أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - مسرحية -الدكتاتور-















المزيد.....



مسرحية -الدكتاتور-


شاكر خصباك

الحوار المتمدن-العدد: 2501 - 2008 / 12 / 20 - 07:00
المحور: الادب والفن
    



الطبعة الأولى 1995م

( الستارة مفتوحة والمسرح مضاء بنور خافت . في صدر المسرح كرسي تخطف أنواره البصر وقد سلّط عليه ضوء ساطع . تصدح أنغام كونشرتو الإمبراطور لبتهوفن "وتتواصل طوال المسرحية " . يغادر أفراد الجوقة مقاعدهم في الصالة ويتخذ أعضاؤها من الرجال مواضعهم في الشرفة اليمنى بينما تتخذ عضواتها من النساء مواضعهن في الشرفة اليسرى. ينهض أفراد الجوقة وقد تركز ضوء ساطع عليهم ويحاكمون الكرسي الفخم. ويمكن أن يصاحب محاكمات الجوقة دائما رسوم مصوّرة أو رقوق سينمائية على شاشة في عمق المسرح أو مناظر حية صامتة " بانتومايم" للتعبير عن مضامين المحاكمة )
الجوقة الرجالية : ما أعظم سلطانك أيها الكرسي !
الجوقة النسوية : وما أشد غدرك !
الجوقة الرجالية : بك تناط آمال الشعب .
الجوقة النسائية : ومنك تنبثق مآسيه .
الجوقة الرجالية : ويتربع فوقك الحاكمون.
الجوقة النسوية : فتسكرهم السلطة .
الجوقة الرجالية : وتستحيل الرغبات الخيّرة في قلوبهم .
الجوقة النسوية : إلى شياطين مردة .
الجوقة الجماعية : وتصبح الحياة جهنما أرضيا .

(يتوهج النور في المسرح ويعلو صوت الضجيج في الخارج ويسمع طبل وزمر وأهازيج وهتافات مدويّة " الموت للطاغية .. الموت لعدو الشعب .. فليسقط الدكتاتور" .. يدخل الرئيس محاط برفاقه . يتبوأ الكرسي الفخم وحوله رفاقه ) .
الرئيس : لقد تمّ النصر أخيراً للشعب وانتهى عهد الطاغية .
الرفيق الأول : وقد دفع الشعب ثمن هذا النصر غالياً فليهناً بنصره .
الرفيق الثاني : وتوّج كفاح حزبنا بالنصر المؤزر.
الرفيق الأول : وإنه ليوم عظيم حقاً .
الرئيس : ( للرفيق الأول وهو يبتسم ) حتى في أوقات لهونا لم يفارقنا هذا
الهاجس .
الرفيق الثاني : ( وهو يضحك ) هنيئاً لكما هذا النصر إذن .
الرفيق الثالث : وهنيئاً لحزبنا أيضا أيها الرفاق .
الرئيس : حزبنا جزء من الشعب وما يفرحه يفرحنا . ولولا التضحيات التي بذلها الشعب ما أفلح حزبنا في الإطاحة بالنظام الدكتاتوري . وأرجو أن تكون هذه الحقيقة ماثلة في ذهن كل واحد مناّ ...
الرفيق الأول : (( للرئيس ) هذا هو القول الصحيح أيها الرفيق .
ويتوجّب علينا أن نطمئن الشعب بأننا عند حسن ظنه .
الرئيس : سنتخذ إجراءات سريعة لمحو تجاوزات ومظالم العهد الدكتاتوري.
الرفيق الأول : وأية مظالم وأية تجاوزات ! لم يترك النظام الدكتاتوري مرفقاً من مرافق الحياة من دون أن يخلف بصمته المدمّرة عليه.
الرفيق الثاني : يكفيه أنه خلق تلك الطبقة من المجرمين لحماية نظامه والتي عاثت في البلاد فساداً .
الرفيق الثالث : من كان يجرؤ على الوقوف في وجه أولئك المجرمين ؟
الرفيق الأول : كانوا كالكلاب المسعورة .. كانوا كلاب الطاغية الشرسة الذين يحمونه ويحمون نظامه .
الرئيس : هذا أمر طبيعي فقد كان يحكم على طريقة المافيا.
الرفيق الأول : كانوا يشكلون طبقة متنعمة متميزة وكانوا يستغلون نفوذهم في كل أوجه الحياة اليومية .. في وظائف الدولة ، وفي أسواق التجارة والمال ، وحتى في العلاقات الاجتماعية العامة . كانوا يتدخلون حتى أخصّ الأمور اللصيقة بحياة المواطنين . كانوا عماد الفساد والرشوة واستغلال النفوذ ، وقد أثروا على حساب الشعب ثراء فاحشاً .
الرئيس : لن نفسح المجال لظهور مثل هذه الطبقة مرة أخرى .
الرفيق الثالث : يجب ألاّ ينجو من العقاب أي فرد من أفراد تلك الطبقة . وإذا كان الطاغية قد لقي عقابه فيجب أن يلحق به أتباعه جزاء ما اقترفت أيديهم.
الرفيق الأول : (للرئيس ) الشعب أيها الرفيق في حاجة إلى ضمان حرية الرأي له قبل كل شيء .
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع إن نظام الطاغية قد نكّل بالشعب وملأ السجون بالأحرار من معارضي حكمه وكمّم الأفواه .
الرئيس : هذه هي طبيعة الأنظمة الدكتاتورية ولن تكون السجون بعد اليوم مأوى للأحرار .
الرفيق الثالث : لكن علينا ألاّ نتيح الفرصة لأذناب العهد الدكتاتوري بالانتفاع من الحريات الجديدة أيها الرفاق ، وعلينا أن نضيّق عليهم الخناق . فلهم أساليبهم الماكرة وهم يلبسون لكل حالة لبوسها .
الفريق الأول : ( في سخرية خفيفة ) فهل يتوجّب علينا إذن أن نأخذ الناس بالشبهة أيها الرفيق ونكرر أساليب النظام الدكتاتوري ونملاً السجون من جديد ؟
الرئيس : ما تسلمنا السلطة لنكرر مظالم العهد الدكتاتوري . وفي اعتقادي إن من واجبنا أن نسترشد بمبادئ ثورتنا لخلق نموذج دولة الحرية والعدالة والديمقراطية ، وأن تكون هذه المبادئ هي منارنا في كل الظروف . وينبغي لنا أن نبرهن للشعب على أن عهد الدكتاتورية البغيض قد ولّى إلى الأبد وأن الديمقراطية الحقة هي عماد الحكم الحالي .
الرفيق الأول : ولن نقنع الشعب بذلك أيها الرفاق ما لم نلتزم بمبادئنا التزاما تاما رغم كل ما سنواجهه من صعوبات ومثبّطات .
الرئيس : منذ سنين طويلة ونحن نحلم باليوم الذي تتهيأ فيه الفرصة للشعب ليتمتع بالديمقراطية والعدالة والمساواة . ومن واجبنا أن ندخل هذه المبادئ إلى كل بيت لتغيّر حياة البؤس والمعاناة والخوف إلى حياة تنعم بالطمأنينة والرخاء . هذا هو هدفنا الذي سنتمسك به ولن يكون لنا هدف بديل عنه. فما تسلمنا السلطة إلاّ لننقذ هذا الشعب مما عاناه من استغلال وتمييز وعسف ، ولسنا طامعين بالسلطة بحد ذاتها .
( يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم نابليون بونابرت بملابسه العسكرية وحوله رفاقه وقد تركزت عليهم بقعة الضوء الخافت ) .
بوتير : منذ أن حلّ المؤتمر الوطني لجنة القناصل الثلاثة وانتخبك قنصلاً عاما لعشر سنوات والشعب في عيد موصول يا سيدي القنصل العام .
نابليون : لا عجب أيها المواطن برتير فأنا لست سوى ممثل لهم وأنا الذي سيدافع عن مصالحهم .
ديفون : لقد أصبحت قائد الثورة الحقيقي يا سيدي القنصل العام .
نابليون : لست سوى فرد من أفراد الشعب الفرنسي المناضل أيها المواطن ديفون.. لست سوى جندي من جنود ثورة 14 يوليو الخالدة . أنا ابن الثورة وحياتي فداء لها .
برتير : لا تقلل من شأنك يا سيدي القنصل العام فأنت المسؤول بقيادتك الفذّة عن إنقاذ الثورة من أعدائها في الخارج والداخل بدءا بفك الحصار عن طولون إلى سحقك الجيش التركي في أبي قير إلى عبورك ممر سان برنار واجتياحك لمبارديا.
نابليون : لولا بسالة جنود الثورة ما كسبت هذه المعارك أيها المواطن برتير . وكنتم أنتم سندي في هذه المعارك .
ديفون : إن بسالتك في هذه المعارك يا سيدي القنصل العام تنبثق من كونك يعقوبياً مخلصاً ، فاليعاقبة هم جنود الثورة الحقيقيون .
برتير : لقد أثبتّ أنك جدير بقيادة الأمة الفرنسية يا سيدي القنصل العام . لقد فشلت من قبل جهود مجلس الشيوخ لمنعك من الوصول إلى السلطة كما أخفقت جهود حكومة الإدارة في الحيلولة بينك وبين تقلد السلطة .
مارمون : هذا طبيعي فالشعب والجيش كله مع جنرالنا العظيم .
ديفون : إن أعداء الثورة يسوؤهم أن يكون على رأس السلطة قائد فذ يستطيع بحزمه أن يصون الثورة ومبادئها ويعلي مجد فرنسا .
نابليون : أنا لست طامعا بالسلطة كما تعلمون . وقد وعدت مجلس الشيوخ من قبل أن أتنازل عن السلطة حالما تزول الأخطار التي تحيق بالثورة وتستقر الأمور وما زلت عند وعدي . وكل ما هناك أنني مؤمن بضرورة قيام قوة رادعة للمؤامرات الداخلية والخارجية التي تخطط لسحق الثورة وتجريد الشعب الفرنسي من مكاسبه التي ضحى من أجلها بأرواحه الغالية0
مارمون :لقد عمل المندسون على الثورة الذين استأثروا بالسلطة على تمييع أهداف الثورة فلم يجن منها الشعب سوى الفوضى وعدم الاستقرار . فليس من المستغرب ان يحملوا لواء المعارضة تجاهك يا سيدي القنصل العام .
ديفون : إنها خطط مفضوحة يا سيدي القنصل العام للقضاء على الثورة عن طريق بث الفوضى وما هي سوى تمهيد لإقناع الشعب بالعودة إلى حكم آل بوربون .
نابليون : لكننا لن نهيئ الفرصة لأعداء الشعب لبلوغ أهدافهم أيها المواطن ديفون فهم لا يهمهم إلا مكاسبهم الشخصية وما يضمنونه من ترف . ولدينا خطط كثيرة لقطع الطريق عليهم وإعادة الطمأنينة والاستقرار والسلام للشعب .
برتير : نعم يا سيدي القنصل العام يجب قطع الطريق على أولئك المعارضين حتى لا يقوموا بحركة يضطرونك فيها للتنحي عن السلطة قبل تحقيق أهداف الثورة .
نابليون : لا يا أيها المواطن برتير ، هذا حلم لن يدركوه بعد اليوم . أنا أعلم جيداً ان تسلمي للسلطة وتأييد الشعب لي تهديداً كبيراً لمصالح البورجوازيون ورجال الدين الذين يهدفون إلى استعادة نفوذهم ومكاسبهم . ومنذ اليوم لن يكون سوى الشعب حكما في مثل هذه الأمور.
سأحتكم إلى الشعب في كل شيء . سأستفتيه في كل القوانين التي أصدرها فالشعب هو مصدر السلطات . ولن يكون النظام الانتخابي القديم المناسب لأعضاء البلدية ولرجال الدين هو المتّبع . سأحوّل النظام الانتخابي إلى استفتاء شعبي لجميع أفراد الشعب لنيل موافقتهم على ما أتخذه من قرارات وما أصدره من قوانين ولأستمد التأييد منهم مباشرة .
مارمون : الشعب كله يؤيّد ك يا سيدي القنصل العام وإن اسم نابليون بونابرت على لسان كل فرنسي وجميع المواطنين يشيدون بك ويعتبرونك منقذ فرنسا ورمز الثورة0 وإنهم ليطالبون بإقامة نصب يخلّد انتصاراتك العسكرية الباهرة .
نابليون : ليست بي رغبة لإقامة أي نصب يخلّد انتصاراتي ولا إلى أي نوع من أنواع المظاهر الاحتفالية أيها المواطن مارمون . فلي من الثقة بنفسي ما يزّهدني في مثل هذه الأمور . ويكفيني أن أحقق للمواطن الفرنسي آماله وأمانيه . فانتم تعلمون أن الشعب الفرنسي قد سئم حكم الطغاة وسئم الفوضى وهو يتوق إلى الاستقرار والأمن والنظام . لذلك سيكون على رأس مهامي أن أوفر له الحرية والأمن والسلام وأكفل له العدالة الحقيقية لا بالشعارات التي لم تجده نفعاً بل بالممارسة الفعلية . ولن يتهيأ لي ذلك إلا بتشريع قوانين جديدة 00 قوانين تعبر عن روح الثورة الحقيقية .. قوانين جديدة .. قوانين تعبّر عن روح الثورة الحقيقية .. قوانين تضمن له حقوقه وتلغي آثار النظام القديم الفاسد . سأعلن للشعب : " أيها المواطنون .. لقد عادت الثورة إلى مبادئها الاولى التي بدأت بها " . وستكون هذه القوانين الجديدة هديتي الثمينة للشعب والثورة . ولن أتيح لأعداء الشعب الفرصة لعرقلة هذه القوانين فسأطرحها على الشعب في استفتاء مباشر وستكون سلطتنا مدعومة بقوة القوانين دائما حتى لا يقول عنا التاريخ أننا تصرفنا كمجرمين . ولن يكون إصدار هذه القوانين للشعب الفرنسي سوى البداية ، ثم ستسود هذه القوانين أوربا كلها حيث ستتهاوى العروش التي نخرها الزمن وتتدحرج التيجان عن رؤوس الملوك والأمراء العفنة التي لا تزال تؤمن بالطبقية وتصنف شعوبها حسب حرفها وأنسالها وتدعي أن لها حقّا إلهيا في الحكم . وستكون أوروبا أجمعها موحدة تحت راية الثورة ذات الألوان الثلاثة . ثم يحين بعد ذلك دور العالم في التحرر من عبوديته . إن هدفي أيها السادة المواطنون أن أنفخ روح الثورة الفرنسية في جسد العالم كله ليعم العدل جميع البشر .
(ينهض أفراد الجوقة وقد تركز ضوء ساطع عليهم )
الجوقة الرجالية : أية مصداقية تكشفت عنها وعودك يا نابليون ؟
فبدلا من التخلي عن السلطة بعد استقرار الأمور نصبت نفسك إمبراطورا
وعيّنت كل إخوانك وأخواتك ملوكا وأمراء
وصادرت حرية الكلمة
وغدوت الحاكم المطلق
وصار بلاطك أعظم ترفا من بلاط آل بوربون .
الجوقة النسوية:وكم من أم قد أثكلتها
وكم من زوجة قد رمّلتها
وكم ن حبيبة قد روّعتها
الجوقة الرجالية : لقد بدأت حكمك بإصلاحات عظيمة
لكن طموحك إلى السلطة غلب إخلاصك لمبادئ الثورة
فأضحيت معنيا بمجدك الشخصي
وصار همّك أن تكون سيد أوربا والعالم
وضحيت في سبيل طموحاتك بالألوف من مواطنيك
الجوقة النسوية : وكم من أم قد أثكلتها
وكم من زوجة قد رملتها
وكم من حبيبة قد روعتها
الجوقة الرجالية:وهكذا أقحمت شعبك في حروب متصلة
معتقدا أنك القائد العبقري الذي لا يهزم
وأفقدك هذا الاعتقاد كل حكمة
فقمت بحملتك المفجعة على روسيا
وأهلكت الألوف من جندك
ثم عدت بمن بقي منهم
وهم جيش محطم مهزوم
الجوقة الجماعية : وهكذا انتهت وعودك لإسعاد الشعب الفرنسي
إلى كوارث أحالت حياته جحيما مقيما
وتنكرت له ولم تكترث بمعاناته
وأدخلت الحزن في كل بيت
وفرضته على كل أسرة
(يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم الرئيس يحيط به رفاقه )
الرئيس : ها قد تحقق للشعب ما كنا نتمناه له من قوانين تثبت حقوقه .
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع إننا أنصفنا الشعب وعوضناه عن معاناته الطويلة .
الرفيق الثالث : (للرئيس بحماسة ) لم يكن من الممكن إصدار تلك القوانين لو لا جهودك العظيمة أيها الرفيق .
الرئيس : ( وهو يهز رأسه) : ما زال أمامنا الكثير لننجزه أيها الرفاق فقد عانى الشعب طويلا من مظالم الحكم الدكتاتوري .
الرفيق الأول : حقاً أيها الرفاق يتوجب علينا أن نسابق الزمن فما زال أمامنا الكثير لكي ننجزه . وعلينا أن ننفذ وعودنا بأسرع وقت . فقد اعتاد الشعب أن تنثر له السلطة الجديدة الوعود المعسولة في بداية حكمها ثم تتنكر له بعد أن يستتب لها الأمر .
الرفيق الثالث : لقد سبقنا الزمن فعلا وأنجزنا خلال هذه الفترة القصيرة ما لا يقدر غيرنا على إنجازه في خمسين عاما (وهو ينظر إلى الرئيس ) وكل ذلك راجع إلى همة رفيقنا الكبير الذي يعمل ليلا ونهارا بدون كلل أو ملل .
