أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الصراع الطبقي وأشكاله















المزيد.....



الصراع الطبقي وأشكاله


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 772 - 2004 / 3 / 13 - 10:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(7)
1-مفهوم " الصراع الطبقي "
يؤدي اشتغال القوانين العامة للتقدم الاجتماعي إلى ارتقاء المجتمع الإنساني ككل، وكل مجتمع محدد، من وضعية إلى أخرى. وإن هذه العملية مستمرة، ومنتظمة، يحكمها قانون عام يسمى: القانون العام للحراك الاجتماعي، أو قانون التقدم الاجتماعي. لكن القانون، أي قانون، هو تجريد نظري لا يقول لماذا يتحقق التقدم الاجتماعي بهذا الشكل، وليس ذاك، بهذه الوتيرة وليس تلك؟ بكلام آخر، لماذا يختلف التقدم الاجتماعي في كل مجتمع من مرحلة إلى أخرى ،من مراحل التاريخ ؟. لتفسير ذلك لا بد من الاقتراب أكثر من داخل بنية المجتمع، والنظر فيها، عندئذ سوف نكتشف أنها متمايزة داخلياً إلى طبقات وفئات اجتماعية، لكل منها مصالحه الخاصة، التي يناضل في سبيل تحقيقها. وفي محصلة هذا الكفاح المتعدد الأشكال والقوى، والاتجاهات، فان كل طبقة أو فئة اجتماعية تحقق بشكل موضوعي، مساهمتها، وتلعب دورها، في التقدم الاجتماعي العام.غير أن هذا الدور الذي تلعبه كل طبقة، أو فئة اجتماعية، في التقدم الاجتماعي، لا يتوافق بالضرورة معه في الاتجاه، ولا يتحقق إلا من خلال الصراع. ومن الواضح أن هذه العملية متكررة، ومستمرة، لذلك يحكمها قانون عام يسمى بقانون الصراع الطبقي. يعبر هذا القانون عن الاوالية العامة لتفاعل الناس مع بعضهم البعض، في سياق الحركة الشاملة للتقدم الاجتماعي .
إن قانون الصراع الطبقي، مثله مثل أي قانون، يعكس الجوهري، المتكرر باستمرار، في الصراع الطبقي الاجتماعي. غير أن الشكل الذي يظهر به ( شكل ممارسة الصراع نفسه )، فإنه يختلف من مجتمع إلى أخر، ويختلف أيضا في المجتمع الواحد من مرحلة إلى أخرى، من مراحل تطوره، باختلاف الظروف، والشروط القائمة فيه. ونظرا لأن جميع الطبقات، والفئات الاجتماعية، و حتى الأفراد، تساهم في الحركة العامة للتقدم الاجتماعي من خلال صراعها في سبيل تحقيق مصالحها، وأن التقدم الاجتماعي نفسه، يتحقق كمحصلة موضوعية لنشاط جميع الفاعلين الاجتماعيين، فإن البحث في الصراع الطبقي، هو قبل كل شيء بحث في الشروط والظروف، التي يتكون داخلها هؤلاء الفاعلون، وتتحدد مصالحهم .
من المعروف أن الصياغة النظرية لقانون الصراع الطبقي أنجزت خلال صعود الرأسمالية، وليس قبل ذلك، ومنذ ذلك الوقت، وبالأخص منذ أواسط القرن التاسع عشر، أصبح بالإمكان النظر إلى تاريخ التقدم الاجتماعي " التاريخ المعروف بقدر معين "، على أنه تاريخ للصراع الاجتماعي الطبقي. ومع أن اكتشاف قانون الصراع الطبقي، قد أنجزه المفكرون البرجوازيون، إلا أنه دخل الفكر الماركسي بقوة وأصبح من أهم مكوناته المفهومية، وأدواته التحليلية النظرية. ومما لا شك فيه أن الحركة الماركسية قد حققت نجاحات معرفية هامة من خلال استخدام هذا المفهوم لتفسير دور الصراعات الاجتماعية الطبقية في تقدم أوربا، مثل دور الإصلاح الديني وحرب الفلاحين في ألمانيا، والثورة الفرنسية وكومونة باريس في فرنسا، والانتفاضات العمالية التي اجتاحت جميع الدول الأوربية في القرن التاسع عشر..الخ(1) ولا يمكن بالطبع التقليل من أهمية النتائج المعرفية التي أغنت الفكر الماركسي من جراء استخدام هذا المفهوم في دراسة الأنظمة الاجتماعية ما قبل الرأسمالية، دون أن يعني ذلك أن كل ما توصل إليه الماركسيون من معرفة بهذه الأنظمة كان صحيحا دائما،أو لا يزال صحيحا. الحقيقة هي غير ذلك تماما ، وأن الجانب الصحيح من الفهم الماركسي للمجتمعات ما قبل الرأسمالية أو حتى للأنظمة العالمثالثية ضعيفة التطور الرأسمالي في الوقت الراهن، له قيمة تاريخية وحسب ،وهو بحاجة دائمة ومستمرة إلى المراجعة الشاملة والجذرية . في هذا المجال وبشكل أولي يمكن القول: أنه لم يتعرض مفهوم أخر من مفاهيم الماركسية للابتذال الأيديولوجي، مثلما تعرض له مفهوم " الصراع الطبقي " .
إن مفهوم " الصراع الطبقي " هو أولاً وأخيراً ،مفهوم للتحليل الملموس، إنه أداة لإنتاج المعرفة بالصراعات الاجتماعية الطبقية،وبالتقدم الاجتماعي . لقد عملت المدرسة السوفيتية على جوهرته ، وتحديد نطاق صلاحيته في إطار ترسيمة محددة ، وفهم محدد لآلية اشتغاله ، في حين ذهب آخرون إلى نفي أي انتظام قانوني له .
الصراع الطبقي هو في جوهره صراع سياسي ، يعبر عن نزوع الطبقات ،والفئات الاجتماعية والأفراد نحو السيطرة ، ولقد ظهر تاريخياً في ثلاثة أشكال رئيسية هي : الشكل السياسي ،والشكل الأيديولوجي ،والشكل الاقتصادي ،( يضيف بولنتزاس شكلا رابعا هو الشكل النظري ) .
لقد ساد الشكل السياسي بصفته شكلاً رئيسياً للصراع الاجتماعي خلال مرحلة طويلة من تطور المجتمع الإنساني، امتدت( ربما لآلاف السنين ) حتى صعود عصر العبودية بشكل تقريبي .خلال هذا التاريخ الطويل، كان الإنسان خاضعا بشكل مباشر إلى شروط وجوده الطبيعية . وقد شكلت عملية السيطرة الأفقية على هذه الشروط الموضوع الرئيسي للصراع بين مختلف أشكال وجود الفاعل الاجتماعي . من الصعوبة بمكان الحديث عن وجود طبقات اجتماعية خلال هذه المرحلة ، لذلك كانت العشيرة أو القبيلة قوة الصراع الفعلية ، وأخذ الصراع شكلا عنيفا في الغالب الأعم . وكانت العلاقات القائمة على القرابة، حاضرة في الوعي بشكل مباشر، ضمن مفهوم المصلحة ، وكلاهما شكلا معا محرك الصراع الذي كان البحث عن المجال الحيوي هدفه الرئيس .
خلال هذه المرحلة كان الشكل الأيديولوجي للصراع الاجتماعي في صورة سحر ، وأساطير، ورموز طوطمية يلعب دورا ثانويا في التقدم الاجتماعي. بمعنى أن التناقضات الأيديولوجية لم تكن سببا كافيا لحصول صراع اجتماعي رئيسي ، بل كانت مندغمة في الشكل السياسي ،وفي كثير من الأحايين كانت رمزا له .
مع تطور المجتمع وتعقد بنيته خلال المرحلة العبودية أخذ يتنامى دور الوعي الأيديولوجي تجاه الشروط الطبيعية للوجود الاجتماعي ، مما سمح بإلباس الصراعات الاجتماعية لباسا أيديولوجياً . بل أصبحت القضايا الأيديولوجية موضوعات مستقلة للصراع الاجتماعي، خصوصا خلال العصور التالية .وهكذا كانت الأديان تعبيراً عن الشكل الأيديولوجي للصراع خلال مرحلة الانتقال إلى العصر الإقطاعي، وكانت الشكل السائد خلاله.
عندما ساد الشكل السياسي، والشكل الأيديولوجي للصراع الاجتماعي الطبقي، كانت الفئات الاجتماعية المسيطرة هي الفئات التي تقود عمليات الانتقال من الانتظام المشاعي للعلاقات الاجتماعية، إلى الانتظام العبودي، ومنه إلى الانتظام الإقطاعي لها ، وشكلت الحروب الداخلية ،والخارجية الأسلوب الرئيسي لتحقيق ذلك .
لم يظهر الشكل الاقتصادي للصراع الاجتماعي الطبقي تاريخيا إلا مع انحلال النظام الإقطاعي، وقد ارتبط ذلك أساسا بالتحول الذي طرأ على الشكل الذي أخذت تعبر به عن نفسها مصالح مختلف الفئات الاجتماعية . فمع تزايد وعي الناس، حلت الإحالات الأيديولوجية الأرضية محل الإحالات السماوية ، وأخذت مصالح الناس تتقابل مباشرة بدون توسطات سماوية.من جانب أخر حصلت تبدلات عميقة ، وجوهرية ،على الشكل الأيديولوجي ،إذ أخذ يصبح أرضيا أكثر فأكثر، وأخذ يتمايز داخلياً بحسب مصالح الناس الواقعية،على عكس الأيدولوجيا الدينية التي كانت تقرؤها الفئات الاجتماعية المشاركة في الصراعات الطبقية، بطريقة مختلفة في ضوء وعيها لمصالحها.
إن الأشكال الرئيسية للصراع الاجتماعي الطبقي، التي ظهرت تاريخيا تبدو في الرأسمالية متبلورة ،ومتمايزة ، لكنها متكاملة وظيفيا ،في سياق الصراع الاجتماعي الطبقي .لقد أصبح الجوهر السياسي للصراع الطبقي محمولا بشكل مباشر على الحامل الاقتصادي، الذي يشكل قوة السيطرة السياسية المعززة هنا ،وهناك بعناصر سياسية، أو أيديولوجية .كما تغيرت آلية الصراع نفسه ،وتولدت في سياقه فئات اجتماعية جديدة لعبت دوراً رئيسيا خلال عمليات الانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية في نموذجها الأوربي. فلأول مرة في التاريخ تنتقل مهمة إنجاز عملية الانتقال من نظام اجتماعي إلى أخر، من الطبقات المسيطرة إلى طبقة جديدة تماما ،تولدت في سياق الصراع نفسه .كما أن السيطرة السياسية ،والأيديولوجية، في الأنظمة ما قبل الرأسمالية كانت متداخلة بشكل لا ينفصل مع السيطرة الاقتصادية، أما في الرأسمالية فقد أصبح انفصالها ممكناً . من المعروف تاريخياً ،أن البرجوازية حققت سيطرتها الاقتصادية قبل أن تحقق سيطرتها السياسية والأيديولوجية ، وأخذت ترتسم ملامح جديدة للصراع الطبقي، وللأطراف المشاركة فيه . فلأول مرة في التاريخ أصبح بالإمكان تشكيل حلف طبقي عريض يقوده المثقفون ،لإنجاز عمليات الانتقال إلى نظام اجتماعي جديد نوعياً يتحدد جوهره من خلال تساوق التقدم الاجتماعي،والعدالة الاجتماعي.
إن الانتظام القانوني في الصراع الطبقي ،هو الصراع نفسه الذي ينشأ عن وضعية لا توازنية للقوى الاجتماعية تظهر على شكل تناقضات، واختلافات تحتويها ثلاث مستويات رئيسية هي : المستوى الاقتصادي، والمستوى الأيديولوجي، والمستوى السياسي، وهي أشكال تاريخية، يظهر من خلالها التناقض السياسي الرئيسي.غير أن هذه المستويات لا توجد في حالة نقية تماما، بسبب أن التناقض الاقتصادي الأساسي الذي يولد التناقض السياسي الرئيسي ،هو تناقض متعدد بتعدد أساليب الإنتاج في المجتمع . أضف إلى ذلك فإن كل مستوى من مستويات البناء الاجتماعي هو تكوين بنيوي من تناقضات مختلفة، ليس فقط بين المصالح الراهنة والمستقبلية للطبقات، والفئات الاجتماعية ، بل بين تلك المحمولة تراثيا. يترتب على ذلك أن الصراعات الاجتماعية التي تنشأ عن هذا المركب المعقد من التناقضات يختلف من مجتمع إلى أخر، وأن الحديث عن تماثل التناقضات الاجتماعية و الصراعات المتولدة عنها هو محض افتراض .
