|
المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي يتحدث عن الفكر الديني، الإسلام الجهادي، الأمازيغية، اللائيكية وقضايا أخرى
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 771 - 2004 / 3 / 12 - 07:36
المحور:
مقابلات و حوارات
ما هو المفهوم الأنسب استعماله بخصوص الفكر الديني؟ وما هي العوامل التي املت الحاجة إلى الدخول في عملية مراجعة هذا الفكر؟ ولماذا لم تنجح هذه المبادرات التجديدية في تحقيق أهدافها؟ وماهي آفاق الإسلام الجهادي أو البلاديني داخل الرقعة الجغرافية الممتدة من المحيط إلى الخليج؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي والذي إلتقيناه بمناسبة الجامعة الشتوية المنظمة مؤخرا من طرف مركز طارق بن زياد بتعاون مع مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود للدراسات والعلوم الإنسانية بمدينة إيفران حول موضوع "تجديد الفكر الديني".
في نظركم هل يمكن الحديث عن تجديد، تحديث أو نقد الفكر الديني ؟
في نظري نقد الفكر الديني آلية ومنهج في التعامل مع هذا الفكر وما التجديد والتحديث إلا عملية لها غاية معينة، فبالنسبة إلى التجديد فإنه يعني أن هناك قيمة مضافة بالنسبة إلى القديم، و في نظري ليس هذا دائما صحيحا. ففي القديم ما هو صالح، وفي الجديد ما هو ينتمي إلى تقليعة عابرة، بينما التحديث هو عملية أعمق من ذلك، تقتضي أن الحضارة التي نعيشها لها متطلبات فكرية واجتماعية وسياسية وتاريخية غير متطلبات الحضارة التقليدية، لذلك فإن تحديث الفكر الديني يدخل في عملية انسجام بين هذه المتطلبات الحداثية والتدين الذي هو موروث عن فترة ما قبل الحداثة، لهذا أرى أن التمييز في هذا الباب هام.
هل يمكن القول إن التطورات التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة (11 شتنبر 2001( وتأثيراته على المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج هي التي أملت ضرورة الدخول في عملية مراجعة الفكر الديني؟
لا أظن أن هذه الأحداث هي السبب الرئيسي الداعي بضرورة التحديث، والدليل على ذلك أن محاولات في هذا الاتجاه خلقت منذ ربما سنوات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، من طرف أسماء كمحمد اقبال، والطاهر حداد وغيرهما، وهي محاولات ترمي إلى نفس الهدف أي التحديث، والأحداث الأخيرة، ربما أبرزت من الناحية الإعلامية هذا الجانب لأن هناك قوى خارجية لها مصلحة في ذلك وقد أشعرتنا بملحاحية التحدث راهنيا. بمعنى أكثر وضوحا فإن هذا التحديث ليس سببه أحداث الحادي عشر شتنبر وما شابهها، وإنما هو ناتج عن حركة المجتمعات الإسلامية نحو تبني هذه القيم التي تفرض نفسها على البشرية كلها لأن المنظومة التوحيدية بالخصوص تنتمي إلى فترة ما قبل الحداثة، وهي الفترة التي كانت فيها أنماط الإنتاج والتفكير والعلاقات الاجتماعية والمؤسسات السياسية.. كلها تقليدية بينما كل هذه الميادين في العصر الحديث أنماط ومؤسسات تخضع لمبادئ وقيم جديدة غير تلك التي كانت موجودة في السابق. فالتحديث في نهاية الأمر ناتج عن ضرورة ملاءمة بين المنظومة المعروفة والمقتضيات الحديثة بدون أن يعني ذلك إيجاد منظومة لأن المنظومات التقليدية هي منظومات منغلقة عن نفسها، والفكر الحديث ومقتضيات الحداثة على المستوى الفكر التقليدي تقتضي إيجاد فكر استفهامي، وغير دوغمائي، ولهذا فما كان موجودا في القديم من اطمئنان كامل أصبح الآن عسيرا إن لم يكن مستحيلا نظرا للتوتر الموجود في فكر الإنسان الحديث.
