مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2485 - 2008 / 12 / 4 - 09:58
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يأتي الأنسان ويذهب , ويبقى الكون , وتبقى الأرض تدور .. وتبقى الكلمة تدور . . وتتناقل من فم إلى فم .. ومن جيل .. إلى جيل .
" ففي البدء كانت الكلمة " ..
الكلمة الصادقة ( المقدَسة ) محترمة
احترمتها الشعوب البدائية , الوثنية , والمتديَنة , العلمانية , والمتحضَرة , والمتقدمة ..... لأنها بنت الضرورة , ونتاج العقل , والملاحظة , والمعايشة الحيَة للإنسان المتفاعل مع بيئته .
ولقد كانت الشعوب القديمة التي نسميها بدائية أو ( الوثنية ) , كانت تقيس الكلمة بالميزان , ميزان ( العدل ) والحكمة , وعلى ضوء النتيجة ينتقل صاحبها إلى الخلود ( العالم العلوي ) أو ( السفلي ) بعد الموت .. !؟
وعلى المتكلم أن يلفظ الكلمة كما هي تماماً دون نقصان أو زيادة , أو خطأ , أو تلعثم . سليمة الحروف , والنبرة الواضحة , واللفظ الصريح الصادق , دون خوف أو ارتجاف , لأن الكلمة كان لها مكانتها العليا في الحياة الأرضية , وفي المحاكمة الإلهية ( الدينونة ) حياة ما بعد الموت – حسب المعتقدات البدائية لتلك الشعوب .
هكذا تعامل الأقدمون مع الأبجدية .. مع الحروف .. مع الكلمة التي هي نتاج تطوَر حياة إنساننا القديم وطرق إنتاجه ..
ها نحن اليوم في نهاية الربع الأخير من القرن العشرين , والعالم قد توصَل إلى ذروة التطوَر التكنولوجي والعلمي المذهل .
نحن اليوم نعيش أيضاً .. بناء وتطبيق جميع أنواع الأنظمة الإقتصادية في العالم التي توصل إليها الفلاسفة , والثوار , والقادة في معظ بلدان كوكبنا الأرضي .
اليوم ... وليس غداً , نحن نعيش إجهاض , واعتقال , وتصفية حركات ونضالات وانتفاضات و ثورات عربية عملاقة .
ونشهد أعتى مظاهر الظلم والقيود والإستغلال والإستسلام واغتيال الشعوب ( شعوب العالم الثالث ) !؟ وبالتالي اغتيال الكلمة الحرة .والصادقة .
إنساننا الحر الشريف , المناضل , مصلوب حتى هذه اللحظة من عمر الزمن ..
جراح هنا .. وجراح هناك , مجازر تاريخية ( بشرية ) ترتكب في أكثر من ساحة عربية , أو عالمية , والعالم لا يتحرَك !؟
العرب , كل العرب يتفرجون , هم في مرحلة المتعة , متعة التعذيب .
العذاب اليومي مكتوب في سفر ايدينا .. مكتوب على جباهنا .. والخوف محفور في طرقاتنا .. بكتابات مسمارية في وحل وطين قيودنا .
لماذا ..؟ لماذا هذا الشريط الدرامي ..؟
هذا الأفق المدمَى يطلَ علينا كل صباح .؟؟
جواب بسيط .. بسيط جداً .. سأعترف به وأنام , سأنام مستيقظة على شاطئ غربتي .. وسواحل وطني الممنوعة عليَ إلا في حلمي .. ومساحات تفكيري اليومية ...
...... وهكذا الأمور معكوسة تماماً عن ( الماضي البدائي )..!!
....
إنها الكلمة .. الكلمة فقط هي المتهمة , الكلمة الحرَة الصادقة الصحيحة هي المطلوبة للمحاكمة ..
لأننا توصلنا إلى اّخر مرحلة في الإنحطاط الثقافي .. والسياسي والأخلاقي , مرحلة " العصر الحجري المعاصر " !؟
مطلوب رأس الكلمة .. مطلوب رأس الكلمة , ومستباح جسدها .. ومن يتفوَه بالكلمة الحق ..!؟
إذاً الكلمة مطاردة , مغتالة , معتقلة , ومشرَدة , هكذا يعيش إنساننا العربي في ساحة الإغتيال ..!؟
...........
الكلمة الطيَبة الأمينة عشق إنساننا منذ الأزل , حتى اّخر خطوة بالقافلة الحرَة الشريفة وطريقها اللامتناهي نحو النور والحرية ..
فطالما هذه تقاليدنا .. وعاداتنا الحلوة الجميلة .. فسنبقى أوفياء لشرف الكلمة .. أمناء على نقلها .. مهما كانت بعيدة .. وثقيلة .. وصعبة .