بإيجاز وتكثيف نقول : إن الصراع الاجتماعي الطبقي عملية سياسية معقدة جداً، تتداخل فيها وتتقاطع مصالح جميع الفئات الاجتماعية (2) . في ضوء ذلك نحن نرفض الفهم المبسط إلى درجة الابتذال ،الذي يحصر الصراع الطبقي بين ثنائيات طبقية ، تقرر ليس فقط اتجاه الصراع بل محتواه، وشكله . بالنسبة لهذا النوع من التفكير يختزل الصراع الطبقي إلى صراع بين ثنائيات طبقية متقابلة يواجه بعضها بعضاً . ففي جهة تقف طبقة الأسياد ،أو طبقة الإقطاع ، أو الطبقة البرجوازية ، بحسب النظام الاجتماعي السائد، وفي الجهة الأخرى المقابلة، تقف طبقة العبيد، أو طبقة الفلاحين الأقنان ، أو الطبقة العاملة . وفي كثير من الأحيان، تصور هذه الطبقات على أنها متماثلة داخليا، لا يجري فيها أي حراك ،وإن لها المصلحة ذاتها، وتسير في اتجاه واحد . من جهتنا لا نرى في هذه الثنائيات الطبقية أكثر من محددات عامة للفضاء الذي يجري في داخله الصراع الاجتماعي الطبقي ، أما مجراه الملموس، والدور الحاسم فيه، فقد تلعبه قوى اجتماعية أخرى .في ضوء ذلك يمكن تفسير الدور الهام الذي لعبه ويلعبه رجال الدين،أو القيادات العسكرية ، أو التجار ، أو المثقفون، أو الطلبة ، وحتى الأفراد،في المراحل التاريخية المختلفة.أضف إلى ذلك فإن الموضوعات المباشرة للصراع الطبقي،كانت وسوف تظل شديدة التنوع.
إن التناقض الأساسي الذي يولد جميع التناقضات الأخرى ،هو التناقض الاقتصادي ، لكن ذلك في المحصلة أي في نهاية المطاف . قبل ذلك قد تشكل موضوعات للصراع قضايا عديدة، ومختلفة ، ثقافية ،أو اجتماعية، أو سياسية ، بعضها محمول تراثيا وبعضها الآخر راهن معاش، بعضها يغلب عليه الطابع الداخلي، وبعضها الآخر تظهر فيه العوامل الخارجية بوضوح . وقد يجري الصراع بين الانقسامات الأفقية للمجتمع(طبقات،فئات اجتماعية)، لكنه قد يجري بين الانقسامات العمودية (طوائف،قبائل،عشائر،عائلات، واثنيات..الخ). وفي الغالب الأعم، تتداخل هذه الانقسامات في سياق الصراع بحسب مستوى تطور المجتمع .بكلام آخر،لا يجوز إرجاع الصراع الطبقي إلى أسبابه الجوهرية فقط، بل لا بد من إبراز الأسباب المباشرة له، التي قد تكون متنوعة كثيراً، لكنها حاضرة في وعي الفئات الاجتماعية المنضوية في إطار أشكال الوجود المجتمعي المختلفة .
الناس يتصارعون فقط عندما يعون أن لهم مصلحة في ذلك، أي المصلحة كما يراها الوعي ،سواء أكانت مصلحة حقيقية،أو مصلحة متخيلة، أو مزيفة، لكنها واقعية . المصلحة لا توجد واقعيا إلا من خلال الوعي بها ، ومتى أخذت شكلها الواعي فإنها تسبب الصراع .
لنقف قليلا عند مصطلح " الصراع الطبقي " ولنعيد قراءته. يشير مفهوم الصراع الطبقي من حيث الأساس إلى صراع بين طبقات متبلورة إلى هذه الدرجة، أو تلك، تتوزع أفقيا في البناء الاجتماعي. وبالتالي فإن الصراع الطبقي ،هو بالضرورة صراع اجتماعي . من جانب آخر توجد في المجتمع تناقضات عديدة يتولد عنها صراعات اجتماعية من الصعب اكتشاف خلفيتها الطبقية ، إلا بالتحليل النظري المجرد ،وفي نهاية المطاف . فهي تنشأ بين بنى اجتماعية تقسم البناء الاجتماعي شاقولياً .مثال على ذلك التناقضات والصراعات التي تنشأ بين الطوائف ،والقبائل ،والعشائر ،والاثنيات..الخ . لذلك نحن نفضل استخدام مفهوم "الصراع الاجتماعي الطبقي" بدلا من مفهوم " الصراع الطبقي " . المفهوم المقترح يستوعب جميع أنواع الصراعات الاجتماعية ،ويتسع نطاق تطبيقه كثيراً، فهو يسمح بقراءة دور مختلف أشكال الوجود الاجتماعي في الحراك الاجتماعي العام .
2- مفهوم " الطبقة الاجتماعية " .
لقد تحدثنا في المبحث السابق عن الصراع الطبقي باعتباره صراعا اجتماعيا داخليا، ينشب بين تجمعات من الأفراد، تتمايز مصالحها، إلى هذا الحد، أو ذاك. في هذا المبحث سوف ننظر إلى الطبقات الاجتماعية باعتبارها فاعل الصراع من زاويتين : زاوية وجودها كشكل للوجود المجتمعي ، وزاوية دورها في الصراعات الاجتماعية.
من حيث الأساس يمكن التمييز بين المحددات الاقتصادية، والسياسية، والأيديولوجية، للوجود الطبقي ، وبين الوضعية الطبقية لهذا الوجود . فمحددات الوجود الطبقي هي محددات موضوعية تتعلق بالموقع المحدد تاريخيا للفئات الاجتماعية المختلفة في علاقات الإنتاج الاجتماعية .أما وضعية الوجود الطبقي ،فهي تعكس الخصائص النوعية للطبقة من الناحية الأيديولوجية،والسياسية، أي كيف ،والى أي مدى ،تعي ذاتها ودورها في الصراع الاجتماعي. بهذا المعنى ليس من الضروري أن تتطابق وضعية الطبقة مع المحددات الموضوعية لوجودها ،فقد تحصل في الحياة الواقعية مفارقات كبيرة .