لماذا لم تنجح هذه المبادرات التجديدية في تحقيق أهدافها، فهل الخلل يرجع إلى طبيعة المقاربات وكذا الآليات التي تم اعتمادها في هذا الاتجاه أم إلى طبيعة الفكر الديني نفسه؟ تبدو هذه المبادرات وكأنها لم تنجح كليا، ولكن لو قارنا بين أنماط التدين التقليدي والمعاصر للاحظنا أن هناك فروق كبيرة وكبيرة جدا. صحيح، أننا نصدم حين نرى مظاهر التدين التقليدية غير المنسجمة مع بعضها البعض.. لماذا؟ لأن مقتضيات التغيير أصبحت راسخة في كل الاذهان، ومن هذا المنطلق أعتقد أن هناك فشلا، ربما لأن البطء الذي تتغير به هذه الميادين ليس هو الذي تتغير به الميادين المادية.
هل تعتقدون أن الأنظمة الممتدة من المحيط إلى الخليج والتي نعرف ثقل الدين الإسلامي في مشروعية حكامها كالمغرب ومصر والأردن ستسمح للتحديث أن تجتاح رياحه المجال الديني؟
في نظري لا ينبغي أن نغتر بالظواهر فقط، فمملكة بريطانيا مازالت دستوريا رئيسة الكنسية هناك، ورغم ذلك فإن السياسي في بريطانيا مستقل عن الديني لأن حركية التاريخ والمجتمع فرضت هذه الاستقلالية وفرضت المشروعية الديمقراطية بديلا عن المشروعية الدينية، ولهذا فالأنظمة ومعها المجتمعات العربية لابد أن تخضعا لنفس القوانين التي تخضع لها سائر المجتمعات، فليس هناك شدود أو خصوصية في هذه الناحية بالخصوص.
بمعنى لابد من التطور؟
صحيح، لابد من ذلك.
إلى أي حد يمكن أن تلعب اللائكية دورا في تجديد الفكر الديني؟
أفضل الحديث ـ كما سبق أن أشرت ـ عن التمييز بين المستويين السياسي والديني بدل فصل الدين عن الدولة لأن هذا الفصل هو خاصية فرنسية تعود إلى تاريخ فرنسا وليس نفس الأمر الموجود في بريطانيا وألمانيا وهولندا.. فنحن في حاجة إلى إيجاد أشكال استقلالية السياسي عن الديني كأن تكون قواعد اللعب السياسية محترمة بدون أن يتدخل الديني في هذه اللعبة السياسية، وبدون أن يستغل الديني من قبل السياسي. فهذا هو المطلب الذي ينبغي أن نعمل على تجسيده ولكنه ليس حلا جاهزا، فهو إذن، من المطالب التي ينبغي أن نسعى إليها عبر الممارسة والحوار بين مختلف القوى الموجودة داخل المجتمع.
في رأيكم ماهي آفاق الإسلام الجهادي أو البلاديني (نسبة إلى رمز تنظيم القاعدة أسامة بن لادن) داخل الرقعة الجغرافية الممتدة من المحيط إلى الخليج؟
لا أعتقد أن لهذا النوع من الإسلام مستقبلا باعتباره ظاهرة هامشية. وهذا الإسلام يكمن خطره في العنف الممارس في بعض الحالات، لكن حتى في غيرها فمادام فكرا هامشيا فلا مكانة له في المجتمع مثل التطرف سواء كان في أقصى اليسار أواليمين، وهذه الظواهر طبيعية داخل المجتمع وتكون خطيرة عندما تحتل وسط الميدان فحينها تكمن خطورته.. فمستقبله شبيه بمستقبل كل أنواع التطرف في المجتمعات البشرية.
في نظركم أين تكمن مداخل إصلاح الفكر الديني؟
لا يمكن حصر مداخل إصلاح الفكر الديني، فنحن في حاجة أن نعمل على الإصلاح والتحديث في كل الواجهات لأنها مترابطة فيما بينها، بمعنى شموليتها لأنه لا يمكن أن نغير التعليم على سبيل المثال ونبقي على العلاقات الأسرية التقليدية فهذا لا يعطي نتائج، فتاريخ أوربا شهد توازيا في مسلسل التحديث في كل مناحيه بشكل متكامل، خلافا للمجتمعات العربية التي لازالت متأخرة تاريخيا فضلا عن وجود تسارع في حركية التاريخ . فالتحديات المفروضة علينا تجعلنا مضطرين إلى مواجهة كل هذه القضايا للدخول في أسرع وقت في عملية ربح رهان التحديث.
