليها تجّار السياسة . وثانيا إن أفراد الشعب ليسوا سذّجاً وهم يدركون جيداً ماذا يفعلون . إنهم يثورون على حكومة غاشمة تصادر حقوقهم المشروعة ليقيموا بدلاً منها حكومة تخدم البلاد بصدق وإخلاص وتلتزم بحقوق المواطنين .
صالح : (في تهكم) وليأتوا بزعيم شعبي يحكمهم هو وبطانته بدكتاتورية أشد من تلك التي عرفوها .. هذا هو حال معظم بلدان العالم الثالث التي تجري وراء الثورات لتغيير نظمها المستقرة0
سليم :إن ما يحدث من أخطاء في تلك البلدان يا صالح لا يعني السكوت عن الحكم الفاسد0
صالح : ولماذا فاسد ؟ أليس هو نظام برلماني ديمقراطي ؟
سليم : أنت تعلم جيداً أنها ديمقراطية مزيفة وأن النواب يعيّنون سلفاً . والملك يختار للحكومات الأشخاص الذين ينفذون رغباته0
عاطفة : ولماذا يكره الناس الحكومة يا عزيزي سليم ؟‍ إنها جعلت بغداد جّنة في شوارعها ومنتزهاتها ، ( ترفع نظرها إلى المساء ) أرجوك يا ربي . احفظ لنا بغداد . ماذا سيحلّ ببغداد إذا دامت المظاهرات كل يوم ؟‍
صالح : لا تخشي على بغداد فهي في خير .. وخّبريني بماذا أنبأك العم جلال؟‍
عاطفة : أخبرني أنه موافق على المشاركة في المشروع وسيحضر لتناول الغداء
والتباحث معك فيه .
صالح : ( في ارتياح وهو يهزّ رأسه ) إذن وافق أخيراً ‍00 يا ليته وافق منذ البداية ووفرّ علينا هذه الشهور التي ضاعت سدى .
عاطفة : أبي معذور يا عزيزي صالح ولعل هناك أسباباً قاهرة منعته من الموافقة .
صالح : ( في سخرية خفيفة) أنت وأنا نعرف حقيقة تلك الأسباب القاهرة 0‍ (ينهض نحو الصورة المعلقة في صدر الغرفة ويقف أمامها متأملاً) وعلى أية حال سأجتهد في تعويض ما فأتني من الوقت الضائع . ( يتأمل الصورة بارتياح ) تصميمك هذا ناجح جداً يا سليم ، فهو يجمع بين أناقة الغرب ومتطلبات الجوّ العراقي ، وإن كنت أخشى ألاّ يفي بالغرض.
سليم : ( ينهض ويقف بجوار صالح متأملاً الصورة ) سترى أنه وأفٍ بالغرض
تماماً يا صالح . ( يشير إلى موضع في الصورة) وعلى أية حال فإني تركت مجالاً للتوسع إذا ما دعت الضرورة لذلك في المستقبل .
صالح : ( يهز رأسه في ارتياح وهو يتأمل الصورة ) سأجعله في مصاف
المستشفيات الغربية بأناقته وفخامته .
عاطفة : وماذا سيفيد منه الفقراء في هذه الحالة ؟‍ ستكون أجوره مرتفعه ولن يتمكن الفقراء من دخوله . الفقراء مساكين ويجب مساعدتهم .. ليتك تساعدهم حقيقة يا عزيزي صالح . ولكن المشروع بهذا الشكل لن يساعدهم .
صالح : ( ينظر إليها في استياء) ما معنى هذا التعليق ؟‍ أهو وسيلة لخلق سبب
للخصام ؟‍
عاطفة : لا يا عزيزي صالح ، لم أقصد إلى خلق سبب للخصام 0 لم أرغب في ذلك
يوماً 0 كل ما أتمناه أن يتحقّق السلام للناس جميعاً .
سليم : زالت أسباب الخصام في هذا البيت الآن بلا شك والحمد لله .
صالح : أرجو ذلك .
عاطفة : ( في اندفاع) أنت أنسيتني يا عزيزي صالح أن لك قلباً رقيقاً .. قلباً أسرني بحنانه يوم كنت مريضة وكنت تعالجني . ( بلهجة أسيفة) ولكنك تغيرت يا عزيزي صالح ولم يمض على زواجنا سوى شهور قليلة .. لم تعد ذلك الإنسان الحنون الذي تمتعت بالعيش في سعادة وسلام معه حتى لكأن تلك الشهور القصيرة حلم من أحلام منامي . ولكم أتمنى أن تعود تلك الأيام السعيدة ويعود معها السلام إلى حياتنا . لعلها تعود إذا مرضت ثانية 0‍
سليم : ( ضاحكّا) ستعود تلك الأيام بلا شك يا عاطفة ، ولا حاجة بك لأن تمرضي .
صالح : ( مخاطباً سليم) إذا غيّرت نهجها في الحياة وتركت كسلها وولعها بالنوم.
عاطفة : ولماذا يضايقك ولعي بالنوم يا عزيزي صالح ؟‍ أنا أجد في النوم راحتي ،
وكل ما أتمناه في يقظتي أراه متحققاً في منامي .
صالح :الإنسان الطبيعي لا ينام إلاّ عدداً معّيناً من الساعات وهو ما يحتاج إليه جسمه .
عاطفة : ( في تأثر ) أتعني أنني إنسانة غير طبيعية ؟
سليم : بالتأكيد لا يعني ذلك ، فأنت يا عاطفة مثال الإنسانة الراقية .
عاطفة : شكراً لك يا عزيزي سليم . أنت تغمرني بلطفك دائماً . ( وهي تنهض)
سأذهب إلى المطبخ لأساعد سليمة في إعداد الغداء قبل حضور أبي .
صالح : ألا تخابرين أباك لنطمئن على حضوره ؟
عاطفة : لا حاجة إلى ذلك يا عزيزي صالح فأبي يضبط مواعيده .
صالح : لن تخسري شيئاً على أية حال فالتلفون بجوارك .
عاطفة : سأكّلمه وإن كنت موقنة أن المخابرة غير ضرورية فأنا أعلم أن أبي لا يخلف موعداً . ( تتجه إلى التلفون وتضرب الرقم) ألو .. من يتكلم ؟ نزهة ؟ كيف حالك يا نزهة ؟ بابا موجود ؟‍ خرج ؟ أهو في طريقه إلينا ؟‍0(بصوت مضطرب وقد شحب وجهها) ذهب إلى بيت عمو كامل ؟‍ لكنه أخبرني صباحاً أنه سيتغدّى معنا ؟‍ ( تتهالك على مقعد بجوارها) نعم يا نزهة .. ولكنه .. نعم يا نزهة .. مع السلامة يا نزهة . ( تلقي " السماعة" في شرود وهي مكفهرة الوجه ) لكنه وعدني وهو لا يخلف وعده ‍ .
صالح : ( بقلق) ماذا قالت لك زوجة أبيك ؟‍
عاطفة : ( شاردة ) قالت إن أبي لن يحضر للغداء معنا .. وأنه غّير رأيه في
الإسهام في المشروع 0‍
صالح :(في لهجة قاسية وقد تجهم وجهه)ماذا ؟‍ غّير رأيه في الإسهام في المشروع .
عاطفة : ( كالمشدوهة ) هذا ما قالته نزهة0 ‍
صالح : ( بلهجة غاضبة) وماذا يحسبني ؟ " قشمر" ؟
عاطفة : ( في مرارة وذهول ) لكن أبي لا يخلف وعده ‍0
صالح : ( في سخرية غاضبة) كيف غّير رأيه في ساعات معدودات إذن ؟‍
عاطفة : ( في شرود) لعل الظروف أرغمته على التراجع عن وعده 0‍
صالح : ( بلهجة قاسية) نحن نعرف طبيعة تلك الظروف 0 ويجب أن تفهمي أن الرجال الحقيقيين لا يتراجعون عن وعودهم بتأثير تلك الظروف ، فأي نوع من الرجال أبوك؟‍
سليم : وما حيلته في الأمر يا صالح إذا كانت الظروف قد اضطرته إلى تغيير
رأيه ؟
عاطفة : أرجوك يا عزيزي صالح .. لا تتحدث عن أبي هكذا .
صالح : ( لسليم) أرأيت ؟‍ إنها ما تزال تدافع عنه بالرغم من كل شيء ‍ (ملتفتاً إليها في غضب ) كل همّك أن تمتدحي أباك العظيم ‍.
عاطفة :أنت لا تعرفه على حقيقته يا عزيزي صالح ، ولو كنت تعرفه ما تحدثت عنه هكذا ‍0
صالح : ( في سخرية حادة) كيف لا أعرفه على حقيقته ؟‍ إنها حقيقة تعشي العيون ‍.
عاطفة : أشهد يا ربي بأنه يؤذيني بهذا الكلام . ( إلى صالح) أنت تعلم كم أحب أبي ، فلماذا تهينه وتؤذيني ؟‍
صالح : حينما أتحدث بالحقّ عن أبيك فإن ذلك يؤذيك ، لكن موقفه منّي لا يؤذيك ‍.
سليم : وما حيلتها في الأمر يا صالح ؟‍ ألا ترى أنها مغلوبة على أمرها ؟‍
صالح : ( في حدة) لماذا تتمسك إذن بالدفاع عن أبيها ؟‍ لماذا لا تكون عوناً لي على تغيير موقفه منّي ؟‍ إنها دوّخت رأسي منذ تزوجتها بالأحاديث عن عظمة أبيها وكأن مما يشرّف المرء أن يرث أملاكاّ فيعيش في بطر وكسل لا يشغله سوى تكديس التحف في بيته . (وهو يضحك بسخرية) وكانت آخر تحفه زوجته الشابة الجميلة ( ملتفتاً إلى عاطفة) إن أباك العظيم لم يستطع المحافظة على وعده ساعات قليلة ، لكن أبي البسيط لم يكن يخلف وعداً مع أحد زبائنه مهما تكن الظروف .