لقد عرف لينين الطبقة على الشكل التالي : " إن الطبقات هي مجموعات ضخمة من الشعب ، تختلف الواحدة عن الأخرى ،بالمكانة التي تشغلها في النظام المحدد تاريخيا للإنتاج الاجتماعي ، وبعلاقاتها ( في معظم الأحيان تثبت وتصاغ في قانون ) بوسائل الإنتاج ، بدورها في التنظيم الاجتماعي للعمل ، وبالتالي بمدى حصتها في الثروة الاجتماعية التي تتصرف بها وأسلوب الحصول عليها " (3)
إن تعريف لينين للطبقات هو تعريف بوجودها في الحالة السكونية ، وهو يركز على محدداتها الاقتصادية الموضوعية ، ويهمل المحددات الأيديولوجية ، والسياسية . من الناحية الواقعية فإن تعريف لينين يضمر وضعا تاريخيا معينا هو رأسمالية القرن التاسع عشر ، وبالتالي فإنه قد لا ينطبق على رأسمالية القرن العشرين ،حيث غير العلم والتكنولوجيا المحددات الاقتصادية، والأيديولوجية، والسياسية ،للوجود الاجتماعي برمته. لذلك من الضروري إعادة قراءة تعريف لينين للطبقة الاجتماعية بحيث يشمل إلى جانب المحددات الاقتصادية الموضوعية المحددات الأخرى الأيديولوجية، والسياسية، التي تحدد الوجود الفاعل للطبقة في الحراك الاجتماعي . في هذه الحالة سوف نرى كيف تنتقل كتل بكاملها من أفراد المجتمع من نطاق طبقة معينة إلى نطاق طبقة أخرى .
يظل تعريف لينين للطبقات الاجتماعية أكثر شمولية من تعريف إنجليز لها في تعديل أضافه إلى الطبعة الإنجليزية للبيات الشيوعي عام 1888 حيث يقول : " المقصود بالبرجوازية طبقة الرأسماليين المحدثين، الذين يملكون وسائل الإنتاج الاجتماعي، ويستخدمون العمل المأجور ، والمقصود بالبروليتاريا ، طبقة العمال المأجورين ،الذين لا يملكون أي وسائل خاصة للإنتاج ،فيضطرون إلى بيع قوة عملهم كي يعيشوا " . يكفي من وجهة نظر إنجليز تحديد العلاقة مع وسائل الإنتاج ليتحدد الخط الفاصل بين وجود الطبقة البرجوازية والطبقة العاملة (4) .
في الواقع إن تعريف لينين للطبقات أو تعريف إنجليز للطبقة العاملة والطبقة البرجوازية هو نوع من التخطيط الفكري لا يمكن قبوله دون تمحيص وتدقيق وتطوير . لهذا الغرض لا بد من إلقاء مزيد من الضوء على بنية حقول التناقضات الاجتماعية حيث الأسباب الحقيقية لتمايز البناء الاجتماعي إلى طبقات وفئات اجتماعية متصارعة .
لقد ذكرنا سابقا إن الحقول التي تحتوي على التناقضات الاجتماعية وتتحرك فيها هي تكوينات بنيوية معقدة ،وهي في مجمل الأحوال لا تمثل مساقط لبعضها البعض إلا في التجريد .فتناقضات الحقل الاقتصادي باعتبارها التناقضات الأساسية المولدة لغيرها من التناقضات ليس لها نفس المسقط في الحقل الأيديولوجي ،أو في الحقل السياسي .ثمة انزياحات حقيقية للتناقضات الاقتصادية منظور إليها من الحقل الأيديولوجي ، أو السياسي، تؤثر على وجود الطبقات ، وعلى الأثر الذي تتركه ممارسة الصراع الطبقي، في هذا الحقل أو ذاك .كثيراً ما ينظر إلى تناقضات الحقل الاقتصادي على أنها تناقضات في أشكال الملكية، أو تحال إليها، وتختزل بالتالي علاقات الإنتاج إلى علاقات الملكية التي يجري حصرها بدورها في ملكية وسائل الإنتاج. هذا ما ركز عليه إنجليز في تعريفه للطبقات الرئيسية في الرأسمالية.
يجب التمييز في الحقل الاقتصادي للتناقضات بين شكل الملكية بالمعنى الحقوقي وشكل الملكية بالمعنى الاقتصادي . فملكية الشيء لا تؤدي دائما إلى أثر اقتصادي مطابق .فعلى سبيل المثال لو أحصينا كل من يملك قوة عمله فقط، ويكسب وسائل عيشه من بيعها ، سوف نحصل عندئذ على فئة اجتماعية واسعة جداً، هي فئة المأجورين .بمعنى آخر، سوف تختفي جميع الفوارق بين عناصر هذه الفئة ،استنادا إلى شكل الملكية الحقوقي الذي يمثل هنا ملكية قوة العمل .لكن إذا أمعنا النظر في بنية هذه الفئة من زاوية الأثر الاقتصادي لملكية قوة العمل، لوجدنا اختلافاً كبيراً بين مكوناتها بحيث يمكن تكوين مجموعات (شرائح) من الأجراء تختلف مصالحها إلى حد بعيد ، ويختلف بالتالي موقعها في الصراع الاجتماعي الطبقي ؟
لنفترض أن خط الفصل بين الحلف الطبقي المسيطر، والحلف الطبقي النقيض، هو حد التمايز . فعلى أساس الشكل الحقوقي لملكية وسائل الإنتاج تحصل الاصطفافات التالية : في الجهة المسيطرة سوف تحتل مواقعها جميع الفئات المالكة لوسائل الإنتاج، بغض النظر عن أبعاد هذه الملكية ، أما في الجهة الأخرى النقيضة سوف تتجمع الفئات غير المالكة لوسائل الإنتاج ، بل لقوة عملها أي فئات الأجراء.أما إذا أخذنا بعين الاعتبار الأثر الاقتصادي للملكية ومن ضمنها ملكية قوة العمل فسوف تحصل عندئذ اصطفافات جديدة مختلفة: في الجهة المسيطرة سوف تصطف البرجوازية إلى جانب كبار ملاك الأراضي، والشرائح الاجتماعية التي تشترك معهما في الوضعية الاقتصادية، والاجتماعية، مثل كبار موظفي جهاز الدولة،أو الشركات، وبعض أفراد المهن الحرة .أما في الجهة النقيضة فسوف يقف العمال المنشغلون مباشرة بالإنتاج، إلى جانب الفلاحين الفقراء ،وجمهور الموظفين، والحرفيين، وأغلبية المثقفين .
