|
القيم الجديدة و مدى تقاطعها مع العقائد السائدة
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2515 - 2009 / 1 / 3 - 00:12
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
من الطبيعي ان تكون هناك قيم و مباديء عديدة و مختلفة في كافة انحاء العالم و منها تتواجد في بقعة دون اخرى و تخص ما يتصف بها مجتمع ما من المميزات التي تفرقه عن الاخرين او ما تتمتع بها مجتمعات و شعوب عدة من القيم و العقائد و الاديان و المذاهب، و تفرض واجبات و اطر عامة للسلوكيات و الاخلاقيات و الصفات العامة . عندما ينكمش العالم زمنيا او تختصر الاوقات ويُزاح الحدود لاسباب تجارية او من اجل علاقات متبادلة عامة او هجرة جماعية و ما تفرضه المصالح في احيان كثيرة ، في حين تضغط العولمة و ما تتعلق بها من المتطلبات على الناس من اجل جمعها و توحيدها في بوتقة واحدة بشكل او اخر و الهدف الخاص ما وراءها هو سيطرة القطب و الفكر و الثقافة و مباديء و قيم واحدة و من اتجاه واحد . هناك من العقائد و الافكار تخص مجموعة و تفصل بين البشر و تقف مباشرة او بشكل غير مباشر و ضمني معادية لاهداف و تطبيقات عامة للعولمة في بعض جوانبها فقط ، و في مقدمتها العقائد الدينية او المذهبية او القومية او العرقية. تتغير المفاهيم و ما تعنيه من المعاني و الابعاد و من معطيات و تفسيرات و تطبيقات و ما تحدثها من احتكاكات للمتضادات على الساحة التي تقارع عليها المقابل ، و ما تحدث من صراعات و تنافرات بين العقائد و الايمان بالافكار و ثوابت معينة و بين ما تفرزه و تنتجه تفاعلات العولمة مع الوقائع و الارضيات المتباينة التي تلاقيها في كافة انحاء العالم ، يمكن تفسير معاني و جوهر تلك المفاهيم . و من الطبيعي ان تحتاج كل تلك الصراعات و التصادمات التي تهدئة و استقرار من خلال عملية سلام و تناغم و توائم و تكيف في المضمون و المعاني مع افرازات العقائد الراسخة و ما تفرضه العولمة و مؤثراتها او مع بعضها البعض ، وتفرز نتيجة ذلك قيم مستجدة او حديثة و تُستحدث مفاهيم و عقائد بشكل ما في اطر معينة و تحوي جواهر متعددة و متباينة و مختلفة من مكان لاخر حسب ظروف الواقع الذي تنبثق منه . علينا ان نذكر انه هناك من العقائد و الطقوس و الافكار الدينية التي لها اهمية خاصة روحيا لبض الشعوب لحد اليوم ، و تلتزم بها مجموعة كبيرة من الناس و تتفاعل هذه مع الوضع الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي العام ، و هناك من مفاهيم راسخة و هي تتفاعل معها باستمرار ، و لايمكن تقييم ما هو العالم عليه الان بشكل عام من اعتقادات الناس بشكل مشترك و متساوي او على حد سواء في كل المناطق و انما تكون الحال في بقعة تتجه فيها الافكار و الاعتقادات الدينية المثالية السلفية نحو الازدهار بينما نفس المعتقدات تخفف من ثقلها و وطاتها و تتراجع من انتشارها و شعبيتها في بقع اخرى ، و يمكن ان تُستغل الاهداف الانسانية بمعتقدات معينة و ربما بشكل مطلق تستعمل ضد امنيات و امال الانسان ، و تقف حجر عثرة امام تقدمه ، في حين تساعد العولمة على بناء مجتمع متعدد الاديان و توفر حريات تطبيق الاديان و الطقوس و تشغيل افكار و عقول الناس باتجاه ما تبعدها في النتيجة عن العقلانية و الطريق العلمي التقدمي الصحيح في الحياة . و من جانبها تحتاج العولمة لتثبيت القيم التي تعتقد انها ضرورية لترسيخها في العالم ، و من الممكن ان تتعارض هذه القيم مع المباديء الاخلاقية العامة و العدالة الاجتماعية و المساواة التي تناضل من اجلها المجتمعات ، ويمكن للعولمة ان تستغل القيم الدينية للوصول الى اهدافها دون ان تهتم بما هو جوهر الحقيقة و ما من تلك القيم في الحياة، و هذا الذي يتناقض مع عقلانية التفكير و التطبيق في عقليات مَن