إطلالة على مصر من شرفة الحاج مدبولي

محمد نور الدين جباب

الحوار المتمدن-العدد: 2501 - 2008 / 12 / 20 - 03:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    

عندما سألت أحد المارة عن مكان الخطوط الجوية الجزائرية بالقاهرة ، رد علي بلا تردد وكأنني أحد أبناء القاهرة / الشارع الثاني على اليمين بعد مكتبة مدبولي/• اهتديت إلى المكان دون دليل، لأن مكتبة الحاج مدبولي بوصلة لمن لا بوصلة له ، لأن الحاج مدبولي لم يكن ناشر كتب ولا صاحب مطبعة ،ولا صاحب دار نشر فحسب، بل هو أحد معالم مصر وجزء من تاريخها وتراثها الفكري و الثقافي •
لقد بدأ هذا الرجل الأمي، بائع جرائد على الرصيف وهو طفل صغير في سن السادسة ،لينتهي إلى أكبر ناشر كتب في الوطن العربي،وصاحب أشهر مكتبة •وبين الرصيف والمكتبة ، تتجلى أروع صفحات مصر المعاصرة •
لقد صمم هذا المصري الأصيل على تعلم الكتابة و القراءة في سن متأخرة ليبدد الظلام العربي الدامس بنور المعرفة ونور الفكر • فنشر روائع الأدب العربي و الفكر العربي، منفتحا على كل ما هو عالمي وإنساني •كان ذلك أثناء مرحلة صعود حركة التحرر العربي ومشروعها الحضاري التنويري العقلاني متناغما مع الناصرية ومع مناضليها ومفكريها وكتابها •
ولما تبدل الحال و الرجال، ظل الحاج مدبولي صامدا صمود أبو الهول في وجه الردة الساداتية وفقهاء الردة متحديا،ظلمات السياسة وبطش الحكام، ونفاق فقهاء السلطان ، فنشر سرا وعلانية ما ضاقت به مطابع أمة العرب•
لقد تحولت مكتبة مدبولي بميدان طلعت حرب وسط القاهرة، إلى مزار لجميع حجاج الثقافة العربية من المحيط إلى الخليج، يطوفون حولها، باحثين عن كتاب ممنوع وأخر مصادر، و ثالث ورابع وعاشر أفتى بتحريمه كهنة العصر •
كان الحاج مدبولي يبتسم لما تسأله عما حرّمته السياسة و الدين في ديار العرب، فيطلب منك أن تعود في المساء إذا طلبته في الصباح، أو صباحا إذا طلبته مساء •لأن الكتاب عادة ما يكون بعيدا عن أنظار الأجهزة الأمنية، وكثيرا ما صودرت كتب واقتيد الحاج مدبولي إلى المحكمة بتهمة المساس بالأمن العام• والمساس بالأمن العام في قاموس السياسة العربية ،هي تهمة من يقاوم الاستبداد والطغيان والاستسلام ومشاريع التسوية و الفساد ونهب المال العام •لا تضاهيها إلا تهمة، إضعاف الشعور القومي، التي تستعمل ضد كل من يصرخ في وجه الطائفية و العشائرية والجهوية و العرقية إنها مفردات من إبداع أنظمة الاستبداد والقهر لمصادرة الفكر النقدي و التنويري و الزج بالمبدعين و المفكرين في غيابات السجون •
رحم الله الحاج مدبولي الذي فارقنا هذه الأيام، لقد ظل ينشر بلا خوف ولا تردد فكرا نقديا وعقلانيا متحديا أجهزة الرقابة، وذهنية التحريم، ومؤسسات الكهنوت •رحم الله الحاج مدبولي الذي قدم للمكتبة العربية ما عجزت أن تقدمه حكومات عربية بأجهزتها ومطابعها وعلمائها •

#محمد_نور_الدين_جباب (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات