|
إستطلاعات الرأي: فاقة فكرية ام إقصاء ام هلوسة
فاتن نور
الحوار المتمدن-العدد: 2503 - 2008 / 12 / 22 - 08:31
المحور:
كتابات ساخرة
تتسلى الفضائيات الأخبارية العربية بين فينة واخرى بإستطلاعات شتى للرأي العام،وتواكب هذه الإستطلاعات الحدث السياسي عربيا كان ام عالميا لتقف به عند مفترقات الرأي الجماهيري وردود افعاله،مستعرضة النسب المئوية لكل رأي،ويدخل عادة الرأي الذي يحقق اكبر نسبة مئوية خزانة الحقائق المطلقة بكل يسر وثقة، فهو،وحسب حجم الفاقة الفكرية التي تتمتع بها كل فضائية او حجم التضليل الذي تريد،المرآة العاكسة لرأي الأغلبية التي استوعبت الحدث من جهاته السبع وادلت بصوتها بكل مصداقية،ودونما إستغفال او إقصاء للرأي الآخر او ضحك على الذقون من قبل الفضائية المُستطلِعة! كي نقترب من الصورة المُخجِلة التي تُطرَح بها الإستطلاعات على المشاهد،المُفتقِرة لأبسط قواعد المنطق،اليكم هذا المثال المضحك وبعيدا عن السياسة ومطباتها:
إستطلاع للرأي العام/اي الفواكه تتناول كل يوم : - التفاح الأحمر - التفاح الأخضر - التفاح الأصفر - التفاح ولا اهتم بلونه
رغم اني من محبي التفاح ولكني لن اشارك قطعا بإستطلاع كهذا اذ اجدني مساقة نحو التفاح بالقوة،كما اني احترم الذائقات الأخرى ولا اجد لها من متنفس في سلة الخيارات المطروحة،ففي الوقت الذي يطرح السؤال كل الفواكه على الطاولة، لا نجد في المقابل وعلى طاولة الإجابات المتاحة،غير صنف واحد بالوانه المتعددة، الفضائية هنا نصبت مقصلة لإغتيال الفقراء والفاكهة والذائقات بصولة واحدة،في محاولة لجرجرة ذائقة الجمهور المترف نحو التفاح حصرا، تاركة له حرية اختيار اللون من باب الكرم او الحياد المطلق!،اكاد اجزم ان الفضائية من المهوسين بأكل التفاح يوميا،تمتلك او ترعى مزارع التفاح والممولين لإنتاجه!
مثل هذا الطرح لا يصلح ان يكون إستطلاعا عاما للرأي فهو استطلاع مخصخص وموجه لشريحة جماهيرية بعينها تحب التفاح،وبمقدروها ايضا تناوله كل يوم،وجزما لا مفر لنا بعد نتيجة الإستطلاع،من شم رائحتة في إستعراضات النسب المئوية شئنا ام أبينا،أغنياء كنا ام فقراء نتوسل حبة فول ونحلم بقضم تفاحة!.. والمثير حقا هو ان حب المواطن العربي للتفاح بعد بزوغ النتيجة الدامغة على الشاشة الفضية!، قد يتداول كحقيقة لا مفر منها على طاولات الحوار، للوقوف على اسبابه وأبعاده التاريخية،ولتسليط الضوء ايضا على سيرورة تحولات الذائقة العربية وانعطافاتها في مزارع الفاكهة عبر قرون النضال والإنفتاح الزراعي!
كم يشبه المثال المذكور،الكثير من الإستطلاعات التي تطرحها الفضائيات الناطقة بلغة الضاد او المواقع الألكترونية،متجاهلة تماما عقل المتلقي في الوقت الذي تناشده التصويت... ومثل الإستطلاع الذي طرحته قبل يومين احدى الفضائيات المهتمة بالشأن العراقي من الكعب الى الكعب،اليكم الإستطلاع نصا وكما ورد حرفيا على شاشة الفضائية وموقعها الألكتروني المرفق أدناه..
إستطلاع عام * رمي الصحافي العراقي للرئيس الأميركي بالحذاء دليل على :
- حرية التعبير - رفض الإحتلال - رفض الإتفاقية الأمنية
نتيجة الإستطلاع:رفض الإحتلال وبنسبة 86% ..لغاية هذا اليوم التنويه المعتاد: النتيجة لا تعبر بالضرورة عن رأي القناة الاخبارية..
