|
الصحافة المصرية لحظـات مضيـئـــة
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 766 - 2004 / 3 / 7 - 09:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
توارى الزمن الذي قال فيه شاعر العامية بيرم التونسي : " أمشي حافي .. ولا أشتغل صحافي " ، وكان ذلك بسبب الحالة المتردية للصحافة والصحفيين في مصر عندما كان الصحفي محتقرا إلي حد أنه عندما تزوج الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد ابنة الشيخ السادات أقام أبوها دعوى عليه يطلب إلغاء الزواج لأن الشيخ على يوسف صحفي ! وحكمت المحكمة الشرعية بالطلاق على أساس أن الصحافة مهنة لا يتخذها سوى شخص وضيع ! توارى الزمن الذي منحت فيه الحكومة ترخيصا لسليم تقلا بإنشاء جريدة الأهرام فاشترطت في التصريح ألا يتعرض صاحبها: " للدخول مطلقا في المواد البولوتيقية وامتثاله لقانون المطبوعات " ! والبيان الختامي للمؤتمر العام الرابع للصحفيين المصريين الذي أنهى أعماله منذ أيام أكبر دليل على الفرق بين ما كان وما يجري اليوم . فقد جعل البيان الختامي للمؤتمر الأولوية للهموم العامة والقضايا الوطنية في إشارة صريحة إلي الدور الوطني للصحافة وكتابها . وينقسم البيان الختامي للصحفيين إلي قسمين : " الباب العام " ، ثم " التوصيات " . وتبلور مقدمة البيان نظرة عامة صحيحة لواجب الصحافة وطبيعة الخطر الرئيسي الذي تواجهه بلادنا اليوم معتبرة أنه : " ضراوة العدوان الصهيوني والأمريكي على الشعبين الفلسطيني والعراقي ، وتزايد محاولات الهيمنة التي تشكل مشروعا استعماريا يتقنع بشعارات الديمقراطية والتحديث في ظل العجز العربي الشامل عن مواجهة الهجمة " . ويرى الصحفيون أن الدفاع عن استقلال وكرامة الشعوب العربية واجبهم الذي يستلزم تطوير الأوضاع الداخلية فيطالبون بإلغاء حالة الطوارئ وكافة القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات ، والالتفاف حول مطلب الإصلاح السياسي والدستوري ، وإرساء دعائم الديمقراطية والحريات العامة ، والاعتراف بحقوق المواطن المصري السياسية والاقتصادية . ثم يمضي البيان بعد ذلك إلي تفصيل أحوال المهنة ومشكلاتها التي تبحث عن حل . وما يعنيني هنا هو تلك النظرة التي تحدد التزام الصحفي المصري بقضايا المجتمع ، انطلاقا من أن الصحافة " رسالة " كما كان سلامة موسى يلح ويكرر ، وهي رسالة قامت بها الصحافة الوطنية قدر استطاعتها منذ نشأة الصحافة في مصر في مواجهة التخلف والاستبداد والحظر بل والنظرة الاجتماعية التي اعتبرت أن الصحافة مهنة وضيعة . وقد نشأت الصحافة في مصر مع صدور " الجورنال "عام 1813 بأمر من محمد على لسد حاجة الحاكم إلي تقرير منتظم عن نشاط الدواوين الحكومية ، وفي عام 1828 تحول الجورنال إلي جريدة " الوقائع "التي لم تتجاوز حدود النشرة إلا أن تولى رفاعة رافع الطهطاوي عام 1841 الإشراف على الوقائع فصارت تنشر مقطوعات أدبية وأنباء العالم الخارجي ، وبذلك قفزت الصحافة إلي منطقة الدور الإعلامي . ولم يكن ذلك الدور الجديد يعني أن الصحافة قد نضجت لتصبح صحافة رأي وموقف ورسالة . لكن الحرب التركية الروسية عام 1877 ، ودخول مصر الحرب مجبرة إلي جوار تركيا ، أشعل الأزمة الداخلية ، فعرفت الصحافة طريقها إلي الرأي والموقف . وكانت تلك الحرب حجر الزاوية في تطوير الصحافة الشعبية إلي صحافة حرة، فخاضت الصحف لأول مرة بعد خمسة وستين عاما من نشأتها في انتقاد الوضع السياسي صراحة ، وغض الخديوي إسماعيل النظر عن تلك الجرأة لحاجته إلي إظهار الاستياء