أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - سوبر ديلوكس















المزيد.....

سوبر ديلوكس


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 2486 - 2008 / 12 / 5 - 09:51
المحور: كتابات ساخرة
    


بينما كنت أربط حذائي استعداداً للتوجه إلى مكتب "أبو طارق العقاري", وإذ بزوجتي تقتحم غرفتي وبيدها جريدة "الوسيلة" الإعلانية وتهتف بلهجة أرخميديسية وهي تكاد تطير من الفرح:
- ياي غير معقول! انظر!
تطلّعت إليها وأنا منحني, ألفيتها وقد لمعت عيناها ببريق الدهشة:
• ما الأمر؟ ما بكِ؟
- تصوّر! شقة سوبر ديلوكس بـ 800 ألف ليرة فقط!
• أنت تمزحين..
- (بحماس وسعادة) والله لست بمازحة!.. انظر!
ومدّت إصبعها إلى الإعلان وبدأت تقرأ: (شقة للبيع سوبر ديلوكس تقع مقابل قصر المحافظ ذات إطلالة رائعة على البحر مساحتها 200 م2 السعر النهائي 800000 ليرة للاستعلام الاتصال على الرقم ...)
أكملت رباط حذائي غير مكترث لحماسها ونهضت متابعاً وضع اللمسات الأخيرة على هندامي وأجبتها:
• يا حسرتي عليكِ.. يبدو أنك جننتِ..! يا حرام.. مع أنك ما زلتِ صبية (ضيعانك)..
ثم تابعتُ بجدية: فعلاً ستبقين قليلة العقل, سريعة التصديق لأيّ مقلب ومن قبل أيّ مبتدئ في عالم المقالب!
ردّت غاضبة وهي تلوّح بالجريدة في وجهي:
- وهل وصلت المقالب إلى الصحف الإعلانية.. انظر! (وأشارت بيدها من جديد إلى الإعلان) بالله عليك اقرأ!
جاملتها وقرأت الإعلان.. لا أخفيكم سراً بأنه تملّكتني الدهشة, فعلّقت وأنا بحالة من عدم التصديق:
• أعتقد أن في الأمر إنّ..
- لا إنّ ولا من يضحكون.. أنتَ دائماً هكذا وجه نحس.. يا أخي قبل أن تذهب إلى مكتب أبو طارق الزفت, جرّب الاتصال بالرقم المدوّن بالإعلان واستوضحْ!
• ولكن, أمِنَ المعقول أن تكون شقة بهذه المواصفات وبـ 800 ألف ليرة فقط؟!! كبّري عقلك يا بنت الحلال!
ردّت مهددة:
- أنت كبّر عقلك! وسوف أعدّ للثلاثة, إن لم تتصل أنت, فسوف أتصل أنا: واحد, اثنان, ثلا..
• على مهلك, طوّلي بالك, هاتي الرقم لنرى..
بلا طول سيرة أجرينا الاتصال مع صاحب الرقم وكانت المكالمة التالية:
 ألو مرحبا..
* أهلا ..
 قرأنا بجريدة "الوسيلة" إعلاناً يفيد بأنكم تودّون بيع شقة..
* أي نعم..
 وبكم الثمن؟
* أخي كما قرأته بالإعلان.. ثمانية
 أهو كلاماً نهائياً؟
* والله نهائي يا أخ.. ولكن يفضّل رؤية الشقة..
 على عيني, سنراها, ولكن إذا تلحلح السعر نتشجّع أكثر..
* إنشاء الله لن نختلف تعال وشاهدْها..
 متى يمكننا رؤيتها؟
* مممم, اليوم بعد خروجي من حمّام "الساونا" الساعة السابعة مساءً..
 توكلنا على الله
* أنا بانتظاركم
 إلى اللقاء
التفتّ إلى زوجتي معاتباً:
• عجبك؟ لقد كلفتني هذه المكالمة لا أقلّ من خمس عشرة ليرة..
أجابت على الحارك:
- ليست ضائعة بهذه الشقة, بل بهذه الفيلاّ.. يا غشيم!
فككت رباط حذائي وبدّلت ملابسي وبدأت بقراءة الإعلان مجدداً لعلّي أجد ثغرةً, خطأً, التباساً... ولكن كل شيء يبدو طبيعياً!!
