|
شيء من العقل .... شيء من النعال
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 2501 - 2008 / 12 / 20 - 09:35
المحور:
كتابات ساخرة
لم أستغرب قط مستوى الهمجية في رمي رئيس دولة بحذاء رخيص تافه ، ولم أستغرب قط مستوى الجهل في العالم العربي لإدراك هذه الهمجية والتعامل معها ، ولم أندهش قط لإنفلات أشباه المتعلمين في التشدق والتفاخر والتباهي بهذا المستوى الرديء من التناسخ البشري ، وكنت سأستغرب لو قذف أمريكي أو فرنسي بسيط حذاءاً عالي الجودة على صدام حسين أو بشار الأسد رغم المآسي والمجازر والأغتيالات والذبح والقتل والكوارث التي سببها ويسببها السيدان ، كنت سأندهش لو تماثل المستوى الإنساني لقناة العربية مع قناة الجزيرة ، كنت سأشتاط حنقاً وأموت غيظاً لو تماثلت روح الحداثة والحضارة لإيلاف والحوار المتمدن وعراق الغد مع أشباه مراكز الإعلام الأخرى ، كنت سأنتحر حتماً لو تماثل مستوى الفكر لطيب تيزيني والعفيف الأخضر وعثمان العمير وشاكر النابلسي ورياض الحسيني ورزكار عقراوي والآخرين مع فيصل قاسم وثلته الفوضويين . يقول مثل صيني قديم ( شيء من العقل ، شيء من الحكمة ) ، ( شيء من الحكمة ، شيء من معرفة الأسباب ) ، ( شيء من معرفة الأسباب ، شيء من الحياة ) ، فما أصعب ألا يملك المرء ( شيئاً من الحياة ، شيئاً من معرفة الأسباب ، شيئاً من الحكمة ، شيئاً من العقل ) ، فلو أدرك هذا الصحافي المغمور إن علة الكوارث والمجازر في الشرق هي هذا التفكير ، هذا الخطاب المعتوه ، هذا التصرف المأفون ، هذا الحذاء الأسود كمصيرنا الأسود ، لتريث قليلاً ولقذفها على جهة أخرى . لو عرف هذا الصحفي البسيط إن سبب الإرهاب والفتن والإغتيالات والقتل الجماعي هو غياب الديمقراطية وسطوة وأستبداد النظم الشمولية ومرتع أنظمة الأستخبارات ، لكظم غيظه ولقذفه شرارة حامية في وجه هؤلاء القوم . لو وعى هذا الصحافي الضائع إن الذين يصفقون له الآن ويقرظونه بأبجل المدائح هم سبب التوقيع على تلك الأتفاقية ومآسي عائلته ونوائب أولاد عمومته ومذابح عراقه وكوارث وطنه ، لدرس التاريخ السياسي وتسلح بالعلم والمعرفة . لو فقط أدرك هذا الصحافي المهزوم إننا على دراية مطلقة إنه هو بالذات جزء من المؤامرة الكبرى ليس فقط على العراق الحبيب ، إنما أيضاً على الشقيقة السعودية ، ولبنان ، وسورية ، وفلسطين ، لما راعه الأمر ، ولا أعتوره أي خجل ، ولا خالجه أي شك . أنا لاأبكيك هذا الصحفي فسرك مفضوح هتوك مقذوف ، ولا أبكي هذا التناسخ التاريخي المقهور فهو شريد رديء يتلمظ براثن القمع والثبور ، إنما أبكي فعلاً هذا الفراغ المثلوم في الشرق ، هذه العفونة الكسيحة الكاسحة التي تكسحنا جميعاً ، هذا الليل السرمدي الطويل المقيت البغيض . ماذا لو كانت المعطيات والأمور معكوسة ، فكل ماهو موجود في الغرب ( من ديمقراطية ، وإزدهار ، وتقدم ، ورخاء ، ورفاهية ، وحرية ، وعدالة ، ومساواة ، وتكافؤ الفرص ، وسيادة القانون ) إنتقل بقوة قادر أحد إلى الشرق في غمضة طرف ، وكل ما هو موجود في الشرق ( من قمع ، وإستبداد ، وظلم ، وقهر ، وإغتيال ، وقتل ، ومذابح ، وجور ، وشظف العيش ) إنتقل بنفس الإعجوبة إلى الغرب !! ؟؟ . ماذا لو كان التفكير العلمي معكوساً ، أي كان أينشتاين من مملكة البحرين ، وكارل ماركس من جمهورية لبنان ، وهيجل من اليمن ، وفيكتور هيجو من الجماهيرية العربية الليبية العظمى ، وتوماس أديسون من سورية ، وفولتير ومولير من تونس ، وفرويد وأنجلس من الإردن ، وجان جاك روسو وجان بول سارتر من العراق !!؟؟ . ماذا لو كنا نحن أصحاب الإختراعات والإكتشافات ، البطارية ، الضوء ، الطائرات ، الكمبيوتر ، الهاتف ، الكهرباء ، السيارات !!؟؟ . ماذا لو كنا من رواد الفكر ، النظرية النسبية ، النظرية الإشتراكية العلمية ، الوجودية ، البراجماتية !!؟؟ . ماذا لو كنا أصحاب الشركات ، فورد ، مرسيدس ، بيجو ، رينو !!؟؟. ماذا لو كانت الإستخبارات السورية الآن هي الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية !!؟؟. ثم والغريب في الأمر ، لماذا لم يهب هذا البطل الخارق في وجه صدام حسين الذي قتل وذبح أخوته وأولاد خالته وأطفال جارته وبنات حارته ، عندها لمزقت بنفسي كل الصور إلا صورته ، ولعلمت أبناء حارتي كيف يحذون حذوه ، ولهمست في أذني نزار قباني في رمسه أن يخلده بشاعرية لامتناهية ويطلق العنان لأبديته ، ولهرعت نحو رياض السنباطي أستحلفه بفاطر الأرض والسماوات أن يلحن تلك القصيدة كآخر لحن له ، ولركضت كالبرق كارعد نحو سيدتي ، سيدة الألم والفرح ( أيظن ، متى ستعرف ، عيش معايا ، لاتنتقد ، عيون القلب ) نجاة الصغيرة ، أتوسل إليها أن تغني تلك الملحمة للمرة الأخيرة !!. لكن أن يطعن هذا الصحفي ( مثل صدام حسين ، وبشار الأسد ، وإيران ) في تاريخ الشرق الأوسط ، في ثقافته ، في كرامته ، فتلك مسألة على النقيض من الأولى ، فتلك مسألة شائنة مذمومة ، لاتستحق إلا الإهمال والإدانة . أجل ، المسائل معقدة ، وللحديث شجون ، وللشرق الأوسط هموم ، وثمة مسافة أكيدة ما بين عقلين ، ما بين رؤيتين ، رؤيتنا ( صادق جلال العظم ، نصر حامد أبو زيد ، فهمية شرف الدين ، فيصل دراج ) ، ورؤيتهم ( أشباح الجريمة ، جثمان الوهم ، أضغاث الضغينة) ، وما بيننا مسافة شاسعة على أمتداد زمنين ، زماننا نحن ، الطرف الأول ( الحوار ، القلم ، الحب ، المعرفة ، العلم ، الإبتسامة ، القانون ، نواميس الطبيعة وعلم الأجتماع ، كل الفضائل ) ، وزمانهم هم ، الطرف الثاني ( العنف ، الإرهاب ، الكراهية ، السلاح ، الغضب ، العصبية ، كل الآثام ) ، أجل المسائل معقدة ، والمسافة تتباعد فيما بيننا ، نمد إليهم أغصان الزيتون ، هم يمدون إلينا فوهات البنادق . أجل المسائل معقدة ، والمسافة بدت قاتلة فيما بيننا ، على أمتداد قبر مهدي عامل ، الذي بقول في مؤلفه – مقدمات نظرية – ( فالثورة عملية إجتماعية معقدة يستلزم تحقيقها معرفة آليتها المتميزة ، هذه المعرفة ضرورة عملية لنجاح الحركة الثورية ، فكم من ثورة في التاريخ فشلت لإن القائمين بها جهلوا تميز منطقها ، فلم يفرقوا بينه وبين منطق تطور البنية الإجتماعية داخل إطاره البنيوي ، إن الممارسة السياسية الثورية إذن هي التي تفرض علينا هذا التميز داخل حركة التاريخ الإجتماعي ) .
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إستقالة رب العالمين ... كل عام وأنتم بخير
-
نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... الحلقة الأخيرة
-
القيم .... ما بين الصاوي و القمني
-
سوريا وأيران ....ما بين لبنان والعراق ( الأتفاقية الأمنية وا
...
-
الرأسمالية ... ما بين التفسخ والأنتحار
-
الشرق الأوسط ... ما بين الزبالة والثورة .( حالة صدام حسين ،
...
-
كوردستان سورية ... مابين دالتين .. التاريخ والمصير
-
نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... ( الحلقة الثانية )
-
نقض منطوق فلسفة القانون ... لدى هيجل وكانط
-
رؤية مستعصية في واقع متناقض .. جدلية المعنى والقوة .. الحالة
...
-
ميشيل عون ... مابين الأنتحار والأعدام
-
ماركس .... مابين النقض ووعي الضرورة ... ( الحلقة الثانية )
-
ماركس ... ما بين النقض ووعي الضرورة ... ( الحلقة الأولى )
-
نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... ( الحلقة الأولى )
-
رسالة سرية للغاية للرئيس مسعود البارزاني
-
نقض اللوغوس .... وموت النظام
-
نقض مفهوم الكينونة ... لدى فيورباخ ( الحلقة الثانية )
-
نقض مفهوم الكينونة ... لدى فيورباخ ( الحلقة الأولى )
-
الشيوعي العمالي ... مابين ماركس وتروتسكي
-
الطيور المهاجرة .... نقض الأنسان وموت الطبيعة
المزيد.....
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|