|
صحراء
مروان العلان
الحوار المتمدن-العدد: 2514 - 2009 / 1 / 2 - 02:18
المحور:
الادب والفن
صحْراءُ شَقّقَها الهدوءُ وأوْغَلَتْ فيها الحكايةْ يومٌ وشَوْقٌ واتِّجاهٌ ثابتٌ وفحيحُ أفعىً تُسْتَفَزُّ وأنتَ تَفْتَعِلُ التّواصُلْ لمْ يأتِكَ النَّسْغُ المُجاوِرُ للتُّراب فالرّمْلُ ممتَدٌّ وأنتَ تُسابِقُ الّلحَظاتِ تبحثُ عن تواصُلْ.. فيكَ امتِدادُ الجَذْرِ، والأغصانُ جرّدَها الخريفُ وأنتَ ترْكُضُ باحِثاً عن كُوّةٍ، لكِنَّ ثَمَّةَ ما يضيعْ.. أَثَرٌ على رَمْلِ الجزيرَةِ حائِرٌ والقاطِنونَ كَشَمْسِهِمْ وهناكَ ثَمَّةَ ما يضيعُ، وأنتَ تَفْتَعِلُ التّواصُلْ..
ها حَمْحَماتُ الخيْلِ في الأعْصابِِ توغِلُ في مساحاتِ التَّغَرُّبِ تسْتَطيلُ.. وتَسْتَديرْ وهناكَ ثَمّةَ ما يضيعْ.. هيَ ذي تَمُرُّ من الشُّقوقِ الصُّفْرِ قطرة تنْسابُ حيناً سَهْمٌ من الصحْراءِ يَكْشُطُ وَجْهَها المَهْدورَ يخْتَرِقُ الخَلِيّةَ، تحتمي في ظِلِّ صَبّارٍ وصَخْرً أسوَدِ الّلَفَتاتِ مَصْلوباً على خَشَبِ الكراهةْ.. وهناكَ ثَمّةَ ما تُحِسُّ بأنّه يمْضي.. وأنتَ تُلَمْلِمُ الأشْياءَ فوقَ الرّمْلِ، تحتَ الرّمْلِ تحْتَرِقُ النّوايا الطّيِّبة..
رَمْلٌ تُغادِرُهُ الجُذورُ وقطْرَةُ الماء النّدِيَةُ، واخْضِلالُ العُمْرِ والصَّحْراءُ شَقَّقَها هدوءُ الرُّعبِ فانْحَبَسَتْ وتَداعتِ القَطَراتُ كيّ تلتَمَّ تَسْتَفْتي شُيوخَ القَهْرِ تودِعُ في بُنوكِ النّارِ ما تَحْوي.. وهناك ثَمَّةَ يا صديقُ مسافَةٌ فيها سَتَفْقِدُ كلَّ شيءْ
خُذْني إلى الصَّحْراءِ أرقُبُ حفلَةَ اسْتِحْمامِ رَمْلِ الشّمْسِ في لَهَبِ انتِماء لا يَبينْ خُذْني إلى الصَّحْراء أَقْتَلِعُ الجذورَ الذّاوياتِ وأَنْزِعُ الثّوْبَ الذي غطّى بقايا كَرْمَةٍ لِيَزولَ فيْءٌ يُسْتباحُ الوعْدُ فيهِ ولا يِزولْ.. ها قدِ اقْتَرَبَتْ مسافاتٌ وقاءتْكَ الشُّموسُ المُحْرِقاتُ وَعُدْتَ جَذْراً ليسَ يصْلُح يَلْعَقُ الرَّملَ المُحَمّلَ في متاهاتِ التَّغَرُّبْ وهناكَ ثَمَّةَ أسْطُراً كُتِبَتْ ولكنْ ليسَ يقْرَؤها أحدْ..
صحْراءُ شَقَّقَها الهدوءُ وقارَبَتْ حرْفَ النِّهاية..
يوْمٌ وَلَيْلٌ وَانْتَظَرَتُ الشّمْسَ أنْ تَهوي على كَفِّ المَغيبِ لأسْتَريحَ من التَّغَرُّبِ من ضَياعِ العُمْرِ منْ وَصْلِ الحُروفِ النائِياتِ، على التَّجاعيدِ القَديمَة.. يَوْمٌ وصَحْراءٌ.. هُناكَ ثَمّةَ أحْرُفٌ ضاعَتْ، وغَيَّبَها الّلهيبْ..
