محمد منير
الحوار المتمدن-العدد: 2484 - 2008 / 12 / 3 - 00:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
استيقظت يوم الثلاثاء الماضى مبكراً كعادتى , وعلى غير عادتى توجهت لأنزع ورقة من النتيجة المعلقة على الحائط الايسر بغرفة مكتبى المستباح من افراد اسرتى الاعزاء.. وعلاقتى بأوراق النتيجة تتسم دائما بقدر من الجبن فأنا دائما ما أخشى أن اصطدم بتاريخ يفرض على سلوك ما.. كعيد ميلاد واحدة من بناتى والذى ينتهى دائما بحالة افلاس تصيب جيبى لأسبوع يعقبه , أو ذكرى يوم زواجى فأضطر الى إعادة عبارات قلتها مرة واحدة منذ عشرين عام وانتهى الامر بى الى ما أنا عليه .
ورقة النتيجة التى اقتلعتها كشفت عن تاريخ 25نوفمبر الذى بمجرد أن لمحته خطفتنى ذكريات قوية وسحبتنى الى الماضى 32 عام وانقسم عقلى القلق الى مشهدين واضحين ما بين 25/11/1976 و 25/11/2008 .
فى يوم 25 / 11 /1976 خرج طلاب مصر من مختلف جامعتها فى مسيرة بدأت من جامعة القاهرة وتوجهت الى مجلس الشعب وكان هذا اليوم هو اليوم الختامى لأسبوع نظمه طلاب جامعات مصر واستضافته جامعة القاهرة تحت اسم " الجامعة والمجتمع " شهدنا خلاله ندوات ومحاضرات ناقشت معظم القضايا التى شغلت المجتمع المصرى آنذاك وساهم فيها مفكرون واساتذة وعلماء اجلاء ناقشونا بكل صراحة فى قضايا اقتصادية واجتماعية ودينية وفنية , اختلفنا امامهم على الموقف من الحكم واعلنا رفضنا لسياسة الدولة وسياسة الحاكم ولم يغضبوا أو يخافوا , وافقنا بعضهم واختلف معنا البعض الآخر , اطلقتا هتافتنا التى تعبر عن الواننا المختلفة والتى يجمعها اطار واضح من النضال والصدق فجعلها حزمة متسقة متلائمة رغم اختلاف الوانها .
زملائنا من اسرة عبد الحكم الجراحى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية يهتفون " عبد الحكم يا جراح اوعى تفكر دمك راح , ياشعب بين السرايات قتلوا فيك الحريات... ( عبد الحكم الجراحى استشهد اثناء مظاهرة طلابية ضد الانجليز عام 1935 ) وقف الزملاء رضوان الكاشف واحمد عبد اللطيف ( رحمهما الله ) بجانب الزميل سمير حسنى من اسرة مصر بكلية الاداب يناقشون الطلاب امام المدخل الرئيسى حول قرار مجلس الامن 242, مجلات نادى الفكر الاشتراكى التقدمى تم نشرها متجاوره لتشغل نصف الحديقة الدائرية فى مدخل الجامعة والنصف الثانى تشغله مجلات نادى الفكر الناصرى وحولهم حلقات نقاش ساخنة وطلاب يتبادلون البيانات والدراسات والاوراق الملتهبة .... اعضاء نادى الفكر الاشتراكى التقدمى , الذى جمع عناصر من كليات جامعة القاهرة تحت قيادة تشكيل طلابى منتخب يرأسه طالب الهندسة احمد بهاء الدين ذو الشعبية الجارفة من كل اتجهات الجامعة , تنافش حق تكوين الاحزاب والانتخابات الامريكية وتستعرض وثائق مركز ابحاث بروكينجز وكلها مذيلة بشعار النادى الدائم " كل الديمقراطية للشعب كل التفانى للوطن " .... من كلية الهندسة شاركت جماعة انصار الثورة الفلسطينية والتى كانت ترى أن الامل فى الثورة الدائمة ولا أمل فى التشكيلات الديمقراطية الممنوحة فى ظل سلطة فاسدة وعميلة ... وبالقرب من مدخل الجامعة يقف الطالبان فريد زهران ونذار سمك ( رحمه الله ) يوزعان منشور اسرة عبد المجيد مرسى بكلية الزراعة والذى شاركتهم فيه اسرة مصر من كلية الاداب وعنوانه " العالم كله من صنع ايدينا والعالم كله يجب أن يعد ملكا لنا " .... وجماعة التقدم من جامعة عين شمس شاركت بدراسات ولافتات ... ووقف الطالب محمد شهاب سعد الدين ( رحمه الله ) من كلية الاقتصاد فى قاعة المحاضرات الكبرى بكلية الحقوق خلال ندوة للدكتور حسن حنفى ملقيا خطبة رصينة قوية لا ينقصها الادلة والبراهين حول التاريخ السياسى الانتهازى لجماعة الاخوان المسلمين اعقبها تصفيق حاد فى القاعة وهتافات تدعو للوحدة الوطنية .
وفى صباح يوم 25/11/1976 قام الخريج حديثاً المهندس كمال خليل محمولا كعادته على الاعناق بقيادة مسيرة من اكثر من 500 طالب بعد حفل للشيخ امام ويخرج بهم من ابواب الجامعة الى مجلس الشعب مرددين هتافات " يا حكومة خاينة ورجعية عايزين احزاب شعبية- بالروح بالدم حنكمل المشوار- عايزين حكومة حرة- لعمال النقل العام تأييدنا الكامل التام - ياللى حاكمنا بالمباحث كل الشعب بظلمك حاسس- الرئيس الديموقراطى عاوز كل الشعب يطاطى - ياللى حاكمنا باسم الدين انزل انزل من عابدين , " جعانيين جعانيين جعانيين.. نكذب نكذب نكذب لو قلنا شبعانيين "
ورفعت المسيرة لافتات لا للاحزاب الرجعية مطالبنا احزاب شعبية- نطالب برفع الاجور وربطها بالاسعار- تسقط اتفاقية سيناء - لا. لا. لانفتاحهم الاقتصادي.