الرئيس : هذا واجبنا . كنا نفعل ذلك ونحن خارج السلطة فما بالكم وأمامنا كل هذه المسؤوليات والمهام ؟ ولا شك أن كل واحد منكم يبذل ما أبذل من جهد لمواجهة مهام الثورة .
الرفيق الثالث : لكنك أعظمنا همة ونشاطا أيها الرفيق . وأنت خير من يقودنا في طريق خدمة الشعب الذي اختطه حزبنا .
الرفيق الأول : هذا صحيح . أنت خير من يقودنا في هذا الطريق أيها الرفيق . فلا أحد يجادل في كونك أكثر من ضحّى من أعضاء حزبنا من أجل قضية الشعب وتعرض للسجن والأذى والاضطهاد .
الرئيس : (للرفيق الأول) أنت أعلم شخص أيها الرفيق بأن الاستجابة لأماني الشعب كانت حلم صبانا وأن هذا الحلم لم يفارقنا في كل الظروف الصعبة . (وهو ينظر إلى الرفيقين الآخرين ) وهذا هو شأنكما أنتما أيضا أيها الرفيقان .. بل هذا هو شأن رفاقنا في الحزب جميعا . وقد يكون هناك أفراد في قواعد حزبنا ضحّوا أكثر منا نحن الذين في القمة وهم جنود مجهولون . ولذلك ففي اعتقادي أن أي واحد منا ليس أكبر أهمية من أي فرد في الحزب . وكل ما هنالك من فرق بيننا أن الظروف وضعتنا في مراكز قيادية فتسلطت الأضواء علينا0 ونحن نؤمن في حزبنا بالقيادة الجماعية وينبغي أن يتذكر كل منا نحن القياديين هذه الحقيقة دائما حتى لا نتصور أنفسنا أفضل من غيرنا بسبب مراكزنا . وعلينا ألا ننسى جهود المخلصين وتضحياتهم من خارج حزبنا والتي لولاها ما وصلنا نحن إلى الحكم .
الرفيق الثالث : إن التواضع فضيلة عظيمة أيها الرفيق لكن الاعتراف بالواقع فضيلة أيضا . والحزب والشعب يدينان لك بدين عظيم .
الرئيس : الشعب لا يدين لأحد فما قمنا به واجب كل مواطن غيور تجاه وطنه . (وهو يهز رأسه متأملا ) وكم أتمنى أن أغمض عيني وأفتحهما فأجد أن كل ما وعدنا به الشعب قد تحقق وأن مبادئ الثورة قد باتت الخبز اليومي للشعب وليست مجرد شعارات . ولن يتم لنا ذلك ما لم نغير كل القوانين الحالية التي هي تركة عهود طويلة من اللامساواة والتمييز بين أفراد الشعب . وينبغي أن تثبت القوانين الجديدة حقوق الشعب . بشكل لا يقبل اللبس وتتيح تطبيقا عمليا لشعار الثورة المركزي . ( وهو يتصفح وجوه رفاقه ) نعم أيها الرفاق . ينبغي أن تعمل القوانين الجديدة على ضمان حقوق الشعب ضمانا كاملا في الحرية والمساواة والديمقراطية بحيث لا يقدر أحد على الالتفاف حولها . وهذه القوانين هي هديتنا الثمينة للشعب .
( يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم حمورابي وإلى جواره وزيره رابي )
حمورابي : أكتب يا رابي .
رابي : أنا جاهز يا مولاي .
حمورابي : أنا حمورابي الملك الذي يخاف الله .. جئت لأقيم العدل حتى يسود الأرض ولأقضي على الشر والسوء حتى لا يطغى القوي على الضعيف ولأرتفع كالشمس فوق الأقوام ذوي الرؤوس السوداء ولأضيء الأرض .. أنا حمورابي الراعي الذي عينه أنليل .. أنا الذي دفع أور إلى التقدم .. أنا التقي المرتجى .. السيد المولى الذي أحيى الوركاء ووفر الماء لشعبها ورفع عاليا رأس أيانا .. أنا السيد المولى حامل الصولجان والتاج الذي أوصله الحكيم ماما للكمال .. انا من منح الحياة إلى ماشكان شيريم .. من يوفر الماء إلى مسلام .. أنا العاقل الإداري الذي غاص إلى أعماق الحكمة .. منقذ قوم مالكا من الشقاء .. موسع مملكته .. أنا الذي قدم التضحيات العظيمة كل الوقت .. أنا أول الملوك .. مخضع الأقاليم على طول الفرات .. منقذ قومه من البلاء .. أنا الذي يجعل القانون نافذا ولذي يقود قومه في الطريق الحق .. أنا البذرة العتيدة للملكية .. الملك القوي .. شمش بابل الذي يجعل الضوء يندفع فوق سومر وأكد .. أنا الملك الذي أخضع المناوئين لسلطته في أنحاء المعمورة الأربع ودمر مدنهم وأسال دماءهم غزيرة .. أنا محبوب إينانا .. حين أرسلني مردوك لأقود الشعب في طريق الحرية ولأدير البلاد .. وضعت أسس القانون والعدالة في لغة الأرض .. في ذلك الوقت قررت القوانين التالية ..
( يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم الرئيس يحيط به رفاقه )
الرئيس : ما رأيكم أيها الرفاق فيما تحقق للشعب من مكاسب ؟
الرفيق الثالث : بارك الله فيك أيها الرفيق وقواك وسدد خطاك .
الرفيق الثاني : لقد حققنا للشعب الكثير فعلا . أنظروا كيف كانت ردة فعله تجاهنا .
الرفيق الأول : هذا هو المأمول من شعبنا حين يلمس الجدية والصدق والإخلاص تجاهه .
الرفيق الثالث : ( للرئيس بحماس) الشعب كله يلهج باسمك أيها الرفيق .
الرئيس : لقد عانى شعبنا طويلا من ظلم الحكام واستبدادهم ومن استغلالهم لسلطتهم , وفي اعتقادي أنه يشهد لأول مرة هذا النوع من الحكم الذي لا يهدف إلا لخيره . ولذلك فهو ينظر إلى ما يكفله له حزبنا من حقوق مشروعة منّة مع أنها حقوقه الأساسية التي ينبغي أن يوفرها له أي نظام مخلص , وما نحن سوى أداة لتنفيذ تلك الحقوق . وما فعلناه ليس سوى واجبنا باعتبارنا في مراكز المسؤولية . فما نحن سوى موظفين مأجورين لخدمة الشعب نقبض مرتباتنا من أجل ذلك .
الرفيق الثاني : لكن الشعب يدرك أيضا أننا حققنا له ما لم يكن بإمكان غيرنا أن يحققه له في عهود طويلة . وإنه ممتن لنا امتنانا عظيما لقيامنا بهذه الإنجازات .
الرفيق الأول : ( بلهجة شبه ساخرة وكأنه يحدث نفسه ) أما يكفينا ما نتمتع به من أبهة وسلطان لكوننا المسؤولين عن الحكم حتى ننشد الامتنان ؟
الرفيق الثالث : (للرئيس بحماس ) إن امتنان الشعب ليتجلى في محبته الشديدة لك أيها الرفيق باعتبارك رأس هذه المنجزات . ولا أعتقد ان الشارع قد شهد في أية فترة من تاريخ البلاد مثل الحماس الذي يشهده حينما تمر عربتك, وكثيرا ما اندفع أبناء الشعب نحوها يريدون حملها على أكتافهم وهتافاتهم باسمك تتصاعد إلى عنان السماء .
الرفيق الأول : إن شعبنا لم يعتد الحكام المخلصين . لذلك فإن حزبنا مسؤول عن توعيتة بأن ما يلمسه من إنجازات هي جزء لا ينفصم من مهام حزبنا تجاهه ما دام المعبر الحقيقي عن مصالحه .
الرفيق الثالث : اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم أيها الرفاق إلى نقطة هامة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلادنا وهو ألا يغيب عن بالنا لحظة واحدة أن أعداء الشعب ما زالوا متربصين بنا وأنهم يترقبون اللحظة المناسبة للانقضاض علينا . ولذلك لا بد لنا أن نضرم حماس الشعب تجاهنا وأن نلهبه بصورة دائمة . وبما أن الجماهير قد استجابت استجابة حماسية لإنجازات حزبنا بقيادة رفيقنا فعلينا أن نستفيد من هذه الاستجابة وأن نبلور عواطفها حول رمز القيادة لنقطع الطريق على الطامعين . وقد غدا رفيقنا حبيب الشعب بلا منازع , لذلك علينا ألا نشتت عواطف الجماهير حول رموز متعددة فليس ذلك من مصلحتنا
الرئيس : ولكن ينبغي لنا أن نتذكر أيضا أيها الرفاق أن كل فرد منا هو ممثل لحزبنا , وإذا كانت محبة الجماهير قد اتجهت نحو شخصي فلأنني بطبيعة مركزي صرت واجهة الحزب والشخص الماثل أمامه لا أكثر ولا أقل .
الرفيق الثاني : ما ذكره رفيقنا حقيقة جديرة بالاهتمام . فحزبنا أمام مسؤولية تاريخية للاستفادة من عواطف الجماهير واستثمارها لمصلحة قضيتنا أو قضيته في الحقيقة . ونحن نعلم أن الجماهير تحرك بعواطفها أكثر مما تحرك بعقولها . ولذلك فإننا نحسن صنعا إذا ما وجهنا عواطفها نحو رفيقنا (للرئيس) وقد أصبحت أيها الرفيق في نظر شعبنا رمزا لثورتنا وحزبنا .
الرئيس : أخجلتم تواضعنا أيها الرفاق . وإني بدوري لأرجو أن تتذكروا دائما أننا إخوة في درب النضال الطويل ولا فرق بين أي واحد منا والآخر وسنبقى كذلك دائما .
( يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم هتلر بملابسه العسكرية يحيط به رفاقه )
غوبلز : نحن مطالبون أيها الرفاق بتكثيف جهودنا ليصبح الفوهرر في قلب كل ألماني . فأنتم تعلمون أن استعادة الأمة الجرمانية لمجدها لن يتحقق إلا بوجود قيادة قوية . وما دام الحزب قد اختار الفوهرر ليكون على رأس السلطة وأيد هذا القرار كل رفاقنا الكبار هس ولي وروبنتروب وبورمن وبوهمن وروم فلا بد لنا أن نثبت هذه الحقيقة في ذهن كل ألماني بجميع الوسائل الدعائية المتاحة لنا ونجعل منه القائد التاريخي لأمتنا .
هتلر : شكرا لك أيها الرفيق غوبلز ولجميع الرفاق الآخرين . ولكن أرجو ألا تنسوا أبدا أننا جميعا متساوون في أهميتنا . فنحن صفوة الحرس النازي القديم والمناضلون القدامى . وكان لكل منا دوره في إيصال حزبنا النازي إلى الحكم . وإني أستمد سلطتي من دعمكم . (وهو يهز رأسه ) ولا يمكنني أن أنسى أيام النضال المرة والحلوة في منشن العزيزة التي بلوناها معا . وأرجو أن تظل دائما نظرتنا إلى بعضنا نفس النظرة والشعور والحب الصادق الذي يربط بيننا .
هملر : لكنك كنت أعظمنا جرأة وصلابة وتضحية أيها الفوهرر العظيم . وإن قيادتك الحكيمة للحزب قد أسهمت إسهاما عظيما في نجاحنا . وكما قال الرفيق غوبلز علينا أن نبني منك أسطورة في ذهن الأمة الجرمانية لتدرك مجدها .
هتلر : شكرا لك أيها الرفيق هملر .
غوبلز : إن خططي لبلوغ هذا الهدف كثيرة أيها الرفاق وسترون أن الفوهرر لن يكون القائد التاريخي لألمانيا فحسب بل قائد العالم أجمع وسيكون العالم كله تحت إصبعه . سيكون اسم يوليوس قيصر ونابليون بونابرت وحتى الإسكندر المقدوني باهتة بجوار اسم هتلر .
هملر : لقد تحدثت النجوم بذلك فعلا .
هتلر : (حالما) وهكذا سأعيد للأمة الجرمانية مجدها التليد .
غورنج : ستكون الأمة الجرمانية سيدة أمم العالم وستسير كل الأمم الأخرى في ركابها .
هتلر : إن الأمة التي أنجبت أتيلا وفريدرك الأكبر وولهلم الثاني وبسمارك ونيتشة وفاغنر هي بلا شك سيدة أمم الأرض أيها الرفيق غورنج , (وهو يهز رأسه وقد انبسطت أساريره ) لكنني لا أكره الأمم الأخرى أيها الرفاق . وإنني أحمل للشعوب الضعيفة السلام الذي أرجو أن يشمل العالم كله . وسيكون من مصلحة تلك الشعوب أن تكون تحت حماية الأمم الجرمانية فستنتفع من حضارتها الراقية(بلهجة حادة وقد اتقدت عيناه) وطبعا قولي هذا لا يشمل الشعب اليهودي القذر ولا الشعب الروسي والشعوب السلافية عموما فهي شعوب حقيرة تميل إلى الاستعباد.
غورنج : هذا أمر مفروغ منه أيها الفوهرر .
هتلر : ( وقد أشرق وجهه من جديد ورقت لهجته ) ثقوا أيها الرفاق أن قلبي الطيب يشعر بالشفقة تجاه الشعوب الضعيفة وأنا أتألم لأحوالها وأبتغي إنقاذها بوضعها تحت رعايتنا .. بل لعلكم لا تصدقون أيها الرفاق لو قلت لكم إنني أشعر بالعطف أحيانا على من يعادي حزبنا من أبناء شعبنا المضللين وكم أود لو اهتدوا والتحقوا بحزبنا .
غوبلز : (بدعابة) لم يبق لك أيها الفوهرر إلا أن تقول لنا بأنك تعطف على الشيوعيين أو على الديمقراطيين الاجتماعيين .
هتلر : (بلهجة حادة وقد توقدت عيناه ) كل شيء إلا هذا .. لن يهدأ لي بال حتى أسحق الشيوعيين وأمسحهم من أرض ألمانيا .. وأدمر الماركسية إلى آخر جذورها .. ثم ألحق بهم الديمقراطيين الاجتماعيين فهم لا يقلون عنهم سوءا ( وقد تهدج صوته غضبا ) وقبل هؤلاء وأولئك سأسحق ذلك الجنس غير المرغوب به اليهود القذرين وأمحوهم من الوجود .
هملر : وماذا فعلنا في هذا المجال حتى الآن يا فوهرر ؟! إننا لم نفعل شيئا سوى أن الشبيبة الهتلرية و "الأس أس" يتصدون لأتباعهم في الشوارع والمحلات العامة ويلقنونهم دروسا بليغة . أنظروا ماذا فعل موسوليني بمعارضيه . لقد أحرق بيوتهم وشتت شملهم ونفاهم إلى الجزر المنعزلة .. وعلينا أن نحذو حذوه فنلاحق أعداء الأمة الجرمانية في جحورهم ونحصي عليهم أنفاسهم بل نحول بينهم وبين التمتع بالشمس والهواء فهم أعداء الشعب الألماني ولا يستحقون منا الشفقة والرحمة .
غورنج : إن الدوتشي شخصية عظيمة حقا وهو معلمنا .
هتلر : (وقد توقدت عيناه) لن نتساهل بعد اليوم مع المعارضين أيها الرفيق هملر وسنتخذ كل الخطوات لنسحقهم سحقا كاملا , فكل من يقف عقبة تجاه مجد وسعادة الشعب الألماني يجب أن يسحق ويداس بالأقدام . وسنقيم من كتب مفكريهم محرقة هائلة في برلين وفي كل مدينة ألمانية . وقد آن لي أن أنفذ كل ما ورد من أفكار في كتابي كفاحي وكل ما تعلمناه من مكيافلي .
غورنج : بالطبع . يجب أن يكون واضحا للجميع أن رعاية مبادئنا تبرر لنا كل شيء وأنه لا مجال هناك للمعارضة ولن يرتفع في سماء ألمانيا غير فكر النازية وأننا جئنا لنبقى .
هتلر : (وهو يضحك ضحكة متهكمة ) نحن ما تركنا منشن ووصلنا إلى برلين أيها الرفيق غورنج لنخرج منها . وسنجعل منها مدينة جديرة باسمها .
غوبلز : على كل حال المهم الآن أن نبذل قصارى جهدنا أيها الرفاق لتركيز فكرة الزعامة المطلقة لألمانيا وللأمة الجرمانية في شخص الفوهرر لأننا لا نريد أن نشتت عواطف شعبنا حول رموز متعددة . يجب أن يلقن الشعب بأن هتلر هو ألمانيا وأن ألمانيا هي هتلر وأن قانوننا هو إرادة الفوهرر وأن هتلر هو مبعوث العناية الإلهية لأمتنا . وفي جعبتي خطط كثيرة لتحقيق هذا الهدف والانتفاع من كل إمكانات الدعاية التي في حوزتنا وعلى رأسها الراديو ( وهو ينظر إلى هتلر ) وأرجو أن يساعدني الفوهرر في تنفيذ خططي .
هتلر : (وهو يبتسم ) أنت تعلم أنني أستجيب لاقتراحاتك دائما أيها الرفيق غوبلز . فأنت عبقري الحزب .
غوبلز : فإذن أرى أيها الفوهرر أنك ما زلت مقلا في زياراتك للمستشفيات ورياض الأطفال على نحو الخصوص , وما زلت مقلا في دعمك للجمعيات الخيرية . وهي من الأمور ذات الأثر الفعال في الدعاية لنا0
هتلر : (وقد بدا على وجهه الضيق ) أما يكفيني ما أقوم به من زيارات دائمة للعمال في المصانع وللفلاحين في المزارع وتناول الطعام معهم والاستماع إلى أحاديثهم المملة أيها الرفيق غوبلز ؟
غورنج : (وهو يبتسم ) أنا أضم صوتي إلى صوت الرفيق غوبلز أيها الفوهرر0 فهذه وسيلة ناجحة جدا من وسائل اكتساب ود الناس البسطاء (ملتفتا إلى غوبلز) ولكنني أعتقد أيضا أيها الرفيق غوبلز أننا ما زلنا في حاجة إلى الإكثار من صور وتماثيل الفوهرر بحيث لا يخلو منها أي شارع أو ميدان في مدننا فهي وسيلة ناجحة أيضا من وسائل السيطرة على عواطف الشعب .
