أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي زين الدين - زينب














المزيد.....

زينب


علي زين الدين

الحوار المتمدن-العدد: 2509 - 2008 / 12 / 28 - 00:23
المحور: الادب والفن
    


"مـَن يرحل لا يعود"، قالها الرجل لنفسه قبل أن يغادر مكانه الذي اعتصم فيه زمن طويل. هزّ رأسه، كأنه يؤكد لنفسه:"حتى النهر فانه لا يمر أمامنا مرتين، كذلك الأموات". نظر إلى المكان الذي كانت تشغله زوجته على السرير، وقال كأنه يواعدها:"الأموات لا يعودون، لكننا نذهب إليهم".
عندما شاهده الناس في القرية مارا في شوارعها خارج منزله، لم يصدقوا انه أخيرا اقتنع بقضاء القدر، وعاد ليعاود حياته. وعندما وطأ بقدميه باب منزله عائدا، توجه بناظريه إلى جميع زوايا غرفة الاستقبال كأنه يبحث عنها، ولما لم يجدها استلقى على مقعد. وما أن رفع نظره حتى شاهدها تبتسم وسط إطار معلق على الحائط، نظر طويلا إلى الصورة كأنه يريد إعادة تركيب صورتها بذهنه، تفاجأ كم أن ذاكرته خانته بالاحتفاظ بتفاصيل وجهها وخاصة تلك اللمسات التي لا يمكن رسمها أو وصفها إنما تدرك بالعقل. وعندها سأل نفسه:"كم مضى على رحيلك"؟. وما كاد يهم بحساب الزمن حتى سمع بالخارج وقع أقدام، ثم صوت امرأة عرف أنها جارته، تحمل بعضا من طعام أعدته لعائلتها.
كانت الأيام تدور دورتها المعتادة، دون أن تلتفت إلى غياب احد ما. عادت طيور السنونو لتبني أعشاشها في زوايا البيت. نظر إليها مليا كأنه يرحب بعودتها، إبتسم شيء ما بداخله. لكم أحبت زينب تلك الطيور دون تأفف من برازها وزعيقها:"فأل خير. أنت تعرف إلى أي كم من الطمأنية تحتاج تلك الطيور حتى تقرر أن تجاورك، وكوننا مبعث طمأنينة فان ذلك نعمة من عند الله". كانت تقول دائما عندما كان يتأفف إذا تبرزت تلك الطيور. "أي فأل خير الذي كنت تواعدينني به؟ هل هو غيابك عني؟". كاد أن يغضب من الطيور التي ملأت جو الغرفة جيئة وذهابا. إلا أنه عاد ليبتسم مدفوعا بشيء ما بداخله يدعوه للترحيب بتلك الطيور السوداء الصغيرة، مع شيء من التفاؤل. وعندما أدرك ذلك تبسم مرة أخرى،:" هل انك أنت من تتبسمين يا زينب؟".
في الخارج كانت شمس الربيع تحنو بدفء على براعم أشجاره كأنها تشجعها على أن تتفتح وريقاتها الخضراء، بينما الفراشات تطيح بأجنحتها بين الزهور تنافس حشرات النحل على امتصاص رحيقها. ويدفع الدفء ذاته أولاد الحارة الصغار للخروج على شرفات منازلهم وعلى الطرقات للهو بينما أصوات الأمهات تدعوهن، عبثا، للحذر وعدم اللعب بمستنقعات المياه. كم كان يتمنى لو أنه يسمع صوت زينب تنادي على ابنهما الذي لم يمهله مرضها على منحه إياه. كم كان يتمنى لو أن ابنه يلهو مع أطفال الحارة. "سيكون لنا أجمل طفل في العالم". كانت تمنيه دائما، "بس إنت شد همتك ووصي عليه". كانت تقولها في دلع واغراء كلما أرادت جذبه إلى السرير. كانت تعشق الحياة بكل حذافيرها ولا تريد أن تترك فرصة تذهب من غير عشق، "كأنها كانت تدرك قصر اجلها". حدث نفسه.
قبل 25عاما، كان يلهو مع زينب في نفس المكان، في الجانب الآخر من المكان كانت تقوم خربة تحجب من خلفها عن الناظرين، وهي بذلك كانت المكان الآمن له ولزينب للهوهما، وأيضا حبهما. وهناك ضبطتهما أمها وهما يستطلعان كل جسد الآخر، نهرتهما الأم، جذبت ابنتها ناحيتها وهمت بملاحقته إلا انه استطاع الفرار، ما أن أصبح عند زاوية الخربة حتى التفت إلى زينب مناديا عليها أن توافيه إلى الناحية الأخرى. كان من الصغر ليستوعب ماذا يفعل ولماذا يمنع عليه استطلاع جسد زينب. وعندما أتت أم زينب لتشكيه، أنبته أمه إلا أنها لم تخفِ فرحها, بان ابنها أصبح (رجلا)، وكأنها تريد أن تطمئن أم زينب:"في النهاية زينب لحسن وحسن لزينب". إلا أن أم زينب غضبت:"بعدو العكروت ما طلع من البيضة".
تذكر حسن كل ذلك وهو يقف أمام منزله، أمامه صبية وبنات الحارة. نزلت دمعة على خده، تساءل فجأة:" أين أنت يا زينب؟".



#علي_زين_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حُلُم ليلة صيف
- عانِقْ رَبّ الحَجَرْ
- الافكار السئية لا تقود الى حلول جيدة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي زين الدين - زينب