بالنسبة للبرجوازية الكبيرة ،والمتوسطة، وكبار ملاك الأراضي، وقطاع واسع من البرجوازية الصغيرة، يلاحظ وجود تطابق تقريي بين الملكية بالمعنى الحقوقي والأثر الاقتصادي الناجم عنها . غير أن ثمة مفارقات وفوارق كبيرة بين الفئات الاجتماعية الأخرى. فعلى سبيل المثال الموظف الكبير في جهاز الدولة أو في الشركات (أي ما يدعى بالبيروقراطية الكبيرة) يحتل موقعا في صفوف الأجراء استنادا إلى الشكل الحقوقي للملكية ( فهو لا يملك سوى قوة عمله) ، في حين أن الأثر الاقتصادي الناجم عنها يدفعه إلى صفوف البرجوازية .الطبيب بدوره هو أقرب إلى الحرفي، بل هو حرفي ، من حيث شكل الملكية الحقوقي ( يتطلب أسلوب إنتاج الطبيب تفاعل جهده الشخصي مع أدوات عمله )، غير أن الأثر الاقتصادي لهذه الملكية قد يصنفه ضمن الفئات البرجوازية . نستنتج من ذلك أن المحددات الاقتصادية لوجود الطبقات لا يجوز حصرها في الملكية الحقوقية لوسائل الإنتاج ، بل لا بد من الاهتمام بالأثر الاقتصادي المترتب على هذه الملكية أيضا ، على أن تشمل الملكية عوامل الإنتاج( قوى الإنتاج) بدلا من وسائل الإنتاج . ربما هذا ما أراد أن يقوله لينين في تعريفه للطبقات عندما أشار إلى "حصتها في الثروة الاجتماعية " كسمة محددة لوجود الطبقة .
تولد تناقضات الحقل الاقتصادي بدورها تناقضات في الحقل الأيديولوجي والسياسي، والنظري ، غير أن حركة التناقضات هنا أكثر تعقيداً . ففي حين تبدو تناقضات الحقل الاقتصادي كاختلافات بين كميات قابلة للقياس ، فإن تناقضات الحقل الأيديولوجي، والسياسي، تبدو أقل تحديدا نظرا لتداخلها من جهة ، ومن جهة ثانية،لأن ممارسة الصراع الطبقي من موقع الطرف الآخر توحي بان التناقضات تبدل مواقعها . بمعنى آخر فان المحددات الأيديولوجية لوجود طبقة من الطبقات تشير إلى واقع نظري أكثر منه وجود مشخص قابل للقياس .ومع أن هذه المحددات الطبقية تبدو من موقع البرجوازية أكثر اتساقا ، غير إنها من موقع الفئات الاجتماعية الأخرى تبدو مشوشة بسبب ضغط الفكر البرجوازي عليها . فالبرجوازية باعتبارها الطبقة المسيطرة، والمهيمنة في الوقت ذاته، لا تكتفي بإنتاج الأيدولوجيا التي تقرأ بها مصالحها ، بل وتعمل على صوغ وعي الفئات الاجتماعية الأخرى، بحيث تقرأ مصالحها الخاصة من موقعها هي بالذات ، وليس من مواقع تلك الفئات الاجتماعية .
في الحقل السياسي تبدو المسألة على قدر كبير من التعقيد أيضاً . فعلى الرغم من وجود أشكال خاصة لإدارة الصراع الطبقي للفئات الاجتماعية النقيضة، أو التي في موقع النقيض للبرجوازية ، إلا أن ممارسة الصراع ضد البرجوازية لا يجري دائما من موقع النقض لها ، بل من موقعها هي بالذات مما يعزز من سيطرتها في النهاية حسب مهدي عامل.
إن تعقيد بنية الحقول التناقضية، وضعف تبلورها في البلدان المتخلفة، تجعل محددات الصراع تبدو على شكل ميوعة عامة، تغيب فيها الخطوط الفاصلة بين الطبقات ،والفئات الاجتماعية، نتيجة للظروف الخاصة لانتشار الرأسمالية فيها ، وهذا يتطلب قراءة خاصة .
3-الطبقات الاجتماعية في ظروف التخلف .
إن المرحلة التي تجري فيها عمليات الانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية في ظروف التخلف تسمى عادة بالمرحلة الوطنية الديمقراطية. يتمثل جوهرها في إزاحة العلاقات والبنيات الإقطاعية من المجتمع، وتسريع نمو العلاقات الرأسمالية. من الناحية التاريخية فإن إنجاز هذه المهمة في نموذجها الغربي كان من نصيب البرجوازية، غير أنه ،في ظروف التخلف، عجزت البرجوازية المحلية عن إنجازها حتى النهاية. السبب في ذلك يكمن في طبيعة البرجوازية نفسها التي تصيرت من أغنياء الريف أساسا، ومن بعض التجار ،والزعامات العشائرية، والدينية ،فهي مخلوق هجين بسبب افتقارها إلى الصيرورة الحقيقية .و يظهر هذا التكوين الهجين للشخصية البرجوازية واضحاً في ازدواجية شخصيتها ، فعلى صعيد استقصاء الربح وجني الثروة ، تبرز بوضوح العناصر الرأسمالية ، أما في المجالات الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية فتبرز العناصر الإقطاعية المتخلفة .هذه الازدواجية في تكوين البرجوازية المحلية جعلها ،منذ البداية ، مطيةً وألعوبةً في يد الرأسمال الأجنبي .
إن عجز البرجوازية التقليدية عن إنجاز مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية ،خصوصا بعد الاستقلال السياسي، دفع البرجوازية الصغيرة إلى المقدمة لتقوم بإنجاز هذه المهمة .
تتحدد البرجوازية الصغيرة في الحقل الاقتصادي بأسلوب إنتاجها البضاعي الصغير ، الذي يفترض تفاعلاً مباشراً بين الجهد الشخصي للبرجوازي الصغير وبين وسائل إنتاجه . وقد يشترك معه في هذا التفاعل أفراد أسرته .وفي حال ارتقى مستوى العملية الإنتاجية وفق هذا الأسلوب في الإنتاج إلى مستوى الورشة الصغيرة،فإنها عندئذ تضم بالإضافة إلى صاحب الورشة، عددا من العمال الأجراء يختلف عددهم من بلد إلى آخر . في ظروف بلدنا يمكن اعتبار عدد (خمسة عمال) حدا معياريا مناسبا . بهذا المعنى فان البرجوازية الصغيرة تضم قطاعا واسعا من الشعب يشمل الحرفيين والفلاحين وقسما هاما من التجار وأصحاب المهن الحرة والعاملين في مجال الإبداع الثقافي والفكري .
إن تصدي البرجوازية الصغيرة لإنجاز مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية يتميز بخصوصيات فريدة . بداية، فهي لا تستطيع إنجاز ذلك إلا من خلال السيطرة على جهاز الدولة بواسطة الحزب السياسي الذي يتمفصل معها، على عكس البرجوازية التقليدية التي أنجزت ذلك تاريخيا من خلال سيطرتها على الحقل الاقتصادي أولا، ومن ثم على الحقل السياسي بما فيه جهاز الدولة .