هملر : سيتكفل الجستابو بألا يخلو متجر أو منزل من صور الفوهرر العظيم .
هتلر : أما أنا فسأعاونكم من جانبي بالإكثار من الخطب الحماسية التي تسحر شعبنا وتحيله إلى آلة طيعة بأيدينا .
(ينهض هتلر فجأة متجها إلى مقدمة المسرح ويشرع في إلقاء خطبته )
أيها الجرمانيون الكرام
آن لنا نستعيد المجد الذي بناه أجدادنا العظماء . وحزبكم هو الذي سيعيد إلى الأمة الجرمانية مجدها , وهو الذي سيكفل لكم الأمن والنظام ويسترجع أراضيكم المغتصبة , وهو الذي سيقضي على البطالة ويوفر لكم الموارد التي تجعل من حياتكم مرفهة وسعيدة ويضمن لألمانيا مجالها الحيوي . وهو الحزب الوحيد الذي يمثل مصالح كافة أبناء الشعب , فحزبكم هو ألمانيا . ولكي يتحقق ذلك يجب أن تتسلحوا بالطاعة والولاء والنظام والوحدة والتضحية . نعم أيها الجرمانيون الكرام , يجب أن تخضعنا إرادة واحدة . ويجب أن نكون وحدة واحدة . يجب أن تدمجنا طاعة واحدة . وسيكون حزبكم قادراً حينئذ على إنجاز المعجزات .
(هتافات مدوية في الصالة قائدنا الوحيد هو هتلر )
أيها الجرمانيون الكرام . إن من حق الجنس الجرماني أن يخضع الأجناس الأخرى لأنه يمثل الجنس المتفوق .. الجنس السيد . ومن حقه أن يعيش حياة مرفهة كجنس راق . ولا يمكن أن ننجز إرادة الله فيما رسمه لأمتنا وجنسنا من مصير ما لم نكتسب القوة فهي العامل الحاسم وهي التي ستساعدنا في اللحظة المناسبة على إدراك أهدافنا . ولذلك لا بد أن نهيء لأنفسنا مقومات القوة . إن القوة وحدها هي التي تخلق الحق . وإن القوي له الحق دائما أمام الله والعالم في أن ينفذ رغباته . وإن التاريخ يبرهن على أن من لا يملك القوة لا يكسب شيئاً .
(هتافات حماسية في الصالة "هايل هتلر " )
أيها الجرمانيون الكرام . إن البند الرئيسي في منهج حزبنا هو إلغاء المفهوم الليبرالي للفرد والمفهوم الماركسي عن الإنسانية والاستعاضة عنهما بمجتمع الأمة الضاربة جذورها في تربة الوطن والتي ترتبط معا بدمائها المشتركة . ونحن لا نهدف إلى تغيير دكتاتورية طبقة بدكتاتورية طبقة أخرى بل نهدف إلى قيام دكتاتورية الشعب بأكمله . وعندئذ يكون بمقدورنا أن نعيد إلى الملايين من أفراد شعبنا الاعتقاد بأن الدولة لا تمثل مصالح مجموعة معينة , بل تهدف إلى رعاية مصالح الشعب بأجمعه . ولذلك فالحكومة في بلدنا لا تروع الشعب بالحراب .. هنا الحكومة مدعومة بثقة الشعب بكليته . وإنني أهتم بالشعب .. إنني طيلة حياتي لم يؤثر عليّ سوى الشعب . إنني انبعثت من الشعب وفي الشعب بقيت وإلى الشعب أعود . وإن اعتزازي هو أنني لا أعرف رجل دولة في العالم يمكن أن يقول أكثر مني أنه الممثل لشعبه . عاشت ألمانيا دولة قوية عظمى وإن ألمانيا فوق الجميع .
(هتافات مدوية في الصالة "نحن نحب هتلر")
( يعود هتلر إلى رفاقه . ينهض أفراد الجوقة وقد تركز عليهم ضوء ساطع )
الجوقة الرجالية : ماذا حققت لأمتك الجرمانية يا هتلر ؟
وإلى م انتهت وعودك لإسعادها ؟
لقد انتهت إلى تكبيدها المعاناة والحزن والدمار
وكنت قد تصورت بمنطقك الأفلج أنك سترفع من شأنها
وفي سبيل ذلك نشرت الرعب في ألمانيا وزرعت الريبة في صدور الناس
فجستابك يراقب كل نأمة وخاطرة
تشكك بسلطتك وبحزبك النازي
وصرت الحاكم الأوحد الذي لا مرد لكلمته
الجوقة النسوية : وهكذا سحقت شعبك حتى العظم .
وجرعته كؤوس العذاب حتى الثمالة .
الجوقة الرجالية : لقد صار الجميع عبيداً لأفكار الصليب المعقوف ويرددونها في كل مناسبة كالببغاوات
ومن يعارض تلك الأفكار
يزج به في السجون والمعتقلات
أو يشرد خارج البلاد
الجوقة النسوية : وهكذا سحقت شعبك حتى العظم
وجرعته كؤوس العذاب حتى الثمالة
الجوقة الرجالية : لقد غاضت السعادة من البيت الألماني
واستحال إلى كوخ تنعق فيه البوم
وغادره الشباب جميعا
ليكونوا وقودا لحربك المجنونة
التي أفقدت شعبك عشرة ملايين مواطن
وجرت على بلادك الخراب التام
فتحولت مدنه إلى ركام من الحجارة
تعيش فيها الأسر الجائعة المحزونة
كما تعيش الجرذان في الجحور
الجوقة النسوية : وهكذا سحقت شعبك حتى العظم
وجرعته كؤوس العذاب حتى الثمالة
الجوقة الرجالية : لقد كلفت حربك العالم خمسين مليون إنسان
ولم يكن يعنيك لتحقيق أهدافك
أن ترتكب المجازر المروعة
وأن تدمر المدن التي قاومت احتلالك
فتحيلها إلى أطلال
فقد كنت تؤمن إما بالخضوع الكامل
أو التدمير الكامل
وكانت حربك
حرب استعباد وإبادة
وإن معتقلات موثاوسن وأوشفنتن وبوشنوالد لتشهد على ما ارتكبت من جرائم بحق الإنسانية
الجوقة النسوية : وهكذا سحقت الشعوب حتى العظم
وجرعتها كؤوس العذاب حتى الثمالة
الجوقة الرجالية : ولقد أتحت للحلفاء بعد هزيمتك
أن يدمروا مدن ألمانيا
ويقتلوا الألوف من أبنائها
بلا جدوى ولا أمل في النصر
بسبب من حمقك وعنجهيتك
ثم انتهى بك الأمر إلى أن تنتحر
فرارا من مواجهة الخصوم
الجوقة النسوية : وهكذا سحقت شعبك حتى العظم
وجرعته كؤوس العذاب حتى الثمالة
الجوقة الجماعية : لقد مت ميتة الجبناء يا هتلر
بعد أن دمرت بلدك وشعبك
وأهلكت الملايين من البشر
وأحلت آلاف المدن والقرى
إلى أرض يباب
(يخبو النور ثم يتوهج فيظهر الرئيس وراء منصة الخطابة يحيط به رفاقه )
الرئيس : أيها الشعب العظيم
يسرني أن أجتمع بكم وأتدارس الوضع معكم فأنتم الأصل والغاية . ومن واجبنا أن نستلهم الشعب في كل تصرفاتنا وإجراءاتنا فلا تعلو قوة على الشعب . ونحن انبثقنا من الشعب وناضلنا طوال عمرنا في سبيل الشعب وإلى الشعب نعود .
(هتافات في الصالة "يعيش ابن الشعب .. يا يعيش .. يعيش .. يعيش – تصفيق حاد )
لقد توضح لكم اليوم أيها الأخوة المواطنون أن الوعود التي قطعها حزبنا لكم وهي توفير الحرية والمساواة والعدالة كانت وعودا صادقة وأن الظلام والطغيان قد انقشعا عنكم . والحمد لله أننا قطعنا في هذا الطريق شوطا بعيدا , ويكفي الثورة شرفا أنها استطاعت في هذا الوقت القصير أن تحقق لأبنائها طموحاتهم . ولكن ما زال أمامنا الكثير لننجزه أيها الأخوة .. نعم ما زال أمامنا الكثير والكثير . وبتأييدكم ودعمكم سوف ننجح في إنجاز بقية أهدافنا المرسومة .
(هتافات في الصالة "يعيش قائد الشعب .. يا يعيش .. يعيش – تصفيق حاد" )
ولكن ينبغي لي أن أصارحكم أيها الأخوة المواطنون أن ثورتكم تتعرض للمؤامرات من قبل القوى الانتهازية السوداء التي تريد أن يظل هذا العشب راكعا لتستغله في تنفيذ مآربها الدنيئة .
(هتافات في الصالة تسقط القوى الانتهازية .. تسقط .. تسقط – تصفيق حماسي) .
إن ألاعيب هذه القوى المنافقة معروفة لديكم أيها الأخوة المواطنون وقد أصبحت مكشوفة للجميع . لذلك نبذت هذه القوى أساليبها المكشوفة في التآمر على الثورة ولجأت إلى الأساليب الخفية , وتنكرت بأزياء جديدة بل وتخفت بلبوس الدفاع عن مصالح الشعب . فنحن اليوم لا نواجه عدوا مكشوفا كما كان الشأن في السابق بل نواجه عدوا مستترا مما يجعله أكثر خطرا وشراسة . إن التآمر على الثورة معناه التآمر على الشعب . ولا مكان بيننا بعد اليوم لهذه القوى المنافقة المعادية للشعب الذي قامت من أجله الثورة .
(هتافات في الصالة "الموت للقوى السوداء")
أيها الأخوة المواطنون . أنتم تعلمون أننا التزمنا منذ البداية بنهج مصارحتكم في كل صغيرة وكبيرة . فما تسلمنا السلطة إلا من أجل تحقيق أهدافكم في الكرامة والعدالة . فنحن لا نرغب في شيء اسمه رئاسة أو قيادة . وإننا نستمد قوتنا من دعمكم . ولذلك ينبغي إطلاعكم على ما يدبره أعداؤكم في الخفاء لتكونوا على بينة من الأمر , ولتقطعوا الطريق على من يتصيد في الماء العكر , ولكي ل تصغوا إلى الأراجيف والأكاذيب . وإنني لأحذر من على هذا المنبر أولئك الذين يريدون أن يعيدوا البلاد إلى عهدها المقبور ويعيدوا الشعب إلى عبوديته بأننا لن نتهاون معهم وأننا مستعدون أن نوقع بهم أقصى العقوبة . إن من يقف ضد مصلحة الجماهير سنسحقه وندوسه بأقدامنا . عاش الشعب وعاشت الثورة .
(تصفيق في الصالة وهتافات حماسية . يعود الرئيس إلى الكرسي الفخم وبصحبته رفاقه ).
الرفيق الثالث : (بحماس) كان خطابك رائعا أيها الرفيق القائد وقد وضعت النقاط على الحروف وكشفت عن أعداء الشعب .
الرفيق الثاني : وكانت استجابة الشعب له حماسية كالعادة أيها الرفيق القائد .
الرئيس : في اعتقادي أن شعبنا واع ويميز بين أصدقائه وأعدائه .
الرفيق الأول : إن نهج مصارحة الشعب ضروري ويتوجب على حزبنا ألا يحيد عنه أبدا .
الرفيق الثالث : لقد حذرت أيها الرفيق القائد منذ البداية من خطر إتاحة الحرية لأعداء الشعب . وقد ستغل هؤلاء الأعداء الجو الديمقراطي الذي وفرناه للشعب كما هو متوقع وتزيوا بزي المعارضة الوطنية .
الرفيق الأول : (للرفيق الثالث) لا تنس أيها الرفيق أن على رأس التعهدات التي أعلنها حزبنا للشعب يوم تسلم السلطة هو ضمان الحريات الأساسية وترسيخ الديمقراطية ولا يمكننا أن نتخلى عن هذين المطلبين تحت أي ظروف من الظروف .
الرئيس : (للرفيق الأول) ومن قال إن في نيتنا أن نتنكر للديمقراطية أيها الرفيق!
الرفيق الثالث : كما قال الرفيق القائد إن حزبنا لن يتخلى عن الديمقراطية . ولكن ذلك لا يعني أن نتيح الفرصة لأعداء الشعب لسرقة ثورتنا . وأنا أقترح أن يرفع حزبنا شعار "لا حرية لأعداء الشعب" قبل فوات الأوان .
الرفيق الأول : (باستنكار) هذا شعار يتناقض ومبادئ الحرب وأهدافه أيها الرفاق .
الرئيس (ملتفتا للرفيق الثاني) وما رأيك أنت أيها الرفيق ؟
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع أن تجربتنا الديمقراطية لم تكن ناجحة تماما أيها الرفيق القائد . أقصد أننا يجب أن نعيد حساباتنا وننتفع بالعبر التي تراكمت لدينا .
الرفيق الثالث : وهذا ما أقوله أيها الرفيق القائد .. علينا أن نتعامل مع منهج حزبنا باعتباره نصوصا مرنة وليست جامدة , وعلينا أن نطوره على ضوء تجاربنا الواقعية . وحتى لو ضحينا مرحليا ببعض مبادئ الحزب من أجل الحفاظ على ثورتنا لكان ذلك تصرفا حكيما منا .
الرفيق الأول : لكن الظروف لم تضطرنا بعد إلى التضحية بأهم مبادئ الحزب وهو ترسيخ الديمقراطية وصيانة الحريات الأساسية أيها الرفاق .
الرفيق الثاني : (للرفيق الأول) وهل من المنطق أيها الرفيق أن ننتظر حتى ينجح أعداء الشعب في الإطاحة بنا ؟!
الرفيق الأول : بالعكس أيها الرفيق . أنا أعتقد أنه يتوجب علينا أن نكون يقظين دائما وأن نفضح ونعرّي مؤامراتهم أمام الشعب حتى يسقطوا دون أن نخل بالجو الديمقراطي الصميم .
الرفيق الثالث : أنا قلت منذ البداية وأقول الآن أيها الرفاق أن علينا الا نكون سذج ونسلم البلاد لقمة سائغة لأعدائنا وأعداء الشعب باسم الحفاظ على الديمقراطية0 إن الديمقراطية معناها حكم الشعب . وبما أن حزبنا يمثل مصالح الشعب تمثيلا حقيقيا فيجب أن تقتصر الديمقراطية عليه لا على أعدائه . وعلينا أن نسحق المعارضين بلا هوادة في سبيل المحافظة على مبادئ الثورة .
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع أنه كلما ازدادت المكاسب الديمقراطية لشعبنا كلما اشتدت ضراوة أعدائه .
الرفيق الثالث : وهذا ما يدعوني إلى القول أيها الرفاق أن علينا أن نتخذ سياسة الحزم تجاههم . عليهم أن يفهموا أنه لا مجال للتأمر علينا وعلى البلاد باسم المعارضة النزيهة وأننا جئنا لنبقى . ولهذا يجب تجميد بعض القوانين الخاصة بالحريات العامة .
الرفيق الأول : (باستنكار) ولكن ذلك معناه الإخلال بمبادئ حزبنا أيها الرفاق .
الرئيس : قد يكون رفيقنا محقا أيها الرفاق .
الرفيق الثاني : (للرئيس) ولكننا مضطرون إلى تجميد بعض القوانين التي شرّعناها أيها الرفيق وصياغة قوانين جديدة لمواجهة مثل هذا الأوضاع التآمرية وإلا ضاعت ثورتنا .
الرفيق الثالث : (بحماس) نعم . يجب إصدار قوانين تمنحك صلاحيات للتصرف الفوري أيها الرفيق القائد , ومن حسن حظ بلادنا أن تهيأ لها قائد حازم ومخلص مثلك يمكن الاطمئنان على مصالح الشعب بين يديه ومن المستحيل أن يسيء شخص مثلك التصرف بمثل هذه الصلاحيات .
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع علينا للتعامل مع مجريات الأمور بنظرة واقعية أيها الرفاق وتخويل الرفيق القائد صلاحيات استثنائية للوقوف أمام المعارضة التخريبية .
الرفيق الأول : (باستنكار) لكن هذا معناه العودة إلى الدكتاتورية أيها الرفاق .. هذا معناه تمهيد الطريق لتركيز السلطة بيد فرد واحد وهو النظام الذي ثرنا عليه وناضلنا للإطاحة به .
الرفيق الثالث : (للرفيق الأول) ولماذا العودة إلى الدكتاتورية أيها الرفيق ونحن نودع هذه الصلاحيات أمانة بين أيدي رفيقنا القائد وهو أبعد الأشخاص عن استغلال سلطته ضد الشعب ؟ نحن بحاجة إلى قبضة قوية حازمة تضرب على المعارضة المخربة بيد من حديد وتصون مبادئ الثورة وترسخها . وهذه القبضة الحازمة ممثلة أحسن تمثيل في شخص رفيقنا القائد الذي صار رمزا للحزب والثورة .
الرفيق الأول : (في انزعاج) يجب أن أحذركم أيها الرفاق أن مثل هذه الخطوة قد تثير معارضة قوية بين رفاقنا .
الرفيق الثالث : ( بحماس) كل رفاق حزبنا يثقون ثقة مطلقة بالرفيق القائد .
