رياض سبتي
الحوار المتمدن-العدد: 2483 - 2008 / 12 / 2 - 07:36
المحور:
الادب والفن
( انه الموتُ السعيد ُ : جاءك الآن فانعم ْ به مطروداً من الارض ِ , ليرحل بك َ سيّداً , وأمينا ً على حكمتك الأولى )
كمال سبتي
( ثلاثية حروف المصحح ) 1986-1987
في مقاليه ( كيف يكتب التاريخ ) و ( كيف يكتب التاريخ من جديد ؟ )اللذان نشرهما في موقع كتابات تطرق الاستاذ امير الحلو (نائب رئيس تحرير جريدة القادسية )سابقا, الى ديمقراطيته في نشر الحلقة الاخيرة من كلمات في المهب للشاعر الراحل كمال سبتي ومحبته الكبيرة التي يكنّها للراحل , وكيف انه احتضنه عن طريق تشغيله في الصحف بدلا من المشاركة في الحروب , هذا كلام جميل ومفيد ايضا للذي يريد ان يكتب التاريخ فعلا لكن الواقع يقول غير ذلك , فمثلا اشتغل الشاعر كمال سبتي منذ قدومه الى بغداد من مدينته الناصرية في عام 1974 في العديد من الصحف والمجلات انذاك اذكر منها مجلة الاذاعة والتلفزيون ومجلة فنون ثم مجلة الطليعة الادبية وكان ينشر ايضا في مجلة الاقلام , وهذا يدل على ان خبرة الشاعر في الصحافة لا تحتاج الى احتضان من اي شخص ما خصوصا وان الاستاذ الحلو قد اعترف بقدرة كمال في اللغة العربية وهذا ما جعله مصححا في الجريدة , اما في ما يتعلق بـ (بدلا من المشاركة في الحروب ) , الكل يعرف ان في سني الحرب انذاك كانت هناك انتدابات لمنتسبي دوائر الدولة منها التعليمية ومنها الخدمية ومنها الثقافية , وكان منهم , المهندسون والمعلمون والمسرحيون ونخبة من الادباء والكتاب , وكان الراحل من ضمنهم بعد ان خدم في مركز تدريب مشاة البصرة في الناصرية وثم في مركز تدريب مشاة الموصل وبعده خدم في مدرسة ضباط الصف في معكسر فايدة ( يعني اصبح نائب عريف ) والسؤال هنا ماذا لوكتب كمال شيء ما عن الحرب او عن صدام ,؟ هل كان عليه ان يخدم في تلك المراكز ؟ ام ان حظوته عند السلطويين ستكون مثل رعد بندر او لؤي حقي مثلا او حتى حمندي ؟ .
يمضي الاستاذ امير الحلو في سرده غير المبرر لحادثتين خُيّل َ الي انه اراد بهما ان يظهر لنا مدى اهتمامهِ بالشعراء رغم صفته الوظيفية التي تتحم عليه غير ذلك , فهو يقول في مقاله الاول ( كيف يكتب التاريخ ) : { جاءني أحد العاملين ليخبرني بأن فلانا وهو شاعرنا قد جاء من زيارة الى (حدائق اتحاد الأدباء ) وكان في حالة شديدة من الإعياء بسبب ما تناوله في تلك الزيارة وذهب فوراً الى النوم من دون أن يصحح الصفحتين الثقافيتين........ وفي اليوم التالي وبعد أن صحا صديقنا أرسلت عليه مع زميل آخر شاركه (صنع التأريخ ) وحاسبتهما على ذلك ولم يكن لديهما ما يدافعان به عن نفسيهما } وفي المقال الثاني يذكر { هناك غرفة مجاورة لغرفتي يعمل فيها صباحاً الزميلان أحمد عبد المجيد ومنذر أل جعفر،و(يسكنها)المرحوم كمال في المساء،ودليلي على ذلك أنه سقط يوماً على منضدة مغطاة بالمرمر فسالت الدماء من جبهته،وهو أعرف بما فعلته له لإيقاف النزيف ومعالجته ،كما فتحت الحمام الخاص بغرفتي له ليستعمله باستمرار عندما يعود الى الجريدة في أية ساعة متأخرة ،وكنت أسمع صوت(الدوش)وأنا في فراشي } هل هذا كلام لمثقف يريد ان يكتب التاريخ ؟ واي تاريخ ؟ شخص سقط على منضدة وقام هو بتضميد جبهته؟ ما المبرر لذكر هاتين الحادثتين ان لم تكونا للتشهير او التجريح بشخصية شاعر رحل عنا قبل اكثر من ثلاث سنوات , بطريقة مأساوية؟ .