وَجْهٌ تَطاوَلَتـِ الشُّقوقُ على سَواحِلِهِ القصيّةِ وانْبرى يحْثو الجَفافَ يُوَزِّعُ الّلهَبَ المُدَمِّرَ في العُيونْ وبَقِيَّةٌ من شاربٍ مَتَقَصِّفٍ، فوقَ الشِّفاهِ المطبِقاتِ على سؤالِ المَوْتِ عنْ سَرِّ السُّكون.. ويكادُ يَسْدُلُ فوقَ أعْيُنِنا كثيفُ الّليْلِ أُحْجِيَةً تُحَرِّكُها الظّنون..
يا صاحبي.. إنْ تَفْتَحِ الصّحْراءُ صَدْراً للنّخيلْ، أوْ تَبْسُطُ الأيّامُ كَفّاً في مداراتِ الرّحيلْ أو تَنْطَوي في الّليْلُ، يا لًلّيْلِ، آهاتُ التَّوَجُّعِ والتّمَزُّقِ والعَويلْ إنْ تَرْتَدي الشَّمْسُ الغَريبَةُ كِسْوَةَ العِشْقِ المُعَتّقِ في الأصيلْ.. يبقى الرِّهانُ على الخُيولِ العادياتِ لِتَكْسِرَ الّلَهَبَ المُكَثَّفَ أو تُعيدَ القَطْرَ للرّمْلِ المُعادِلِ لاشّتِهاءاتِ التَّجَسُّدِ والذّبولْ..
يا صاحِبي.. هذي هيَ الصّحراءُ.. منفى قدْ سَوّرَتْهُ الشَّمْسُ منْ سِتِّ الجِهاتْ هلْ تستطيعُ اليوْمَ أن تَبْتاعَ ظلّا، أو يُمْكِنُ الأياّمُ أنْ تَطَأِ الصّخورَ، وتَرْتَقي كُلّاً، فَكُلّا.. هل غادَرَتْكَ النّائِحاتُ على الشّهيدِ وأوْدَعَتْكَ الوَرْدَ رَمْلا.. وتُراكَ أرْدَفْتَ التَّشَقُّقَ خلفَ ظهْرِكَ واخْتَزَنْتَ القَهْرَ حِملا.. هلْ تستطيعُ اليَوْمَ أنّ تُلْغي السُّكونَ عن السّكونَ وتَسْتَبيحُ النَّهْدَ أشواكاً وفُّا..؟ لا.. لا تَلُمْ واشْرَبْ من الصّحراء ما يكْفي لِيُقْتَلَ من أرادَ اليوْمَ قَتْلا..
يا صاحِبي، ماذا يكونُ إذا ما نْفَكَّ عنْكَ الّلوْنُ واسْتَلْقَتْ على صخْرِ الشّواطئِ هَمْسَةُ الموْتى وغابتْ في جُنونِ القَهْرِ صورَتُنا؟ ماذا إذا انْدَثَرَتْ بقايانا، وأدْرَكَنا التَّرَهُّلُ، واسْتَبَقْنا العُمْرَ أطفالاً لِنُصْبِحَ في غَضونِ اليوْمِ كالأَخْشابِ في البحرِ الذي قدْ مَلَّحَتْهُ الشمْسُ وانطَفَأَتْ مواويلُ الصِّبا عنْ ساعِدَيْهِ، وغارَ في الصّمْتِ الحنينْ؟
ماذا ستَفْعَلُ يا صَديقُ وأنتَ في الصّحْراءِتَقْتاتُ الشَّفَقْ؟ وتَراكَ تَلْهَثُ خلْفَ ذاتِكْ؟ وهناكَ ثَمَّةَ ما يضيعْ.. ماذا ستَفْعلُ يا صديقُ وأنتَ تورِقُ في الفراغْ؟
#مروان_العلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يوميات نخلة عربية
-
نص على جسد (القسم الأول)
-
نص على جسد (القسم الثاني)
-
الحوار الضرورة.. والتمدّن المفتَقَد
-
أمّي التي أرختْ ضفائرَها
-
المرأة: المتن والهامش
-
منظمة التحرير الفلسطينية: من الكفاح المسلح إلى المفاوضات
المزيد.....
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|