الرئيس : على كل حال أحب أن أطمئنكم أيها الرفاق أنه لا يمكن أن يخطر على بالي يوما أن أستغل مثل هذه الصلاحيات ضد مصلحة الشعب . وأنتم تعلمون أنه ليس شخصا مثلي هو الذي يطمع بالسلطة من أجل السلطة وأنه لا يمكن لمثلي أن يتنكر لتاريخه النضالي الطويل في خدمة الشعب .
(يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم يوليوس قيصر بملابسه العسكرية وإلى جواره مارك أنطوني)
مارك أنطوني : أنت أعظم شخصية في تاريخ روما يا قيصر . فمن غيرك مؤهلا لمثل هذا المنصب ؟
قيصر : (وهو يبتسم) لا تبخس حق القدماء يا مارك أنطوني فتاريخ روما حافل بالرجال العظماء . ولا تجعل حبك لي يطغي على حقائق التاريخ .. علينا أن نحترم التاريخ حتى وإن لم يتماش مع هوانا .
مارك أنطوني : أنت الذي خلقت هذه الإمبراطورية الواسعة يا قيصر فأنت أعظم قائد عسكري عرفه تاريخ روما . من يستطيع أن يصمم الخطط الحربية كما يصممها يوليوس قيصر ؟ من ظفر بمثل الانتصارات التي ظفر بها يوليوس قيصر في آسيا الصغرى ومصر وأسبانيا وغاليسيا وإنجلترا وداسيا وأفريقيا واليونان ؟ لقد أكسبتك هذه الانتصارات يا قيصر أمجادا لم تكسب قائدا رومانيا من قبلك قط .
قيصر : (وهو يبتسم ) لم أخضع تلك البلدان إلا بقادة من أمثالك يا مارك أنطوني .
مارك أنطوني : آن الأوان لأن تعلن نفسك ملكا يا قيصر . وإذا لم تفعل الآن فإن فترة ولايتك لعشر سنوات كقنصل لروما سرعان ما ستنتهي وتنتهي معها سلطتك قبل أن تحقق مشاريعك وطموحاتك للإمبراطورية .
قيصر : (وهو يهز رأسه متأملا) هذا صحيح .. لكنك تعلم يا مارك أنطوني أن الرومانيين يكرهون الملكية وأنا لا أحب أن أضع نفسي في موضع الكراهية لدى الشعب الروماني .
مارك أنطوني : صحيح أن الرومانيين يكرهون الملكية ولكنهم يحبونك يا قيصر وهم مستعدون لقبول أي شيء تطلبه منهم .. إنهم مجنونون بحبك يا قيصر . ألم تشهدهم كيف يعبرون عن عواطفهم المحتدمة أثناء الاحتفالات بأعياد النصر السنوية على آسيا الصغرى وأسبانيا ومصر وأفريقيا ؟ إنهم يودون أن يحملوا عربتك على أكتافهم حينما تمر بين عربات الاحتفال غير مبالين بالفيلة التي تتقدمها والتي تكاد تطأهم . ألم يقيموا لك التماثيل في كل ميادين روما ؟ بل إنهم ليطوفون بتمثالك في الشوارع كما يطوفون بتماثيل الآلهة .
قيصر : شعب روما يحبني كما أحبه يا مارك أنطوني ولزاما عليّ أن أحترم تقاليده . وأنت تعلم أن من أقدس تقاليده كراهية الملكية .
مارك أنطوني : (مترددا) أصارحك يا قيصر أن نوايا الكثيرين من أعضاء مجلس الشيوخ تجاهك سيئة وأنك أصبحت في خطر ولا بد أن تضرب على أيديهم قبل أن ينتزعوا السلطة منك .
قيصر : كيف تقول عنهم ذلك يا مارك أنطوني وقبل أسابيع قليلة فقط أقاموا لي احتفالا أسبغوا علي فيه أعظم تكريم يمكن أن يقدم لحاكم ؟
مارك أنطوني : وإثر هذا الاحتفال تطايرت همساتهم بأنك لم تعد تحترمهم لمجرد أنك لم تنهض حينما تقدموا لتحيتك وفسروا ذلك بتعاليك عليهم .
قيصر : (وهو يضحك) ما أسخف ذلك ! لقد كنت متعبا يا أنطوني وكانت ساقاي تؤلمانني .. هذا كل ما في الأمر .
مارك أنطوني : إن أولئك الطامعين يشيعون كذلك بأنك تنوي إلغاء مجلس الشيوخ بحجة أنه لم يعد يصلح للمشاركة في إدارة شؤون الإمبراطورية وأنك تتصرف بأمور الإمبراطورية دون استشارتهم . وهم يسمونك فيما بينهم بـ"الدكتاتور" ويحاولون كسب تأييد المتحمسين للديمقراطية لينقلبوا عليك .
قيصر : ( بلهجة حادة) لا أكتمك يا مارك أنطوني أن أعضاء مجلس الشيوخ صاروا مجموعة من المخرّفين وأنهم بالفعل غير صالحين لشيء بل إن البعض منهم غدا عقبة تجاه الإصلاحات التي أخططها للإمبراطورية بمعارضته السخيفة . إن إدارة هذه الإمبراطورية الواسعة يا مارك أنطوني يتطلب تركيز السلطة بيد فرد واحد ليستطيع أن يدير شؤونها على نحو دقيق ومنظم ولينقذ العالم من البؤس والفوضى ويشيع فيه العدل والسلام والقانون والنظام . فإذا كانوا يحبون أن يطلقوا على مثل هذا الحاكم لقب "دكتاتور" فليفعلوا . لكن الشعب الروماني لن يكترث لأقاويلهم .
مارك أنطوني : ولكنهم يعدون مؤامرة لاغتيالك يا قيصر وإن سماء روما مليئة بالإشاعات عن هذه المؤامرة .
قيصر : أنت تعلم يا أنطوني أن سماء روما كانت مشحونة دائما بالإشاعات . وأنا أعلم أنني محاط بالطامعين غير أنهم لن يجسروا على هذه الفعلة . فهم يعلمون أن الشعب الروماني يحبني . ثم إن فرق الجيش معي وهم يحبونني أيضا . فأنا لا أخشاهم .. لا أخشاهم أبدا . أفلا ترى أنني لا أحمل سلاحا حينما أطوف شوارع روما لتفقد الشعب ؟ أفلا ترى أنني لا أحتفظ بحرس خاص يا أنطوني ؟ فهل مثلي من يهدد بالمؤامرات ؟!
مارك أنطوني : ولكن احذر كاسيوس وكاسكا وشيشرون العجوز يا قيصر , بل حتى ماركوس بروتس فهم على رأس الطامعين بالسلطة .
قيصر : لا يا أنطوني .. لا .. ليس بروتس فهو طفلي . (وهو يضحك بلطف) وعلى كل حال فما الذي يدعوني إلى الخشية من الموت يا مارك أنطوني ؟ لقد مكثت في هذه الحياة طويلا وقهرت العالم كله وأنا الآن قد تجاوزت الخامسة والخمسين 0 فماذا أنتظر من الحياة بعد ؟ وإذا كان مقدرا لي أن أموت بمؤامرة من هذا النوع فستكون ميتة مناسبة لي لأنها ميتة مفاجئة0 (وهو يربت على كتف مارك أنطوني مبتسما) ولكن اطمئن يا مارك أنطوني فلن تستدعيني الآلهة ما لم أفرغ من مهمتي .. ومهمتي لم تنته بعد . وأنت تعلم أن أمامي مهمة الاستعداد للحملة البارثية فشعب روما أخذ يلغط بتهديد البارثيين .
(ينهض أفراد الجوقة ويسلط عليهم ضوء ساطع )
الجوقة الرجالية : لقد كنت قائدا عسكريا فذا يا قيصر
وحققت لروما أمجادا حربية عظيمة
ولكنك أزهقت في سبيل ذلك أرواحا لا يحصى لها عد !
الجوقة النسوية : فوا أسفاه يا قيصر !
الجوقة الرجالية : وقد بدأت حكمك بإصلاحات عظيمة
فشرّعت للرومانيين قوانين
أنصفت بها جميع الطبقات
وأنشأت القنوات البحرية
وعبدت الطرقات الوعرة
وأصلحت من شأن الريف
وجعلت من روما قبلة العالم
وأرسيت في الإمبراطورية دعائم حكم لا مركزي
يستند إلى العقل والقلب
لا إلى القوة والبطش
الجوقة النسوية : ولكن وا أسفاه يا قيصر !
الجوقة الرجالية : فما أن أستتب لك الأمر
وكسبت حب الشعب الروماني
حتى تجاوزت أحلامك مثلك
وشرعت تخطط في مكر
لدق المسامير في نعش الجمهورية
الجوقة النسوية : فوا أسفاه يا قيصر .
الجوقة الرجالية : فزينت النقود الذهبية برأسك
وأقمت تمثالك في الكابيتول
بين تماثيل الملوك القدماء
وأعد لك كرسي في صالة مجلس الشيوخ
أشبه بعروش الملوك بما يحليه من ذهب وجواهر
وانتعلت الأحذية الجلدية الحمراء
التي كان ينتعلها الملوك الألبان
وسمحت للذين يقدمون عرائضهم إليك
بأن يخاطبوك بلقب « ريكس»
وأوحيت لمارك أنطوني يوم احتفال لوبريكاليا
بأن يضع التاج فوق رأسك
وإن أبديت تمنعك عن قبوله
وهكذا عملت على إعداد الشعب الروماني
لإلغاء الجمهورية وتنصيبك ملكا
الجوقة النسوية : فوا أسفاه يا قيصر!
الجوقة الجماعية : لقد أسأت استغلال حب الرومانيين لك يا قيصر
فمع أنهم لم يكرموا شخصا قبلك مثلما كرموك
ولم يمنحوا حاكما غيرك لقب "أب البلاد"
فإنك تآمرت على نظامهم الديمقراطي
واتجهت في حكمك نحو الدكتاتورية
وأتحت بذلك لخصومك أن يتآمروا عليك
ودفعت حياتك ثمنا لطموحاتك اللامشروعة
فوا أسفاه يا قيصر !
(يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم الرئيس يحيط به رفاقه )
الرئيس : أنتم تتفقون معي بالطبع على أنه كان لابد للحزب أن يتخذ مثل هذا الموقف الصارم تجاه العناصر المعارضة التي بدت وكأنها تريد تحطيمه .
الرفيق الثالث : (بحماس) لقد نبهت منذ مدة طويلة أيها الرفيق القائد إلى خطر أولئك المعارضين ودعوت إلى تنظيف الحزب منهم ولكن لم يكترث أحد لدعوتي.
الرفيق الأول : لم يكن من الهيّن التضحية بأعضاء عاملين في حزبنا لهم تاريخ مجيد .
الرئيس : إن المحافظة على وحدة الحزب تستحق كل التضحيات .
الرفيق الثاني : للضرورة أحكام أيها الرفاق .
الرفيق الأول : كم كان من الخير للحزب لو أمكن أن تحل الخلافات بصورة ودية من دون خسارة هؤلاء الرفاق .
الرفيق الثالث : (للرفيق الأول ) إن أمثال أولئك الرفاق قد أضاعوا تاريخهم أيها الرفيق وصاروا أعداء للحزب . بل إنهم أصبحوا أخطر على الحزب من خصومه الألداء . وإن من يقف أمام وحدة الحزب لابد من سحقه .
الرفيق الأول : (للرفيق الثالث) لم يكن الأمر بهذه الخطورة أيها الرفيق .
الرئيس : (بسخرية مبطنة) أتعتقد أن الأمر كان بسيطا إذن أيها الرفيق ؟
الرفيق الأول : (في تردد ) لست أزعم ذلك لكنني كنت أتمنى أن تحل الخلافات بصورة رفاقية . ونحن نؤمن في حزبنا بالديمقراطية الحزبية .
الرفيق الثاني : (للرفيق الأول ) كان الأمر خطيرا أيها الرفيق .. لقد كاد أولئك الرفاق أن يزعزعوا مكانة الحزب بمحاولتهم زرع الشكوك حول القيادة .
الرفيق الثالث : بل وأن يعرضوا الحزب حتى لضياع الحكم من يديه .
الرئيس : (بلهجة حادة) أتظنون أن الأمر كان يقتصر على مجرد اتهامي بالميول الدكتاتورية ؟
الرفيق الثالث : (بحماس) وهل تلك الاتهامات هيّنة أيها الرفيق القائد ؟ إنها اتهامات خطيرة تؤدي إلى تصديع الحزب .
الرئيس : (وهو يهز رأسه) إذن فأنتم تجهلون الحقيقة بأكملها .. هل تتصورون أنني كنت سأدعو إلى اتخاذ مثل تلك القرارات الصارمة بحقهم لو كان الأمر مجرد خلافات في الرأي واتهامات فارغة ؟
الرفيق الأول : وماذا كان غير ذلك إذن ؟
الرئيس : (بلهجة قاسية) لقد كانت هناك مؤامرة مبيتة للإطاحة بقيادة الحزب (وهو يهز رأسه ) نعم إنهم كانوا يتآمرون على قيادة الحزب .. وفي اعتقادي أنهم لم يكونوا يتآمرون على القيادة بل على الشعب والبلاد .
(يسود صمت متوتر)
الرفيق الثاني : (بلهجة خطيرة ) إلى هذا الحد أيا الرفيق القائد ؟ يتآمرون على القائد التاريخي لحزبنا وشعبنا ؟ يجب أن يشكروا العناية الإلهية التي أرسلت للحزب وللبلاد قائدا مثلك بدلا من أن يتآمروا عليه .
الرفيق الثالث : إنني أيها الرفيق القائد أعبّر عن استنكاري الشديد .. كيف يمكن أن يفكر هؤلاء المخربون أن يستمر حزبنا من دون قيادتك ؟ هؤلاء أعداء للحزب و للبلاد ولا يمكن أن يكونوا من رفاق حزبنا المخلصين ولا بد أنهم كانوا من المدسوسين عليه منذ البداية .
الرفيق الثاني : طبعا لا يمكن أن يكون هؤلاء حزبيين مخلصين ولا شك أن مطامحهم الذاتية هي التي تحركهم , وإلا فكيف يفكرون بتشتيت وحدة الحزب ؟
الرفيق الثالث : ليس لحزبنا وللبلاد سوى زعيم واحد وسيظل كذلك ما أمد الله لنا في عمره . وكل من يفكر بالتآمر عليه فهو خائن للحزب وللبلاد . ويجب أن يلقى عقابه جزاء وفاقا .
( يخفت النور فيظهر على الكرسي الفخم ستالين بملابسه العسكرية وحوله رفاقه )
مولوتوف : لقد استعاد الحزب وحدته بعد أن تخلص من المعارضين وذلك بفضل جهودك أيها الرفيق العزيز ستالين .
ستالين : إن ذلك سيمكننا من السير على خطى قائدنا الرفيق مولوتوف .
مالنكوف : لقد كانت وحدة الحزب قضية مركزية بالنسبة لنا دائما وكانت أهم القضايا التي كان يناضل من أجلها الرفيق لنين لكي تأتي الثورة البلشفية بثمارها النبيلة .
ستالين : لذلك ما أن فقدنا قائدنا العظيم أيها الرفيق مالنكوف حتى راح الإنتهازيون والإنحرافيون من أمثال التحريفي تروتسكي والحمقى كامنيف وزنوفيف وبخارين يحاولون حرف الحزب عن المنهاج الذي رسمه له قائدنا العظيم .
توفستوخا : ولا تنس الحمقى رادك وجدانوف وتومسكي وريكوف أيها الرفيق العزيز ستالين .
ستالين : على كل حال من الواضح أيها الرفيق توفستوخا أن هؤلاء المنشقين جميعا كانوا يفضلون أن يكونوا خارج الحزب حتى يخططوا لأهدافهم المشبوهة . إذن فلندعهم يكونون خارج الحزب . وهذا أمر لا يدهشنا ولا يزعجنا . فهم بذلك يقطعون أنفسهم عن الحزب . وإذا ما درستم أيها الرفاق تاريخ الحزب وجدتم أنه كلما اتخذ انعطافة خطيرة سقط قطاع معين من قادته القدماء خارج عربته وأفسحوا المجال لقادة جدد . فليس كل شخص قادرا على التواؤم مع الانعطافات الجديدة .
مولوتوف : هذا صحيح أيها الرفيق العزيز ستالين , فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعرّض فيها حزبنا لمثل هذا الموقف . وكان قائدنا العظيم لنين بمقدرته الفذة وحنكته البالغة قادرا على التصدي لمؤامرات الانشقاقيين والمحافظة على وحدة الحزب . وقد أثبتّ أيها الرفيق العزيز أنك خير خلف لخير سلف .
توفستوخا : صدق قائدنا العظيم لنين أيها الرفيق حين سماك "ستالين"0 فلقد كنت جديرا بهذا اللقب دائما . ولا أدري كيف كان أولئك الانتهازيون يحاولون منافستك على قيادة الحزب بعد رحيل قائدنا العظيم لنين متغاضين عن تاريخك النضالي البطولي ودورك الأساسي في ثورة أكتوبر المجيدة , ومتناسين جهودك العظيمة في إدارة مجلة الحزب في العهد القيصري ومجازفتك بحياتك في الوقت الذي كانوا هم يتنزهون في عواصم أوربا .
مولوتوف : هذا ليس غريبا على الرفيق العزيز ستالين الذي تشرب بالمبادئ الماركسية منذ كان في الخامسة عشرة من عمره !
ستالين : ما أنا سوى فرد منكم أيها الرفاق . وكان حزبنا دائما يقر القيادة الجماعية بل ويقر الرأي الجماعي للشعب . ولست من الراغبين في الانفراد بالسلطة كما تعلمون . وهذا ما علمنا إياه الفكر الماركسي اللينيني. فحزبنا قائم أساسا على الديمقراطية الحقيقية لا على ديمقراطية الثقافة البورجوازية المزيفة . ولكن أمثال أولئك المنشقين الذين كانوا يزعمون أنهم قادة الحزب لا يستحقون منا في الواقع أي اعتبار وهم ليسوا قادة حقيقيين كما أثبتت الأيام 0 فما أن هززت إصبعي الصغير حتى تساقطوا كأوراق الخريف . لقد صاروا أعداء الحزب والشعب بخروجهم على التقاليد الديمقراطية لحزبنا .