وقفت المسيرة امام مجلتى روز اليوسف وصباح الخير هاتفة " عاوزين صحافة حرة .. دى العيشة بقت مرة " وخرج البعض من صحفيى المجلتين رافعين ايديهم بعلامات النصر وشاركوا فى المسيرة حتى مجلس الشعب حيث توقفت المسيرة هاتفة" يا مجلس شعب صباح الخير ياللى رئيسك مليونير" ,," يا مجلس شعب مساء الخير ياللى رئيسك قط سمين" ( ماذا لو رأوا القط بتاع 2008 ) ما علينا .. وقف الطالب امير سالم من حقوق عين شمس يقرأ الوثيقة والمطالب التى وقع عليها الطلاب وتتضمن 12 مطلب للحركة الطلابية آنذاك وهى :
" 1- رفض صيغة الاحزاب الحكومية.
" 2- الغاء التشريعات المقيدة لحرية الجماهير.
" 3- الغاء كافة الاجهزة الاستثنائية مثل نيابة امن الدولة ومباحث امن الدولة.
" 4- تحسين وسائل المعيشة وجعل الحد الادنى للاجور 30 جنيها.
" 5- حق الجماهير في اتباع جميع وسائل الامتناع والتظاهر والاضراب.
" 6- الغاء جميع البدلات لكبار موظفى الدولة.
" 7- رفض السياسة الحالية التي ترمي لرفع الدعم وتشريد القوى العاملة.
" 8- رفض الانفتاح الاقتصادي .
" 9- رفض اتفاقية الفصل .
" 15- رفض تواجد اجهزة الانذار والتجسس الامريكى بسيناء .
" 11- رفض قرار مجلس الامن رقم 242.
" 12- حق اقامة فصائل المقاومة والعمل بمصر وحق الشباب العربى في التطوع بها.
المطلب الاول هو رفض صيغة الاحزاب الحكومية وكانوا فى ذلك الوقت ثلاث احزاب .. حزب التجمع وحزب الاحرار وحزب مصر .. ورأى الطلاب فى ذلك الوقت انه من غير المنطقى أن تنشئ الحكومة والسلطة المستبدة الاحزاب المعارضة لها .. وأن هذه الاحزاب لها دور ديكورى لتجميل صورة مصر فى الخارج وفى نفس الوقت لأستيعاب حركة المد الجماهيري داخل مصر وخاصة اليسارية .
ومابين 25/11/1976 و25/11/2008اتذكرالبعض من اداء هذه الاحزاب.... اتذكر برنامج انتخابى لحزب التجمع فى نهاية السبعينيات يقول فيه نرفض نهج كامب ديفيد وهى صيغة وسيطة لم تقطع بالرفض لفكرة المفاوضة مع العدو الصهيونى .. اتذكر رئيس حزب الاحرار ( اليمين ) مصطفى كامل مراد عندما كان فى مقدمة المسافرين مع السادات الى اسرائيل مبررا فعلته انه كان بجانب صديق فى يوم عسير , وبينما كان البند الثانى من وثيقة الطلاب فى 1976 يطالب بإلغاء التشريعات المقيدة لحرية الجماهير , اتذكر حزب العمل عندما كفر وحرض على "حيدر حيدر" مؤلف رواية وليمة اعشاب البحر وتسبب فى مجزرة ضحاياها من الطلاب الابرياء الذين تلاعبت الجريدة والحزب بمشاعرهم الدينية .. اتذكر الهزل فى احزاب لا نذكر اسمها شوهت ودمرت الحياة السياسية , اتذكر رئيس حزب معارض قديم معين فى مجلس الشورى وهو يقف قى المجلس الاعلى للصحافة مطالبا بحق فصل الصحفيين . اتذكر نفس الحزب الذى وقف امام الفلاحين وطردهم من مقره عندما طالبوه بالوقوف ضد قانون الارض الزراعية الجديد والذى سيشردهم .. اتسأل إذا كان حزب معارض فى بيان له يطالب الحكومة بتحمل مسئولية فشل سياسة الخصخصة عبر 18 عام , فهل يتحمل هذا الحزب مسئولية فشله كحزب معارض فى التعبير عن الجماهير طوال أكثر من 30 عاما , وهل يتحمل مسئولية تحولة من حزب جماهيرى الى فرقة امن مركزى فى يد الحكومة يبرر تصرفاتها وينكل بمعارضيها وينشر الفساد والاحباط وسط المعارضين " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ".... اتذكر الفرق بين تنظيمات تربينا فيها كنا ندفع اشتراكات لها من اقواتنا عن طيب خاطر لاستمرارها فى النظال دفاعا عن مصالح ابناء هذا الشعب وبين احزابهم التى تحولت لمراكز جباية وثراء وتبرير لسياسات النهب والاستبداد وفساد رجال الاعمال ....اتذكر زملاء ممن قبضوا على مواقفهم كا لقابض على قطعة جمر فلاقوا الامرين على يد قيادات هذه الاحزاب التى تحولت الى ادوات عمياء فى يد الحكومة .. اتذكر واتذكر لينتهى بى الامر وأنا على يقينين.......... الاول هو أننا زمان كنا " صح " وخاصة فى المطلب الاول من وثيقة 25/11/1976 , والكلمة للجيل القادم ,والثانى هو أننى لن أنزع ورق النتيجة مرة أخرى وربنا يكفيكم ويكفينا شر الفكر .
#محمد_منير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