لقد ترتب على صعود البرجوازية الصغيرة وتنامي دورها أن اكتسب جهاز الدولة فعالية كبيرة في حياة المجتمع ، ومن خلاله ولدت برجوازية جديدة نوعيا أطلق عليها اسم البرجوازية البيروقراطية . من خصائص هذه البرجوازية أنها لا توجد، ولا تستطيع الاستمرار، إلا من خلال الدولة وأجهزتها على قاعدة التوسيع المستمر لرأسمالية الدولة، على حساب الرأسمالية الخاصة . بمعنى أخر فإن رأسمالية الدولة هي الشكل الخاص لإنجاز المرحلة الوطنية الديمقراطية من قبل البرجوازية البيروقراطية (5) .
إن توسيع البرجوازية البيروقراطية لرأسمالية الدولة هو في الوقت نفسه تعظيم لدورها في المجتمع . عند حد معين من التوسع الرأسمالي البيروقراطي تتكون ظروف ملائمة ،لولادة شريحة برجوازية جديدة، هي البرجوازية الطفيلية الشريك الرئيسي للبرجوازية البيروقراطية في اقتسام فائض القيمة المستحوذ عليه من قطاع رأسمالية الدولة، بشكل رئيسي ومن الاقتصاد الوطني بصورة عامة (6) .
وبسبب أن البرجوازية البيروقراطية لا تستطيع التوقف عن توسيع رأسمالية الدولة ، فإنها عند مستوى معين من التراكم الرأسمالي الدولتي تصطدم بعدم كفاية المصادر المحلية للتراكم ، فتزيد في الطلب على القروض من المصادر الخارجية ، فتتوسع دائرة العلاقات الاقتصادية مع الخارج، وتزداد تبعية الاقتصاد المحلي لمصادر التمويل الخارجية . وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن السياسات التنموية التي تنتهجها البرجوازية البيروقراطية عادةً ،تركز على دائرة الاستهلاك ،ومشاريع الأبهة ،فإن استنزاف الموارد المحلية، وتشويه الهياكل الاقتصادية ،تصبح النتيجة المنطقية التي لا مفر منها . في هذا السياق تولد البرجوازية الكمبرادورية كمتطفل على مسار العلاقات الاقتصادية مع الخارج(7) .
وهكذا يتكون الحلف الطبقي البرجوازي الجديد الذي يتصدى لإنجاز مهام المرحلة الوطنية الديموقراطية من البرجوازية البيروقراطية ،والبرجوازية الطفيلية، والبرجوازية الكمبرادورية، إلى جانب البرجوازية التقليدية ، التي تمثل التعبير الاجتماعي عن الأشكال الطبيعية لدوران رأس المال الخاص المحلي، وتضم بشكل رئيسي البرجوازية التجارية والبرجوازية الإنتاجية والبرجوازية الخدماتية . بطبيعة الحال لا يشكل هذا الحلف الطبقي حالة مستقرة ، بل يتعرض إلى انزياحات مستمرة في مواقع الهيمنة فيه، بحسب الظروف المستجدة من حيث المبدأ يجري الصراع في سبيل الهيمنة بين البرجوازية البيروقراطية ،بصفتها التعبير الاجتماعي عن رأسمالية الدولة ، والبرجوازية التقليدية باعتبارها المعبر عن الشكل الخاص لرأس المال .في سياق هذا الصراع تصطف البرجوازية الطفيلية بحزم إلى جانب البرجوازية البيروقراطية نظراً لاشتراكهما في الوضعية الطبقية ، في حين تتردد البرجوازية الكمبرادورية بعض الشيء .
إن احتمال تغير موقع الهيمنة الطبقية في داخل الحلف البرجوازي المسيطر بين البرجوازية البيروقراطية، والبرجوازية التقليدية ،لا يتعلق بالمعطيات الداخلية فقط ، بل وبدرجة التبعية للخارج .من حيث المبدأ تقف الإمبريالية إلى جانب الشكل الخاص للرأسمالية في البلدان المتخلفة ،وما يعبر عنها من برجوازية تقليدية، غير أنها قد تدعم مؤقتا وجود رأسمالية الدولة، والبرجوازية البيروقراطية ، خصوصا عندما تكون الظروف الداخلية غير مستقرة وتشهد نمو تيارات سياسية واجتماعية غير مرغوبة .
تتمايز البرجوازية التقليدية بحسب القطاعات الاقتصادية إلى برجوازية صناعية أو زراعية أو بنائية وتسمى عادة بالبرجوازية الإنتاجية، والى برجوازية تجارية ( داخلية وخارجية ) وبرجوازية خدمية .. الخ .وهي تتمايز أيضا حسب حجم رأس المال الذي تملكه إلى برجوازية كبيرة وبرجوازية متوسطة وبرجوازية صغيرة .
كثيرا ما يختلط مصطلح "الطبقة الوسطى " مع مصطلح " الطبقة البرجوازية الصغيرة "، في ظروف التخلف.ومن المفيد إزالة هذا الالتباس .
لقد ظهرت الطبقة الوسطى تاريخيا في ظروف الصراع بين الطبقة الإقطاعية والفلاحين الأقنان، وتصدت لإنجاز الثورة البرجوازية . لاحقا وفي ظروف الرأسمالية فان مصطلح الطبقة الوسطى يشير إلى تلك الفئات الاجتماعية التي تحتل موقعا وسطا بين الطبقة العاملة والبرجوازية الكبيرة والمتوسطة .
في البلدان المتخلفة من الأصح الحديث عن البرجوازية الصغيرة، بدلا من الطبقة الوسطى ، وهي هنا تضم فئات اجتماعية عديدة .السبب في ذلك يعود إلى خصوصية البناء الاجتماعي ،وعدم تمايزه بما يكفي، نظرا لضعف النمو الرأسمالي .
في الجهة المقابلة للحلف الطبقي البرجوازي المسيطر تقف الطبقة العاملة الوليد المباشر لنمو وتوسع الرأسمالية .فمنذ البداية أخذت الرأسمالية بتحطيم الأشكال الإنتاجية المتخلفة في الريف، وتحرر الفلاحين ،وتدفعهم للهجرة إلى المدينة ،للانضمام إلى جيش العمل . وقد ساعد في ذلك تطور التكنيك الزراعي ،وتطبيقاته الواسعة ،مما خلق فيض سكاني يبحث عن عمل في الفروع الاقتصادية الأخرى .
