أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد ضحية - اغنية لطائر الحب والمطر..........قصة قصيرة















المزيد.....

اغنية لطائر الحب والمطر..........قصة قصيرة


احمد ضحية

الحوار المتمدن-العدد: 772 - 2004 / 3 / 13 - 09:44
المحور: الادب والفن
    


كنت متكئا على عصاى عندما غفوت على الكرسى .. انتبهت اثر تحطم العصاة بعد ان تحول جوفها الى دقيق ناعم . بفعل السوس والارضة .. تماسكت فى اللحظة الاخيرة , متجنبا السقوط عبر ثقب الليل . كانت الارضة اللعينه قد كررت ذات فعلتها مع سقف واثاث البيت , قلت فى نفسى يجب ان اجد حلا , والا تحول البيت كله الى رماد .
اتت ايمى تحمل قمرية , مدتها لى : ( احد الاطفال الاشقياء حطم جناحها ..).. امسكتها برفق وودت لو بقيت ايمى .. كبرت كثيرا , وصارت ملظلظة .. تذكرت طفولتها الشقية . والتصاقها الدائم بى . كانت دائما تتسبب فى الكوارث التى تنسب الى فى خاتمة المطاف . فانال بسببها العلقات الساخنه , دون ان اقول الحقيقة فاشى بها ....
وددت لو اقول لها شيئا الان , فلم استطع .. اشعر احيانا ان خالتى تعلم خفايا عقلى وقلبى , تجاه ابنتها .. حاولت ان انسى , فتشاغلت بالقمرية الصغيرة .. حدثت نفسى (حديثة عهد بالطيران على ما يبدو ..)..
تابعتها بنظراتى وهى تتسرب بجناحيها فى الفضاء اللا متناهى : تتضائل , تتضائل , تتضائل ...ثم تغيب فى الافق الشفقى الوريف ..
شربت الشاى من يدى ايمى , ورحلت فى عينيها الى اخر المساء .. كانت الشمس مجرد هالة خابية , خلف السحب الغائمة .. تشتت بين عينى ايمى وايغال المساء ...
وقع خطى الليل الثقيل , يبعث فى النفس نوع غامض من الرهبة والتحفز .. عوالم من البوح والتردد تتداخل , لتلتوى فى داخلى شيئا مناشواق مشاعر لمتفصح عن نفسها بوضوح ..
كان الوقت متاخرا . طلبت منى خالتى اصطحاب ايمى للتسوق .. احسست بنفسى سعيدا كطفل غرير يوهب حلو ى او لعبة يحبها .. طلبت منى ايمى ان نسير على اقدامنا .ز بحثت فى جيوبى عن حلوى لاهديها لها .. عثرت على بقية احلام طفولية ولم اعثر على حلوى .. ونحن بمنتصف الطريق , احسست بها تودقول شىء بعد نفاد صبر طويل , واحست بى كذلك اود قول اشياء لفها صمت سحيق , مذ كنا صغارا ...
تمدد الطريق على المسافةة الالتوائية النادرة الا هنا.. استوعبته , بنظرة خاطفة واشتعل احساسى فى صحن عينى ايمان .. كنت اغوص فيهما عميقا , عميقا .. وكانت السماء مورقة , ووريف عينيها يورق سحبا ملبدة بالغيوم .. كانت سماء عينيها لا تعكس سوى ما اصطحبنا من احاسيس عميقة منذ كنا صغارا , تلك الاحاسيس السرية , الصاخبة عميقى الغور ..
اتتنى العيد المنصرم توفى بالوعد الذى قطعته على مذ عالجت جناحها المكسور .. كانت بعد صغيرة لا تعتقد بالتئام الجرح . وانسداد الشرخ الشرشفى فى قبة السماء , التى غيبتها اخر مرة ..انفقت زمنا فى معالجتها , ثم اطلقتها للريح , ومنذها اصبحت تنفق اياما من كل عيد معى .. تهبط على النافذة حين تجد غرفتى ممتلئة بمن احب واكره .. وحين تخلو الغرفة الا منى , وعلاقتى المتجددة بها . تهبط على راس مخدتى او عند حافة السرير .. اقبل جناحيه..ا اذيب لها السكر فى الماء ..انثر لها الحب .. نثرثر معا .. اضحك , ثم ترحل , لتات فى عيد اخر .. سبعة سنوات ولم تتغيب ابدا , لا ادرى ما الذى اخرها هذا العيد عن المجىء !؟!..
الطريق الملتوى كثعبان يشعل فى النفس احاسيسا متداخلة .. اطلقت عربتان السباب بينهما , وانحرفتا على نحو مفاجىء ووقعت مقدمة احداهما على حفرة .. كنت احيط خصر ايمان باحدى يدى وجذبتها بالاخرى , تحسبا لاى خطر . حين انقشع الخوف عن الطريق الالتوائى .. لم انتبه الا وهى على صدرى .. استعدت حواسى المغمدة فى الدفء ..
مذ كنا نرتدى السراويل بعد وبيننا علاقة مبهمة . يفهمها الجميع ولا يجرؤن على تسميتها . اتذكر كيف كنا نتركهم يتحدثون بتكرار ممل عن احداث القرية : القادمين والذاهبين .الذين توفوا مؤخرا . الذين اغتيل احدهم برصاصة طائشة . والذين بعد لم تدلقهم مدن البترودولار , على دروبنا المنهكة .. المغتربين لاجل انثى تضمد جراحات ايامهم . وتلملم شظاياهم لتصوغ منها انشودة طويلة لا تحكى كالمعتاد احزان المغترب ..نعم اذكر كيف كنا نهرب لنزهو بعيدا عن عوالمنا البهية سنين من الحب المكبوت !! والمشاعر البريئة ...
سكبت على مؤخرة العربة المقعية على الحفرة ذكرياتى الطفولية . وانا انسحب من المكوث بين شسوعى عينى ايمى .. احتوانا الشارع كاشياء صغيرة اعتادت اهانته كل يوم باحذيتها .. كان الشارع قد اخذ يخلو شيئا فشيئا الا من بعض السابلة والمارة المتفرقين , على مسافات متباعدة هنا وهناك .. مسحت السماء ببصرى كانت قد شنت فى الاونة الاخيرة حملات لا هوادة فيها على مدينتنا , قلت لايمى : ( نزر كارثة اخرى , بيوت المدينه المتهالكة لم تعد تحتمل ؟!..) نظرت الى وابتسمت :( اين كنت بالامس . انتظرتك طويلا ؟!) .. كنت هائما اغزل فى القلب مخلاة لحب جميل ... تضرج وجهها بحمرة لامست سواد الليل فى الكبد ..وسادت فترة من الصمت الحميم .... اه لوتدرين ايمى كم اشتاق ضحكتك المطله على عوالم تدفن نفسها بالصمت , اسرنى العشق واتسع جلبابه وفاض , وتمددت فى شوق وحنين ..بدات خيوط المطر ترفو اثواب الهواء الطليق . ثم تدلت تتكوم على الارض .. لم تعد رزازا بل وابلا لاسع الوخز .....
ثرثرت فى اذنى العيد الماضى وقلت لها : ( مدينتنا تكره الغرباء ) فعبست , فاضفت :(انت لست غريبة ) فغردت وانطلقت من غنائها تنبؤات الزمن الات . كانت تود ان تفعل شيئا لاجلى . هكذا احس بها كل عيد , وكنت مسكونا بايمى . لا ادرى لماذا تاخرت هذا العيد ؟!..
على حين غرة اشتد المطر .. ارسل مواويله المرعبة ..سحبت ايمى الى مظلة على حافة الطريق.. كان الشارع قد خلى تماما من المارة , والليل ينذر بالتوغل فى خفاياه .. اخذ المطر يعبث بوجه ايمان , فتطاولت بقامتى لاحميها . تجرا على ظهرها فخلعت سترتى . وامرتها :( ارتدى هذخه لئلا تصابى بالبرد ) لكنك... اصررت فتعنتت فكشرت لها عن انيابى . استسلمت وهى تضحك فى غبطة .. تبقى على حماية الجبهة الامامية . تطاولت اكثر لاحمى وجهها . لم اشعر بوقع حبات المطر على ظهرى , كانت عيناها تتموجان باحساس دافق , تهيجت مكنوناتى كلها , وتراكمت فى داخلى شعلة من الاحاسيس والمشاعر الفياضة . رعدة قوية اهتزت لها المظلة . جعلت ايمان تندفع عميقا عميقا لتختبىء فى صدرى !!..
تنبهت الى شىء يحط على كتفى . ازحت وجهى عن تنفس ايمان المنتظم .. افلتت ايمان بزعر .. كانت القمرية تفرد جناحيها على كتفى . مددت لها يدى فهبطت على راحتها . مددتها لايمان .. كان الفرح يطل من عينى القمرية .. طارت من كف ايمان لتحط على كتفى .. غلفنا الصمت للحظة .. كان المطر قد توقف منذ وقت ليس قصيرا .. حنت ايمان راسها فى حياء . غردت القمرية كما لم تغرد من قبل . ثم طارت .. تابعتها بنظراتى وهى تتسرب بجناحيها الفضاء اللامتناهى .. تتضائل اكثر فاكثر ..غابت تماما واحتوانا الطريق...
الخرطوم 1993



