|
دلالات الحذاء العراقي.. من «أبو القاسم الطنبوري» حتى «منتظر الزيدي»
موفق الرفاعي
كاتب وصحفي
(Mowaaffaq Alrefaei)
الحوار المتمدن-العدد: 2498 - 2008 / 12 / 17 - 03:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بعيدا عن كل ما سوف يوصف ما قام به «منتظر الزيدي»، وفيما إذا كان ذلك لائقا من مراسل وسيلة إعلامية يحضر مؤتمرا صحفيا، فـهو حين سدّدّ حذائيه باتجاه الرئيس «بوش»، فإنما كان يعبر بذلك عن موقفه من الاحتلال، وتبين بعد ذلك، أن الأحرار في العراق تمنوا لو فعلوا ذلك أو أنهم سيفعلونه لو سنحت لهم الفرصة، خاصة بعد اعتراف «بوش» الأخير عن تضليل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية واختلاقها موضوع امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وقادت إلى احتلال العراق وإسقاط الدولة العراقية خلف واجهة إسقاط النظام السياسي فيها، وان تلك المعلومات لم تكن سوى تلفيقات لا تستند إلى أدلة، وكانت فقط لتبرير العدوان والاحتلال. عاد بوش إلى العراق في توقيت لم يكن مناسبا، فالعراقيون معبئون ضده بعد أن اعترف بعدم أخلاقية الذرائع التي ارتكز عليها في عدوانه على العراق، وبأن الغزو ما كان من اجل حرية الشعب العراقي كما كان يروج قبل وبُعَيد الاحتلال.. وإنما من اجل الحفاظ على الأمن الأمريكي، وكان العراقيون قد دفعوا ثمنا فادحا من دمائهم وثرواتهم، ومن حاضرهم ومستقبل أجيالهم، ليتبين لهم بعد ذلك ان ما دفعوه من اجل تحقيق الأمن الأمريكي، ثمن ما كانوا سيدفعون القليل منه دفاعا عن امن بلدهم ونيل حريتهم.
أما الذين تذكروا فجأة «الحضارية» و«الأخلاقية» في التعامل، ووصفوا ما قام به «منتظر» بـ«العمل غير الحضاري»، فعليهم أن يسألوا أنفسهم فيما إذا كان الأمريكان قد تعاملوا بـ«حضارية» مع الشعب العراقي الذي تختزن ذاكرته الكثير من الصور التي مارسها وتمارسها قوات الاحتلال بحق العراقيين. عليهم أن يسألوا أنفسهم، إن كان عملا حضاريا، اقتحام مساكن العراقيين وغرف نومهم لاعتقال المطلوبين، أم أن ما قام به ضباط وجنود أمريكان من مخازٍ وبشاعات في سجن «أبو غريب» عملا حضاريا، أم كان اغتصاب الفتاة العراقية «عبير» وقتلها وإحراق جثتها فيما بعد، يعد في مفهومهم فعلا أخلاقيا، أم أن إطلاق النار على المدنيين في الشوارع، بل وحتى على صحفيين - طاقم قناة العربية «مثلا»- هو الآخر أسلوب حضاري.. ولطالما شاهدنا وشاهد العالم معنا كيف كان الجنود الأمريكان يتعمدون وضع «بساطيلهم» على رقاب ورؤوس العراقيين وهم يعتقلونهم أو يفتشونهم، فهل هذه أيضا طريقة حضارية للاعتقال والتفتيش؟!
وفيما وصف الرئيس «بوش» ما قام به «منتظر» انه عمل «يدخل في باب حرية التعبير»، يصرّ البعض على أن يكون «ملكيا أكثر من الملك»، فيصف ذلك العمل بأنه "غير مهني «...» ولا يدخل في باب حرية التعبير"، وهذا صحيح لو كان بَدَرَ ذلك من منتظر و«بوش» لم يحتل العراق..! فـ«منتظر الزيدي» لم يفعل سوى أن ردَّ على عدوان متواصل على شعبه وأرضه وبأهون الأسلحة وإن كان أشدها إهانة، وبالأسلوب الذي يتعاملون فيه مع العراقيين، ويبدو أنهم لا يعرفون أو يفهمون غيره. أم هل من سيادة القانون التي صدعوا رؤوسنا فيها وهم يكررونها كلاما فارغا دون تطبيق، أن يضرب ويسحل رجال الأمن «إنسانا»، حتى وان كان يعد ما فعله جنحة يعاقب عليها القانون ومخالفة للمهنية والحرفية والنظام، لأن مخالفة القانون وخرق النظام من قبل فرد أو مجموعة، لا تبيح لرجال تنفيذ القانون وحماية النظام، من خرقهما مهما كانت الأسباب والذرائع! كما ليس من حق احد أفراد الحماية الطلب وبلهجة آمرة إلى مراسلي الصحافة المتواجدين في القاعة إطفاء كاميراتهم، وقد فعلوا ما فعلوا بـ«منتظر» بحضور بوش ورئيس الحكومة وأمام الكاميرات، ما يعكس حقيقة النظام.. فيا تُرى، ما الذي فعلوه به بعد أن ابتعدوا به عن كل تلك الأعين الراصدة..!؟ ونحمد الله انه لم يكن مؤتمرا صحفيا خاصا بمراسلي الإعلام العراقي وإلا لما تمكن العالم من مشاهدة الحدث أو أن «منتظر» ورفاقه هم الآن في وضع لا يعلمه سوى الله.
***
لم يكن العراقيون قبل احتلال بلادهم ليقتتلوا فيما بينهم حتى جاء بوش وأزلامه وأزاحوا الغطاء عن المياه الثقيلة وحرَكوا آسنها.. لم يقتتلوا من قبل على ما يسمى بـ«الهوية» وهي في الحقيقة لا تُشرِّف أحدا لتصبح هويته، سوى أولئك الغرباء الذين لا يجدون لهم في العراق هوية من نسب أو حسب.. ولم يقتتلوا من قبل على السحت الحرام من ثروات بلادهم وهم الذين كانوا يتقاسمون كسرة الخبز فيما بينهم في سنوات الحصار الظالم الذي أقرته أمريكا وأجبرت العالم على تنفيذه وأعانها عليه «عرب» و«عراقيون» هم اليوم منشغلون عن كل شيء سوى السرقة ومحاولاتهم التحكم برقاب العراقيين.
منذ العام 1991 وهم يقصفوننا بـ«القنابل» ولطالما طالت الكثير من المدنيين الأبرياء، فلا بأس أن يضرب احدنا اليوم المجرم وحده دون باقي الأمريكيين والمتسبب في نكبتنا ولو لمرة واحدة بـ«القنادر».. أرى الذين تذكروا «الحضارية» مؤخرا كم نحن عادلون ومتحضرون وكيف انا لا نأخذ البريء بذنب المسيء؟ كان على بوش ان لا يتصور العراقيين وهم يودعونه برقصة «العرضة» على نقر الدفوف وقرع الطبول، وهو الذي رأى كيف أنهم لم يستقبلوا قواته حين احتلت بلادهم بالورود وبالموسيقى كما أوهموه أو توقع ذلك.
لقد كان حقا توديعا يليق بـ«بوش» وعلى الطريقة العراقية، والتي من المتوقع أن تصبح طريقة عالمية لوداع أمثاله وربما في استقبالهم أيضا، فـ«القندرة» العراقية حاضرة بقوة في الموروث الشعبي العراقي، ففي كتاب «ثمرات الأوراق في المحاضرات» لابن حجة الحموي في حاشية كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» للأبشيهي، ان «ابو القاسم الطنبوري» - التاجر البغدادي البخيل- الذي أراد التخلص من حذائه الذي كان سببا في توريطه بالكثير من المشاكل والمقالب التي لا تنهي حتى صار يُضرب به المثل لما يعسر التخلص منه، فيقال: «مثل حذاء الطنبوري»، وحتى حذاء «منتظر الزيدي» الذي أصبح يُضرب به «بوش» هذه المرة وليس المثل.. كلمة أخيرة: لا ندري إن كان سيسمح للصحفيين مستقبلا من حضور المؤتمرات الصحفية بأحذيتهم ام سيشترطون عليهم الدخول إليها حفاة، بعد أن حوّل «منتظر» «القندرة» العراقية إلى سلاح، ولكن.. «اسود» هذه المرة..!!؟
#موفق_الرفاعي (هاشتاغ)
Mowaaffaq_Alrefaei#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ضوء تقرير بعثة الأمم المتحدة في العراق : ما الذي تغير.. !
...
-
اوباما.. تصورات عراقية
-
المسرح والممثلون..
-
حين يكون الكلام من دبابيس..!
-
أقلمة الاتفاقية الأمنية
-
بورصة الانتخابات المحلية المقبلة ورجال الدين
-
كامل شياع .. اغتيال الكلمة
-
المسؤولون العراقيون.. الخطاب والواقع
-
العراق: يد مع المصالح المشتركة واخرى للمصائر المشتركة
-
من الرفض المطلق الى القبول.. تبدلات السياسة والسياسيين في ال
...
-
حروب الدبلوماسية الامريكية
-
المشهد العراقي اليوم...!!
-
جند السماء أم جند الأرض!؟
-
الظاهرة الحسينية.. انسجام الغاية والوسيلة
-
العاصفة التي يخبئها الهدوء
-
قانون النفط والغاز..الدوافع والاهداف
-
بين واقع الحال وتصريحات المسؤولين
-
في انتظار تقرير بتريوس
-
الكابوس الفيتنامي وفائض القوة
-
البقاء ليس للاصلح
المزيد.....
-
عملية مشتركة.. -سرايا القدس- تعرض مشاهد من قصف مقر قيادة وحد
...
-
عاجل: نيابة أمن الدولة العليا تستدعي حسام بهجت مدير المبادرة
...
-
نصائح مجدي يعقوب لصحة القلب
-
ناجون من حادث غرق قارب سياحي مصري يتهمون السلطات بالتغطية عل
...
-
الطيران الإسرائيلي يستهدف رتلا لإدارة العمليات العسكرية في ا
...
-
الحلم السويدي بات أصعب.. ستوكهولم تفرض شروطا جديدة للحصول عل
...
-
سفير إيران في روسيا: تحالف طهران مع موسكو وبكين يشكل تحديا خ
...
-
الناتو يقرر نشر سفن وطائرات ومسيّرات في بحر البلطيق، ما الهد
...
-
وفاة راكب خلال رحلة على متن طائرة فرنسية والسلطات الأميركية
...
-
قناة إسرائيلية تتحدث عن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|