تشكلت الطبقة العاملة أيضا من جراء حراك البرجوازية الصغيرة .لقد حطمت الصناعة الآلية و المنتجات المستوردة الحرفة المحلية، مما دفع الحرفيون إلى الانضمام إلى جيش العمل أيضاً . ومع أن الطبقة العاملة يمكن القول إنها تكونت كطبقة بذاتها إلا أن وضعيتها الطبقية ( أي كطبقة لذاتها ) لا تزال غير متبلورة بسبب روابطها القديمة بأصولها، ومنابتها . كل ذلك انعكس على وعيها القاصر والهجين ،المركب من اختلاطات عديدة. فإلى جانب الحضور الفاعل لمركبات من الوعي الإقطاعي والعشائري والطائفي و الجهوي ،يمكن أن تصادف مركبات من الوعي الرأسمالي الطبقي والوطني .
في الريف كانت الطبقة الفلاحية النقيض الفعلي للطبقة الإقطاعية، بل للحلف الطبقي البرجوازي الإقطاعي في البلد .ومع أن الطبقة الفلاحية تشكل جزء من البرجوازية الصغيرة ، إلا أنها تتميز بجملة من السمات الخاصة التي تجعل منها طبقة خاصة بذاتها . تعود هذه الخصوصيات بشكل عام إلى طبيعة الحياة الريفية ،وشروط العملية الإنتاجية الزراعية . مع ذلك فهي طبقة متمايزة داخليا إلى شرائح عديدة هي التالية :
أ-العمال الزراعيون . تشترك هذه الفئة مع بقية فئات العمال في أنها لا تملك وسائل إنتاج وتكسب عيشها من خلال بيع أفرادها لقوة عملهم . تتوسع هذه الفئة باستمرار مع انتشار العلاقات الرأسمالية في الريف .
ب- أشباه العمال. تضم هذه الفئة أولئك الذين يملكون بعض وسائل الإنتاج التي تؤمن لهم دخلا معينا لكنهم يحصلون على وسائل عيشهم بشكل رئيسي من جراء بيعهم لقوة عملهم .
ج-الفلاحون الصغار .تضم هذه الفئة الفلاحين الذين يملكون وسائل إنتاج تؤمن لهم القسم الأكبر من وسائل عيشهم ، ويحصلون على القسم الآخر من بيعهم لقوة عملهم .
د-الفلاحون المتوسطون . وهم الفلاحون المكتفون ذاتيا ، أي الذي يكسبون عيشهم من وسائل إنتاجهم ،فلا يبيعون قوة عملهم ولا يستأجرون قوة عمل غيرهم .
هـ - الفلاحون الأغنياء . تضم هذه الفئة الفلاحين الذين يشتركون مع البرجوازية الريفية في الوضعية الاجتماعية ، لكنهم يختلفون عنها في أنهم يعملون في الزراعة على وسائل الإنتاج التي يملكونها ،ويستأجرون قوة عمل إضافية لإنجاز العمليات الإنتاجية .
و- البرجوازية الريفية.وهي تتحدد ليس بحجم ما تملك من وسائل إنتاج وإنما بطريقة استثمارها لها وهي من منابت وأصول اجتماعية مختلفة.
الفئات الاجتماعية الثلاثة الأولى تشكل معا فئة الفلاحين الفقراء ، السمة الجامعة لهم هي بيعهم لقوة عملهم ،وعدم كفاية وسائل عيشهم . وإذا أضيفت إليها الشريحة الرابعة، تتكون عندئذ فئة الفلاحين الكادحين، سمتهم الجامعة هي كسبهم لوسائل عيشهم من قوة عملهم.
إلى هنا نكون قد حددنا الطبقات والفئات الاجتماعي الموجودة في البلدان المتخلفة ، مستلهمين وضعيات عربية معينة كنماذج ،وذلك استنادا إلى موقعها في سلم الإنتاج الاجتماعي . لكن المجتمع يضم تكوينات اجتماعية أخرى ليس لها علاقة مباشرة بالإنتاج الاجتماعي ، مع أنها تلعب دورا هاما في الصراعات الاجتماعية الطبقية ، ويتحدد وجودها بدلالة مؤشرات وسمات من أهمها المهنة التي تزاولها، مثل أصحاب المهن الحرة ،الطلاب، العسكريون ، الموظفون الإداريون ، رجال الدين ..الخ. ومن أجل فهم دورها في الصراع الاجتماعي الطبقي بصورة أفضل لا بد من متابعة السير بالدراسة .
هوامش
1-كتب ماركس يقول " وفيما يخصني ليس لي الفضل في اكتشاف وجود الطبقات في المجتمع المعاصر ولا فضل اكتشاف النضال فيما بينها ، فقد سبقني بوقت طويل مؤرخون برجوازيون ، بسطوا التطور التاريخي لهذا النضال بين الطبقات ، واقتصاديون برجوازيون بسطوا تركيب الطبقات الاقتصادي " / من رسالة ماركس إلى يوسف فيدماير ، 5 آذار 1852 . مختارات ماركس إنجليز ، الجزء الرابع ص 134 . دار التقدم ، موسكو 1977 /
2-" وفقا للمفهوم المادي عن التاريخ يشكل إنتاج وتجديد إنتاج الحياة الفعلية العنصر الحاسم في أخر المطاف في العملية التاريخية .أما إذا شوه أحدهم هذه الموضوعة ، بمعنى أن العنصر الاقتصادي هو على حد زعمه العنصر الحاسم الوحيد فانه يحول هذا التأكيد إلى جملة مجردة لا معنى لها ولا تدل على شيء. إن الوضع الاقتصادي هو الأساس، ولكن مختلف عناصر البناء الفوقي تؤثر هي أيضا في مجرى النضال التاريخي وتحدد على الأغلب شكله في كثير من الأحيان . ونقصد بهذه العناصر النظام السياسي الذي تقيمه الطبقة الظافرة بعد كسب المعركة [….] والأشكال الحقوقية والفلسفية والآراء الدينية [….] يصنع التاريخ بنحو تحصل معه النتيجة النهائية دائما من تصادم كثرة من الإيرادات الفردية " / من رسالة إنجليز إلى يوسف بلوخ 21/22 أيلول 1880 . مختارات ماركس إنجليز ( مرجع سبق ذكره ص154-155 ) /
" لاشيء ينقص هؤلاء السادة كما ينقصهم الديلكتيك ، فهم دائما يرون هنا السبب فقط وهناك النتيجة .أنهم لا يرون أن هذا تجريد فارغ وان هذه المتناقضات الميتافيزيائية لا توجد في العالم الفعلي إلا في زمن الأزمات ، وان السير العظيم للتطور كله يجري بشكل تفاعل […..] وانه لا وجود هنا لأي شيء مطلق وان كل شيء نسبي " / من رسالة إنجليز إلى شميدت 27 تشرين الأول 1890. مختارات ماركس إنجليز ، الجزء الرابع ص 166 /
3- انظر كتاب ( المادية التاريخية ) ، ماركس إنجليز لينين ص 564-565
4- انظر كتاب "المادية التاريخية، ماركس إنجليز لينين ،مرجع سبق ذكره .