عند تمام السابعة, كنت وزوجتي على مدخل بناية فاخرة ملبّسة بالحجر الأبيض..! عندها أحسست بأن خطأ ما قد حصل لا محالة.. الحقيقة أنني لم أجرؤ على الاقتراب منها, فأمسكت بيد زوجتي وحاولت الرجوع, لكن زوجتي رفضت بإصرار!
أذعنت مكرهاً ودخلنا..
بعد تجاوزنا المدخل الحديدي الأنيق, شعرت بأنني انتقلت من مملكة بدوية إلى جمهورية أوروبية! تجمّدتُ مأخوذاً من جمال المكان! أنواع نادرة لأحدث السيارات وقد صُفّت بعناية إلى جانب بعضها البعض وكأنها في معرض دولي للسيارات. وعلى جوانب حديقة البناية الحافلة بأندر أنواع نباتات الزينة تناثرت مجموعة أراجيح وألعاب أخرى للأطفال, بالإضافة إلى عدة بيوت قرميدية صغيرة (إسطبلات للكلاب) كالتي نشاهدها في أفلام الكرتون.
وقفنا حيارى مشدوهين!
تقدّم منا حارس البناء مستوضحاً:
- أهلاً وسهلاً, أية خدمة؟
أجبته متلعثماً بعد أن بلعت ريقي بصعوبة:
- الحقيقة, سمعنا أن ثمة شقة معروضة للبيع وقد اتصلنا مع صاحبها واتفقنا على اللقاء في مثل هذا الوقت..
- آه, قصدك شقة الأستاذ حيان أفندي..
- أعتقد هو..
- تفضّلو.. الشقة في الطابق الثاني على اليمين..
توجهنا إلى الشقة وقد أدركت أننا على وشك الدخول في متاهة مجهولة السراديب.. مرة أخرى حاولت الرجوع, لكن زوجتي شدّتني من يدي وسددت نظرة مؤنبةً باتجاهي.. رمقتها بنظرة مماثلة متوعّدة هامساً من بين أسناني:
- (طيب, منتحاسب بالبيت)
عندما فتح الأستاذ حيان الباب, فاحت رائحة زكية لم يتمتع أنفي بشمّ مثلها في حياتي.. وحرصاً مني على إضفاء شيئاً من المرح يبدد حالة التبخيس الوجودي الذي خيّم علينا من لحظة دخولنا الشقة, بادرته مجاملاً بعبارةٍ مبللة بالمديح:
- عطر الورد يسبق الورد أستاذ حيان!
ضحك معجباً بعبارتي هذه وأجاب بتهذيب جمّ:
- هذا بعض ما لديكم أستاذ.. أهلاً وسهلاً تفضلو..
فوجئت بأن الشقة شبه خالية! تحوي القليل من الأثاث! واستأنف قائلاً:
- لا تؤاخذوني يا جماعة كما ترون, الشقة حديثة, ولم أبدأ بفرشها بعد! الحقيقة أنه لولا اضطراري المفاجئ للسفر إلى كندا, لما فكرت في بيعها إطلاقاً.. انظروا.. لقد أشرفت على تجهيزها بنفسي شخصياً..
وقبل أن يستطرد بشرح مواصفات الشقة, شعرت بأنني أؤدي دور أسوأ ممثل فاشل في العالم..
وخوفي من افتضاحي السريع, حاولت إنهاء المقابلة بأسرع وقت ممكن فبادرته قائلاً:
- أستاذ حيان! حرصاً على وقتك الثمين وعلى وقتنا أيضاً, أرجو أن نتحدث بالسعر. الشقة تبدو جيدة ولا داعي للتجوال فيها.
فقاطعني قائلاً:
- ولَوْ أستاذ! لم أشرب قهوة المساء بعد, أنا بانتظاركم, و لم نتعرّف على بعض, ثم لِمَ العجلة؟ تعال والْقِ نظرة على الشرفات الثلاث.. تعال وتفرّج على الحمام, أتعلم؟ كلّفني بمفرده 350 ألف انظر إلى الجبصين وديكوره الجميل.. لقد كلفني 300 ألف! بالله عليك انظر إلى السيراميك والمرمر.. لقد كلفني أكثر من 400 ألف! الأبواب! هل تعلم أن الخشب اشتريته من غابات الأمازون!
قلت بنفسي إذا كان ما ذكره حتى الآن قيمته أكثر من مليون ليرة! فكيف سيكون ثمن الشقة 800 ألف ليرة! عندها أيقنت بأن الرقم هو 8 مليون وليس كما ذكرته جريدة "الوسيلة" بخطئها المطبعي!