عاطفة :(تترقرق عيناها بالدمع)أنت تعلم أنني أحترم أباك ، فلماذا تسيء إلى أبي ؟‍
صالح : ( في تهكم حاد) هذه منّة منك علينا أن نشكرها لك أجزل الشكر ‍‍ ( ملتفتاً إلى سليم) يجب أن نقدّم لها فروض الشكر يا سليم فهي تحترم أبانا على الرغم من أنه ليس من طبقة الملاّك .
سليم : وما وجه الإساءة في كلامها يا صالح ؟‍
صالح : أمن الضروري أن تشتم أبانا صراحة ليُفهم قصدها ؟‍
( تدخل سليمة وتنظر حواليها ثم تهرع إلى عاطفة وتقف إلى
جوارها وقد بان في وجهها الأسى )
عاطفة : ( بلهجة محروقة) ماذا قلت يا ربي حتى يسيء إلىّ ؟‍ لماذا يؤذيني ؟ أنت تعلم أني أحبّ الناس جميعاً وأتمنى لهم السلام ؛ فلماذا لا تجعله يفهم ذلك ؟‍
صالح : أعتقد أنني أفهمك أفضل مما تفهمين نفسك .
عاطفة : هل تفهمني حقيقة ؟‍ أرجوك يا ربي أن تجعله يدرك أنه لا يفهمني . أأحط من منزلة أبي في قلبي كي يفهمني ويرضى عني ؟‍ إنه أب محبّ ، حنون ، شفوق . إنه الإنسان الوحيد الذي يحبني في هذه الدنيا .
صالح : ( في سخرية ) أب محبّ ، حنون ، شفوق 00‍‍ ولهذا تزوج بعد وفاة أمّك بأقلّ من عام من شابة صغيرة أخذت تسيء معاملتك ‍‍من دون أن يفعل شيئا0
عاطفة : كان بحاجة لزوجة تداري صحته و تعتني به .. أما عن معاملة نزهة لي فلم يكن يدري عنها شيئاً .
صالح : ( في سخرية) قولي أنه كان يدري ويتظاهر بأنه لا يدري حرصاً على
رضا تحفته الجديدة .. ولنفترض أنه لم يكن يدري حقيقة ، فلماذا لم تخبريه أنت بذلك إذن ؟‍
عاطفة : كيف أخبره وأسّبب له الأذى وأنت تعلم أن عنده " الضغط" و"القلب" ؟‍ الله لا يرضى بأذّية الآباء .
صالح : لماذا لا تعترفين أنه رجل أنانيّ لا يحبّ إلاّ نفسه ؟‍
عاطفة : أنت لا تفهمني ولا تريد أن أعيش في سلام . ( بلهجة معذبة) أنا موقنة بأنك تحبني يا ربي ، فلماذا لا تجعلني أعيش في سلام ؟‍ أين أذهب لأجد السلام ؟
صالح : واضح أن الله يحبّك ، ألم يجعلك أكسل مخلوقاته ؟‍ ألم يجعلك مخلوقة طفيلية لا نفع فيك ؟‍ قولي لي ماذا تحسنين في هذه الحياة سوى النوم ؟‍
سليم : ألا تتمالك أعصابك يا صالح ؟‍
عاطفة : ( بصوت باك) لِمَ يا ربي ؟ لِمَ تعرضني لهذا الأذى ؟‍ أنا طيبة أحب الناس جميعاً وأتمنى لهم السلام فلِمَ تعرّضني لهذا الأذى ؟‍ لِمَ ؟‍
سليم : ( ينهض متجهاً إلى عاطفة ويربّت على كتفها بحنان) لا تبكي يا عاطفة فصالح لا يعني ما يقول .
صالح : بل أعني كل كلمة قلتها ، ولا تحسبنّها مهتمة إلى هذا الحدّ . سل عنها بعد قليل وستجد أنها غاطّة في النوم.
سليمة : ( بعد لحظة) الغداء جاهز .
صالح :شكراً لأبيها الذي سلب شهيّتنا.(يخرج من الباب المؤدي إلى غرفة الطعام).
سليم : أنا آسف يا عاطفة . لم أكن أن أتوقع أن تنتهي تلك البشائر السعيدة هذه النهاية المؤسفة . لكن صالح لا يعني ما قاله ، وأنت تعرفين سبب ثورته .
عاطفة : ( وهي تكفكف دموعها) شكراً لك يا عزيزي سليم .
سليم : ( بعد لحظة) تعالي لنتغدّى وأنسي الموضوع كله يا عاطفة .. نحن في
انتظارك . (يتجه إلى غرفة الطعام )
سليمة : هيّا يا عاطفة .. أرجوك .
عاطفة : ( مكفكفة دموعها) اذهبي أنت يا عزيزتي سليمة فلن أتغدى .
سليمة : أرجوك عطف . لأ جل خاطري .
عاطفة : لا أشعر بشهيّة يا عزيزتي سليمة .. أنا ذاهبة لأنام .
صالح : ( يهتف من الداخل ) إلى متى ننتظر يا سليمة ؟‍
عاطفة : اذهبي يا عزيزتي سليمة فلن أتغدّى .
سليمة : إذن سأحضر الطعام إلى غرفتك .
عاطفة : لا .. أرجوك يا عزيزتي سليمة لا تفعلي ذلك . لا تتعبي نفسك. لن أتناول أي طعام . ( تنحني عليها سليمة وتقبلها ثم تمضي مسرعة نحو غرفة الطعام . تظل عاطفة ساكنة في موضعها والدموع تسيل على خدّيها بصمت . تتمتم أخيراً ) لماذا لا تجعلني أعيش في سلام يا ربي ؟
( يسمع لحن السلام هادتاً في البداية ، ثم يشتد رويداً رويداً بينما يهبط الستار ببطء ).
- ستار -


الفصل الثاني

المنظر السابق
بعد يومين ، صباحاً .
يرن جرس الباب الخارجي 0تمضي دقائق ثم يدخل ماجد 0 يتلفت (حواليه ثم يجلس على أقرب مقعد . تنم حركاته عن القلق .
تدخل سليمة فيهب ماجد واقفاً في ارتباك ، بينما يلوح على وجه سليمة اضطراب ملحوظ ) .

سليمة : صباح الخير.
ماجد : صباح الخير يا آنسة سليمة . ( تجلس سليمة على مقعد بعيداً عن ماجد . يسود الغرفة جوّ يشوبه الارتباك والتوتر ) .
ماجد : ( بعد لحظة) هل خرج سليم ؟
سليمة : ذهب إلى عمله قبل أكثر من ساعتين .
ماجد :بالطبع، بالطبع . هدأت الأحوال وأصبح الدوام في " دوائر" الحكومة طبيعيا.
سليمة : لكن "الدوام"ما يزال معطلاً في الكليّات . لم أجد أحداً في الكلية صباح اليوم.
ماجد : أظن أن الطلبة ماضون في إضرابهم . الطلاب والعمال يتحملون عبء
المسؤولية دائماً . ولولاهم ما حدثت انتفاضات شعبية .
سليمة : سمعت أن عدد القتلى من المتظاهرين جاوز العشرة .
ماجد : بالطبع . بالطبع . تجاوز العدد العشرة فعلاً . إن قائمة الضحايا من الطلاب والعمال على مذبح الوطنية تضم المئات . إنهم متأهبون دائماً لبذل أرواحهم في سبيل الشعب والوطن . أما نحن الموظفين فلا ننسى عبوديتنا للسلطة مهما تبلغ وطنيتنا . نحن عبيد ، أما الطلاب والعمال فأحرار .
سليمة : لكم مسؤولياتكم الخاصة يا أستاذ ماجد،ولا يصحّ أن يوجّه إليكم هذا الاتهام.
ماجد : بالطبع . بالطبع . لكنها أعذار والوطنية لا تقبل الأعذار . إنها تضحية
وحسب .
سليمة : لكنكم لا تقّلون وطنية عن الطلاب يا أستاذ ماجد .
ماجد : بالطبع . بالطبع .
( يخّيم صمت قصير على الغرفة ويلوح الارتباك على
ماجد وسليمة ويتحاشى كل منهما النظر في وجه الآخر )
ماجد : (وهو يتنحنح) وهل خرج الدكتور صالح ؟
سليمة : خرج منذ الصباح الباكر .
ماجد : بالطبع . بالطبع .
سليمة : ( باسمة) صالح لم ينقطع يوماً وأحداً عن الدوام .
ماجد : بالطبع . بالطبع . فالدكتور صالح كان يتمنى ولا شك أن تفشل الانتفاضة منذ اليوم الأول . وأعذريني على هذه الصراحة .
سليمة : ( باسمة) كلامك صحيح .
( صمت )

ماجد : ( في تردد واضح ، ينصب قامته ويحاول النظر في عيني سليمة) آنسة
سليمة . أسمحي لي أن أصارحك بأنني لم أحضر إلى هنا لأسأل عن سليم وصالح ، فأنا أعلم أن سليم والدكتور صالح قد ذهبا إلى عملهما ، كما أعلم أن الطلاب مضربون والدوام معطّل في الكليّات . تأكدت من ذلك قبل حضوري إلى هنا .