5-إن جميع فئات الحلف الطبقي البرجوازي الكولنيالي الجديد تشترك في سمات التبعية والطفيلية والكمبرادورية ،مع ذلك فهي تتمايز فيما بينها ، فكل منها له سمته الجوهرية التي تحدد وجوده كفئة اجتماعية مستقلة نسبيا .
البرجوازية البيروقراطية، وهي الشريحة الأهم من بينها، تضم الفئات العليا في جهاز الدولة وفي الأجهزة البيروقراطية الأخرى . وان سمة الاندماج بجهاز الدولة هي السمة الجوهرية التي تحدد وجوها كفئة اجتماعية متميزة . يضاف إليها سمة أخرى من ناحية الأساس الاقتصادي تتمثل في تنمية رأسمالية الدولة .
تبدأ سيرورة هذه الشريحة البرجوازية من البرجوازية الصغيرة بعد استلامها السلطة السياسية ممثلة بالحزب السياسي الذي يتمفصل معها ويعبر عن مصالحها . وما إن تستلم السلطة السياسية حتى تعمد إلى تضخيم دور الدولة كعامل سياسي مستقل بحيث يخضع المجتمع برمته له . وفي المجال الاجتماعي تعمد إلى إنعاش العلاقات الشخصانية وتنقلها إلى المجال السياسي على شكل ولاءات شخصية أو عائلية أو عشائرية أو طائفية أو اثنيه أو جهوية ..الخ .
يقول كارل بروتنتس " وعندما يتكلمون عن البرجوازية البيروقراطية في المستعمرات وأشباه المستعمرات سابقا فإنهم يقصدون عناصر معينة بين جهاز الدولة وفي الدوائر الحكومية العليا ، المعزولة عن الشعب ، بل والمعادية له والتي تستخدم وضعها من أجل الإثراء الذاتي ومن أجل كل العمليات غير الشريفة [….] وبسبب وضعها الخاص وأساليب ثرائها ، تتميز البرجوازية البيروقراطية بالحد الأقصى من الفساد والملق السياسي وهي قادرة على أن تحتل أكثر المراكز عداءا للوطن والشعب " / كارل بروتنتس ( الاستعمار الجديد جوهره وأساليبه ) ، دار التقدم ، موسكو ، 1966 ،ص 52-53 ./
يتعلق كلام بروتنتس بحالة خاصة من البرجوازية البيروقراطية التي خلقها المستعمر وتركها وراءه في جهاز الدولة عند مغادرته البلدان المستعمرة لتحافظ على مصالحه . يجري الحديث في الوقت الراهن عن شريحة طبقية برجوازية لها صيرورتها الخاصة ، وان كتاب بروتنتس المشار إليه يعرف بها أدق تعريف .
6-البرجوازية الطفيلية بالمعنى التقليدي تمثل وضعية معينة للبرجوازية في البلدان المتقدمة، تنفصل عندها البرجوازية عن دائرة الإنتاج ، وتكرس وقتها للبذخ والترف .
في ظروف التخلف مصطلح " برجوازية طفيلية " يشير إلى ظاهرة لها سيرورتها الخاصة تحايث نمو رأسمالية الدولة . تقوم البرجوازية الطفيلية بكل النشاطات غير الإنتاجية، أو الضرورية للإنتاج من سمسرة و،وساطة ومضاربة وتجارة سوداء ..الخ .لذلك تسعى هذه البرجوازية إلى تعميم وضعية اللاقانون والفساد .
2-ظهرت البرجوازية البيروقراطية تاريخيا كوسيط لترويج سلع المستعمر أو السلع المستوردة عموما في السوق الوطنية . استخدم مصطلح " البرجوازية الكمبرادورية " لأول مرة في الصين من قبل ماو تسي تونغ في الثلاثينات من هذا القرن للإشارة إلى الممثليات التجارية الأجنبية . توسع لاحقا استعمال هذا المصطلح ليشمل أيضا جملة من النشاطات المتعلقة بالترويج للاستثمارات الأجنبية وما يرتبط بها من صفقات وعقود خارجية .ومن الطبيعي أن يكون لهذه البرجوازية حضور قوي في جهاز الدولة ، بين كبار موظفي الدولة . يقول بولنتزاس " إن ما تعنيه تقليديا البرجوازية الكمبرادورية ،جزء من البرجوازية الذي ليس له قاعدة خاصة لتراكم رأس المال، والذي يتصرف نوعا ما كمجرد وسيط للإمبريالية الأجنبية( لهذا يقرنون بعض الأحيان هذه البرجوازية بالبرجوازية البيروقراطية ) وهو بذلك تابع بتمامه لرأس المال الأجنبي من النواحي الثلاث : الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية " /بولنتزاس ، نيكوس " الطبقات الاجتماعية في النظام الرأسمالي اليوم " ، ترجمة إحسان الحسني ، منشورات وزارة الثقافة ، سورية ،1983 ، ص118 /



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الديمقراطية في الوطن العربي
- البناء الاجتماعي ومفاهيمه الأساسية
- المادية التاريخية وسؤالها الأول
- الديمقراطية: معوقات كثيرة …وخيار لا بد منه
- المادية الجدلية وسؤالها الأول
- الديمقراطية بين الصيغة والتجسيد
- المنهج الماركسي واشتراطاته
- شي بحط العقل بالكف....
- منطق الفكر
- نقد الفكر مقدمة لنقد السياسة
- الديمقراطية وبيئتها المفهومية في الوعي السياسي العربي
- الديمقراطية والنخبة
- الديمقراطية والعلمانية والليبرالية
- الديمقراطية والمجتمع المدني
- عندما -تحاول- أمريكا التفكير بعقل -غير- إسرائيلي يظل مثقفونا ...
- الديمقراطية وحقوق الإنسان
- الديمقراطية والحرية
- الديمقراطية الحديثة بين نخبوية لوك ومساواتية روسو
- الديمقراطية: ولادة المصطلح وحدوده الواقع
- هموم التنمية العربية ومشكلاتها


المزيد.....




- في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً ...
- مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن ...
- مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة ...
- ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا ...
- كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة.. ...
- لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
- صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا ...
- العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط ...
- الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الصراع الطبقي وأشكاله