يعتقدون باصحية القيم المفرزة من جراء تطبيقات العولمة من كافة جوانبها . و حاملو الافكار الراسمالية المعولمة يبحثون دائما عن المصادر العامة لما يكون بمضمون ديني او مذهبي او قومي او ليبرالي عام، والشرط الوحيد هو دعم عملية نشر و تطبيق افكار العولمة و متطلباتها كعملية فكرية و اقتصادية و ثقافية عامة في العالم ، و تحاول ان تشتبك و تعانق و تعقد العقائد الدينية و القومية مع القيم المستجدة المنبثقة من معطيات العولمة من اجل (كما يعتقد حاملوها) السلام و الاستقرار. و من غير المعقول و في وقت قصير كما يدعيه المتعولمين المصلحيين ان تتزاوج العقائد و المباديء الدينية مع القيم المختلفة السائدة في مختلف بقاع العالم ، و تكون لها تاثيرات متبادلة مباشرة و قابلة التطبيق و التجسيد في كل المناطق. هذا هو لب التناقض الذي لا يحتمل الحل الواقعي العلمي الصحيح اوما يقال انه يمكن ايجاد الحل الوسط و العامل المشترك بينها . ان مجموع القيم البارزة من المناطق ذات الحضارات الحاملة لافكار مثالية و مرت بمراحل اسطورية او خرافية او ماوراء الطبيعة من التفكير و الاعتقاد و ما انبثقت من تلك التفاعلات المتعددة اديان و صراعات و ما فرضت نفسها في النهاية ، لا يمكن ان تتفاعل مع منتوجات افكار و عقائد من قيم احادية الاتجاه متعالية الجوهر و التصرف معتمدة على التكنولوجيا و الاقتصاد مقابل الروح و منتجات الدين من الطقوس و العادات و التقاليد المتمازجة مع الوضع الاجتماعي الراسخ في اللاشعور الفرد الشرقي. و ان كان الهدف السامي و المقدس لاية اعتقاد او افكار هو رفاهية الانسان و العيش بسعادة و رغد ، فان التناقضات و التصادمات لا تنتج ما هو المنتوج الوسط الذي يمكن وصفها بالحقيقة ليبقى و يفرض نفسه لخير البشرية ، و لابد ان يسيطر احد الاصحين في الحياة و ان كانا متساويين في البعد من الحق و الحقيقة ، و هذا ما يثبت التقاطع للقيم الجديدة بشكل مطلق مع العقائد السائدة ، و المنتوج الجديد من تلك التفاعلات غير معلوم الشكل و المظهر و الجوهر و يبقى سطحيا و لا يمكن له فرض نفسه على الناس و انما الحقائق الواضحة التي تبرز بعد مخاض طويل و تستقر كافكار و عقائد و ربما يكون علمية حقيقية نتيجة صراعات تلك الافكار و العقائد هي التي تسيطر على الواقع .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشاريع الاصلاحية في اقليم كوردستان تعبر عن عقلية اصحابها و
...
-
عواقب عشوائية تطبيق السياسة الاقتصادية في العراق
-
العراق بحاجة الى قراءة جديدة للوضع الراهن من اجل تقدمه
-
كثرة العوائق امام مسيرة الشباب في اقليم كوردستان
-
هل تنجح امريكا في ابراز قوى معارضة في اقليم كوردستان كما تحا
...
-
تعديل الدستور عملية معقدة و تسيطر عليها المصالح الحزبية و ال
...
-
الاصرار على المركزية صفة غريزية للمتنفذين في السلطة العراقية
-
تحولات في الصراع الامريكي الايراني على ارض العراق في ظل الاد
...
-
ماذا تضم لنا السنة الجديدة سياسيا في العراق و المنطقة
-
في ليلة حالكة من ثمانينات القرن الماضي
-
مواقف المثقفين و مسار تقدم الشعب العراقي في الوقت الراهن
-
مهنية الصحافة و معتقدات الصحفي
-
هل بامكان روسيا الجديدة قيادة التيار اليساري العالمي؟
-
البحوث و الدراسات العلمية اولى الوسائل الهامة لارتقاء المجتم
...
-
ازالة الطابع الاسطوري الشرعي عن البنية الايديولوجية الراسمال
...
-
نهاية ال(نهاية التاريخ)
-
معرفة النفس بعد التامل و التركيز في كينونة الحياة
-
تمازج اليات العولمة مع موروثات الفلسفات الشرقية
-
قدرة الحوار المتمدن في تحقيق الأهداف اليسارية و الطبقة الكاد
...
-
هل تنبثق قوى معارضة في اقليم كوردستان؟
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|