سليمة : ( متظاهرة بالدهشة ) صحيح ؟‍
ماجد : بالطبع . بالطبع . وأرجو أن تغفري لي جرأتي هذه فلديّ أسباب قاهرة. حضرت لأسألك سؤالاً واحداً فقط . فهل تسمحين لي بذلك ؟‍
سليمة : ( تغضّ طرفها وتجيب بتباطؤ) تفضل .
ماجد : بعثت إليك برسالة قبل أسبوع على عنوانك في الكليّة ، فهل تسلّمتها ؟
سليمة : ( في تباطؤ) نعم .
ماجد : كنت أحسب أنك لم تتسلميها فلم أتلقّ أي ردّ عليها .
سليمة : ( في تباطؤ دون أن ترفع طرفها) لكنني أرسلت رداً عليها أمس .
ماجد : صحيح 00‍ لم تسلمه بعد . ( فترة صمت ثقيلة .. سليمة مطرقة ، بينما تتعلق عينا ماجد بوجهها في لهفة ) .
ماجد : ( بعد لحظة ، في تردد واضح) ولكن لو غرفت لي جرأتي يا آنسة سليمة سأسألك سؤلاً آخر وأكون شاكراً لو أجبتني عنه ، وإذا لم يعجبك فلا تجيبي .. أنا أعلم أنني تجاوزت الحدود ولكن أعذريني فلديّ أسباب قاهرة .
سليمة : تفضل .
ماجد : هل كان ردّك بالرفض أم بالإيجاب ؟‍
سليمة : ( يحمرّ وجهها وتتلكأ في الردّ ، بينما تتعلق عينا ماجد بشفتيها بلهفة ) بالإيجاب .
ماجد : ( يتنفس الصعداء ويشرق وجهه بالسرور ) بالإيجاب 00‍ أشكرك شكراً جزيلاً .
سليمة : العفو .
ماجد : أنت أدخلت السعادة على قلبي حقيقة يا آنسة، وثقي أنك لن تندمي يوماً على هذا الردّ . إنني حدثتك بصراحة عن كل شيء في رسالتي ، وإن كنت تجاوزت حدود الأصول ، لكن ثقي أنني عنيت كل كلمة فيها . ( بعد قليل وهو يبتسم ) إذن فسأعتبر كلامك هذا يا آنسة سليمة بمثابة الضوء الأخضر لي لأتقدم لخطبتك .
سليمة : ( تحني رأسها وهي مضرجة الخدين وعلى وجهها بسمة خفيفة ) ولكنني أنوي أن أكمل دراستي الجامعية يا أستاذ ماجد .
ماجد : ( بحماس) بل أنا الذي أشترط عليك ذلك يا آنسة سليمة . فأنا أعتقد أن شخصية المرأة لن تتكامل ما لم تستقل اقتصاديا ، وليس هناك أفضل من الشهادة الجامعية ضماناً للاستقلال الاقتصادي بالنسبة للمرأة في بلادنا .
( يدخل جلال )
جلال : السلام عليكم .
ماجد : وعليك السلام .
سليمة : ( بحرارة) أهلاً .. أهلاً عمي جلال .
جلال : أهلاً يا ست سليمة .
سليمة : ( مقدمة ماجد) الأستاذ ماجد الشيخ عبدالله صديق سليم .
( مشيرة إلى جلال) والد عاطفة .
ماجد : تشرفنا .. تشرفنا .. أنا سعيد بمعرفتك .
جلال : أهلا وسهلاً يا أستاذ .. ( يجلس) .
ماجد : ( بعد لحظة وهو يقف) آسف . كنت على وشك الإنصراف قبل حضورك يا أستاذ جلال .
جلال : تفضل .. تفضل يا أستاذ .
ماجد : ( لسليمة تحياتي إلى سليم يا آنسة سليمة ، وأكرر شكري الجزيل من أعماق قلبي .. في أمان الله .
سليمة : العفو ، مع السلامة .
( يخرج ماجد . تجلس سليمة بالقرب من جلال) .
سليمة : أهلاً .. أهلاً عمي .. كيف صحتك ؟‍
جلال : ( باسماً) الصحة عليلة كما تعلمين يا ابنتي سليمة ، ولكننا نحمد الله ونشكره. (بعد لحظة) أقلقني مخابرتك مساء أمس يا ابنتي سليمة ، وكنت عازماً على الحضور في الحال لولا شاغل هام . أما تزال عاطفة ممتنعة عن الأكل ؟‍
سليمة : لا يا عمي ، نجحت في إقناعها بعد مخابرتك .
جلال : مشكورة يا ابنتي سليمة . ( بعد لحظة) ولماذا امتنعت عن الأكل ؟‍
سليمة : حدث سوء تفاهم بسيط بينها وبين صالح فتأثرت لذلك .
جلال : ( يهز رأسه في استنكار) غريب ‍ غريب ‍ ‍00 ( بعد لحظة) ألم تصحو بعد؟
سليمة : إنها ما تزال نائمة .. إذا شئت يا عمي أيقظنها .
جلال : أكون ممتناً .
( تغادر سليمة.تمضي دقائق ثم تدخل عاطفة في قميص نوم وهي مشعثة الشعر . تتجه إلى أبيها متهللة الوجه وتردد بسرور : " أهلاً بابا" ينهض جلال لاستقبالها وهو يقول :" أهلاّ بك يا عاطفة ".يقبلها في جبينها ويجلسان متجاورين)
عاطفة : ( متثائبة ) كم الساعة ؟‍ ( تنظر في ساعة معصمها ) الحادية عشرة ؟ ليس من عادتك أن تزورنا مبكراً يا بابا .
جلال : ولكن الوقت ليس مبكراً يا عاطفة ‍
عاطفة : صحيح يا بابا ، أنا لا أصحو مبكرة .
جلال : ( مبتسماً) كنت كذلك منذ صغرك .. ولم تكن المرحومة أمّك توافق على
إيقاظك مهما طال بك النوم وخصوصاً إذا كنت زعلانة ‍
عاطفة : ( حاملة) ، كانت أمي تقول لي دائماً عليك يا عطفة أن تضّيعي زعلك في النوم وأن تنامي كلما تمنيت شيئاً ولم تحصلي عليه فيستحقّق لك في منامك.
جلال : ( وهو يضحك) كانت أمّك رحمها الله تريد أن يتحقق لك كل ما تشتهين إن لم يكن في اليقظة ففي المنام .
عاطفة : ما أشد شوقي إلى أمّي ( تفكر لحظات وقد ران عليها الحزن) إنها تعيش الآن في سلام مع الملائكة الصالحين والناس الطيبين ( ملتفتة إلى أبيها ) إنها في الجنة الآن يا بابا . أليس كذلك ؟
جلال : مادام مصير الأتقياء في الجنة فلا ريب أن الله سيدخلها جنته يا ابنتي.
عاطفة : (حالمة )كم كانت أمي تحدثني عن الجنة وأنا صغيرة ..وكثيراً ما شهدت في منامي هذا المكان الجميل ..هناك يعيش الناس في سلام ولا يتخاصمون ..أليس كذلك يا بابا ؟

جلال : طبعاً يا عاطفة .
عاطفة : (حالمة ) يا ليتني أغمض عيني وافتحهما فأجدني في هذا المكان .
جلال : سترين هذا المكان بعد عمر طويل يا ابنتي حينما يدخلك الله جنته
فأنت تقية كالمرحومة أمك .
عاطفة : (وهي حالمة ) ولكنني مشتاقة إلى هذا المكان الآن يا بابا .
جلال : ما هذا الكلام يا عاطفة ؟ الله خلقنا لنعيش على أرضه وننعم بمتعها .
اما الجنة فهي من نصيب الآخرة .
عاطفة : (في تردد) لكنني لا أجد السلام في هذه الحياة الدنيا يا بابا .
جلال : لا تجدين السلام في هذه الحياة ؟ ما هذه الأقوال الغريبة ؟! يبدو أن
هناك أمورا منغصة تجري لك في هذا البيت . أصحيح انك امتنعت
عن الأكل ؟
عاطفة : (تطرق ) أكلت أمس يا بابا .
جلال : أكلت أمس ! ولماذا امتنعت عن الأكل ؟!
عاطفة : فقدت شهيتي للطعام يا بابا .
جلال : ما معنى هذه الأقوال الغريبة يا عاطفة ؟ّ لماذا لا تصارحينني
بالحقيقة ؟ هل تخاصم صالح معك بسببي ؟
عاطفة : (في تردد )نعم يا بابا .
جلال : ولماذا يخاصمك ؟! ما دخلك في الأمر ؟!
عاطفة : (ترتجف شفتاها وتجهش فجأة ببكاء مكتوم . تخفي وجهها بين
كفيها ويهتز جسدها في نشيج خافت ) صالح لا يفكر إلاّ بمشروعه يا بابا .
جلال : (في انزعاج ) ما هذا القول ؟! ليس هذا عهدي بصالح .
عاطفة : تغّير صالح الذي تعرفه يا بابا.إنه يقول عني إنني مخلوقة طفيلية لا نفع في.. وهو يخاصمني دائماً .
جلال : (في غضب متزايد ) مخلوقة طفيلية لا نفع فيك ! أي قول هذا ؟!
عاطفة : أنا لا أجد السلام في هذا البيت يا بابا .
جلال : (بانزعاج ) ولماذا لم تخبريني بالأمر يا ابنتي ؟! لماذا اُخفيت ذلك عني ؟!
عاطفة : لا أريد إزعاجك بمتاعبي يا بابا (في تردد) ثم إني لمّحت لك مراراُ بأهمية المشروع لصالح فلم تفعل شيئاُ .
جلال : لم أكن أحسب انه يسيء معاملتك بسبب مشروعه .
عاطفة :لا أريد إزعاجك يا بابا ، فأنا أعلم أن نزهة تعارض المشروع ، وما تعارضه نزهة لا توافق أنت عليه .
جلال : (في ارتباك وهو يتجنب النظر إليها ) أنت تعلمين السبب يا عاطفة، فأنا أتجنب نكدها ، فهي امرأة زعول وصحتي لا تتحمل النكد .. (بعد لحظة) . ولكنك لم تصارحيني بحقيقة الأمر ، ولم يكن يخطر على بالي أن صالح يسيء معاملتك بسبب مشروعه .
عاطفة : لم أصارحك لئلا تتأذى يا بابا..صحتك أهم عندي من أي شيء . كيف
أغفر لنفسي لو تأذيت بسببي ؟
(تسيل الدموع على وجنتيها بصمت ).
جلال : (ينهض إليها وقد بدا التأثير على وجهه ويمسح على شعرها بحنان )
أرجوك يا ابنتي .. لا تبكي فأنا لا أحتمل بكاءك .. دموعك أغلى عندي
من أي شيء في الوجود . (يقبل شعرها ووجهها ) .
عاطفة : (تمسح دموعها براحة يدها وتتناول يدي أبيها وتقبلهما وتمسح بهما وجهها ..بعد لحظة حالمة)هل تتذكر كيف كنت تحملني على ظهرك وتجري بي في الغرفة كالحصان ؟! ( يشع وجهها ببسمة مشرقة) كم كان يسعدني ذلك يا بابا !
جلال : ( مبتسماً) وكم كان يسعدني ذلك أنا أيضاًَ يا عاطفة .
عاطفة : وهل تتذكر يا بابا كيف كنت تجلس بجوار سريري كل ليلة وتحكي لي الحكايات البديعة حتى يغلبني النعاس ؟! كم كانت حكاياتك لطيفة يا بابا .
جلال : كنت زهرة حياتنا يا عاطفة . وكنت أنا وأمّك نبذل كل ما نقدر عليه لإسعادك .
عاطفة : ( مستمرة بلهجتها الحالمة) وأمّي الحبيبة .. هل كان في الدنيا أمّ في رقتها وحنانها ومحبتها ؟
جلال : كانت درّة لا تثمّن يا عاطفة .
عاطفة : ( وهي تبتسم في مرارة) ولكنك نسيت أميّ يا بابا ولم تعد تذكرها .
جلال : وهل يمكن لأيّ رجل أن ينسى امرأة كأمك ؟ كانت تكرّس كل حياتها
لراحتي .. كانت ملاكاّ وليست امرأة .. وكانت أجمل امرأة في الوجود .
عاطفة : لكن نزهة عوضّتك عن أمي يا بابا فنسيتها .
جلال : ( يهز رأسه وهو يبتسم في مرارة) نزهة عوضّتني عن أمك ؟‍ هذه المرأة
النكدة ؟‍
عاطفة : أفلست سعيداً معها يا بابا ؟‍
جلال : سعيداً ؟‍ كيف أكون سعيداً وقد أصبحت شخصاً لا حول له و لا طول؟ أنا رجل عليل أحتاج إلى رعاية كما تعلمين يا عاطفة.. وكنت أحسب أنا النساء جميعاً مثل أمّك المرحومة في حدبها وحنانها . وما كنت أحسب أنني أتزوج من امرأة نكدة تنغصّ عليّ حياتي كلما اعتقدت أن الأمور تجري على غير ما تشتهي ‍ وصحتي لا تتحمل النكد يا عاطفة .. ( في مرارة وأسىّ) وقد أصبحت كما ترين ‍ شخصاً لا حول له ولا طول0 ‍
عاطفة : ( تنهض إليه وتقبله ) أرجوك يا بابا .. لا تتحدث هكذا عن نفسك .
أنت أعظم أب في الدنيا .
جلال : ( في تهكم مرّ) أنا أعظم أب في الدنيا؟! ‍‍ يا له من أب عظيم ذلك الذي يعجز عن التصرف بأمواله لإعانة ابنته العزيزة ‍ .
عاطفة : أنا متأكدة أنك أعظم أب في الدنيا يا بابا وأكثرهم شفقة وحناناً .
جلال : ( وهو يهزّ رأسه بتصميم) على أية حال لا بد أن أعيد الأمور إلى نصابها يا عاطفة . وسيكون موقفي حاسماً من نزهت هذه المرة .
عاطفة : أرجوك يا بابا ، أعف عني وانس كل ما قلته أمامك .
جلال : أنا الذي أسألك العفو يا أبنتي العزيزة .
عاطفة : أرجوك يا بابا ، لا تتحدث هكذا أمامي . أنت تؤذيني بهذا الكلام . ( تسيل الدموع على وجنتيها) .
جلال : ( ينهض إليها ويقبلها) لا تبكي يا أبنتي العزيزة ، لا تبكي . دموعك عندي أغلى من أي شيء في الوجود ، وأعدك بأنني سأصلح كل شيء .
عاطفة : أرجوك يا بابا ، لا تزعج نفسك من أجلي . أنت عندك " الضغط " و" القلب" وصحتك لا تتحمل الانزعاج .. الله لا يرضى بأذية الآباء .
( يدخل صالح وهو يحمل حقيبته الطبية)
صالح : ( في فتور) مساء الخير .. كيف حالك يا عمي ؟‍
جلال : ( بحفاء) .. الحمد لله.
صالح : ( يتجه صالح إلى منضدة في زاوية من الغرفة فيضع عليها حقيبته الطبية ثم يستلقي على احد المقاعد ) وأخيراً هدأت العاصفة وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي . فتحت أغلب الحوانيت أبوابها اليوم ، ولم تمرّ في شارع الرشيد سوى شراذم قليلة من المتظاهرين .. الحالة طبيعية تماماً .
جلال : ( في جفاء) أظن ذلك .
صالح : هذا يعود بالطبع إلى حكمة جلالة الملك الذي استبدل الحكومة القائمة
بحكومة أخرى تتغّير فيها الوجوه تهدئة لخواطر الناس . وهكذا مرّت العاصفة بسلام . وكانت ضربة موّفقة من جلالة الملك لأولئك الذين يريدون زعزعة النظام .
عاطفة : شكراً لك يا ربي . أنقذت الشباب الأبرياء وأنقذت بغداد .
صالح : ( في سخرية) لست أدري ما الذي يجعلك خائفة على بغداد إلى هذا الحدّ .. إنها خربت مراراً في عصور التاريخ ثم أُعيد بناؤها أفضل من السابق . فلماذا تخشين عليها ؟
عاطفة : بغداد أجمل مدينة في الدنيا وحرام أن تتخرب .
صالح : لو كنت شهدت مدن العالم الأخرى ما قلت هذه القول الساذج.
عاطفة : لا يهمني ذلك . إنها المدينة التي تربيت فيها وتربىّ أبي وأمّي وأنا أحبها كثيراً ولا أعدل بها أية مدينة في الدنيا .
جلال : ( في جفاء واضح) وما الذي يضايقك في قولها يا دكتور صالح ؟‍ .
صالح : إنها تتبرع بأمثال هذه التعليقات الساذجة بمناسبة وبغير مناسبة .
جلال : غريب ‍ إنك عشت معها طوال هذه الشهور ومع ذلك لم تفهم نفسيتها .
صالح : بل أفهمها جيداً .
جلال : ولذلك تبحث عن المناسبات لتمعن في تجريحها .
صالح : ( وهو ينقّل أنظاره بين عاطفة وجلال) أظن أنكما كنتما تتحدثان عني قبل حضوري .
جلال : ظّنك في محلّه ، وقد استغربت كيف يعامل شخص مثقف مثلك زوجته هذه المعاملة الخشنة . كانت صدمة لي فلم تكن عاطفة تخبرني بأي شيء.
عاطفة : أرجوك يا بابا .. لا تزعج نفسك .
صالح : ( في تحد) أي معاملة خشنة ؟‍
جلال : يبدو أنك تخاصمها دائماً وتقول لها كثيراً من الكلام غير اللائق .. كيف تقول عنها إنها مخلوقة طفيلية لا نفع فيها ؟‍ .
صالح : وماذا يمكن أن يُقال عن امرأة تقضي معظم وقتها في النوم ؟‍ .
جلال : كنت تعرف طبيعة حياتها حينما خطبتها ، فماذا كنت تتوقع ؟
صالح : لم أتوقع أن تتصّف بمثل هذا الكسل0 ‍
جلال : ما دامت تجد راحتها في النوم ، فأيّ بأس في ذلك ؟‍
صالح : وأيّ خير في حيا ة يقضيها الإنسان في نوم دائم ؟‍ ما نفع الإنسان بدون عمل ؟ الإنسان الكسول كالطفيليات التي تعيش على امتصاص دوم غيرها .. هكذا تعلّمنا قوانين الحياة .
جلال : لعل حيا تك علّمتك ذلك . أما حياتها فلم تعلّمها مثل هذه القوانين .
صالح : مهلاً يا عمي 00 ما العيب في حيا تي ؟‍ كنت تدري بحياتي وأصلي وفصلي قبل موافقتك على خطبتي ، فما الداعي الآن إلى هذا الغمز واللمز ؟‍ أنا لم أدّع أنني سليل السلطان عبد الحميد وأن أهلي من علية القوم ومن الملاّك.. لكن والدي الروّاف كان رجلاً شريفاً0 كان أشرف من سليلي النبل الكاذب الذين ورثوا أملاكهم وراحوا يعشون في بطر وكسل كالطفيليات . كان والدي يصل الليل بالنهار بالعمل ليحصل على قوت أسرته ، والعمل أنبل شيء في الحياة .
