|
أحذية الإذلال الشامل العراقية: أصدق إنباءً من الكتب
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2497 - 2008 / 12 / 16 - 08:02
المحور:
كتابات ساخرة
باستثناء قصة حذاء أبي القاسم الطنبوري الشهيرة في التاريخ البدوي، ذاك البخيل الذي حاول التخلص من حذائه بشتى السبل وكان يعود إليه في كل مرة، فإنه لا يوجد كثير ذكر للحذاء، أعزكم الله، في طيات ذاك التاريخ الذي كان ينظر، عادة، بدونية واحتقار للحذاء، باعتباره من مخلفات الإنسان، وسقط المتاع، التي لا قيمة لها في الحياة. غير أن اعتبار وقيمة الحذاء تغيرت مع استقدام "قيم الاحتلال"، ومنذ قصة نعال أبي تحسين التي حدثت في العراق والذي وصل سعره إلى أسعار خيالية في المزادات نظراً لقيمته المعنوية في ضرب وجه طاغية العراق الأشهر وصنم القوميين الأكبر. ويبدو أننا في طور جديد سيشهد ارتفاعاً كبيراً لقيمة الحذاء في وجدان وقلوب جميع شعوب المنطقة وستتبدل تلك النظرة الدونية التقليدية له، وسيحتل مكانة مرموقة في وعيهم الجمعي العام. والقاعدة الأخلاقية التي تنظر بازدراء للحذاء كانت قد كسرت بطريقة جد مثيرة مساء أمس، في مؤتمر المالكي - بوش الصحفي عقب التوقيع على اتفاقية العار المشؤومة بين حكومة عراق الاحتلال والولايات المتحدة دولة الاحتلال الغازية. فلا شك، البتة، أن حذاء منتظر الزيدي، الصحفي العراقي ذي الثمانية والعشرين ربيعاً، سيدخل هو الآخر، التاريخ من أوسع أبوابه، وبمكانة راقية، وسيـُدخل معه جورج بوش، فقد كان جورج بوش حتى لحظة "رشقه" بـ" جوز" الأحذية خارج التاريخ، ولا مكانة مهمة له هناك على الإطلاق، غير أن الأحذية تفعل فعلها على ما يبدو وتخلد "الصغار" وتعيدهم، من حيث لا ينوون، لصدارة التاريخ. لقد أبى هذا الصحفي العراقي البطل إلا أن يصادق على الاتفاقية بطريقته الخاصة جداً، وبالأحرف الأولى من "صرمايته". وقيمة الحذاء في التاريخ البدوي ستتغير نحو الأفضل بعد اليوم، وقد تصل لمكانة السيف والرمح التي تغنى بهما شعراء البدو كثيراً ومجدوهما في أشعارهم. وعلى عكس الطنبوري، فإن كل شخص سيسعى اليوم لامتلاك صورة ولقطة لحذاء الزيدي وهو بمحاذاة، ويكاد يقترب من جبهة بوش. ولو كان أبو تمام بيننا اليوم، وحاضراً في ذاك اللقاء لغير من مطلع قصيدته الشهيرة في فتح عمورية، السيف أصدق إنباءً من الكتب، ليقول ولا شك الحذاء أصدق إنباء من الكتب.