#احمد_ضحية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشكيل العقل الحديث
- هوامش على دفتر التحولات ..........دارفور والبلاد الكبيرة ... ...
- المقدمات التاريخية للعلم الحديث...
- النوة.......... قصة قصيرة
- دار فور: ما لا يقتلنى يقوينى 4_4
- نافذة للحنين نا فذة للشجن ....قصة قصيرة
- القاص السودانى عبد الحميد البرنس : الطيب صالح لو عاش فى السو ...
- القاص السودانى عبد الحميد البرنس: الهيئة المصريه احتفت بالتج ...
- على خلفية القرالر 137 فى العراق - الاسلام السياسى قنبلة موقو ...
- دار فور : ما لا يقتلنى يقوينى3_4
- عثمان علي نور / رائد القصة القصيرة في السودان
- دارفور ملا يقتلنى يقوينى 2_4
- كل ما لا يقتلنى يقوينى 1--4
- دار فور: حرب تلد أخرى........
- منال - قصة قصيرة ...
- في ذكرى الأستاذ محمود محمد طه
- الحوار المتمدن .. خط شروع جديد
- السودان : احتمالات السلام واجندة عمل مؤسسات المجتمع المدنى
- العراق : ذاكرة الهنود الحمر .. كم عميق هو الدم !!
- من اوراق الزيتون 2 طارق الطيب


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد ضحية - اغنية لطائر الحب والمطر..........قصة قصيرة