جلال : يشهد الله أنني لا أهتمّ بالأصل والفصل وإلاّ ما وافقت على زواجك من
ابنتي . لكنني كنت أتوقع منك غير هذا السلوك كان عطفك عليها أثناء مرضها واهتمامك الشديد بها قد أوحي لي بأنك جدير بإسعادها ، وقد أكدّت لي أنك سترعاها وكأنها في بيت أبيها ، ولم يخطر على بالي أنك ستعاملها هذه المعاملة الخشنة .
عاطفة : (ضارعة) أرجو كما .. لا داعي لهذا الجدال .
صالح : ( في سخرية قارصة) على مهلك يا عمي ، أية معاملة خشنة ؟‍ من قال إنها كانت تعيش في بيت أبيها أفضل مما تعيش في هذا البيت ؟
جلال : ( محتدا) ما معنى هذا الكلام ؟‍
صالح : أعتقد أنك تدرك جيداً معناه . فمن غير المعقول أنك لم تكن تلاحظ معاملة زوجتك لها .
جلال : ( وقد استبدّ به الغضب) أيّ حق يخوّل لك التحدث معي بهذه الطريقة؟
صالح : نفس الحقّ الذي يخوّل لك التحدث معي بطريقتك هذه 00فلماذا لا يحقّ لي التحدث معك بصراحة مادمت تحاسبني هذا الحساب ؟! هل تنكر عليّ ذلك لأني لست من طبقة الملاك ؟لكن أبي كان شريفاً ، ولم يكن ينقض وعده مهما تكن الظروف . كان يبذل المستحيل ليحافظ على وعوده . وكان إذا وعد أحد الزبائن بأن ينهي له رفو بدلته في موعد معين فلابد أن يفي بوعده ولو سهر الليل كله .
عاطفة : ( في عذاب ) آخ يا ربي !
جلال : ( صائحاً) وما دخلي في شؤون أبيك ؟! ( مستدركاً) وعلى أية حال أنا أعلم أن هذا ليس بيت القصيد . واسمح لي أن أسألك إن كان هناك نصّ في عقد زواجك من ابنتي يُلزمني بالإسهام في مشاريعك التجارية ؟! ألست حراً في التصرف بأموالي ؟!
صالح : طبعاً أنت حرّ في التصرف بأموالك ، ولولا مشروعي ما وزنت أموالك
بقلاّمة ظفر . غير أنني لا أفهم كيف ينقض شخص محترم وعده بعد ساعات قليلة !
جلال : ( وهو ينهض غاضباً) أنت بلغت الغاية في قلة الذوق يا دكتور .
صالح : أنا لست أقلّ ذوقاً ممن يسمح لنفسه بشتم الآخرين .
جلال : ( في انزعاج شديد) لم يسبق لأحد أن وجّه إلي مثل هذه الإهانات .. والذنب على أية حال ذنبي .. كان عليّ أن أعرف جيداً من اخترته نسبيا. ( ملتفتاً إلى عاطفة) تعالي معي يا عاطفة .
عاطفة : لا يمكنني أن أذهب معك يا بابا . لا أريد أن أسبب لك الانزعاج .
جلال : تسبّبين لي الانزعاج ؟ وكيف أتركك في هذا البيت بعد الذي سمعت ؟ لن أطمئن عليك هنا بعد الآن .
صالح : هي حرّة في الذهاب إذا أرادت .
جلال : ( وهو يتجه إلى الباب) سأعود لاصطحابك يا عاطفة ، اعملي حسابك لهذا الأمر.

عاطفة : ( وهي ترافقه إلى الخارج) لا تزعج نفسك من أجلي يا بابا .. أنت عندك " الضغط" و"القلب" ويجب أن تراعي صحتك وألاّ تنزعج لشيء . أنا آسفة إذ سبّبت لك كل هذا الانزعاج 00الله لا يرضى بأذية الآباء . أرجوك يا بابا أن تهتم بصحتك ولا تنزعج لشيء .
صالح : ( يشيّعهما بنظرات استخفاف وحينما يختفيا ن يهز رأسه ويهتف بازدراء) عد لاصطحابها إن كنت تقوى على تحدّي زوجتك يا جلال بيك!

- ستار-


الفصل الثالث

المنظر السابق نفسه .
بعد بضعة أسابيع عصراً
الدكتور صالح وسليم في ملابس الخروج وهما جالسان على مقعدين متجاورين).

سليم : لست أعتقد أن هناك داع لإدخالها المصحة يا صالح ويمكن أن تشفى من
صدمتها وهي تعالج في البيت . كل ما تحتاج إليه هو الوقت .
صالح : يجب أن تعلم يا سليم أنني ما كنت لأفكّر بإدخالها المصحة لو لاحظت شيئاً من التحسن عليها .. إنها حتى لم تعد تتعرّف عليّ .
سليم : ( بلهجة مترددة) لعلك كطبيب تدرك السبب في ذلك يا صالح ، فهي كما يظهر تحّملك كما تّحمل نفسها تبعة وفاة أبيها .
صالح : اسمع يا سليم .. لا ذنب لها ولا لي فيما حدث لأبيها . فقد كان يعاني من "الضغط " و"القلب" من سنين طويلة . وكانت حالة قلبه سيّئة0 وكان يمكن أن يرتفع ضغطه ارتفاعا مميتا أو يفشل قلبه لأية أزمة نفسية تعتريه . فكان خصامه مع زوجته القشة التي قصمت ظهر البعير . وأنا لا أستغرب حالة الاضطراب النفسي التي أصابت عاطفة إثر وفاته فأنت تعلم مدى تعلقها به 0 وهي لم تكن في الحقيقة متوازنة عاطفية يوما0 وهي الآن في حاجة إلى علاج طبي مكثف وأفضل مكان لها هو مصحة الدكتور قدري .
سليم : ( في عدم اقتناع) لكن وجودها في المصحة قد يزيد مرضها حدّة، فهي
ذات طبيعة مرهفة كما تعلم0 ومن يدري ؟ قد لا تخرج من المصحة أبدا0 .
صالح : هذه مخاوف لا يعترف بها الأطباء . المهم نوع العلاج وطريقته .
( تدخل سليمة وهي حزينة الوجه)
سليمة : ( بصوت مختنق ) هل أضع في حقيبتها بعض الملابس الخفيفة مع ملابسها الشتوية يا صالح ؟
صالح : لا بأس من وضع بعض الملابس الخفيفة يا سليمة . قد تحتاج إليها فيما بعد . لا ندري كم ستمكث في المصحة .
( تحاول سليمة عبثاً مغالبة دموعها . تستدير لتخرج فيستوقفها صالح)
صالح : ما بالك يا سليمة ؟! كأنك تودعين شخصاً عزيزاً إلى القبر .
سليمة : ( بصوت مختنق وهي تمسح دموعها) وهل تختلف المصحة في شيء عن
القبر ؟ ( تخرج مسرعة)
سليم : مسكينة سليمة ! ظلت تبكي طوال ساعات النهار .
صالح : بلا مبرر .
سليم : ( في استغراب) كيف تقول هذا الكلام يا صالح وأنت تعلم مدى تعلقهما ببعضهما بعضا ؟ والحقيقة أن من الصعب علينا جميعاً فراق عاطفة . ستترك فراغاً عظيماً وسنفتقد روحها الشفافة العذبة التي تفيض بالحبّ على كل من حولها .
صالح : ألست مبالغاً في قولك هذا ؟! ماذا لديها سوى الكلام عن أمها وأبيها وترداد أقوالهما وكأنه ليس هناك بشر سواهما ؟ ( وهو ينظر في ساعته) تأخر عاصم ومنى عن الموعد الذي اتفقنا عليه ، فالمفروض أن يحضرا في الساعة الرابعة .
سليم : ( وهو ينظر في ساعة يده) لم تتجاوز الرابعة إلاّ قليلا .
صالح : كنت آمل أن يحضرا قبل الرابعة .
سليم : ولكن ما الداعي إلى حضورها يا صالح ؟ آلا نستطيع أن نذهب بدونهما؟!
صالح : منى هي التي ألحت في مصاحبتنا . أما عاصم فالمفروض أن يحضر
ليخبرني بقرار أبيه النهائي بصدد تمويل مشروع بناء المستشفى .
سليم : كنت أفضل الاكتفاء بمرافقة سليمة لها .
صالح : على العكس . فمصاحبة منى لها أفضل وسيتهيأ لها بذلك جوّ طبيعي. أما سليمة فهي متأثرة جداً كما ترى ومن الأفضل عدم مجيئها معنا ، ولا داعي لزجّها في موقف صعب على سليمة .
سليم : أنت على حقّ في ذلك فقد يكون الموقف صعباً عليها فعلاً .
صالح : وعلى كل حال إذا حضرا الآن فلن يستغرق الأمر منّا أكثر من ساعة .
سليم : هذا مناسب لي فلديّ موعد مع ماجد في المقهى البرازيلية حوالي الساعة الخامسة .
صالح : ( بعد لحظة باسما) يبدو أن صديقك ماجد انقطع عن زيارتك في البيت منذ ذلك اليوم .
سليم : إنه يجد بعض الحرج في الحضور بعد أن عرفت خطبته لسليمة .
صالح : وما الداعي للحرج ؟! إنها مسألة انتهت في حينها .
سليم : ( بعد لحظة متردداً) لم أبلغه أن المسألة انتهت في الحقيقة يا صالح .
صالح : ( في استنكار) لم تبلغه ؟! لماذا ؟! ألم يكن رأيي واضحا في
المسألة؟!
سليم : لكنني لم أعتبره نهائيا . وقد أجلّت مناقشة المسألة معك ليتوفر لك وقت كاف لدراستها .