الشعبي لتركيا وتبرير عجزه عن مساعدتها . ولذلك أصبح عام 1877 هو العام الذي تحولت فيه الصحافة إلي الموقف الوطني . ومنذ ذلك الحين ظهرت صحف لا حصر لها ، تقول كلمتها في وجه الدولة ، وتغلق ، وينفي أصحابها ، بينما يحتفظ التاريخ بأوراقها بين يديه لتقرأها الأجيال اللاحقة . وكانت القضية الأولي لكل تلك الصحف هي قضية الوجود الأجنبي ، والاستغلال، والاحتلال ، والاستبداد السياسي . وللمرة الأولي في تاريخ مصر تصف إحدى الجرائد الخديوي إسماعيل بأقذع الألفاظ فتقول إنه : " أنفق مائة ألف جنيه من دم الفلاح وأنه بمثل هذه التصرفات السيئة يفضي بالبلاد إلي الهاوية " فتأمر الحكومة بإغلاق الجريدة . وتكتب جريدة أخرى هي " مرآة الشرق " لمحررها إبراهيم اللقاني عن أسباب الفساد الذي تفشى فتقول إن السبب هو الحكام الذين : " لا يعرفون شرعا ، ولا يرضون قانونا ، بل تعدوا الحدود وانتهكوا المحارم ، وحاربوا العدل ، فطغوا وبغوا ، ونهبوا وسلبوا ، وأفراد الرعية على مرأى منهم حفاة عراة يتضورون جوعا " . وينشر أديب اسحق مقالاته النارية في جريدة مصر مهاجما قانون المطبوعات ويندد بالامتيازات الأجنبية فتغلق الحكومة صحفه وتأمر بنفيه إلي باريس ، فيصدر من هناك صحيفة " مصر القاهرة " ويكتب فيها : " سأكشف حقائق الأمور .. وأوضح معايب اللصوص الذين نسميهم اصطلاحا أولي الأمر، ومثالب الخونة الذين ندعوهم وهما أمناء الأمة " . وعندما تجمعت في الأفق نذر الثورة العرابية ظهرت صحف عبد الله النديم التي حمل فيها على طغيان الحكام ووصف بؤس الفلاح ودعا للثورة . ومع مقدمات ثورة 1919 كان قد تبلور على نحو نهائي إدراك ووعي بأن الصحافة قادرة على النهوض برسالة هامة وخطيرة إن هي أرادت أن تصبح صحافة ذات ضمير ، وهو ما قامت به صحف كثيرة مثل صحيفة اللواء التي أسسها الزعيم مصطفي كامل ففتحت نيرانها على الاحتلال وأيقظت الشعور الوطني مع صحف أخرى وأقلام عديدة . وفي تاريخ الصحافة المصرية إذن ما يدفع الصحفيين المصريين للافتخار بأقلامهم ودورهم وانتمائهم إلي وطنهم وانشغالهم بقضاياه ، وصحافة وراءها كل هذا التاريخ جديرة بأن تكتب بيان مؤتمرها الرابع على هذا النحو وجديرة بأن تحقق مطالبها الوطنية والمهنية ، ويحق لمثل هذه الصحافة أن تعتز بما أنجزته وبما سوف تنجزه من أجل الدفاع عن استقلال وكرامة بلادنا وإلغاء حالة الطوارئ وكسر المشروع الاستعماري المقنع بالديمقراطية والتحديث . *** أحمد الخميسي – كاتب مصري
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرد على العملية الأخيرة في العراق
-
محمد صدقي .. وداعا
-
البيان الختامي للملتقى الأول للجان الشعبية المصرية لدعم الان
...
-
ليس من جدار واحد ينشع دم الفلسطيني
-
مضارب الأهواء عمل جديد لإدوار الخراط
-
صورة الإسرائيلي في مصر
-
ديوان - وطنيتي - قصة الروح الثائرة
-
زراعة الكارثة في مصر
-
الزهرة السوداء لحضارة الروائي العالمي - كوتزي
-
بطاقة لطفل فلسطيني عام جديد .. يا حبيبي
-
زهور قليلة في حقل الهزيمة
-
عام ثالث .. على - حوار متمدن
-
جائزة الثقافة الأمريكية في مصر
-
نجوم كثيرة .. وقمر واحد في وداع حمزاتوف
-
صــنــع الله إبــراهــيــم رسالة من على المنصة
-
الكتاب والمثقفون المصريون : لا .. للعدوان على سوريا ..
-
المثقفون والأستاذ
-
لثورة اليمن ، والتطور ، وليلى
-
المثقفون المصريون : تحية للشعب الفلسطيني ولرئيسه المنتخب
-
اتحاد الكتاب العرب نوما عميقا وشخيرا عاليا
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|