يصّر السيد الحلو على ان لا مآوى لكمال ويقول في مقال من يكتب التاريخ : { لقد كنت أحب الشاعر الراحل وأعطيته مكاناً للنوم في مبنى الجريدة التي نعمل فيها لعدم وجود مأوى لديه } وفي مقاله الثاني يقول : { هناك غرفة مجاورة لغرفتي يعمل فيها صباحاً الزميلان أحمد عبد المجيد ومنذر أل جعفر،و(يسكنها)المرحوم كمال في المساء } و االمعروف عن كمال انه كان يسكن فندقا رخيصا اسمه فندق الصياد في منطقة الميدان مقابل موقف للحافلات في نفس المنطقة , وقد ذكر كمال اسم الفندق في العديد من كتاباته وحوارته في الصحف العربية ومنها الزمان اللندنية والوطن الكويتية وصحيفة الرياض السعودية , وحتى في الصحيفة التي كان نائب رئيس تحريرها الاستاذ امير الحلو فقد كتب كمال في ( كلمات في المهب) وفي الحلقة الاولى من (في الكتابة الجديدة ) وفي السطر الاول تحديدا ما يلي : { في الصباح الباكر , ارتدي زيي العسكري , واهبط سلم الفندق وفي ذاكرتي .. الحافلة رقم (15 ) و سيارة ما للاجرة .. } وقد نشرت كتابات للراحل سبتي مقالا بعنوان فندق الصياد ربما لم يقرأه الاستاذ امير الحلو , او ربما قد قرأه بدليل انه تراجع وذكرالتالي : { وقد يكون لديه سكن آخر في الفندق } . لا ادري لماذا يريد الاستاذ الحلو ا ن يقنعنا بانه صاحب فضل كبير على الشاعر بايجاد مآوى له , رغم ان الراحل كانت له غرفة في ذلك الفندق الذي زرته فيه مرات عديدة وعلى مدى سنوات , وكانت اخر مرة تلك التي كانت قبل هروبه ا لمدوي باسبوع بعد ان سلمته اوراقه الثبوتية ( شهادة الاحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية ) .
يمضي الاستاذ الحلو في مقاله الاول ويقول : { لم يذكر انني اختلفت معه ادبيا وسياسيا ) وهذا غير صحيح بالمرة , لان خطاب كمال الشعري انذاك هو خطاب مغاير لخطاب السلطة ومؤسساساتها الثقافية بدليل تنظيراته الكثيرة عن الكتابة الجديدة وجعلها الملاذ اللآمن له وكما ذكر ذات مرة (ان الشاعر الجديد لا ينوي مطلقاً تحقيق وحدة الانطباع , بل انه يحاول- جاهدأً – ان يكو ّن قاموسه الجديد في الدلالة وفي تقديم تسمية للاشياء ). اما من ناحية ان الحلو لم يختلف معه سياسيا , فهذاغيرصحيح ايضا و في منتهى الخطورة هنا لان السيد الحلو يوحي للقاريء ان كمال كان مهادنأً للسلطة في العراق ( على افتراض ان كمال متفق تماما مع الاراء السياسية للسيد امير الحلو ), وموال لنظامها وغير معارض بالمرة لها , بدليل ان السيد الحلو لم يكن معارضا بل كان من ضمن الذين سخرتهم السلطة لخدمة اهدافها انذاك , وهذا يتنافى مع الواقع المعروف اذا ما عرفنا ان اغلب ما كان يكتبه كمال يحمل ايحاءات ضد السلطة والمقطع التالي يبين ذلك :
( صباح الخير .. ابحث ُ عن تماثيل َ نصف واقفة ٍ , زارتني في منام البارحة ِ كان لي فيها فم ٌ مطبق ٌ و ذراع ٌ مشلولة ٌ , حدثت ُ ابي عنك َ , صباح الخير يا مآواي البعيد , ارسم ُ في الشوارع ِ صورة ٌ للماركيز دي ساد , كيف اعطف على شحاذٌ ٍ أخرس بابتسامةٍ كاذبة , هي ذكرى ريفٍ قاحل .. اضعت فيه مراياي فرأيت في هيأة ِ مطرود ٍ من جمهورية افلاطون , تماثيل نصف واقفةٍ اقترحت علي َّ أن تكون سدأ منيعاً , قلت لم يُعد ْ لي آدم ضلعي , قال نصف واقفٍ : انا ذكرى كاليغولا .. (* ) من كان يجرؤ على تسمية رئيس النظام انذاك بالماركيز دي ساد ؟ النظام الذي كانت تخاف منه دول فما بالك بشاعر نحيف, ثم يكتب كمال في مكان اخر ويقول : ( لم أسأل سوى عني .. فقلت لهم : أليس هناك من يصغي الي ّ َ؟ فقال حارسهم : اينفخ سيدي في الطين ؟ كانت هيأة الطير اعتلت بوابة , حراسها يبكون والخرز الملون حدَّق بي , سأقتل قلت ) ألم يظهر لنا التلفزيون العراقي قصور صدام وبواباته التي كانت تعتليها النسور او الصقور ؟ , ولو لم يختلف معك سياسيا لعاش مثلما عاش شعراء السلطة في بحبوحة مالية كان يغدقها عليهم ولي نعمتهم ولما رحل عنا وهو لا يملك سوى خمسة وعشرون يورو في حافظة نقوده وقيمة فاتورة الكهرباء في حسابه المصرفي .
واخيرا يكيل السيد الحلو المديح للراحل كمال مثل : ( انه شاعر رائع )و (لكني ازعم ان حبي لكمال سبتي كان مميزا واحب الجلوس معه وسماع حديثه الشيق والمفيد ) , و ( لقد كنت احب الشاعر الراحل ), و ( محبتي الكبيرة لكمال ) , واقول للاستاذ امير الحلو ان كل ذلك لن يغيركتابة التاريخ فعلا , لان التاريخ لن ينسى ابدا ولن يغفر لك انك اول مثقف ومسؤول في صحيفة يعلق قرار اعدام الشاعر كمال سبتي على جدران صحيفته .
(ساقايَ نائمتان.. والبيت ُ ذكريات خدم ٍ لوّحوا لك ِ بالسؤال ِ عن الفخ ِّ .. أيّ فخّ ؟ قلت َ المسنون يبدأون القصة عادة ً بأغنية ٍ عن الفخ ِّ )**..
(*) كمال سبتي من قصيدة الانقاض اواخر 1987
(**)..كمال سبتي من قصيدة أعلى الحطب آب 1988
#رياض_سبتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