صالح : الأمر لا يحتاج إلى دراسة فأنا أعتقد أن صديقك هذا لا يؤتمن على
مستقبل سليمة . هذا هو جوهر القضية و لا يسعني أن أوافق على خطبته.
سليم : كيف تحكم على ماجد مثل هذا الحكم يا صالح؟ إنه خير إنسان يؤتمن على مستقبل سليمة .
صالح : بل هو آخر من يضمن مستقبلاً مأموناً لها .
سليم : وكيف ذلك يا صالح ؟ أفلا تعلم أنه سيرث عن أبيه الشيخ عبد الله الصيهود مقاطعات زراعية واسعة؟ هذا بالإضافة إلى أنه حاصل على شهادة في الهندسة الزراعية من أرقى جامعات انجلترا .
صالح : ذلك لا يجعله قادراً على توفير الضمان المنشود لسليمة على كل حال .
سليم : هل تسّتطيع أن تفهمني إذن كيف يعجز عن توفير الضمان لسليمة به
بهذه الإمكانيات ؟
صالح : ( في سخرية) أظنك تعلم جيداً أنه ينوي توزيع أراضيه الزراعية على
الفلاحين حالما تؤول إليه اقتداء بالكونت الروسي الطيب الذكر تولستوي. فشخص مهووس من هذا القبيل لا يمكن الثقة به وإيداع مستقبل سليمة بين يديه . ثم أن معاداته الصريحة للسلطة قد تؤدي به إلى المهالك في أية لحظة .
سليم : هل الإنسان الذي ينشد العدالة الاجتماعية ويكافح الظلم والطغيان مهووس في رأيك إذن ؟! ثم ما الغرابة في أفكاره ! أليس الفلاحون أجدر منه في امتلاك الأرض وهم يفنون أعمارهم في رعايتها ويروونها بعرقهم تحت شمس الظهيرة اللاهبة ؟! فلماذا يجب أن يحرموا من ثمرات جهدهم وأن يعيشوا في فقر مدقع؟ ألهذا الحد بلغ بك التنكر للأفكار الإنسانية يا صالح .؟
صالح : إنها ليست أفكارا إنسانية بل صبيا نية . وأنا أحذّرك يا سليم بأنك ستجد نفسك يوماً سقطت في الهاوية فتحطمت حيا تك وضاع مستقبلك إن لم تتخلّ عن مثل هذه الأفكار الحالمة وتترك معاداة السلطة وتكف عن مصاحبة الشبان الحاملين من أمثال ماجد .
سليم : هذه الأفكار الحالمة يا صالح التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية هي التي تمهد للبشرية انعتاقها من الظلم والاستغلال وتأخذ بيدها إلى الحياة الكريمة . وإن أمثال هؤلاء الشبان الحالمين هم الذين سيصنعون مستقبل البلاد الزاهر0 وأنا أفضل أن تتحطم حياتي ويضيع مستقبلي على أن أتخلى عن هذه الأفكار أو أن أؤيّد هذا النظام المتجبّر الفاسد . وإنني لأعجب كيف اتجهت أنت مثل هذا الاتجاه الباطل وأنت الشخص المكافح الذي ذاق مرارة الفقر والحرمان ولمس فساد هذا النظام .
صالح : ( بعصبية واندفاع) ينبغي أن تعلم يا سليم أن ذلك الكفاح هو الذي فتح عينيّ على حقائق الدنيا وجعلني شخصاً واقعيا . وهو الذي علّمني أن أضمن لي مركزاً حصيناً ضمن النظام السائد الذي مهما تنوعت صوره فهو هو بأقويائه وضعفائه . وليس هناك سوى المال مفتاحاً لذلك المركز . ماذا تعرف أنت عن الناس ؟ أفتظن أنه ما أن تنتشر بينهم أفكارك الخيالية هذه عن العدالة الأجتماعية حتى يتحولوا إلى ملائكة ؟! لو عركتك الحيا ة كما عركتني ، لو كافحت في خضم هذا المجتمع الظالم كما كافحت ، لعلمت أن نفوس الناس تنطوي على كثير من الخسّة والوضاعة واللؤم ، وأنهم لا يحترمون من يدين بالأفكار الإنسانية بقدر ما يحترمون أصحاب السلطة والمال . لكنك لم تعرف من الحيا ة سوى جانبها المشرق ، ولم تعرف الحاجة . أما أنا فقد تجرعت غصص الحاجة حتى الثمالة . وأظنك تعرف كيف كافحت مع أبي في سبيل لقمة العيش وكيف توليت مسؤولياتكم بعد وفاته . ثم تجيء الآن لتحدثني عن رذيلة كسب المال . إشتر بعقلك حلاوة أيها الفيلسوف الحكيم واحتفظ بآرائك لنفسك إن كنت تفضل حيا ة الشظف والحرمان .
سليم : إذن فاجمع من المال ما شئت يا صالح وسترى إن كان هذا المال سيحقق لك السعادة المأمولة . ولعلك ستشهد أثناء حيا تك من الذي ستنتصر أفكاره في النهاية وكيف سينهار هذا النظام الفاسد .
صالح : ( في سخرية بالغة) شكراً لنصائحك الغالية أيها الفيلسوف الحكيم .
( تطل سليمة من الباب وإذ يبلغ سمعها طرفاً من النقاش تظل واقفة في تردد . تلوح التفاتة من صالح فيراها ) .
صالح : هل تريدين شيئاً يا سليمة ؟
سليمة : كنت أريد أن أسأل إن كنت أضع في الحقيبة معطفاً واحداً أم أكثر .
صالح : أعتقد أن معطفاً واحداً يفي بالغرض يا سليمة .
( تحاول سليمة الانسحاب فيقفز سليم إليها ويشدّها من ذراعها إلى داخل الغرفة)
سليم : انتظري يا سليمة فقد كان نتحدث في قضيتك .
صالح : ( بانزعاج) ماذا تقصد بهذا التصرف السخيف ؟
سليم : لا بد أن نسأل سليمة رأيها في القضية التي تهمها هي بالذات .
صالح : قلت لك أنني أعتبر النقاش منتهيا فيها .
سليم : كيف تعتبر النقاش منتهيا فيها ؟ أليس المفروض أن تسمع رأي سليمة فيها ؟! ألا يحق لها أن تدلي برأيها في مسألة تقرر مستقبلها ؟! أتنكر عليها هذا الحق ؟

صالح : أنت تعلم جيداً أنني لا أنكر عليها أي حقّ من حقوقها . وإذا لم أكن قد
سألتها رأيها في هذه القضية فلأنني واثق أنها مقتنعة بحرصي على مستقبلها .
سليم : لكن لها رأيها في القضية ومن حقها أن يسمع هذا الرأي . ( ملتفتاً إلى
سليمة التي تقف في أرتباك شديد وهي مطرقة حيا ء) أخبريه يا سليمة عن رأيك في خطبة ماجد . ألست موافقة عليها ؟
سليمة : ( تظل مطرقة وهي فريسة الارتباك ) .
سليم : ( في غيظ) لماذا لا تتكلمين ؟ لماذا تصابين بالخرس أمامه ؟!
صالح : ( في ارتياح وتشف) لأنها موقنة بأنني لا يمكن أن أفرط بمصلحتها مهما يكن السبب ومهما تكن الظروف .
سليم : ( في عنف) لا . ليس هذا هو السبب . السبب الحقيقي يرجع إلى أنك
سحقت شخصيتها .00 محوت كيانها واستقلالها . لم تعد قادرة على الشعور أمامك باستقلال الشخصية .
صالح : ( في حدة) ما هذه السخافات ؟! أعتقد أنك تدرك بأنك جاوزت حدودك.
سليم : بل إن ما أقوله حقائق لابد لك أن تسمعها . فإلى متى تظل تحكم البيت بهذا الأسلوب الدكتاتوري ؟
صالح : ( في غضب واستنكار ) أنا أحكم البيت بأسلوب دكتاتوري ؟
سليم : بالطبع أنت تحكم البيت بأسلوب دكتاتوري فماذا تظن أسلوبك هذا ؟
صالح : ( وهو يهز رأسه ) أنت تسميه أسلوباً دكتاتوريا لأنك لم تتجاوز طور
المراهقة الفكرية بعد .
( تدخل عاطفة حافية القدمين وقد ارتدت ثوباً بيتيا بسيطاً وصففت شعرها بطريقة غريبة ورشقت فيه الزهور . تخطر في الغرفة وهي تدندن بلحن السلام دون أن تعير انتباها للموجودين ) .
سليم : ( وهو يتأمل عاطفة بنظرات إشفاق) هاهي شاهد الدرس الأول من دروس سياسة كسب المال .
صالح : ( في غضب وحدة) كفاك هذراً .. جاوزت كل حدّ !
( تنتبه عاطفة فجأة لوجود صالح وسليم وتقترب منهما مردّدة النظر في
وجهيهما ) .
عاطفة : (في عتاب رقيق) لماذا تتخاصمان ؟! يجب ألاّ تتخاصما . يجب أن
يعيش الجميع في سلام .
سليم : لن نتخاصم بعد اليوم يا عاطفة .
عاطفة : أنت لطيف يا عزيزي سليم .
عاطفة : ( تلتفت إلى صالح وتتفرس في وجهه لحظات بعدم ارتياح ثم تهز رأسها في نفور) أنا لا أحب الوجوه العابسة .. لا أحّبها .
( تعود عاطفة إلى التهادي في مشيها وهي تضم زهورها إلى صدرها . ثم
تلوح منها التفاتة إلى سليمة فتهرع إليها متهللة الوجه )
عاطفة : وجدتك أخيراً يا عزيزتي سليمة . فتشت عنك في كل مكان في الحديقة فلم أجدك .