مالنكوف : فعلا أيها الرفيق العزيز ستالين . فقائدنا العظيم لنين كان يؤكد دائما في نشراته وسلوكه الشخصي على الديمقراطية الحزبية . ولم ينفرد يوما بقرار شخصي حتى في أحلك الساعات التي أحاقت بالحزب . هذا على الرغم من أنه كان يتمتع ببعد نظر وحصافة لا مثيل لهما .
توفستوخا : إن ألئك الذين شككوا في قيادتك للحزب أيها الرفيق العزيز ستالين قد تجاهلوا وصايا قائدنا العظيم بأنك خير رفاقه . فلقد كنت اليد اليمنى له. وكان يقدر إمكاناتك التنظيمية والإدارية أعظم التقدير . وخير دليل على ذلك أنه عهد إليك بقيادة جيشنا الأحمر في الجبهة الشرقية . وأنت في الحقيقة المسؤول عن تحقيق انتصاراتنا على الجيش الأبيض العميل لا كما يدعي ذلك التحريفي تروتسكي لكونه المشرف العسكري الأعلى وقائد العمليات العسكرية .
ستالين : (وهو يهز رأسه في تيه ) لقد كنت بجوار قائدنا لنين دائما في حربه الضروس ضد المنشفيك والنهلستيين والتحريفيين . أما انتصار جيشنا الأحمر فيعود الفضل فيه إلى مناضلي حزبنا المجيد .
توفستوخا : أيها الرفيق العزيز ستالين . لقد أنقذت الحزب والثورة مرتين . الأولى بقيادتك الفذة لجيشنا الأحمر ودحر الجيش الأبيض العميل , والثانية في قضائك على مؤامرات المنشقين الانتهازيين والتحريفيين أعداء الشعب الذين حاولوا تشتيت وحدة الحزب بعد رحيل قائدنا العظيم لنين .
ستالين : نحن ما زلنا هدفا لمؤامرات الدول الرأسمالية أيها الرفاق . وإن أخطر مهمة تواجه حزبنا اليوم هو الحفاظ على وحدته وانضباطه , وأرجو من الرفاق الا ينسوا هذه الحقيقة .
مولوتوف : إن ما ذكره رفيقنا توفستوخا يؤكد الحقيقة الماثلة وهي أنك بعد أن أعدت للحزب وحدته أيها الرفيق العزيز أصبحت تحمل على عاتقك مسؤولية ضخمة . لقد صرت مسؤولا الآن عن ترسيخ ثورتنا البلشفية وإشباع طموحات الشعوب السوفيتية في إدراك آمال حزبها المجيد .
توفستوخ : نعم أيها الرفيق العزيز ستالين لقد صرت أبا للشعب السوفيتي وعلى الجميع أن يدركوا هذه الحقيقة . أنت الأخ الأكبر لنا جميعا ويجب أن تكون طاعتك من طاعة الإبن لأبيه لكي يستطيع حزبنا بلوغ أهداف ثورة أكتوبر المجيدة .
ستالين : إن المرحلة التي يمر بها حزبنا اليوم هي مرحلة خطيرة أيها الرفاق0 ولن يتسنى لنا حمايته إلاّ بالانضباط الصارم ليس على مستوى القيادات العليا فحسب ولكن على مستوى أدنى القيادات , بل على مستوى الشعب السوفيتي بأكمله . فكل فرد مسؤول عن هذا الانضباط والانصياع لقيادة الحزب وخططه , ولن نستطيع بلوغ أهدافنا إلا بالعمل الدؤوب ونكران الذات وتحمل شظف العيش في مرحلة البناء الحالية .
توفستوخا : إنك تضرب أروع الأمثال في ذلك لأبناء الشعب السوفيتي أيها الرفيق العزيز ستالين بحياتك البسيطة وبعملك الدؤوب الذي تواصل فيه الليل بالنهار . وإن زياراتك للمصانع والمزارع والمدارس والمستشفيات لم تنقطع يوما . والواقع أنك تضرب المثال في سيرتك لكل شيوعي العالم وليس لمواطني شعبنا السوفيتي فحسب أيها الرفيق العزيز ستالين .
مالنكوف : ما ذكرته أيها الرفيق العزيز ستالين أمر في غاية الأهمية . فلا بد لحزبنا البلشفي من قيادة حازمة كقيادتك ليكون قادرا على بلوغ أهدافه في هذه المرحلة الحرجة .. قيادة ينضم تحت لوائها الجميع ولا مجال فيها للمعارضة والاتجاهات التحريفية . ومن يخرج على قيادة الحزب لا بد من سحقه , لأن معنى ذلك إضعاف حزبنا وضياع أهدافنا . ويكفي حزبنا ما عانى من تشتت بعد فقده لقائده الراحل العظيم لنين حيث استغل الانتهازيون فرصة مرضه ثم موته ليوقعوا الحزب في البلبلة . وإذا كان الحزب قد ضحى ببعض قياداته وهي قيادات انتهازية فإن ذلك قد زاده قوة ومناعة وخصوصا وإن قيادته الحالية قد توفر لها العقل الحكيم المدبر والمقدرة التنظيمية الفذة والإرادة الفولاذية .
ستالين : لهذا كانت قضية تخلص الحزب من عناصر المعارضة قضية مركزية أيها الرفاق لتوفير الفرص العملية للحزب لبلوغ أهداف الثورة البلشفية . وأنا أعاهدكم من موقعي على رأس السلطة أن أبذل غاية جهدي لخدمة شعبنا السوفيتي وحزبه البلشفي المجيد .. الحزب الوحيد الذي يمثل كافة أبناء الشعب تمثيلا حقيقيا . فحياتي فداء للشعب والاشتراكية , وأعاهدكم على أن أقتدي بالراحل العظيم لنين مؤسس حزبنا وأن أتخذ سيرته وآراءه وأفكاره هاديا لي . كما أنني أعاهده أمامكم على أن أحافظ على وحدة الحزب وأن أصونها كما أصون حدقة عيني . وأعاهده على أن أدعم دكتاتورية الطبقة العاملة وأن أقوي بكل ما في وسعي تحالف العمال والفلاحين . وأعاهده على أن أمتّن عرى وحدة الجمهوريات السوفيتية وأن أكون مخلصا لمبادئ الشيوعية العالمية وأن أساند وحدة الشغيلة في العالم أجمع 0 وسأعمل على تحقيق حلم الإنسان الخالد بإرساء نظام عالمي يسوده السلام والطمأنينة والكرامة ويتحرر فيه الإنسان من الجوع والقهر والخوف من المستقبل .
( ينهض أفراد الجوقة وقد تركز عليهم ضوء ساطع )
الجوقة الرجالية : ما مصير الوعود التي قطعتها لشعبك يا ستالين ؟
وأي منها لمسه على أرض الواقع ؟
لم ينبثق من وعودك
سوى العيش الشظف لكل أبناء الشعب السوفيتي
وكان عليهم أن يشدوا الأحزمة على البطون
وأن يكدحوا ليلا ونهارا
ويحلموا بالجنة الموعودة على الأرض .
دون أن يعترضوا على شيء
الجوقة النسوية : ومن يجسر أن يقول لا لستالين ؟
الجوقة الرجالية : وصحيح أنك حافظت على وحدة بلدك يا ستالين
وصحيح أنك صنت الثورة الاشتراكية
ولكنك أخضعت الشعب لحكم إرهابي ساحق
وتربعت فوق هرم السلطة
وشهد حكمك
الأوتوقراطية بكل تسلطها
والبيروقراطية بكل مفاسدها
الجوقة النسوية : ومن يجسر أن يقول لا لستالين ؟
الجوقة الرجالية : من يقول لك لا يا ستالين يختفي من الوجود
وهكذا قتل الآلاف ممن قال لا
لسياستك العسكرية الحمقاء
التي وثقت بعهود النازية
فكلفت البلاد عشرين مليون مواطن
وأحالت مدنه إلى أرض يباب
الجوقة النسوية : ومن يجسر أن يقول لا لستالين ؟
الجوقة الرجالية : من يقول لك لا يا ستالين
مصيره النفي في معسكرات الكولاج
التي احتضنت الألوف من الأحرار
والتي ذاق فيها المعتقلون عذابا مريرا
الجوقة النسوية : ومن يجسر أن يقول لا لستالين ؟
الجوقة الرجالية : لا أحد يجسر أن يقول لك لا يا ستالين .
فقد أحلت قادة الحزب

إلى دمى بين يديك
وسحقت الرفاق المعارضين
وحوّلت نظام الحزب الواحد
إلى نظام الحاكم الواحد
الجوقة النسوية : ومن يجسر أن يقول لا لستالين ؟
الجوقة الرجالية : لا أحد يجسر أن يقول لك لا يا ستالين
لأنك نصبت نفسك نصف إله على الأرض
وأرسيت في بلدك سياسة عبادة الفرد
فالأطفال ينشدون لك قائلين:
"أنت يا معلمنا كالشمس المشرقة
التي تفتح عيوننا على السماء والأرض
أنر لنا يا شمسنا وأشرق في نوافذنا
فنحن نرى فيك سر الحياة"
والشعراء يتغنون بك قائلين:
"يا ستالين العظيم يا قائد الشعب
أنت الذي أنرت الأرض
أنت الذي أتحت للربيع أن يزهر
أنت الذي تجعل الموسيقى تصدح
أنت الشمس المنعكسة من ملايين القلوب "
الجوقة النسوية : ومن يجسر أن يقول لا لستالين ؟
الجوقة الجماعية : فأنت وأمثالك يا ستالين
مسؤولون عن انهيار حلم الإنسان
في بناء مجتمع الاشتراكية السعيد
وتحقيق مقولة "الإنسان أثمن رأسمال على الأرض"
لأنكم استثمرتم الأفكار النبيلة لمصالحكم الأنانية
وفسرتموها بعقولكم الجامدة
فحرفتموها عن نهجها الصحيح
فبئس ما فعلتم .. بئس ما فعلتم
(يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم الرئيس يحيط به رفاقه)
الرفيق الثالث : لقد أثبتنا أيها الرئيس القائد للعالم أجمع أن نظامنا نظام ديمقراطي مئة بالمئة كما يشيع عنا خصومنا , وإن نتائج الاستفتاء حول منصب رئيس الدولة قد أثمرت نتائج باهرة .
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع إنها نتائج لا يحلم بها رئيس دولة في العالم أيها الرئيس القائد . لقد صوت الشعب إلى جانبك بنسبة تسع وتسعين في المئة من يحلم بنيل مثل هذه الثقة من شعبه ؟
الرئيس : (وهو يهز رأسه بخيلاء) لقد استفتينا الشعب وقال الشعب كلمته وأخرس بذلك تخرصات المخربين .
الرفيق الثالث : (بحماس) صار الشعب مشغوفا بك أيها الرئيس القائد .
الرفيق الأول : إن الاحتكام إلى الشعب أمر ضروري وواجب علينا .
الرفيق الثالث : أنا لست مبالغا أيها الرئيس القائد إن قلت أن الحزب اليوم يستمد شعبيته من شعبيتك ودعمه من حب الشعب لك .
الرفيق الأول : لم يكن رفيقنا القائد إلا معبرا عن الحزب في أفعاله وأقواله .
الرئيس : (بلهجة متعالية ) لكن الاستفتاء لم يكن على أساس حزبي واستند إلى جدارتي الشخصية .
الرفيق الثاني : هذا صحيح جدا أيها الرئيس القائد0 ولذلك فأنت اليوم تحمل مسؤولية أعظم وأشمل من المسؤولية الحزبية بعد أن اختارك الشعب رئيسا له بهذه الأغلبية المطلقة .
الرئيس : لقد قمنا بهذا الاستفتاء حتى نفضح من يزعمون أنهم معارضة وطنية مخلصة . وفي اعتقادنا أنه لن يجسر أحد منهم بعد الآن على التشكيك بزعامتنا . لقد أوضح الشعب أنه يقدر قيادتنا حق قدرها .
الرفيق الأول : كان الاستفتاء خطوة في الطريق الصحيح أيها الرفيق القائد0 فحزبنا يتخذ الديمقراطية مبدأ له وكلمة الشعب هي الكلمة الفصل أولا وآخرا .
الرئيس : (بلهجته المتعالية ) ولكن يؤسفني أن أقول لكم إن الحزب كان مقصرا في الإعداد لهذا الاستفتاء .
الرفيق الثالث : (في حماس) كنا واثقين بفوزك فوزا مبينا أيها الرئيس القائد . لقد كانت شعبيتك واضحة للعيان . وكان تفقدك للبيوت في الأحياء الشعبية وزياراتك المتكررة للمزارع والمصانع والمدارس والمستشفيات مصدر بهجة عظيمة لأفراد الشعب . (وهو يضحك) ومع ذلك فلسنا سذج بحيث نترك قضية هامة كهذه للظروف أيها الرئيس القائد . وقد جنّدنا قواعد الحزب لأداء المهام الموكولة إليهم بكل الطرق الممكنة .
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع إن الجهاز الحزبي كان مقصرا تجاهك أيها الرئيس القائد . لكن مبعث تقصيره تواضعك وزهدك في الدعاية .
الرئيس : أنا كما تعلمون لا أحب الدعاية ولا أستسيغها ولكن الشعب هو الذي يطلبها .
الرفيق الثالث : أنت صرت رمز الحزب والثورة والبلاد أيها الرئيس القائد فلسنا معذورين بعد اليوم في التقصير في واجباتنا نحوك . وسنبدأ منذ غد برنامجنا الجديد فتعم البلاد احتفالات شعبية ورسمية ضخمة ابتهاجا بانتخابك رئيسا مطلقا للشعب .
الرفيق الثاني : من الآن فصاعدا يتوجب على الجهاز الحزبي أن يقوم بكل المبادرات التي تجعل الشعب يزداد تعلقا بزعيمه .
( يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم رمسيس الثاني وإلى جواره وزيره أمنحتب)
رمسيس الثاني : ها قد تم لنا النصر على مناوئينا وسحق المعارضين لسلطتنا يا أمنحتب0 .
أمنحتب : إنه انتصار رائع يا مولاي وسيظل التاريخ يذكر معركة قادش كأعظم معاركه المجيدة . لقد سحق فيها المناوئون سحقا تاما وجرت دماؤهم مجرى الأنهار .
رمسيس الثاني : لقد فقدنا عددا كبيرا من أفراد جيشنا يا أمنحتب 0لكن إعلاء آمون رع يتطلب القيام بمثل هذه الحملات العسكرية التي تذكر المناوئين بهيبة دولتنا .
أمنحتب : بالطبع يا مولاي فأنت حامي حمى الدين0 ويجب أن يلقّن الأعداء دائما دروسا بليغة حتى لا ينسوا عظمة دولتك ولكي يعبد آمون رع في كل بقاع الأرض 0 وما أنت يا مولاي سوى تجسيد لآمون رع .
رمسيس الثاني : لقد كنت أحلم منذ صباي يا أمنحتب ببسط سلطتي على المعمورة كلها ليحل سلام شامل في الأرض ولكي يعبد آمون رع في كل مكان وتتوفر الطمأنينة والعدالة لكل الناس .
أمنحتب : نعم يا مولاي00 سيعم السلام الشامل العالم بأجمعه ولن يعلو إله فوق آمون رع ولن يخرج فرد على حكم فرعون مصر الأكبر .
رمسيس الثاني:(مفكرا )علينا أن نوفي معركة قادش حقها من التكريم يا أمنحتب .
أمنحتب : وقد فعلنا ذلك يا مولاي فأقمنا الاحتفالات في طول البلاد وعرضها ورقص فيها الشعب وهو يهزج باسمك ويطوف بتماثيلك في كل بقاع وادي النيل .
رمسيس الثاني : علينا أن نخلّد هذه المناسبة العظيمة يا أمنحتب لكي يدرك من يأتي بعدنا أهميتها .
أمنحتب : نعم لا بد أن نخلدها من أجل التاريخ يا مولاي . ( يطرق لحظة مفكرا ثم يهتف فجأة) سنقيم يا مولاي تماثيل جديدة لك في كل مدن وادي النيل تخليدا لهذه المناسبة .
رمسيس الثاني : (مبتسما) ولكنك تعلم أن تماثيلي تملأ مدن وادي النيل يا أمنحتب وليس هذا الأمر بجديد .
أمنحتب : لكن تماثيلك الحالية صغيرة الحجم ولا تليق بهذه المناسبة العظيمة يا مولاي0 وإن شعبك يطالب بتماثيل أضخم . و سنجعل تماثيلك الجديدة بطول عشرة أمتار يا مولاي0 وهذا حجم لم يسبق أن بلغه أحد قبلك من الفراعنة يا مولاي .
رمسيس الثاني : (مفكرا) الفكرة معقولة يا أمنحتب . (وهو يهز رأسه ) لكنها مع ذلك ليست كافية لتخليد هذا الحدث العظيم .
أمنحتب : (يستغرق في التفكير وقتا ثم يهتف فرحا ) أبشر يا مولاي .. سنقيم مسلة ندوّن فيه أخبار معركة قادش وجميع انتصاراتك ومآثرك .
رمسيس الثاني : (مفكرا) مسلة؟! (ببطء) الفكرة تبدو معقولة يا أمنحتب . (وهو يهز رأسه) مسلة تدوّن فيها كل أمجادي وانتصاراتي . (يبدو على وجهه تفكير عميق وهو يهز رأسه ) ومع ذلك فأنا ما أزال أعتقد يا أمنحتب أن مثل هذه المسلة وحدها لن تكون كافية لتخليد هذه المناسبة العظيمة .
(يسود الصمت دقائق ويبدو التفكير على وجه رمسيس الثاني ووزيره . يرفع رمسيس الثاني رأسه فجأة ويهتف متهلل الوجه ) وجدتها يا أمنحتب .. وجدت ما سيخلد معركة قادش .
أمنحتب : وما هو يا مولاي ؟
رمسيس الثاني : (وهو يهز رأسه في رضى ) معبد .
أمنحتب : (والحيرة بادية على وجهه) معبد يا مولاي ؟ ولكن المعابد التي يعبد فيها الإله حوريس تفترش البلاد من أقصاها إلى أقصاها والتي امتلأت جدرانها بأخبار فتوحاتك ومآثرك .
رمسيس الثاني : (وهو يهز رأسه ) لا يا أمنحتب .. سيكون معبدا من نوع خاص لا كبقية المعابد .
أمنحتب : (وهو في حيرته ) وكيف سيختلف عن غيره من المعابد يا مولاي ؟! هل سنجعله أضخم معبد في الأرض ؟ هذا أمر سهل على أية حال فلدينا آلاف الأسرى من معركة قادش وسنجند آلافا أخرى من المواطنين للعمل في تشييد هذا المعبد ليلا ونهارا .
رمسيس الثاني : لا يا أمنحتب .. ليس المهم ضخامة المعبد 0 يجب أن يكون معبدا من نوع فريد . وسنأمر مهندسينا أن يستخدموا فنهم في بنائه بحيث تسقط خيوط الشمس من كوة على تمثالنا في ساعات الصباح الأولى من اليوم الذي انتصرنا فيه في معركة قادش , ولن يحدث ذلك إلا في هذا اليوم فقط . وهكذا سنخلد انتصارنا في معركة قادش ونخلد ذكرنا في التاريخ .
أمنحتب : (يهتف بإكبار ) بوركت يا مولاي ولتسبّح الكائنات كلها بعظمتك .
(يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم الرئيس يحيط به رفاقه . تتصدر المسرح صورة كبيرة له ) .
الرئيس : (وهو يتأمل الصورة ويهز رأسه ) إنها صورة جيدة .
الرفيق الثاني : (بإعجاب) في الحقيقة والواقع إنها أفضل صورة رسمت لك حتى الآن أيها الرئيس القائد .
الرفيق الثالث : (بحماس) سبحان الخالق الناطق ! إنها تكاد تنطق أيها الرئيس القائد.
الرفيق الأول : لا عجب في أن يعد رسامها من بين أفضل رسامي البلاد .
الرفيق الثالث : (للرئيس) ولذلك تعاقدنا معه أيها الرئيس القائد على رسم عدة صور لك بأحجام مختلفة لتوزيعها على أقاليم البلاد .
الرفيق الثاني : يجب أن يكافأ مكافأة سخية .
الرئيس : (وهو يهز رأسه ) ينبغي تشجيع أمثال هؤلاء الفنانين فعلا0 فقد أصبحوا ناطقين باسم السلطة بصورة عملية .
الرفيق الثالث : (للرئيس) لقد أخذ مسؤولو الأقاليم يتنافسون في طلب صور أكبر لك أيها الرئيس القائد . وقد تلقينا طلبات من بعضهم بصور ذات ارتفاع عشرة أمتار لنصبها في مداخل المدن .
الرفيق الثاني : في الحقيقة الواقع إنهم يستجيبون في طلباتهم لضغوط الجماهير . (للرفيق الثالث) ولكن لدينا نحاتون بارعون أيضا أيها الرفيق وكان يجب أن يكلفوا بصنع تماثيل للرئيس القائد . فكلما كثرت صور القائد وتماثيله في الميادين والساحات العامة ازداد حب الشعب له وتعلقهم به .
الرئيس :(وهو يضحك ضحكة متعالية) وهل أنا أقل شأنا من يوليوس قيصر؟! لقد كانت تماثيله تملأ روما0
الرفيق الثالث : لقد تعاقدنا مع أولئك النحاتين فعلا لصنع تماثيل للرئيس القائد لتوزيعها على العاصمة والمدن الإقليمية .
الرفيق الثاني : من المعروف أن الدول المتقدمة تعنى عناية خاصة بإقامة التماثيل لقادتها . ومن مفاخر بلدنا أن أصبح لها قائد تاريخي عظيم .
الرئيس : (وهو يهز رأسه ) هذا صحيح , فساحات وميادين الدول الراقية مزينة بتماثيل قادتها ورجالها العظماء .
الرفيق الثاني :في الحقيقة والواقع أيها الرئيس القائد أنك لم تعد القائد العظيم لبلدنا فحسب بل غدوت شخصية عالمية بارزة بما تسهم به من نشاطات ذات أثر ملموس في السياسة الدولية .
الرئيس : (وهو يهز رأسه ) أضحى العالم اليوم عالما واحدا أو كما يقال قرية واحدة0 وينبغي ألا يقتصر نشاط القائد السياسي على بلده فقط .
الرفيق الثالث : (بحماس) فعلا . لقد أصبحت أيها الرئيس القائد أحد قادة العالم البارزين 0والدليل على ذلك أن صحفيي العالم يتوافدون على بلادنا لعقد المقابلات معكم واستطلاع رأيكم في مشاكل العالم والشؤون الدولية . كما أصدر البعض منهم كتبا قيمة عن حياتكم0 وإن الآراء الحصيفة التي ترد في مؤلفاتكم أصبحت مناراً لمفكري العالم . وإن صحفا عالمية بارزة تشيد بكم دائما0
الرئيس : (وهو يهز رأسه) نحن نحاول الإسهام في حل المعضلات الدولية قدر استطاعتنا . وفي اعتقادنا أن الاهتمام بمشاكل العالم والإسهام في إنقاذه من الفوضى والبؤس والمظالم مهم قدر الاهتمام بمشاكلنا .
الرفيق الثاني : لذلك صار لزاما علينا أيها الرئيس القائد أن نبذل عناية أكبر بعاصمتنا فنشيد فيها البنايات الفخمة والصروح الضخمة .
الرئيس : (وهو يهز رأسه) هذه قضية تشغل بالنا بالفعل .
الرفيق الأول : ولكن لا تنسوا أيها الرفاق أننا في حاجة للأموال لتنفق في وجوه أخرى تمس صميم حياة الشعب .
الرئيس : (وهو يهز رأسه) لكل مرفق أهميته الخاصة أيها الرفيق .
الرفيق الثاني : نحن بحاجة كذلك إلى بناء مقر جديد للرئاسة يليق بالمكانة الجديدة لدولتنا .
الرئيس : (وهو يهز رأسه ) إنني أشعر فعلا أن مقر الرئاسة الحالي لم يعد لائقا باستقبال رؤساء الدول الأجنبية .
الرفيق الثالث : ( لزميله بحماس) ونحن بحاجة أيضا إلى بناء قصر جديد لإقامة الرئيس أيها الرفاق , فالقصر الحالي صار قديما وغير لائق .
الرفيق الثاني : بل هناك حاجة لبناء قصور جديدة لهذا الغرض لا قصر واحد . (ملتفتا إلى الرئيس) وفي الحقيقة والواقع أيها الرئيس القائد إننا نخشى مفاتحتك بذلك لأننا نعلم أن تواضعك يقف عقبة دائما أمام مثل هذه الاقتراحات .
الرئيس : (وهو يضحك ضحكة فاترة) أظن أنني لا أستطيع أن أعارضكم في هذا الاقتراح لأن القصر الحالي لم يعد يفي بالاحتياجات الجديدة فعلا. (وهو يهز رأسه مفكرا) وإن كنا بحاجة إلى الأموال لإنفاقها على أمور أخرى .
الرفيق الثالث : (بحماس) وهل مثل تلك الأمور أكثر أهمية من ذلك أيها الرئيس القائد؟
الرئيس : أنتم تعلمون أننا مضطرون للاهتمام بالجيش في ظروفنا الحاضرة ,وهذا يتطلب نفقات كثيرة على التسليح لأن السلاح يكلف تكاليف باهظة. وأية دولة محترمة مسؤولة عن الاهتمام بجيشها وتسليحه على أفضل الوجوه .
الرفيق الثالث : طبعا أيها الرئيس القائد0 فدولتنا صارت دولة مهمة وهي بحاجة إلى جيش قويّ مهاب .
الرفيق الأول : إن إنفاق الأموال على السلاح غير الضروري أيها الرفاق إهدار لأموال الدولة التي نحن في أمس الحاجة إليها .
الرئيس : (للرفيق الأول بلهجة صارمة) ينبغي لك أن تدرك أن الدول لا تفهم سوى منطق القوى . وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها الدولة أن تفرض هيبتها وتحافظ على كرامتها وعزتها . ومن لا يفهم هذا المنطق يعرض دولته للهوان . والقويّ قادر دائما على فرض إرادته على الآخرين. أما الضعيف فليس أمامه سوى الركوع . ولو راجعت على التاريخ لوجدت أن الزعماء العظماء قد فرضوا هيبة دولهم باستيعابهم لهذا المنطق والاستعانة به , وبما حققوه من انتصارات عسكرية على خصومهم . وينبغي لنا نحن أيضا أن نستوعب هذا المنطق . فالانتصارات العسكرية هي التي تحقق المجد للأمة وقادتها على مر التاريخ .
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع أن مصالح بلادنا أصبحت أمانة بين أيديكم أيها الرئيس القائد وهي أمانة تاريخية لا مجال للمناورة فيها . وقد اختارتك العناية الإلهية قائدا تاريخيا لشعبنا وصرت مسؤولا عن المحافظة على مصالحه بالطرق التي ترتئيها بحصافتكم المعهودة .
الرفيق الثالث : (بحماس) سر أيها القائد التاريخي والحزب والشعب بأجمعه من ورائك .
(يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم الإسكندر المقدوني بملابسه العسكرية وحوله رفاقه )
الإسكندر : أنت تعلم جيدا يا فيلوتاس أنني لا أستطيع أن أتوقف عن الحرب وأن مهمتي لم تنته بعد . فأنا مسؤول أن أوحّد العالم .
فيلوتاس : ولكن ليس ذلك ما تنبأت لك به كاهنة معبد دلفي يا إسكندر . وأنا أتذكر جيدا ما قالته تلك الكاهنة .. لقد كنت حاضرا قولها , فهل نسيت؟ قالت إن إسكندر سيوحّد اليونان كلها وسيدحر الفرس . قالت إنك ستكون أعظم من أبيك فيليب توفيقا في حكم اليونان ودحر الفرس الغزاة . لكنها لم تقل أنك ستوحّد العالم كله تحت حكمك . ولقد حققت لنفسك مجدا عسكريا عظيما بالفعل وتفوّقت على أبيك فيما كسبت من انتصارات.
الإسكندر : (وهو يهز رأسه في عناد) لكنني لم أنجز مهمتي بعد . وإن تحرير العالم من الاستبداد الشرقي هو من مهمتي . (وهو يحدق في فيلوتاس وقد بدا على وجهه غضب مكبوت) وأنا أعلم غرضك من أقوالك التي ترددها يا فيلوتاس . فأنت لم تعد صديق الطفولة الصدوق .. وكأنك تجهل حلم صباي وشبابي .
فيلوتاس : بل أعرف ذلك الحلم حق المعرفة يا إسكندر وكنت شاهدا عليه . لكنك لم تعد تجري وراء ذلك الحلم .. أنت لم تعد إسكندر الذي أعرفه .. إسكندر الذي يحلم بإشاعة العدل والسلام في الأرض . لقد صارت الحرب غاية بالنسبة لك وليست وسيلة وأضحى همك أن تشيء أعظم إمبراطورية في التاريخ .
الإسكندر : ها أنت ذا قد قلتها بلسانك يا فيلوتاس .. كان حلمي دائما إشاعة العدل في الأرض . وعن طريق هذه الإمبراطورية سأحقق غايتي هذه . لقد تشربت بحب العدل وسأحارب من أجل أن يسود العدل في كل بقاع الأرض لأخلص البشرية من العذابات والمظالم .. هذا هو طموحي وهذه هي سعادتي , وما الحرب سوى وسيلة لذلك . وسأقضى على الاستبداد الشرقي والظلم وأنشر حضارتنا الراقية في العالم كله .
هيفستيون : لقد تعب الجنود يا إسكندر فهم يحاربون منذ عشر سنوات وهم يتوقون إلى السلام . وقد قضيت على استبداد الأكاسرة الفرس واحتفظت بأم دارا وزوجته 0 فماذا تطمع بأكثر من ذلك يا إسكندر ؟ لماذا لا نعود إلى بلادنا ؟ إن اليونان في حاجة إليك يا إسكندر .. إن الحكم فيها قد انفرط وسادت فيها الفوضى .
الإسكندر : (وهو يهز رأسه بعناد ) كلا يا هفستيون .. كلا . أنا لا أستطيع التخلي عن مهمتي .
هيفستيون : لقد قتل عدد كبير من جنودنا يا إسكندر واستشرى بينهم التمرد0 وإنهم ليرفضون التقدم في الفيافي الواقعة شرقي الهند 0إنهم تواقون للعودة إلى وطنهم وإلى بيوتهم وزوجاتهم وأبنائهم .. كما أنهم غاضبون لأنك تقرب الفرس دونهم والذين يتغنون على موائدك قائلين: "الغرب سيء والأحسن منه الشرق " .
الإسكندر : (وهو يهز رأسه بعناد) إن مهمتي لم تنته بعد , وما تصورات البعض سوى حجج موهومة .
فيلوتاس : لقد كدنا نفقد سيطرتنا على جنودنا يا إسكندر ومن الحكمة الاستجابة لرغبتهم .
الإسكندر : (وهو يرمق فيلوتاس بحدة )أنتم لم تعودوا مخلصين لقائدكم .. أنا أعلم كل شيء مما يدور حولي . ( يثبت أنظاره الغاضبة في وجه فيلوتاس )
فيلوتاس : (بلهجة مترفعة ) ماذا تقصد بكلامك هذا يا إسكندر ؟
الإسكندر : أنت تفهم جيدا ماذا أقصد يا فيلوتاس 0إن الأخبار تبلغني أولا بأول .
بطليموس : (برفق) ليس كل ما ينقل إليك صحيحا يا إسكندر . هناك من يحاول الإيقاع بينك وبين قادتك المخلصين .
الإسكندر : (وهو يهز رأسه بشدة ويحدق في وجه فيلوتوس) لديّ وثائق تثبت ما أقول يا بطليموس .. إن البعض أخذ يذيع بين جنودي بأنني أصبحت طاغية وأنني لا أختلف عن ملوك الشرق المستبدين .. بل هناك من يخطط مؤامرة لاغتيالي .
بطليموس : (باستنكار) ومن يجسر على اغتيال أعظم ملوك المقدونيين واليونانيين قاطبة يا إسكندر؟
الإسكندر : أشخاص طامعون في ملكي يا بطليموس وقد أسكرهم النفوذ الذي منحتهم إياه في قيادة جيوشي .
(يرمق فيلوتاس بنظرات حادة )
هيفستيون : لا تستسلم للظنون يا إسكندر . صحيح أن عددا قليلا من ضباط جيشك يعارضون سياسيتك ..
الإسكندر : (مقاطعا في غضب ) ومن ذلك الذي يعارض سياستي يا هيفستيون ؟ من هذا الذي لديه القدرة لأن يفعل ذلك ؟
فيلوتاس : لكنك إنسان يا إسكندر ولست إلها .. وقد تخطيء شأنك شأن أي إنسان آخر .
الإسكندر : (باعتداد وشموخ ) إنني أستمد حكمتي من الفلاسفة ومن الآلهة دائما ولذلك لا أخطئ في أحكامي .
هيفستيون : أنت تعلم أن قادتك لا يبتغون سوى مصلحتك يا إسكندر .
الإسكندر : (وهو يهز رأسه بغضب ) كانوا كذلك يوم لم يكن هناك طمع في الصدور يا هيفستيون . أما اليوم فقد اختلف الأمر .
فيلوتاس : وهل نحن طامعون في إمبراطوريتك يا إسكندر ؟ هل بلغ بك سوء الظن بأخلص أصدقائك على اتهامهم بمثل ذلك ؟
الإسكندر : (وهو يحدق في وجهه بنظرات نارية) إن ما يبلغني من أقوال عنك يا فيلوتاس لأشد هولا مما يمكن أن ينطقه لساني .
فيلوتاس : (باحتقار مبطن) ما كنت لأتخيل يوما أنك تتجسس على أقرب وأخلص الناس إليك يا إسكندر .
الإسكندر : ( في غضب) وهل أقرب وأخلص الناس إليّ من يشيع عن صديقه بأنه صار الجبار المستبد ؟ هل الصديق هو الذي يطلق على صديقه لقب "الطاغية"؟
فيلوتاس : (مترددا) لكنك غدوت كذلك فعلا يا إسكندر . وأنا أبتغي إنقاذ صديق الطفولة من هذا المصير لأنني رفيق أحلامه وأعرف طيبة قلبه .. نعم أنا أعترف أنني قلت عنك ذلك لأنك أشبهت في طريقة حكمك ملوك الشرق المستبدين .. وانقلبت طاغية جبارا مستبدا .
الإسكندر : وكيف يمكنني أن أحكم هذه الإمبراطورية الشاسعة بدون قبضة قوية تسميها أنت مستبدة ؟
فيلوتاس : ما كان هذا هدفك يا إسكندر 0 كان هدفك أن تنشر العدل والسلام في الأرض .
الإسكندر : وما زلت كذلك . أنا اليوم طاغية جبار لأنني يجب أن أكون كذلك .. لأن هذه الإمبراطورية لا يمكن أن تحكم إلا بقبضة حديدية . ولكن هدفي هو إنشاء دولة عالمية يسودها العدل والسلام . وإن العناية الإلهية قد اختارتني لإنقاذ شعوب آسيا من حكم الطغاة .. هذا هو هدفي . وإنني مستعد من أجل هذا الهدف النبيل أن أكون ما أكون .
