محمد مقصيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2499 - 2008 / 12 / 18 - 07:38
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
إرتكز الإسلاميون في ترويج إيديولوجيتهم على كثير من الأسلحة إلى جانب الإرهاب الفكري وإقصاء وتهميش كل الأفكار المختلفة , فلم يكتفوا بإحراق الكتب التي تدافع عن أطروحات مغايرة للنظام السياسي وتعذيب وقتل مخالفيهم بطرق بشعة , بل إمتد الأمر إلى محاولة طمس ومحو فترات ممتدة من التاريخ , ومحاولة تزوير وتغطية وقائع تاريخية بطرق تساوق أطروحاتهم . ولأن لا أحد يمكن شطب التاريخ بإرادة سياسية أو إخفاء حقائقه , إذ بالإمكان أن تصنع كذبة في مكان وزمان معينين بالسلطة , لكن لا يمكنك أن تعطيها الحياة إلى الأبد , فإن قلاعهم الرملية تهوي الواحدة تلو الأخرى مع هدير حركة التاريخ الجارفة . ولكي يصنعوا مصداقية لإيديولوجيتهم ولتقديمها كنظرية متماسكة , حاولوا أن يقدموا مقارنات مع بنيات اجتماعية كانت سائدة , فعمدوا إلى تشويه البنيات الأخرى وتدميرها كي يبدو الأمر وكأنه مقارنة بين فيل ونملة . فأصبحنا ننظر وكأن المجتمع العربي كان يعيش في غابة و جهل وفي حروب دموية همجية إلى أن جاء الإسلام فنقل الإنسان من الجهل إلى العلم , ومن قوانين الدم إلى قوانين السلم والمساواة وحقوق الإنسان , ونقل البشرية بثورة كبرى من مرحة أدنى إلى مرحلة أرقى . فقدم النظام الإسلامي السياسي حياة ما قبل الإسلام تحت إسم الجاهلية في أبشع صورة , وهذه مغالطة تاريخية كبرى حيث كانت الحياة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا لا تختلف عن ما بعدها , بل كانت أكثر تقدما من فترة ما بعد الوحي بأشواط كثيرة كمسألة الحرية الدينية مثلا , إن المعلقات الشعرية أدبيا تضاهي بل تفوق جمالا الكثير من الأشعار التي جاءت ما بعدها , وعلى المستوى الإقتصادي ازدهرت التجارة في شبه الجزيرة العربية وعاشت قريش رفاها وقطبية محورية , وعلى المستوى السياسي كان الوضع مستقرا بالمقارنة مع الزمن التاريخي ,إذ جسد اقتسام السلطة السياسية بين أحفاد قصي بن كلاب ودار الندوة أحد ملامحه , ولا شيء يحيل على شيء يدعى الجاهلية إلا إذا أوردنا أنهم يعنون تسميتهم بالجاهلية لجهلهم بالإسلام وليس بالله , لأن كما يقدم الإسلاميون كما العادة لمسح التاريخ شبه الجزيرة العربية وقريش خاصة كأنهم لا علاقة لهم بالله , ويعبدون حجارة , حتى تتصور أنهم مجانين , وهدا تلفيق تاريخي لا أساس له من الصحة , فهم كانوا يعبدون الله وآيات كثيرة في القرآن تحيل على ذلك , بينما الأصنام فهي كحجر الكعبة أحجارا مقدسة سواء لشكلها الغريب أو لعلاقتها بالأباء والأجداد . فهم إتخدوا الأصنام لتوحيد نفس القبيلة وللإحالة على موحد ما وللتقرب من الله , هدا الموحد يعبد للتقرب من الله وليس في حد ذاته , ويقول فقهاء الإيديولوجيا هازئا ما علاقة حجر للتقرب من الله ويضحك ؟ بينما ينسى السؤال لماذا يقدس المسلمون حجر الكعبة ويطوفون حوله كل عام بانتظام ويأتون إليه للتقرب من الله ؟؟؟ إن الأمر سيان فتقديس حجر هبل أو اللات للتقرب من الله لا يختلف عند الدارس من خارج الإيديولوجيا من تقديس حجر الكعبة , فكلاهما حجران . لكن المسلمون فهم مستعدون للموت من أجل حجر الكعبة كما هو عند قريش كانوا مستعدين للموت من أجل هبل . ولعل أكبر دليل على عبادة قريش لله هي أن والد الرسول إسمه عبد الله ؟؟؟ وعبد الله مات والده قبل ولادة الرسول ومجيء الإسلام .
أما عن موضوع المرأة الذي نحن بصدد الحديث عنه , فيحاول الإسلاميون تقديم إيديولوجيتهم كأن الإيديولوجيا الإسلامية جاءت مناصرة للمرأة واعترفت لها بحقوق كثيرة وأحدثت قطيعة مع مجتمع ذكوري جاهلي لم تكن تساوي فيه المرأة شيئا نحو مجتمع إسلامي يدعو إلى المساواة بين الجنسين قبل 14 قرنا من الحديث عن حقوق المرأة في الغرب . ويسوقون أمثلة كثيرة ومتعددة إلى درجة أنهم يظهرون كمن كذب كذبة وصدقها .
فأولا الحديث عن المرأة قبل الإسلام ينبغي تقسيمه إلى واقع المرأة في بعض القبائل العربية وواقع المرأة في مجتمعات أخرى . وواقع المرأة في بعض القبائل العربية ليس متجانسا في نفس الوحدة القبلية كدلك , والأهم هل ما قدمته الإيديولوجيا الإسلامية كانت طفرة نوعية أم تحصيل حاصل لسيرورة تاريخية تطرق لها الكثيرون قبل الإسلام . ثم مادا قدمت هده الإيديولوجيا للمرأة عموما وكيف تصورتها , وأخيرا ما موقع تلك الأفكار في ثقافة حقوق الإنسان الراهنة ؟؟
في الكثير من القبائل قبل الإسلام كانت تصل المرأة إلى مواقع ريادية وتفوق الرجل بكثير وليس كما يقدمونه , ومنها أمثلة كثيرة لم يستطع من يحاولون تزوير التاريخ حجبها بغربالهم , فقد وصلتنا أخبار زنوبيا كملكة قوية على الشام والجزيرة قبل مجيء الإسلام بكثير, وكيف رفضت الخنساء الزواج من دريد بن الصمة عندما جاء لخطبتها قائلة : أدع بني عمي الطوال مثل عوال الرماح وأتزوجك . وكيف كانت سجاح ذات شأن حتى أنها إدعت النبوة , وكيف كان موقع هند بنت عتبة في الجاهلية , وكيف وصل نظام الإرث عند الرومان في القرن 6 ميلادي إلى المساواة بين المرأة والرجل , فكيف يدعي ويزعم الفقهاء بلا حياء أن الإسلام كرمها قبلهم ؟؟؟؟ ولنتأمل أيضا الشعر الجاهلي وعلاقة الرجل بالمرأة , حيث كان الشعراء يتوددون ويتعذبون في حب النساء . وهذا امرؤ القيس يقول:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل وإن كنت قد ازمعت صرمي فأجملي
أغرك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري القلب يفعل
ولم تخلو قصائدهم من التغزل بالمرأة , والحديث عنها بشكل إيجابي . ثم أليس خديجة بنت خويلد كانت ذات شأن في الجاهلية وكان الرسول يشتغل عندها ؟؟؟ فأين يجدون تلك الصورة القاتمة عن المرأة التي يسردونها , لمادا يسعون جاهدين لتشويه سمعة المرأة في فترة ما قبل الإسلام , ألم ترث النساء عروش آبائهم , وها هو كتاب البخاري يطالعنا بموقف النبي من إرث امرأة لعرش كسرى : 4163
- حدثنا عثمان بن الهيثم: حدثنا عوف، عن الحسن، عن أبي بكرة قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة).
إذن , كيف يقولون أن الإسلام جاء بثورة في حقوق المرأة ؟ وها هم جيرانهم يعطون الملك لمرأة وهم يعيبونه . الأمر ربما يحاولون تمريره من خلال دعاية إعلامية لموقف الإسلام من ظاهرة قتل البنات في بعض القبائل العربية , وهذا هو وحده الذي يمكن أن يفسر الضجة , فهل هذه الظاهرة كانت عامة في القبائل العربية ؟ من الأكيد أنه لا , لأن شبه الجزيرة العربية كانت ضاجة بالنساء والجواري كما أخبرنا التاريخ ؟ وكما سلف الذكر من خلال نساء كانت لهن مكانة هامة في تلك المرحلة التاريخية . أو ليس خديجة بنت خويلد من قررت الزواج من محمد واحتالت على أبيها بسقيه الخمر , وعندما استيقظ قالت له لقد زوجتني محمد البارحة , وتلك حكاية مشهورة , فغضب ولم يهدأ حتى قابل محمد . إن قتل البنات كان شائعا في بعض القبائل فقط دون سواها وفي عائلات أيضا دون سواها , وليس الإسلام أول من نهى عن الموؤودة ومن كتاب البخاري نورد :
3616- وقال الليث: كتب إلي هشام، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما، مسندا ظهره إلى الكعبة، يقول: يا معاشر قريش، والله ما منكم على دين إبراهيم غيري. وكان يحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، أنا أكفيكها مؤونتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤونتها.
ومن هذا الحديث يبدو واضحا أن ليس الإسلام سباقا للنهي عن قتل البنات , بل سبقته أخلاقا جاهلية لا يتحدث عنها الإسلاميون اليوم , وكأن الإسلام من أعتقها في الجاهلية من براثين الرجال , وأسوق حكاية أخرى معروفة وهو جد الفرزدق صعصعة إذ إشتهر بفدي الموءودات وها هو الفرزدق يفاخر به في أحد قصائده :
أبي أحد الغيثين صعصعة الذي متي تخلق الجوزاء والنجم يمطر
أجار بنات الوائدين ومن يجر على القبر يعلم أنه غير محضر
وقد قيل أن صعصعة فدى أربعمئة منهن ... فالفقهاء الإسلاميون يحاولون شطب كل تلك الحقبة التاريخية بجرة قلم واحدة , وينسبون كل شيء جيد لإيديولوجيتهم وما هو قبيح لغيرها . فلنتمعن موقف المرأة الجاهلية من الزنى الذي يحاول هؤلاء الفقهاء تشويه سمعتها , عندما أتت هند بنت عتبة رسول الله لتبايعه , وكانت النساء تبايعه كما جاء في القرآن أن لا يشركن بالله ولا يسرقن ولا يزنين , عندما ذكر النبي لها ولا يزنين , قالت : أو تزني الحرة ؟ لقد كنا نستحي من ذلك في الجاهلية . فكيف بالإسلام . وهذا ربما يفسر لماذا لم يحرم الإسلام نكاح الجواري , إذ كانت المرأة الحرة في الجاهلية هي فقط من تستحي . وها هو موقف لامرأة من الجاهلية واضحا من الزنى , وها هو موقف كثير من أنصار عدم قتل المرأة قبل الرسول , وها هن نساء كثيرات ذوات شأن قبل الإسلام , بل قد كن أكثر تقدما كتولي بنت كسرى العرش وموقف الرسول من ذلك ؟ بل إن الوحي كان لخديجة بنت خويلد أثر كبير فيه , حينما جاءها الرسول بعد الوحي خائفا , فقالت له إن ذلك وحي من عند الله وأخدته إلى قريبها ورقة بن نوفل لتسأله عن الأمر وليثبت الرسول أن ما يرى هو وحي من الله .... - يتبع -
#محمد_مقصيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