سليمة : ( وهي تمسح دموعها ) كنت في غرفتك يا عطف .
عاطفة : ( تقدم لسليمة باقة الزهور) أردت أن أقدم لك هذه الزهور يا عزيزتي سليمة0
سليمة : ( تتناول منها الزهور وهي تحاول مغالبة دموعها ) شكراً لك يا عطف.
صالح : ( ينظر في ساعته بنفاذ صبر) تأخر عاصم ومنى عن موعدهما ولا جدوى
من انتظارهما .( ينهض نحو منضدة في زاوية الغرفة فيلتقط حقيبته الطبية ثم يلتفت نحو سليمة قائلاً) إذا حضرا فأخبريهما يا سليمة أن موعدنا تأجل إلى الغد .. يجب أن أذهب إلى " العيادة " .
( يهم صالح بمغادرة الغرفة وهو يحمل حقيبته الطبية فيدخل عاصم ومنى ويلقيان التحية على الحاضرين ) .
صالح : ( متهلل الوجه) أهلاً .. أهلاً .. أهلاً ومرحباً . يئست من حضور كما
وكنت على وشك الخروج مؤجلاً موعدنا إلى الغد .
عاصم : معذرة يا دكتور صالح . أنا سبب التأخير . حدثت مشاغل طارئة في
المصنع اقتضت وجودي فتأخرنا عن الموعد .
صالح : لا بأس . لا بأس . ( وهو ينظر في ساعته ) وعلى أية حال لا يزال
بإمكاننا أن نقابل مدير المصحة .
منى :(تتجه إلى عاطفة و تقبلها والدموع تترقرق في عينيها) كيف حالك يا عاطفة؟
عاطفة : أنا فرحة اليوم يا عزيزتي منى فسأذهب إلى حيث أجد السلام .
( وهي تسحب منى من يدها ) أرجوك ..اجلسي بجواري .
( تجلس منى بجوار عاطفة وهي تحاول عبثاً مغالبة دموعها) .
عاطفة : (برقة) لماذا تبكين يا عزيزتي منى ؟ يجب أن تبتهجي من أجلي فسأعيش في مكان لا يتخاصم فيه الناس . سأذهب إلى حيث أجد السلام .
منى : ويلي عليك يا عاطفة .
صالح : الأفضل أن تغّيري لها ملابسها الآن يا منى فلا وقت لدينا .
منى : ولكن ألا يمكن مواصلة علاجها في البيت يا دكتور صالح بدلاً من المصحة ؟
عاطفة : (في احتجاج) لكنني أريد الذهاب إلى المصحة يا منى . هناك لا يتخاصم
الناس ويعيشون في سلام .
سليم : ( وكأنه يخاطب نفسه) الحق معك يا عاطفة . لعلك تجدين أخيراً المكان الذين لا تحيل فيه المطامع البشر إلى وحوش .
صالح : (في حدة) رجاء سليم .. بلا فلسفة . ( ملتفتاً إلى منى) وعلى كل حال
يا منى تلك كانت نصيحة الطبيب المختص ولم يكن ذلك اقتراحي .
عاصم : لماذا أنشأت المصحات إذن يا منى ؟ أملها بالشفاء هناك أقوى من أملها هنا.
صالح : طبعاً فهناك يتوفر العلاج الصحيح بكل متطلباته .
منى : ( في غير اقتناع) كما تشاؤون ( وهي تشبك ذراعها بذراع عاطفة وتمضي بها خارجة تصاحبهما سليمة ) هيا بنا يا عاطفة لنتهيأ للذهاب .
عاطفة : لكنني متهيأة يا عزيزتي منى .
( تخرج عاطفة ومنى وسليمة ) .
عاصم : ( وهو يشعل سيجارة وينفخ دخانها في الهواء في ضيق) أرجو أن نفرغ من هذه المسألة بأسرع وقت . منى متأثرة جداً من إرسال عاطفة إلى المصحة ، وهي تحسب أنها إذا دخلت المصحة فلن تخرج منها .
صالح : على كل حال المصحة هي المكان المناسب لعلاجها يا عاصم ولامناص من
ذلك .
عاصم : هذا صحيح .. ولكن من بقدرته أن يزحزح النساء عن فكرتهن إذا ما
اعتقدن بشيء ؟! ظلت منى تبكي وقتاً طويلاً قبل حضورنا وذهبت جهودي في تهدئتها عبثاً.
سليم : هذا أمر طبيعي فهي ابنة خالتها العزيزة وعاطفة تحّبها كثيراً .
(صمت)
صالح : ( ملتفتاً إلى عاصم وهو يبتسم ) ها يا عاصم .. ماذا وراءك من أخبار؟!
عاصم : ( يتنحنح وكأنه يستعد لإلقاء خطبة) أبشرّك بأنني نجحت بعد مشقة في إقناع أبي بتمويل المشروع .
صالح : ( في سرور) هذا خبر عظيم حقاً .
عاصم : ( في تردد) ولكن يجب أن أخبرك أيضاً بأنه ربط مساهمته في المشروع
بموافقتك على شروطه .
صالح : ( بقلق) وما هي شروطه ؟
عاصم : أن تكون المستشفى خاصة بالمقتدرين .. ويجب أن تعلم يا صالح أنني بذلت جوداً عظيمة لإقناعه بفوائد المشروع التجارية لأنه كان يفضل أنفاق المال على إنشاء مصنع آخر للزجاج .
صالح : أقدّر يا عاصم موقفك من المشروع كل التقدير وأعلم أنه لا يمكن أن يوافق
أبوك على هذا المشروع لولا وجودك . وقد كنت أعتقد دائماً أنك تمثّل الرجل الصناعي الناجح والرأسمالي الذكي الذي يعرف كيف يستثمر أمواله . وأعدك أنك لن تندم على حماسك للمشروع وسيجد أبوك فيه كل ما يسّره .
عاصم : من وجهة نظري المشروع ناجح تجاريا فعلا يا صالح وسيدرّ أرباحاً عظيمة .
سليم : ( في سخرية) طوبى للمرضى المحتاجين .
صالح : ( ملتفتاً إليه) أعتقد أننا في غنى عن تعليقاتك الذكية يا سليم .
( تدخل عاطفة وهي في ملابس الخروج وبصحبتها منى وسليمة وهما
تتعاونان على حمل حقيبتها )
منى : نحن مستعدون يا دكتور صالح.
صالح : ( وهو ينهض) فلنذهب الآن إذن فقد تأخرنا عن الموعد .
سليمة : لماذا لا أصحبكم يا صالح ؟
صالح : لا ضرورة لذلك يا سليمة مادامت منى في رفقتها . ( ملتفتاً إلى عاصم
ومنى) هيا بنا .
عاصم : ( يلتفت إلى سليم الذي يظل ساكنا في مقعدة ) ألن ترافقنا يا سليم ؟
سليم : ( في سخرية مبطنة) لا أظن أن هناك داعيا لذلك ، فيكم الكفاية .
عاطفة : ( وهي تمسك بيد سليمة) تعالي معنا يا عزيزتي سليمة . ألن تأتي معي؟
سليمة : ( وهي تغالب دموعها ) ليس اليوم يا عطف . في يوم آخر .
عاطفة : (بدهشة) لماذا تبكين يا عزيزتي سليمة !
سليمة : أبكي لفراقك يا عطف.
عاطفة : يجب أن تكوني سعيدة من أجلي يا عزيزتي سليمة كنت أدعو الله دائماً أن يجعلني أعيش في سلام وقد حقق لي أمنيتي . سأعيش في مكان لا خصام فيه.
سليمة : ( مغالبة دموعها) نعم يا عطف .
( يخرج الجميع عدا سليم وسليمة .
تنفجر سليمة بالبكاء بينما يسند سليم رأسه بين يديه وقد بان عليه الحزن والتفكير0 تمضي فترة من الوقت )
سليم : ( يرفع رأسه فجأة ويهتف بعزم) إني ذاهب يا سليمة0 لن أبقى في هذه الدار .
سليمة : ( ترفع رأسها ببطء وتتساءل بذهول وهي تحاول نهنهة دموعها ) ذاهب؟!
سليم : نعم ذاهب . ملا معنى لبقائي في هذه الدار . لم أعد أحتمل دكتاتوريته0 يجب الوقوف أمام ديكتاتوريته وإلاّ تدمرت حياتنا .
( بعد لحظة ) هل ستبقين ؟
سليمة : وكيف نترك صالح وحده ؟
سليم : لا تخشي عليه فليس به حاجة إلى أحد ، تعالي معي يا سليمة .
سليمة : إلى أين ؟
سليم : إلى حيث نعيش في دار وحدنا . أعرف منزلاً صغيراً معروضاً للإيجار
وهذا المنزل ملائم جداً لنا .
سليمة : ( تفكر لحظات ثم تهز رأسها بشدة) لا يا سليم .. لن أترك الدار الآن .. لن أتركه بعد أن ذهبت عاطفة . لن أترك صالح وحده .
سليم : ( في سخط) ولماذا لا تتركين صالح وحده ؟ أترين به حاجة إلى أحد منّا؟
سليمة : وكيف أتخلى عنه في هذا الظرف العصيب !
سليم : ومن قال لك إنه يعتبر هذا الظرف عصيباً ؟ هل بدا عليه الاهتمام ؟ إنه كما يبدو وضع عواطفه في صندوق حديد وأغلقه عليها .
سليمة : ( في مرارة وكأنها تحدث نفسها ) لا أكاد أصدق نفسي . إنه يزداد قسوة يوماً بعد يوم ! كأنه شخص أخر غير صالح الذي عرفناه في صغرنا.
سليم : طبعاً ليس هو صالح الذي عرفناه في صغرنا .. صار شخصاً آخر .. ركبه
شيطان المال .
سليمة : ( في عزيمة) مهما يكن أمره فهو صالح الذي ربّاني ولن أتخلّى عنه .
سليم : ( يرميها بنظرات ازدراء) يبدو أنك تستحلين عبوديته .. ابقي هنا إذن وتخلي عن شخصيتك .
سليمة : ( تطرق وقد بان عليها انشغال البال ) .
سليم : ( بلهجة رقيقة ) أفلا ترين يا سليمة أنك تفقدين شخصيتك يوماً بعد يوم تحت تأثيره ؟ أفلا ترين أنك أصبحت مسلوبة الإرادة معضعضة الشخصية لا رأي لك ولا اتجاه ؟ لا بد لفتاة جامعية مثلك أن تكون لها آراؤها الخاصة في الحياة . لا بد أن يكون لها موقف لا أن تكون محض أداة يحركّها أخوها الكبير
سليمة : لا أقدر أن أغضب صالح . إنه يعاملني معاملة ممتازة ولا يفرض عليّ
شيئاً .
سليم : أتعتقدين حقاً بذلك ؟ كوني صريحة مع نفسك واعترفي بالحقيقة .
أتتصرفين في كل شيء بوحي من نفسك ؟
سليمة : صحيح أنني أدوس أحيا ناً على بعض رغباتي التي أعتقد أنها قد تغضبه ، ولكن من قال إنني مصيبة فيها وهو المخطئ ؟!
سليم : كوني شجاعة يا سليمة وأرمي عنك سلطانه . سيفقدك شخصيتك إلى الأبد إن ظللت أسيرة عبوديته . أمامك الحياة بكاملها يا سليمة ، فهل ترغبين في قضائها وأنت آلة مسيرة من شخص آخر ؟ أفلا تظنين أن الوقت حان لتصبحي ذات شخصية مستقلة ؟ إن رأيك لم يحترم ، بل لم يسمع ، في أهم قضية تقرّر مستقبلك وهو خطبة ماجد ، فأي حيا ة أمامك تلك التي ستعيشينها على هذه الطريقة ؟
سليمة : ( وقد انهارت مقاومتها وبدا عليها الضعف) ولكن كيف أتخلى عنه في مثل هذا الظرف يا سليم ؟
سليم : أتعتقدين حقاً أن ذلك سيؤثر عليه ؟ كوني واثقة أن حيا ته ستجرى على نفس الوتيرة وكأن شيئاً لم يحدث . إنه مشغول جداً في خططه لجمع المال ولا وقت لديه لمثل هذه التوافه .
سليمة : ( وقد بدا عليها الاستسلام) أواثق أنت يا سليم أننا نستطيع أن نعيش وحدنا؟
سليم : ولماذا لا نستطيع ؟ أنحن أطفال ؟ أنظل صغار ما دام صالح في الوجود ؟
قلت لك إنني أعرف منزلا صغيراً يناسبنا ( بعد لحظة) قومي يا سليمة . أعدي حقائبك ودعينا نرحل . هيا بنا نهجر هذه الدار الموحشة . غدت فندقاً يجمع غرباء لا بيتاً يضم أسرة متحابة .. إن نوافذها أصبحت مغلقة دون العواطف الإنسانية يا سليمة . ما قيمة العيش في بيت يخلو من عواطف المحبة ؟! إنه مجرد جدران .
( يبدو الاستسلام على سليمة فيتجه سليم نحوها ويتناول يدها ويسحبها خارج المسرح وهو يقول " قومي " .
يخلو المسرح فترة من الوقت ثم يظهر سليم ثانية وهو يحمل حقيبة كبيرة يضعها على الأرض ويجلس في انتظار سليمة ) .
سليم : ( يتجه إلى الباب الداخلي ويهتف ) أين صرت يا سليمة ؟ هل انتهيت؟
( تظهر سليمة وهي بنفس ملابسها وهيئتها السابقة . يبدو في عينيها احمرار من أثر البكاء ، وتظلل وجهها غمامة من الحزن ) .
سليم : ( يرمقها في استغراب) هل انتهيت يا سليمة ؟ أين حقيبتك ؟
سليمة : لست ذاهبة يا سليم 0 لا يمكنني أن أتخلى عن صالح في هذا الظرف ..
صالح بمقام أبي .
سليم : ( في غيظ) علاَم اتفقنا إذن ؟
سليمة : ( في إصرار) لا أرى هذا الاتفاق صحيحاً ، ويجب عليك أنت أيضاً أن
تغير رأيك . صالح بمقام أبينا . إنه هو الذي ربّانا .
سليم : وإذا كان ربّانا ،00هل نظل مستعبدين له طول عمرنا ؟ أفنظل أسرى
ديكتاتوريته ؟
سليمة : إنه بمقام أبينا يا سليم . هو الذي ربّانا . أنسيت عطفه علينا ونحن
صغارا؟ أنسيت الرعاية التي غمرنا بها بعد وفاة أبينا ؟ أنسيت تضحياته من أجلنا ؟ إنه عّوضنا حنان أمنّا وأبينا . لم يقصرّ تجاهنا في شيء يوماً . كان يستجيب لحاجاتنا مهما تكن ، كان بفضلنا على نفسه . فكيف يمكن أن نهجره الآن ونتخلى عنه وحيداً في مثل هذا الظرف ؟ هو صاحب فضل علينا .
سليم : نعم هذا صحيح . أنا أعترف بفضله . كان أخاً وأباً ممتازاً بلا شك . وهذا ما جعلني أحتمل البقاء معه في نفس البيت حتى اليوم . لكن صالح الذي تتحدثين عنه هو أثر دارس يا سليمة . إن صالح اليوم غير صالح الأمس . لقد غيّرته الحياة . ولم تغيّره إلى الأفضل مع الأسف بل غيّرته إلى الأسوأ . كان في الإمكان أن يكون شخصاً عظيماً ، كانت في أعماقه بذور ممتازة . لكنه فضّل الطريق القصير السهل لتحقيق الرفاهية . وهاهو يتخذ من مهنة الطب الإنسانية مطّية للثراء السريع . صار كل همّه في الحياة أن يبني مستشفاه التي تحقق له الثراء الطائل . ولا أستطيع أن ألومه فكل الأطباء الناجحين صاروا يتنافسون في بناء المستشفيات الخاصة ليجنوا منها أرباحاً طائلة ويبنوا قصوراً باذخة وعمارات شاهقة . ولعل صالح غير مسؤول كليا عن انحرافه .فقد سحقت روحه المعنوية فصار شخصاً يسير في ركاب السلطة المتعفنة ويفتش عن مركز تحت مظلتها لكنني00 لا يمكنني أن أسير في طريقه يا سليمة ، لقد اختلفت طرقنا في الحياة ولم يعد هناك مجال لالتقائها . وقد صبرت طويلاً على تعسفه وسخريته بآرائي بمناسبة وبغير مناسبة محاولاً أن أتعايش معه سلمياً ، ولكن يبدو أن ذلك أمر مستحيل يا سليمة فهو لم يعد ينظر إلى الحياة إلاّ من زاوية واحدة ، وهي زاويته الخاصة التي تتمحور حول عبادة المال وها أنت ذا ترين ماذا فعلت أفكاره الجديدة بعاطفة0 وأصارحك أنني لم أعد أطمئن على مصيرك بين يديه . فتعالي معي يا سليمة وتخلّي عن التردد . يجب ألاّ تخونك الشجاعة التي تقرّرين بها مصيرك .
سليمة : ( وهي فريسة اضطراب شديد) لا يا سليم00 لا . لن أتخلى عن صالح الآن.
لن أتخلى عنه في مثل هذا الظرف ، ربما فعلت فيما بعد ، ولكن ليس الآن ، ليس ي هذا الظرف .
سليم : ( يطيل النظر إليها في إشفاق) أحذّرك يا سليمة من هذا التردد ..إذا لم
تواتك الشجاعة الآن لاتخاذ القرار بهجر هذا البيت فستظلين مستعبدة لصالح طول عمرك .
سليمة : ( في اضطراب شديد والدموع تترقرق في عينيها ) ليس الآن يا سليم ..
ليس الأن ربما فيما بعد ولكن ليس الآن .
سليم : ( وهو يحمل حقيبته ويتجه نحو الباب) إذن مع السلامة .
سليمة : ( في صوت تخنقه العبرات ) مع السلامة يا سليم .
( ينبعث لحن السلام هادئاً في البداية ثم يشتد رويداً رويداً حتى يصير صاخباً بينما تذرع سليمة الغرفة في اضطراب شديد وهي تعصر يديها وتردد وكأنها تهذي : " ليس الآن يا سليم . ربما فيما بعد ولكن ليس الآن " .
يهبط الستار ببطء في حين يبدأ لحن السلام بالتلاشي .
-ستار الختام--
























#شاكر_خصباك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم مليكة
- البهلوان ومسرحيات اخرى
- هيلة
- مسرحية-القضية-
- اوراق رئيس
- مسرحية -الدكتاتور-
- الهوية
- الاصدقاء الثلاثة
- عهد جديد....مجموعة قصصية
- السؤال؟!!
- الشيء مسرحية من ثلاث فصول
- تساؤلات وخواطر فلسفية
- حكايات من بلدتنا
- دكتور القرية
- بداية النهاية
- حياة قاسية
- صراع


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - مسرحية -الغرباء-