وقد لا يكون من قبيل المبالغة الكبرى، والاسترسال البلاغي المدائحي الإطنابي الحماسي المتعجل، القول أن مجرد حذاء استطاع أن يهزم إمبراطورية كبرى مدججة بالترسانات النووية القادرة على تدمير العالم عدة مرات. فهذا ما حدث فعلاً، وبالضبط، وبرمزية فاقعة. ورمزية تلك الرمية أكبر من أن توصف، وتشكل أكثر من مجرد هزيمة معنوية نكراء لليانكي الذي فشل بكل إرهابه ودمويته على قهر وهزيمة إرادة العراقيين الذين استعملوا، اليوم، حتى سلاح الأحذية في حربهم مع الاحتلال العسكري وزباينته، وشراذمه، وبعث الأمل من جديد من دحر كل الطارئين والدخلاء. وأصبح من الجائز اليوم تصديق أن العراق بات يملك، فعلاً، أسلحة، عفواً، "أحذية" للإذلال الشامل استطاعت أن تذل بوش وتمسح الأرض بهامته وبإمبراطوريته الورقية، وتلحق به هذه المهانة والإذلال غير المسبوق في تاريخ الحروب والمعارك العسكرية. ولو لم يكن في تاريخ المقاومة العراقية سوى هذه الرمية لكانت كافية لتسجل نصراً مؤزرا، ومع الاحترام لكافة الأعمال البطولية غير الإرهابية للمقاومة العراقية التي طالت فقط جنود الاحتلال. وإنها لمؤشر على روح التحدي والمقاومة والإرادة التي لا تهزم ولا تكسر وعجز الآلات الحربية الجرارة عن ترويضها، وليست، بالطبع، مؤشراً على وجود حرية كما جاء في تبرير بوش السخيف والسطحي لتلك الحادثة البطولية الرائعة. وهي في ذات الآن دليل على بطولة وشجاعة فردية نادرتين تعكس وجهاً مشرقاً للشخصية الوطنية الحقـّة المتعلقة بحب وتراب الأرض، وهي تعبير صارخ عن إرادة شعب يرفض الذل ويرفض القهر ويرفض الاحتلال.
فهل يطلب بوش اليوم من مجلس الأمن إحياء لجنة هانز بليكس الشهيرة " الأنموفيك"، للتفتيش وتدمير عن كل أحذية العراقيين التي تشكل تهديداً للهيبة الأمريكية وإصدار قرار دولي جديد بحظر امتلاك هذا السلاح ؟ وسأكون أول المبلـّغين والمتعاونين مع اللجنة والقول بأن العراق ليس خالياً، ويعج اليوم بـ "تشكيلة" جديدة ومرعبة من "أحذية" الإذلال الشامل وتشكل تهديداً حقيقياً لجباه، ووجوه المجرمين والغزاة، ؟ فكيف سيتصرف بوش بملف الأحذية الشائك الجديد هذا، وبما تبقى لديه من أيام معدودات في البيت الأبيض؟ وهل سيحله قبل رحيله، أم يتركه لخلفه الرئيس المنتخب المسلم المرتد بركة حسين أبو عمامة؟
فتحية إعجاب للصحفي البطل الشجاع منتظر الزيدي. وتحية قبلها، لذاك الحذاء الذي دخل التاريخ الإنساني من أوسع أبوابه وإنه لدرس وعبرة كبيرة لمن لا يعتبر، في لحظة لم يبق لنا فيها سوى الأحذية لاستخدامها للتعبير عن الغضب والرأي، بعدما أفلس الأعاريب من كل شيء، والحمد لله. لكن، لا خوف ولا ضير، البتة، مادام هناك أحذية باقية في هذا العالم، من الممكن أن تتحول لسلاح قاتل وفتاك حين تنهال بعنف وقوة وغضب، وبأية لحظة غير محسوبة، على جباه الغزاة، والقتلة، والطغاة.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزوة الشيخ دقماق
-
صلة الرحم الإليكترونية
-
مصافحة الأزهر: انكشاف دور الكهنوت الديني
-
الانهيارات المالية الكبرى: اللهم شماتة
-
الحوار المتمدن: كلمة حق لا بد منها
-
أيام الولدنة، ودهر المتصابين الطويل
-
سماحة الإمام الأكبر شيخ الأزهر: تقبل الله طاعتكم
-
غزّة تحاصرنا
-
رسالة عتب رقيق لحوارنا المتمدن الجميل
-
أوباما والمهام الأمريكية القذرة
-
في الدفاع عن الباطنية
-
ما قال ربك ويل لمن سكروا، بل للمصلينا
-
رسالة إلى جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود
-
حوار ديني أم تطبيع سياسي؟
-
لماذا الخوف من غزو ديني؟
-
تضامناً مع أقباط المهجر
-
I don’t have a dream
-
الأوبامية وهزيمة ثقافة
-
محاكمة إعلان دمشق: محاكمة لمرحلة
-
القرضاوي: وباطنية شيوخ الإسلام
المزيد.....
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|