|
قصة قصيرة
مولاي الحسين بودرقة
الحوار المتمدن-العدد: 2505 - 2008 / 12 / 24 - 02:01
المحور:
الادب والفن
حركة غير عادية، تسمع عبر النافذة المطلة على البحر انتصب واقفا: هل يمكن أن تكون الشرطة، قالها وهو يطل من النافذة. اقتربت سعاد منه، دفعت رأسها هي الأخرى عبر النافذة، ثم قالت: ألا تعتقد أن الشرطة اكتفت منك، لهم اليقين على أنك أوقفت كل نشاطاتك السياسية، بل يعتقدون أنك أصبحت مجنونا يسكن كوخا حقيرا، معزولا عن العالم! أكيد أنه فوج آخر يا سعاد هدايا جديدة للأسماك! - لماذا يفر الإنسان من وطنه بهذه الطريقة؟! أجابت وهي تعود إلى السرير، ولماذا يعيش الإنسان في عزلة عن المجتمع بعدما كان فردا منه !؟ لقد سممتك هذه الكتب!لا تختلف أنت أيضا عن هؤلاء. رمقها بنظرة غريبة ثم عاد إلى السرير ، دفن رأسه تحت الوسادة... خرج من كوخه الحقير، ورائح النبيذ تفوح من فمه، أغلق الباب كما لو أن بالداخل شيء ثمين يخافه أن يسرق، سرير مهترئ، طاولة قديمة أصبحت المسامير بادية عليها، بعثرت عليها مجموعة كتب، وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر، شرق المتوسط والأشجار واغتيال مرزوق وقصة حب مجوسية لعبد الرحمان منيف ، مجلة أنفاس، علبة سجائر، ومجموعة أوراق بيضاء مكتوب على إحداها، الحياة مسرحية وزعت فيها الأدوار بشكل عشوائي؛ على الحائط علقت خارطة العالم، أسفل منها رواية عالم بلا خرائط. التفت إلى الكوخ مسحه بنظرة وداع أشعل سجارة شقراء شرب منها هذه المرة بنكهة مختلفة، ثم انحدر عبر الصخور التي تقاوم صفعات الأمواج، تذكر أخر لقاء له بالحاج موسى.
أنا مستعد أن أتخلى لك عن الكوخ مقابل أن تأمن لي العبور أنت شاب طيب، طيب غدا على الساعة الثانية صباحا. اتفقنا أحس حرارة السجارة بين أصابعه، دفنها في الرمل وتمنى لو يدفن معها كل آلامه، التفت إلى الصخور التي تقاوم صفعات الأمواج التي لاتمل ، يبدو أن كثيرون ضبطوا ساعاتهم على الثانية أولم يناموا كي ينزلوا كالأشباح عبر تلك الصخور، ماذا سعاد؟!
لماذا أنت هنا؟ كنت أعرف أنك ستفعلها. أكدت لي |أنك مجنون، كما تأكدت أيضا أنه تسرب لي شيء من مسك، لذا أنا مستعدة لأن أموت معك. الإنسان لا يستقر دائما على رأي، كانت هي من يصرفه عن التفكير في الفرار من وطنه، كانت تقول له حين كانت تتركه مستلقي على السرير تقف أمام المرآة كما لو أنها تتحقق من أنها ما تزال بكامل جمالها، تفتح عينيها ، تقترب أكثر من المرآة، تفتح فمها... تقبل نفسها تلتفت إلية: - يجب أن تكف عن قراءة هذه الكتب وتشير إلى الكتب المبعثرة على الطاولة، فهي التي تجعلك تشعر بالغربة أكثر، يجيبها وهو لا يزال في وضعه ينظر إليها كما لو أنه يراها لأول مرة. أنت محقة، ولولا دفئ صدرك لكنت تزورينني الآن في مصحة الأمراض العقلية! عظم الجمع الآن، سنحتاج إلى سفينة حربية، لا إلى قارب خشبي،ابتسمت سعاد ابتسامة ممزوجة بالحزن، يكاد يتبين البريق في عينيها، هي تقاوم حتي لا تنفجر باكية، جرها من يديها ضمها إلى صدره سنموت أو نحيا معا! أكل هؤلاء دفعوا المال لشراء الوهم، أو لشراء الموت في عرض البحر، حتى "سامويل" الأسود الذي اعتقد سكان القرية في أول الأمر أنه قدم مثل كل الأفارقة الذين تعج بهم القرية من اجل الهجرة، لكنه استطاع أن يندمج وأن يخلق علاقات بل أصبح إسكافي القرية. هاهو الآن يتخلى عن كل شيء أصدقاؤه ومعارفه كما تخلى من قبل عن عائلته، هو يقول أنه لم يتخل عنهم بل هو هنا من أجل إنقاذهم!. الإنسان يستطيع أن يتخلى عن كل شيء بسهولة، ربما أفكاره هي التي تصمد أكثر ففكر ة الهجرة عند "سامويل" قديمة. كان دائما يقول يجب أن أهاجر عند الأبيض لأسترد ولو جزء قليلا من الثروات التي سرقني إياها!. ياسادة بهدوء، ليأخذ كلنا منكم مكانه بالقارب، لحظات وتكونون بالضفة المقابلة. تكدس الكل بالقارب حتى لم تعد هناك مساحة لوضع ثعبان واقف، سعاد ملتصقة به كحمل صغير لا يستطيع أن يفارق والدته. صمت رهيب خيم على الأجواء لا يسمع منه سوى صوت الأمواج التي تجود عليهم بين الفينة والأخرى بشيء من الماء المالح. حبيبي تصلبت رجلي، قالتها له سعاد وهي ترتعش، ضمها إليه وبدأ يمرر يده على فخذها، أحست شيء من الدفء فأسندت رأسها إلى صدره، أكيد شرعت في البكاء. ازدادت قوة الأمواج أصبح القارب بيت فكي عفريت، المياه تغمره، كثر الصياح، البكاء. مر كل شيء بسرعة و أسلم الكل جسده هدية لأسماك البحر. أصدر المنبه رنينه المزعج، ضغط عليه بعنف فاستيقظ من كابوسه المزعج.
#مولاي_الحسين_بودرقة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|