فيلوتاس : فإذن أنا لم أتقوّل عليك يا إسكندر . وها أنت ذا تعترف بنفسك بصحة أقوالي .
الإسكندر : نعم ربما أنت لم تتقوّل عليّ لكنك تجاهلت أن هذا ما يجب عليّ أن أكونه وأن هذا ما علمنا إياه معلمنا الكبير أرسطو . ألم يكن يقول لنا إن الملك الحق هو إله بين رعاياه لا يتقيد بقانون شأنه شأن زيوس لأنه هو نفسه القانون ؟
فيلوتوس : لكنه كان يقول لنا أيضا أن على الملك أن يكون عادلا وأنت صرت ظالما يا إسكندر .
الإسكندر : (يصمت لحظة محاولا التحكم في غضبه ) يجب أن تفهم يا فيلوتاس أنني لا أسمح حتى لمن هو صديق الطفولة ولمن هو أقرب الأصدقاء إليّ أن يعارضني ويتقوّل علي .. لا أسمح لأحد أن يخطط المؤامرات ضدي (وهو يرمقه بنظرات شرسة ) وإنني سأطلب من المجلس العسكري محاكمتك يا فيلوتاس .. وعليك أن تعتذر عن كل كلمة سيّئة قلتها في حقي وإلا كان مصيرك الموت .
فيلوتاس : (يظل صامتا للحظات وقد بدا على وجهه الكبرياء ) إعلم أنني لن أفعل ذلك مهما تكن النتائج يا إسكندر .
الإسكندر : فأنت إذن رسمت لنفسك نهايتك يا فيلوتاس .
هيفستيون : (برفق) لا تستسلم للغضب يا إسكندر .
الإسكندر : (وهو يرمق فيلوتاس بنظرات حادة ) إن مصير من يخون قائده ويتآمر عليه معروف يا هيفستيون وهو وحده الذي يتحمل وزر خيانته (ينادي بأعلى صوته ) أيها الحارس (يدخل أحد الجنود فيشير الإسكندر إلى فيلوتاس) خذه إلى السجن في انتظار محاكمته . (يسحب الجندي فيلوتاس إلى الخارج) .
بطليموس : (برفق) إنه صديقك يا إسكندر وهو قائد فرقة الرفقاء .. ولعلك غاضب عليه الآن وستعيد التفكير في أمر محاكمته .
الإسكندر : لم يتعود الإسكندر أن يعيد النظر في قرار يتخذه 0فما كان لمثلي أن يخطئ في قراراته . (وهو ينقل أنظاره بين هيفتيون وبطليموس) فليغادرني الجميع .
(يخرج هيفيستيون وبطليموس)
الإسكندر : (يطرق واجما وقد كسا وجهه الحزن ).
(ينهض أفراد الجوقة ويسلط نور ساطع عليهم )
الجوقة الرجالية : ما كان أنبل طموحاتك يا إسكندر .
وما أقل ما حققت منها ومن أجل تلك الطموحات
ما أكثر ما أحزنت من أناس
وما أكثر ما فرّقت من أحباب
وما أكثر ما أرقت من دماء
الجوقة النسوية : فأي حاكم عادل أنت ؟
وأي مخلص للبشرية من عذاباتها أنت ؟
الجوقة الرجالية : لقد كان قلبك الفتيّ طموحا للخير
وكنت تواقا في البداية إلى إشاعة العدل
وإلى بسط السلام العادل على الأرض
لكنك خضت من أجل ذلك حروبا
كان لها بداية ولم يبد لها نهاية
وتحوّل هدفك في القضاء على النفوذ الفارسي
إلى رغبة في بسط سلطتك حتى أطراف الأرض
ولم تنته حربك إلا بموتك
بعد أن راح ضحيتها آلاف الأبرياء
الجوقة النسوية : فأي حاكم عادل أنت ؟
وأي مخلص للبشرية من عذاباتها أنت ؟
الجوقة الرجالية : ولقد كنت تطمح أولا
إلى دولة تتوحد فيها الشعوب
لا فرق فيها بين سيد ومسود
فأشركت أبناء البلدان المفتوحة في الحكم
لكنك انتهيت آخرا إلى بناء امبراطورية شاسعة
يحكمها فرد واحد كلمته هي القانون المطلق
ومن أجل ذلك قتلت أحب الأصدقاء إليك
لأنهم اعترضوا على جبروتك
قتلت فيلوتاس صديق الطفولة
وقتلت أباه بارمنيون قائد جيشك
وقتلت كلايتوس خادمك الأمين ومنقذك من الموت
الجوقة النسوية : فأي حاكم عادل أنت ؟
وأي مخلص للبشرية من عذاباتها أنت ؟
الجوقة الرجالية : لقد بتّ تعتقد يا إسكندر أنك سليل الآلهة
فأعلن كاهن دلفي
أنك انفصلت عن بني الإنسان
وصرت النصف إله والإله البشري
وأصبحت مقدسا وأنت على قيد الحياة
ويجب أن تقدم القرابين لتماثيلك
وصارت ألقابك قائمة طويلة
لها أول وليس لها آخر
فأنت ملك المقدونيين وعاهل مدن الإغريق
وأنت فرعون مصر وسيد الموانئ الأيونية
وأنت السيد المطلق للمدن الفينيقية
وأنت حامي الكاهن الأعلى ليهودا
وأنت السيد الأكبر لمجوس فارس
وأنت آمر راجات الهند
فهل هناك من مزيد على هذه الألقاب ؟
الجوقة النسوية : فأي حاكم عادل أنت ؟
وأي مخلص للبشرية من عذاباتها أنت ؟
الجوقة الرجالية : وصحيح أنك انتفعت من العلماء في جيشك
وصحيح أنك أنشأت العديد من القنوات
وصحيح أنك أقمت المسارح والساحات الرياضية
وصحيح أنك شيدت الكثير من المدن
ولكنك خربت مدنا أكثر
ومحوت معالم أشهر
الجوقة النسوية : فأي حاكم عادل أنت ؟
وأي مخلص للبشرية من عذاباتها أنت ؟
الجوقة الرجالية : ويقينا أنك حثثت جنودك
على الزواج من الشرقيات
وضربت مثلا بنفسك فتزوجت روكسانا الأفغانية
لكن ضباطك وجنودك المقدونيين
كانوا ينظرون إلى تلك الزوجات
وكأنهن إماء لا يبلغن مرتبة المقدونيات
وبقي اليونانيون هم السادة
وظل الشرقيون هم العبيد
الجوقة النسوية : فأي حاكم عادل أنت ؟
وأي مخلص للبشرية من عذاباتها أنت ؟
الجوقة الجماعية : وهكذا خيبت آمال البشرية فيك يا إسكندر
ولم تكن سوى فرد آخر
من الجبابرة الطغاة
الذي أسكرته السلطة
ولعب بعقله شيطان الحرب
فحلم ببسط سلطته على العالم كله
ومن أجل تحقيق هذا الحلم يا إسكندر
تسببت في هلاك الألوف من الناس
وأشقيت الملايين من البشر
(يخبو النور ثم يتوهج فيظهر على الكرسي الفخم الرئيس بملابس عسكرية يحيط به رفاقه0 المسرح مزين بصور وتماثيل عديدة له )
الرئيس : (بلهجة غاضبة) الجميع يقصرون في واجباتهم .. لا أحد جدير بالاعتماد عليه . هل ينبغي لي أن أتولى جميع الأمور بنفسي ؟ إن قادة الجيش يوحون للشعب وللعالم وكأنني أنا الذي يسيء تدبير الأمور .
الرفيق الثالث : الجميع يعلم أيها الرئيس القائد أن الخطأ هو خطأ قادة الجيش لأنهم لا يلتزمون بتعاليمك حرفيا .
الرئيس : بالضبط . وهكذا تمت هزيمتنا في المعركة الأخيرة . لقد تسبب القائد المسؤول بتصرفه الأحمق خسارة آلاف الضحايا من جنودنا .
الرفيق الثاني : إن مجد الأمة يهون في سبيله كل التضحيات أيها الرئيس القائد فلا تبتئس .
الرئيس : (وهو يهز رأسه غاضبا) إن أمثال هؤلاء القادة الحمقى يتيحون الفرصة للأعداء للتحدث عني بما لا يليق واتهامي بأنني المسؤول عن هزائم جيشنا لأنني لا أمنح الفرصة لقادة الجيش ليتصرفوا حسب درايتهم .. (وهو يطلق ضحكة متهكمة) ليتهم يعلمون كم أعاني من غباء هؤلاء القادة .
الرفيق الثالث : لولا توجيهاتك السديدة لهم أيها الرئيس القائد لهزم جيشنا من زمن بعيد .
الرفيق الأول : لاشك أن جنودنا البواسل يتحلون بالشجاعة دائما وهم ليسوا مسؤولين عن هذه الهزائم .
الرفيق الثاني :بالطبع جنودنا بواسل وهم يستمدون شجاعتهم من شجاعة الرئيس القائد .
الرفيق الثالث : فعلا00 فهم حينما يهجمون على الأعداء يهتفون بصيحة واحدة : "كلنا فداء للقائد" .
الرئيس : (وهو يهز رأسه) بإمكاني أن أخضع العالم بأمثال هؤلاء الجنود لولا حماقة قادة الجيش وتدني كفاءتهم .
الرفيق الثالث : إن الأعداء أيها الرئيس القائد هم الذين يبالغون في هزائمنا الأخيرة . ومن المؤكد أن النصر الحاسم سيكون حليفنا في النهاية .
الرفيق الأول : من الخير لنا ألا نتغاضى عن الواقع ونهوّن من خطورة هزائمنا الأخيرة أيها الرفاق0 فهي قد أضعفت معنويات جنودنا كما أجمعت تقارير الخبراء العسكريين الأجانب .
الرئيس : ( للرفيق الأول بتهكم قاس) وكيف عرفت ذلك ؟ هل بدأت توجه اهتماماتك إلى تتبع تخرصات الدول المعادية ؟
الرفيق الأول : (بشيء من الارتباك) لا يا أيها الرفيق القائد ولكن ..
الرئيس : (مقاطعا بسخرية قارصة) يبدو أنك تقوم بذلك فعلا غير معترف بالجهد الذي يبذله صحفيونا في تغطية المعارك بكل دقة وإسهاب .
الرفيق الثالث : (بحماس) إن صحفنا تنشر كل ما يدور على أرض المعركة وهي حافلة بتوجيهات الرئيس القائد0 ونحن في غنى عن أخبار أية مصادر أخرى .
الرئيس : (بسخريته القارصة) لعل رفيقنا لم يعد مقتنعا بتوجيهاتنا وصار يبحث عن توجيهات الأعداء .
(يسود صمت متوتر على الموجودين ويبدو على وجه الرفيق الأول تأثر شديد)
الرفيق الأول : (يرفع رأسه فجأة ويرمق الرئيس بعينين متقدتين) إن القول الذي وجهته إليّ أيها الرفيق ينطوي على معنى خطير , فهل يتوجّب عليّ أن أفهمه بمعناه المبطن أم باعتاره ملاحظة فكهة ؟
الرئيس : (وهو يرشقه بنظرات حادة ويضغط على الحروف ) افهمه كما تشاء .
الرفيق الأول : (يهز رأسه محاولا السيطرة على أعصابه ) هل أصبحت أنا أيضا عرضة للشكوك في وطنيته وإخلاصه للبلاد أيها الرفيق ؟
الرئيس : أي شخص يمكن أن يكون مصدر شكوك في إخلاصه إذا حاد عن الطريق الصحيح .
الرفيق الأول : (بلهجة متحدية) ولكن ليس شخصا مثلي تعرف أنت بالذات أكثر من أي فرد آخر مدى إخلاصه
الرفيق الثاني : (للرفيق الأول بلطف) إن الرئيس القائد لا يشكك في إخلاصك أيها الرفيق وكل ما هنالك أننا يجب ألا نستمع إلى تخرصات الأعداء .
الرفيق الثالث : (في حماس) نحن في غنى عن الاستماع إلى تخرصات الأعداء ولدينا ما يكفينا من زاد من توجيهات الرئيس القائد .
الرئيس : ( للرفيق الأول بلهجته القارصة ) اعلم أن الأخبار تبلغنا أولا بأول وأن كل ما يقال وراءنا معروف لنا .
الرفيق الأول : إذا كنت تلمح أيها الرفيق إلى الآراء التي أعبر عنها بين رفاقي من أعضاء الحزب عن الشؤون التي تخص البلاد فلا أظنك تؤاخذني عليها . فالمفروض أن كل عضو منّا له الحق في التعبير عن آرائه الخاصة في سياسة الحزب وفي قضايا الشعب والبلاد . هكذا تعلّمنا في حزبنا .
الرئيس : (بلهجة متهكمة قاسية ) لا أعتقد أن في تعاليم الحزب ما يشجع على التآمر على قيادته .
الرفيق الأول : (باستنكار) التآمر ؟ ومن الذي يفكر في التآمر ؟ وعلى من يتآمر ؟ على أقرب أصدقائه ؟
الرئيس : (بسخرية قارصة) يبدو أن الناس ينسون صداقاتهم القديمة حينما تحكمهم مصالحهم .
الرفيق الأول : لست ممن ينسون صداقاتهم القديمة أيها الرفيق .. قد يفعل ذلك غيري ولكن لست أنا . واسمح لي أن أذكّرك بأننا كنا رفاق صبا قبل أن نكون رفاق حزب0 وقد ربطت بيننا صلات روحية وفكرية إضافة إلى الصلة العاطفية . ولا يمكن لمثلي أن يتآمر على صديق طفولته .
الرئيس : (بلهجة ساخرة) ليست حالتك أول حالة في التاريخ أيها الرفيق. ولو كنت مخلصا في آرائك التي تذيعها ورائي لصارحتني بها وجها لوجه .
الرفيق الأول : (باستنكار) أو لم أفعل ذلك ؟ هل نسيت نصائحي المتكررة لك ؟ هل نسيتها أيها الرفيق ؟ لكنك أخذت تدير ظهرك لي وتصم أذنيك عن سماعي .
الرئيس : ذلك لأن نصائحك تنطوي على أفكار حمقاء لا تقدّم ولا تؤخر .
الرفيق الأول : ما دمت أيها الرفيق قد فتحت صفحة المكاشفة فاسمح لي أن أقول لك إذن أنك لم تعد تأبه لأي رأي يخالف رأيك وأنني لست الوحيد الذي ضربت بآرائه عرض الحائط .
الرئيس : ذلك لأن أفكاركم تافهة متخاذلة تنبعث من قلة الإدراك . (يحدجه بنظرات شرسة) وكنت أنت على رأس من يسوّق لمثل تلك الأفكار المتخاذلة بين كوادر الحزب لبثّ البلبلة بين صفوفه ولإثارتهم صد قيادته .
الرفيق الأول : (وهو يتأمل الرئيس بنظرات حزينة ) لقد أسأت فهمي أيها الصديق القديم . كان هدفي أن أعيدك إلى الطريق الصحيح قبل فوات الأوان وذلك حرصا مني على مستقبلك ومستقبل البلاد ومحبة مني لصديق قديم .
الرئيس : (بلهجة متهكمة) وهل الصديق القديم من يشيع عن صديقه أنه صار دكتاتورا ؟ ثم أي طريق صحيح ذلك الذي تريد أن تعيدني إليه ؟
الرفيق الأول : (بلهجة قوية) طريق الإيمان بالديمقراطية .. طريق الإيمان بالحريات العامة وبحقوق الشعب وبالعدالة الاجتماعية . وإلا فهل من المعقول أن تعود السجون في عهدنا لتزدحم من جديد بمن يعارضون النهج القائم ويدعون إلى الحريات والعدالة الاجتماعية ؟
الرئيس : (بلهجة حازمة) وكيف يمكنني إذن أن أتصدى لمؤامرات المتصيدين في الماء العكر وأحمي البلاد من أخطارهم ؟
الرفيق الأول : (للرئيس بسخرية مبطنة) وماذا عن الاستجابة لأماني الشعب في الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحق التعبير عن الرأي ؟
الرئيس : (بلهجة ساخرة) وهل تراني قصرت في الاستجابة لأماني الشعب هذه؟
الرفيق الأول : صحيح أنك لم تقصر في ذلك في البداية , لكنك لم تعد كذلك اليوم , (بنبرة رقيقة ) ويتوجّب عليّ أن أصارحك وأكاشفك بالحقائق أيها الصديق لا باعتباري رفيقك في الحزب بل باعتباري صديق طفولتك .
الرئيس : (في سخرية غاضبة) وهل يقال لمن حقق كل هذه المكاسب للشعب وقام بكل هذه الإنجازات للبلاد مثل هذا القول ؟ إن كل نضالي منذ بداية صباي حتى هذا اليوم هو من أجل العدالة الاجتماعية ومن أجل خير الشعب ومصلحة البلاد كما تعلم أنت بالذات . أنسيت كيف كان يعيش أفراد الشعب البسطاء قبل تسلمي السلطة ؟ أتنكر أهمية الإنجازات التي حققها للبلاد ؟ لقد وفرت للشعب كل احتياجاته المادية ووفرت له الأمن والاستقرار .
الرفيق الثالث : (في حماس) وجعلت عاصمتنا تضاهي أرقى عواصم العالم أيها الرئيس القائد .