الملاحظ أن الحديث عن التعدد الثقافي واللغوي لم يصبح قائما إلا بعد انهيار الأمبراطورية السوفياتية، بل أكثر من ذلك لعبت الأحداث الأخيرة التي كانت منطقة الشرق الأوسط مسرحا لها دورا في إبراز هذه الخاصية. ونعلم جميعا الغنى الثقافي واللغوي الذي يميز دول شمال إفريقيا على سبيل المثال، ذلك أن الأمازيغية لم يكن قط يعترف بها خلافا لواقعنا الحاضر والتي تم الاعتراف بها في الجزائر والمغرب في انتظار أن يتم ذلك في باقي الأقطار...
في نظري ما هو متأكد قبل احترام هذا التعدد اللغوي أو اللهجي أكثر. فما هو مطلوب هو امتلاك اللغات الأجنبية التي بها نستطيع أن نتملك التكنولوجيا والعلوم المتطورة عوض الاهتمام بالخصوصيات، فهذه الأخيرة لا خطر عليها، ولكن الخطر يوجد في التقوقع.
لكن كيف يمكن الوعي بالذات وتقويتها إذا لم يتم الاعتراف بهذه الخصوصية؟
الأمازيغية على سبيل المثال في تونس لا يتكلمها إلا واحد في المائة، وكلهم يتكلمون في الآن نفسه العربية والأمازيغية، وأنا لا أنكر حق استعمال الأمازيغية فأنا أتحدث عن الأولويات أو التحديات المفروضة علينا، بمعنى هل علينا التقوقع داخل الثقافة الأمازيغية والعربية التقليدية أو الانفتاح على اللغات والمكتسبات الحديثة؟ فالإنجليزية والصينية واليابانية والألمانية، بل حتى اللغة العبرية لأنها تمتلك انتاجا متطورا أو اللغة الفارسية علما بأن هناك نسبة هامة من المسلمين ذوي الحضارة العريقة تتكلم بالفارسية، هي لغات ذات أهمية لأنها تملك مفاتيح للولوج إلى التقدم .. ويمكننا أن نتساءل في هذا السياق كم لنا من مختص في الحضارة الهندية؟
لكن الأمازيغية هي من المفاتيح الهامة لفهم تاريخ منطقة شمال إفريقيا؟ بالنسبة إليّ هذا حق لا نقاش فيه، لكن الأولوية تكمن في المحافظة على هذه الثقافة أو الانفتاح على الآخر، فأنا لا أخشى على الأمازيغية لأنها ثقافة شفوية استمرت لقرون ولن تندثر بينما الانغلاق على الثقافات الأخرى سيؤدي بنا إلى الموت تاريخيا، وهذه هي المشكلة بالنسبة إليّ.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبعاد ومخاطر تكريس سياسة اللهجات الأمازيغية بالمغرب
-
مثقفون وباحثون وجامعيون يتحدثون عن تجديد الفكر الديني
-
جهادي الحسين الباعمراني ينجز ترجمة لمعاني القرآن باللغة الأم
...
-
تأملات حول المخزن الثقافي في مغرب القرن الواحد والعشرين
-
الملك محمد السادس يقوم بإصلاحات كبرى تروم تطوير الحقل الديني
...
-
قراءة في تفاعلات تصريحات الصحراوي علي سالم التامك المناصر لج
...
-
تأملات في واقع الحركة الأمازيغية بالمغرب بعد ميثاق أكادير
-
الحركة الثقافية الأمازيغية المغربية وسؤال ما العمل ؟
-
الحركيـــــون( ذوو التوجه الأمازيغي الرسمي) بالمغرب يبٍحثون
...
-
المجتمع المدني -ينتفض-ضد اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وال
...
-
الباحث علي صدقي ازايكو،عضو المجلس الاداري للمعهد الملكي للثق
...
-
المــــوت البطيء للأحــزاب السياسية بالمغرب!؟
-
الباحث والناشط الأمازيغي خالد المنصوري يتحدث عن واقع الحركة
...
-
المغرب الحقوقي في طريقه نحو المصالحة مع نفسه
-
وهم القضاء على الرشوة بالمغرب!!
-
اليسار المغربي في رحلة جديدة لبحث عن جمع شتاته
-
الباحث أحمد بوكوس يتحدث عن تأهيل و دسترة الأمازيغية، المعهد
...
-
الصحافي والمحلل السياسي خالد الجامعي يتحدث عن التغييرات التي
...
-
مستشارو الملك محمد السادس وسؤال حدود الاختصاص
-
السوسيون- يكتسحون المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب !
...
المزيد.....
-
الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي
...
-
إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
-
طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
-
صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
-
هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
-
وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما
...
-
حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر
...
-
صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق
...
-
يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|