ولما كانت المرأة بطبعها الأنثوي فضولية, فقد حسمت الموقف بقولها:
- لن نخسر شيئاً, فلنقم بجولة في أرجاء الشقة.. لقد جئنا إلى هنا من مسافة بعيدة ليس من أجل التفاوض على السعر وحسب..
ولشدّ ما أرعبتني الأريحيّة التي تتحدث بها زوجتي, وخاصة عندما أفصحت عن بعد موطن سكننا عن هذه الشقة! وخوفاً من أن يباغتها بسؤال: (وأين تسكنون يا أختي؟) فقد تجيبه وبمنتهى العفوية والصدق بأننا نسكن بأحقر حيّ شعبي في هذه المعمورة! لذلك سرعان ما وافقتها على القيام بجولة في ربوع هذه الشقة..
وبينما نحن نتجوّل بالشقة وسط انبهار لم أعشه بحياتي سألته:
- لم تقل لي أستاذ حيان! ما هو آخر كلام بالنسبة للسعر؟
توقف لحظة مفكراً وأجاب:
- آخر كلام؟ يا سيدي إكراماً لكم - والحقيقة أنني ارتحت لكم كثيراً - سوف أبيعكم بسعر التكلفة ولن أتقاضى منكم ليرة واحدة زيادة..
- يعني كم؟
- سبعة ونصف ..
- ألا يمشي الحال بسبعة؟
- يا ريت يا أستاذ..
- أعتقد أن سبعة مناسبة..
توقف ثانية وأشعل سيجاراً ضخماً لم أره سابقاً إلا في أفلام السينما.. وأخذ نفساً ثم التفت صوبي وقد أشرقت عيناه ببريق النصر:
- تكرم أستاذ لن أخجّلك, طالما أن الشقة أعجبتك وأعجبت المدام, فلْيكن السعر مناصفة فيما بيننا, سبعة وربع! ماذا قلت؟
نظرتُ إلى زوجتي مستفتياً ومستنجداً بالوقت نفسه, برمتْ شفتيها وكأنها قذفت الكرة بمرماي! لكنني لم أستسلم فبادرتها سائلاً:
- ما رأيك مدام؟
- الشقة جميلة..
- أسألك عن السعر وليس عن جمال الشقة..
- نفكّر بالموضوع..
- وهو كذلك.. (إنه أفضل حلّ, قلت بنفسي) أستاذ حيان سنفكر بالموضوع ونردّ لك الخبر في غضون يومين أو ثلاثة بالكثير..
- الحقيقة أن الراغبين بشراء الشقة كُثر, وأرجو أن تحسموا القرار بسرعة من أجل مصلحتكم, صدّقوني لن تجدوا شقة أفضل منها وبهذا السعر..
- لا شك في ذلك, لكنني اعتدت على عدم التسرّع في اتخاذ قراراتي.. ومع ذلك أعدك بتقديم الردّ غداً.. تمام؟
- أوكّيه.. تمام!
لدى خروجنا من الشقة وهبوطنا الدرج, أحسست بأن جميع الكلاب المسعورة في العالم تنبح خلفنا وتطاردنا. وخشية أن يراني الأستاذ حيان أستقلّ سرفيساً فينكشف المستور, انعطفت مسرعاً إلى شارع جانبي, سابقاً زوجتي بخطوات وأوقفت أول سيارة أجرة عابرة, وألقيت بنفسي في مقعدها, وتنفست الصعداء..





#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القتل الرحيم
- الاحتفال الطبقي
- عزة نفس
- بعض أسرار الحرب السادسة
- القدر
- ما أحوجنا إليها
- قانا
- بين نارَين
- .com نفاق www.
- لقاء لم ينشر مع الفنان التشكيلي الراحل : فاتح المدرّس
- من مذكّرات شبّيح
- أرجوكم.. قبل أن أموت
- التذكرة
- من غير وداع
- دور الفساد في تحوّل الفراشة إلى.. جراد
- فتاوى
- الحبّ والسياسة
- العين الزجاجيّة
- بيان ختامي لقمّة عربية
- مباحثات سرّية


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - سوبر ديلوكس