الرفيق الأول : أنت تعلم أن كل ما أنجزته ليس منّة على الشعب بل هو من صميم مسؤوليات الحاكم تجاهه . فما نحن سوى موظفين مأجورين لخدمة الشعب نقبض مرتباتنا من أجل ذلك .. أم تراك نسيت أقوالك هذه ؟ لكنك سلبت الشعب مقابل ما أنجزته له ما يكفل للإنسان إنسانيته أيها الصديق وهو حرياتهم الأساسية . ولقد علا اللغط بين كوادر الحزب والمواطنين عن الطريقة البيروقراطية التي تدار بها شؤون الحزب والبلاد وعما يجري من تسلط وفساد واستغلال للنفوذ0 وإن بعض رفاقنا الحزبيين صاروا طبقة مرفهة مميزة وكأن نشاطهم السياسي وسيلة لكسب المغانم . وقد صنف أبناء الشعب إلى درجات في المواطنة حسب انتماءاتهم الحزبية والعشائرية والمدينية . فهل هذا هو مصير أحلام عمرنا أيها الصديق ؟
الرئيس : (بسخرية قارصة) لا أعتقد بأنك مخوّل للتحدث باسم الشعب كما لا أعتقد بأن قواعد الحزب تفهم في كيفية إدارة الحزب أكثر من القيادة .
الرفيق الثالث : (في حماس) ليس هناك أحد في قواعد الحزب يشك بحكمة الرئيس القائد سواء في إدارة الحزب أم في إدارة البلاد .
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع أن الجميع مؤمنون بحكمة الرئيس القائد في إدارة الحزب والبلاد وليس هناك أي لغط .
الرفيق الأول : (وهو يتأمل رفيقيه باحتقار ) إن مثل هذه الأقوال التي تصدر عن الطبّالين والزمّارين في حزبنا هي التي أوصلتنا إلى هذه الحال أيها الرفيق (وهو ينظر إلى الرئيس في حزن ) وإن أمثال هؤلاء الطبالين والزمارين هم أعداؤك أيها الصديق القديم .
الرفيق الثالث : (في حدة) أرجوك أيها الرفيق .. لا حق لك في التحدث عن رفاقك بهذا الأسلوب .
الرفيق الثاني : (في احتجاج) ولا داعي لهذه الإهانات أيها الرفيق .
الرئيس : (بلهجة قاسية ) دعوه ينفّس عن حقده .
الرفيق الأول : (مستمرا بلهجته المرة ) أنت تعلم جيدا أنني أقول الحقيقة يا صديقي . فأمثال هؤلاء الرفاق هم الذين حرفوك عن النهج الصحيح .. وهم الذين حوّلوك إلى دكتاتور تنفرد بالسلطة وتتحكم في الحزب والبلاد . فلم يعد هناك حزب ولا قيادة جماعية للحزب . وليس هناك مجلس للوزراء .. هناك فرد واحد كلمته هي القانون المطلق يتخذ القرارات فيوقّع عليها بقية المسؤولين دون مناقشة وكأن من المفروض أن يخضع الجميع لإرادة فرد واحد . (وهو يتأمل رفيقيه باحتقار ) وإن أمثال هؤلاء الرفاق أيضا هم الذين جعلوك تتبنى سياسة عبادة الفرد بأساليبهم الدعائية الخرقاء . ولكن يتوجّب عليّ أن أصارحك يا صديقي أن الشعب قد ملّ سماع التغني بمحامدك ليلا ونهارا0 وتعب من قراءة اسمك على كل مؤسسة ومنشأة 0 وسئم من التطلع إلى صورك التي تصطدم بها أنظاره حيثما تلفت .
الرئيس : (وهو يقهقه بتهكم قارص) كأنك لا تعلم أن الشعب الذي يحبني هو الذي يطلب المزيد من مثل هذه الأمور (وهو يهز رأسه في سخرية) أكشف عن حقيقتك أيها الصديق .. أعلن عما في صدرك من حقد وغل وغيرة . وكنت قبل دقائق تغلف أقوالك بغلاف من الحرص على المصلحة العامة . وكل ما في الأمر أنك عجزت عن أن تحتمل وجود قيادة في الحزب أرجح منك عقلا وأعظم حكمة .
الرفيق الثالث : (بحماس) لا تعلو حكمة على حكمة القائد .. هكذا أثبتت الأيام .
الرفيق الأول : (وهو يرمق الرئيس بلهجة مرة ) فأين الحكمة إذن في زج الشعب في حرب مدمرة فرضت عليه ولا ناقة له فيها ولا جمل ؟ أين الحكمة في التضحية بالألوف من شبان هذا البلد وتعريضهم لكل هذه المعاناة ؟ أين الحكمة في فرض الحزن على كل بيت وكل أسرة ؟ أين الحكمة في بعثرة ثروة البلاد على التدمير والخراب بدلا من إنفاقها على التعمير والبناء ؟ولقد جعلت الناس يغو صون في فقر مدقع نتيجة سياستك هذه مقابل طبقة صغيرة منتفعة من أثرياء الحرب والمقربين 0
الرئيس : (وقد استبد به الغضب ) إن كلامك هذا كلام شخص جاهل لا يدرك بواطن السياسة وضروراتها 00 كما أنه كلام خطير ينطوي على الخيانة العظمى للأمة والوطن . وهو كلام لا يصدر إلا من ذوي العقول المريضة الذين لا يتجاوبون مع طموحات شعوبهم في العزة والكرامة ولا يرغبون في استعادة الأمجاد التاريخية العظمى لأمتهم و هم في الحقيقة أعداء الشعب والوطن, (بغضب ملتهب) وينبغي لك أن تعلم أن الشعب بأجمعه يحبني ويؤيدني في سياستي الداخلية والخارجية ويعلم أنني زعيم المعسكر المعادي للاستعمار كما يعلم أنني أعمل ليلا ونهارا من أجل رعاية مصالحه وإنقاذه من بؤسه وتوفير الرفاهية والكرامة له وتحقيق العدل والاستقرار . وإن ما ذكرته من انتقادات تجاه سياستي ليست معششة إلا في عقلك المريض وفي قلبك الذي ملأه الحقد والغل .
الرفيق الثالث : (في حماس) فعلا أيها الرفيق القائد . الشعب كله وراءك وقد وضع آماله فيك , وإنه ليقدر أعظم التقدير ما تبذله في سبيل خيره وعزته من جهود جبارة . ولا يبخس قدر هذه الجهود إلا الذين في قلوبهم مرض .
الرفيق الأول : (للرئيس) فأنا أتحداك إذن أيها الرفيق أن تسأل الشعب رأيهم الصريح فيك وفي سياستك بعد أن تمنحهم الأمان . سلهم رأيهم إن كنت تجهله حقا لعلك تعود إلى النهج الصحيح .
الرئيس : لست في حاجة لأن أسألهم رأيهم في سياستي أيها الحاقد فهم يعبرون عن هذا الرأي في كل المناسبات ويخرجون في مظاهرات بالألوف تأييدا لي.
الرفيق الأول : ذلك لأنهم يخشون سيف البطش والإرهاب المصلت على رؤوسهم والتهديدات التي تطلق على أسماع غير المؤيدين0 فلقد حوّلهم رجالك إلى دمى عاجزة يشلها الخوف . إن حكم المافيا الذي ثرنا عليه أيها الصديق قد عاد ثانية , وإن إرهاب رجال المخابرات وبطشهم ليكتم أنفاس الجميع . (وهو ينظر إلى جمهور الصالة) هاهم أبناء الشعب أمامك فامنحهم الأمان واسألهم رأيهم الصريح في سياستك ليتكشف لك بأن من يحيط بك من المنافقين والمنتفعين ينقلون إليك صورة مزيفة لا علاقة لها بالواقع .
الرئيس : (بلهجة حادة مخاطبا جمهور الصالة ) يا أبناء الشعب العظيم . أنا أدري بما تفيض به قلوبكم الطيبة من محبة لقائدكم .. القائد الذي بدّلكم من العسر يسرا وأعاد إليكم الكرامة المسلوبة ووفر لكم الاطمئنان والأمن والاستقرار وحقق لكم كل هذه المنجزات . وأنا أمنحكم الأمان وكلمة الشرف لتقولوا رأيكم فيّ وفي سياستي ولتظهروا زيف هذا المدعي الذي ملأ الحقد قلبه .
(هتافات في الصالة "عاش ابن الشعب البار .. عاش زعيمنا العظيم .. عاش القائد التاريخي " – تصفيق حاد ) .
الرئيس : (يلتفت إلى الرفيق الأول وعلى شفتيه بسمة انتصار ) أرأيت يا مدعي الإخلاص للشعب ؟ أرأيت عواطف الشعب تجاه قائده وزعيمه ؟
الرفيق الثالث : (بحماس) الشعب كله جنودك أيها الرئيس القائد .
الرفيق الثاني : في الحقيقة والواقع إن أبناء الشعب وأعضاء الحزب بأجمعهم وراءك أيها الرئيس القائد .
الرفيق الأول : (للدكتاتور بلهجة مرة) كما قلت لك يا صديقي أنت أحلتهم بسيف إرهاب رجالك إلى دمى عاجزة .
الرئيس : (يلتفت إلى جمهور الصالة وقد تملكه الحماس ) قولوا رأيكم بصراحة أيها الإخوة المواطنون ولا تخشوا شيئا فقد منحتكم الأمان وكلمة الشرف.
(يخيم على الصالة صمت مطبق لدقائق )
مشاهد : (يهتف فجأة وهو يتلفت حواليه ) لماذا تخشون مصارحة القائد يا إخوان ؟ لقد منحنا الأمان .
مشاهد : (بعد لحظة بلهجة مترددة) يا قائدنا العظيم .. نحن نعلم بأن قلبك الكبير يفيض بالرحمة والعطف على شعبك .. وأنك تعمل ليلا ونهارا من أجل إسعاده مضحيا براحتك . لكن رجالك أيها القائد ليسوا مثلك . إنهم قساة مستغلون . إنهم يبطشون بشعبك .
مشاهد : نعم أيها القائد .. إذا وقع أحدنا بأيديهم فالويل له .. إنهم يذيقونه العذاب حتى لو كان بريئا لكي ينتزعوا منه اعترافا كاذبا .
مشاهد : إنهم كمموا أفواهنا أيها القائد وصار الواحد منا يخشى أن يعبر عما في نفسه حتى أمام أقرب الناس إليه .
مشاهد : الويل لمن لا يخرج في مظاهرة تأييدا لك أيها القائد .
مشاهدة : أين ابني أيها القائد ؟ إنهم انتزعوه من فراشه في منتصف الليل قبل أشهر ولا أدري أحي هو أم ميت . وهم يحرمون عليّ حتى السؤال عنه .
مشاهد : أحد رجالك سلبني بيتي أيها القائد .. إنه هددني واضطرني إلى بيعه له بثمن بخس وأنا صاغر .
مشاهد : وأنا سلبني أحد رجالك بستاني أيها القائد .. إنه اشتراه مني بسعر التراب بعد أن أنذرني بأن السجن سيكون مصيري لو رفضت .
مشاهد صرنا جوعى أيها القائد وصارت الثروة بين يدي رجالك وأتباعك0
مشاهد : وأبناؤنا أيها القائد .. إلى متى سيظلون يحاربون ؟ ما ذنبهم ليذهبوا وقودا لنيران الحرب ؟
مشاهدة : ابني أيها القائد .. ابني وفلذة كبدي .. ابتلعته الحرب ولن يجف عليه دمعي حتى أدفن في القبر .
مشاهد : لماذا فعلت بنا ذلك أيها القائد وقد وثقنا بك وأخلصنا لك الحب ؟
الرئيس : (وقد استشاط غضبا) أيها الكلاب .. يا أولاد الزنى .. أيها المجرمون.. إنها لمؤامرة إذن .. أنتم تتقوّلون على رجالي لتسيئوا إلى سمعتي وسمعة النظام . إن رجالي هم الذين يوفرون لكم الحماية والأمن والاطمئنان .. أيها الجاحدون .. إنني قضيت زهرة عمري في السجون والمعتقلات من أجلكم يا00 من أطعمتكم بعد جوع وآمنتكم بعد خوف .. أنتم تنقادون لمن يدبر المؤامرات ضدي .. أيها الخونة المارقون .. سأعلّمكم كيف تتآمرون على النظام . (يهتف بأعلى صوته ) حرس .. حرس .. حرس (يندفع إلى المسرح ثلة من الحرس مدججين بالسلاح .. مشيرا إلى المتحدثين من جمهور الصالة ) اقبضوا على أولئك الخونة المارقين .
(يندفع الحراس إلى جمهور الصالة فيحدث هرج ومرج ويقبضون على بعض النظارة ويضربونهم بعنف ويقودونهم خارج الصالة بينما يتعالى صراخهم واستغاثاتهم وتوسلاتهم ).
الرئيس : (يلتفت إلى الرفيق الأول وهو لا يزال يعاني من نوبة غضب شديد ) أما أنت أيها المارق الذي تدعي الإخلاص وتثير الشعب ضدي .. يا من امتلأ قلبه بالغل والحقد فقد ظهرت على حقيقتك وانكشفت المؤامرات التي تدبرها أنت وأعوانك . وقد ثبت لي الآن صحة ما نقل إلي من أخبارك وتحركاتك . إنك تتآمر على النظام والقيادة بل على الشعب والبلاد . وأنت تستحق مصير الخونة والمتآمرين على أمن وسلامة الشعب والوطن , ولن تأخذني رأفة بأمثالك وإن كانوا من أصدقائي القدماء . وإني لن أكرر غلطة يوليوس قيصر يا بروتس الجديد .
(ينتزع مسدسه فجأة ويطلق النار على الرفيق الأول فيخر صريعا . يسود صمت مطبق على الحاضرين . يطرق الرئيس طويلا وقد بان الحزن على وجهه . يخرج منديله ويخفي به دموعه . يلتفت أخيرا إلى رفيقه ويقول بنبرة حزينة )أتركاني لوحدي وابعثا من يبعد رفيقنا عن أنظاري .
(يخرج الرفيقان بصمت . يدخل بعد حين حارسان يحملان جسد الرفيق الأول إلى الخارج بينما تتعلق أنظار الرئيس الحزينة به حتى يختفي).
(ينهض أفراد الجوقة ويسلط نور ساطع عليهم )
الجوقة الرجالية : ها قد رأيت أيها المناضل
إلام انتهت إليه حالك
فقتلت أعز أصدقائك
وأقربهم إلى قلبك
الجوقة النسوية : لتظل الحاكم الذي لا تعلو كلمة على كلمته
ولا ينافسه في كرسي الحكم أحد
الجوقة الرجالية : ما مصير الأفكار
التي ناضلت من أجلها ؟
لقد تنكرت لها كلها
وتلاشت كدخان في الهواء
الجوقة النسوية : لتظل الحاكم الذي لا تعلو كلمة على كلمته
ولا ينافسه في كرسي الحكم أحد
الجوقة الرجالية : ولقد كنت واحدا من أفراد هذا الشعب
وكان الشعب الغارق في بؤسه
يتوقع منك أن تحقق له أمانيه
ولقد عملت من أجله في البداية
لكنك ما لبثت أن تنكرت له
وأصبحت جبارا عتيا
وغدا الحكم لك غاية الغايات
الجوقة النسوية : لتظل الحاكم الذي لا تعلو كلمة على كلمته
ولا ينافسه في كرسي الحكم أحد
الجوقة الرجالية : ومن أجل الاحتفاظ بمركزك
أطلقت رجالك العتاة
يحصون على المواطنين أنفاسهم
وحكّمتهم في رقاب الناس
فجرّعوا الشعب غصص الخوف والهوان
وما أكثر ما عذبوا
وما أكثر ما سجنوا
وما أكثر ما قتلوا
الجوقة النسوية : لتظل الحاكم الذي لا تعلو كلمة على كلمته
ولا ينافسه في كرسي الحكم أحد
الجوقة الرجالية : وكنت تؤمن أنك ما تبوأت كرسيك هذا
إلا لتكون في خدمة الشعب
وأن هذا الكرسي ليس حكرا على أحد
بل هو ملك مشاع لمن يخدم الشعب
لكنك تهالكت على الاحتفاظ به
لتتمتع بحياة البذخ والأبهة والسلطان
وصارت ثروات البلاد ملك يمينك
تتصرف بها على هواك
وتبعثرها يمينا وشمالا
وتوفر لنفسك ولزبانيتك
حياة لم تتخيلوها في الأحلام
الجوقة النسوية : لتظل الحاكم الذي لا تعلو كلمة على كلمته
ولا ينافسه في كرسي الحكم أحد
(يغادر الرئيس كرسيّه غاضبا0
يهبط أفراد الجوقة من شرفتيهما ويصطفون جنبا إلى جنب أمام جمهور الصالة وينشدون في صوت واحد )
الجوقة الجماعية : فيا أيها الشعب الطيب
حذار أن تسلم السلطة بيد فرد واحد
وحذار أن تطمئن إلى وعوده
فمهما كانت معسولة
فلا بد له أن يقلب لك ظهر المجن إذا انفرد بالسلطة
ولا بد له في النهاية أن يصبح ظل الله في الأرض
ويتحول إلى دكتاتور جبار
ويبطش بكل من تسوّل له نفسه معارضته
وقد يلعب شيطان الحرب بعقله
طمعا في المجد والتسلط والفخار
فيقودك إلى الكوارث والدمار
(هتافات في الصالة "فليسقط الطاغية .. فليسقط الدكتاتور00 فليسقط عدو الشعب .. الموت للطاغية" . يندفع عدد من جمهور الصالة نحو المسرح وهم يهتفون بهتافاتهم الحماسية ويحطمون صور الرئيس وتماثيله0 ثم يدحرجون الكرسي بينما تتعالى أنغام كونشرتو الإمبراطور لبتهوفن وتهبط الستارة ببطء) .

ستار الختام




#شاكر_خصباك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية
- الاصدقاء الثلاثة
- عهد جديد....مجموعة قصصية
- السؤال؟!!
- الشيء مسرحية من ثلاث فصول
- تساؤلات وخواطر فلسفية
- حكايات من بلدتنا
- دكتور القرية
- بداية النهاية
- حياة قاسية
- صراع


المزيد.....




- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - مسرحية -الدكتاتور-