نتيجة الإستطلاع نتيجة حسنة ومشرفة لا غبار عليها اطلاقا بتصوري، لو لم تكن مُستقدَمة من إستطلاع موجه، ينطوي سلفا على إقصاء لكل الأراء المغايرة حول الموضوع،وايا كانت نتيجة هذا الإستطلاع المقنن بثلاثة خيارات متناغمة النكهة، فأنها لا تصب وبشكل فاضح إلاّ فيما تشتهي سفن الفضائية..
لو تبنت هذه الفضائية وأمثالها إستطلاعا للرأي عن "انكر الأصوات في السوح العربية" ستترك لنا لا محالة وبكل حرفيّة هذه الخيارات المفتوحة تماما!: صوت الحمار ام الحمار ام الحمار!، هذا لأن الأيديولوجيا العقائدية السائدة تفعل فعلها، وهي موجهة ضد اصوات الحمير المهانة دائما مثل اصواتنا!، وستكون الفضائية اكثر رفقا بعقل المتلقي فيما لو طرحت صوت الحمار الوحشي او الزبرا كخيار! إستطلاع كهذا لو تبنيته صدفة،ساترك للمشارك هذه الخيارات: صوت القادة/صوت الشعوب/صوت الإعلام/صوت الحمير/ اي صوت آخر تقترح! بلى اعترف..خياراتي المطروحة تتخندق لربما في زواية ما اذ لا حيادية مطلقة..ولكني تركت الباب مواربا للمتلقي ليقترح..وقد يحظى إقتراح ما بنسبة غالبة..
الكل يحاول أن يسوق هذا العقل العربي النازف الى حيث يريد،مسوقا له قطن التضميد المناسب والمحلول الأفضل للتطهير فاتحا امامه كل الصيدليات المُقترَحة التي يمتلك! بلغنا سن الرشد فعلا بالمقلوب اذ تمرسنا جيلا بعد جيل بلعبة الإستخفاف بعقولنا وعقل الآخر وإقصاءه من نافذة حرية!، كنوافذ الإستطلاع تلك المشرعة على قضبان التآخي القسري... او لربما بلغنا الدرك الأسفل،او قل الأمثل،من فاقاتنا الفكرية فنشطت في دواخلنا خلسة ومن حيث لا ندري،شهوة الهلوسة وعزيمة إمتطاء الذات لحرث غاية،او كل ما يمكن حرثه او حقنه في عقل الآخر لحصد ما نبتغي حصاده...هكذا سنحرث الأرض تحت اقدامنا بعد بوار... آمل ان نكف عن مثل هذه الإستطلاعات البائسة إن كنا فعلا نخاطب الرأي العام ونستشرف صوته بأمانة من كل الجهات المحتملة.. ولعلي اسأل: هل هنالك فعلا عقلاء يشاركون بهكذا إستطلاعات تنتعل عقولهم دونما حرج!
رابط الموقع: http://www.alalam.ir
#فاتن_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لنسأل أينشتاين اذاً..
-
(جيفة) بودلير..ورقصة زوربا..
-
الجهاز الهضمي وكفاءته الديمقراطية في العراق!
-
تجليات في سرة حلم..
-
آخ لو تدري..
-
رمضان بين الجميل والأجمل..
-
المعادلة متوازنة..ولا بد ان يذبح المثقف العراقي !
-
سقراط والسيوطي على هامش فتوى ومعالجة اسرية..2
-
سقراط والسيوطي على هامش فتوى ومعالجة أسرية...1
-
الجنس الاسلامي والتناشز بين عفة الفاعل والمفعول به...
-
احبك مازلت تارة تلو تارة..
-
العملية التربوية..مقدمة فلسفية جادة ونهاية ساخرة..
-
نشيد الطفل العراقي...
-
يسرقون النفط هناك وانا اسرقه هنا!...
-
تصوف بفضيلة العشق...
-
عتباتنا المقدسة بين الصرف الصحي والصرف المالي...
-
الرب الأخير..وصيحات النبوغ
-
حول جلجلة الاتفاقية الأمنية بين امريكا والعراق وزمنية الفوضى
...
-
جحا وأزمة المكان في العراق..
-
وقفة بين..بول المسيح وثقوب القرآن الكريم..
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|