ولي ثقة أكيدة بأن الكلمة الصحيحة الصادقة الحرَة ستتبوأ عرش .. " إمارتها , وسلطانها " ... المعهود قديماً – مكانتها الحالية , على ألواح المدارس .. وفي صدور الأطفال .. وشفاه الكبار . وسينقلونها ككرة الثلج .. من جبل إلى جبل .. ومن قمة إلى قمة .. ومن جيل إلى جيل , لأنها كأشجار السنديان والزيتون والنخيل , جذورها في أعماق التربة .. جذورها في أعماق وجداننا .
... هذه المقدَمة تدفعني للقول والعمل معاً .
إنه الموروث , إنه الماضي , إنها الأصالة , الجذور . إنها العلاقات الإنسانية المقدسة النبيلة التي خلقتها الجماعات والأفراد في حياة مشتركة على سطح الأرض , فوق التراب والماء والهواء الذي أعطاها عصب الإستمرار والحركة والإبداع والكلام ... هذا الكلام " .أي الأمثال والحكم .... " المنسوب للعامة من الناس , ورثناه كما هو منمَق ومسجَع , وموزون , أحياناً هو أمانة بين ذاكرتنا وعقولنا .
ولئن كانت الأمانة مسؤولية ثقيلة وتاريخية , يجب أن نعطيها , ونسلمها لمن بعدنا بكل ذوق وفن وأخلاق وإخلاص , بعدما نحافظ عليها ونطوَرها ..
وبهذا نكون قد قمنا أو حققنا جزء من الواجب العلمي .. والإنساني .. والثقافي .. والإجتماعي .
ليس الإنسان الثوري الطليعي فقط هو الذي يؤمن بالأفكار الجديدة العلمية والمنطقية الجيدة , ويلقي بالقديم والتراث الشعبي جانباً .
وليس الإنسان الوطني أيضاً , والتقدمي , هو الذي يقرأ فقط أفكار وتجارب ونظريات الثوار والفلاسفة والعلماء والقادة والأبطال الروَاد في جميع الإتجاهات الفكرية والنضالية الذين حرَروا قارَات , وكسبوا حروباً , واستنهضوا شعوباً , كانت ترزح تحت نير الأنظمة الظلامية والعبودية والإقطاعية والإستعمارية عبر التاريخ ..... , أو فتحوا صفحات جديدة في عالم الإكتشافات والعلوم الجديدة والمجهولة , وقرَبوا البعيد البعيد إلى الواقع الملموس والحقيقة ..
إن ذلك لرائع وجميل , ولكن هذه المهمة غير كافية لتكوين المعرفة الشاملة , إذ لدينا جوانب أخرى لإكتمال ثقافة ومعرفة الإنسان الوطنية والثورية , ألا وهي الأصالة والإعتزاز بما أنتجه الأجداد عبر الممارسة الشعبية من الإبداع والفكر الذي يخدم التطوَر البشري ويضع العقل في مكانه الطبيعي , ليحلل ويقيَم ويستقرئ ما هو خيَر وتقدمي وجيد ومفيد في التراث , ونقد ونبذ ما هو ظلامي وعبودي متخلف لا يخدم عملية التطور بل يخدم تكريس السلفية المتحجرة وثقافة الطبقات المستبدة النهابة .
إن المرء الذي يعي دوره تماماً في المجتمع هو الذي ينبش وينبش .. يطالع ويطالع .. يقرأ ويقرأ .. ليعثر ويلتقط بحسَه المرهف الإنساني والطبقي , وفكره النيَر المضئ المتفتح على تراث وكنوز أسلافنا , وتجارب أجدادنا .. وخبرات وأقوال اّبائنا المكتوبة , والشفهية , هؤلاء الذين لم يتخرَجوا من جامعات :
دمشق أو حلب – بيروت أو بغداد – القاهرة أو عمَان – تونس أو الرباط – الجزائر أو الخرطوم – القدس أو القيروان واليمن والكويت وو وووالخ ...
إنما كان بعضهم يقرأ ويكتب في أحسن الأحوال , والبعض الاّخر أميَ تعلَم وتثقف من مدرسة الحياة والعمل .
كانوا بسطاء .. طيبين .ومنتجين . كلهم ثراء وغنى بالمعارف والتجارب والعمل والخبرات الحياتية .. لأنهم ساروا في دروب وعرة .. ونحتوا مسار معارفهم وتاريخهم بأيديهم وأحاسيسهم العفوية الفطرية وذكائهم الموروث الجماعي والحضاري المتراكم عبر العصور .
إنهم بحق .. زاد وينبوع وخميرة أرضنا الطيبة وجذورها الحية دوماً في التربة التي تنتظر حرَاثاً أمناء يستنبتونها من جديد بزنودهم السمراء وعرق جباههم , ومع الأسف , لم ندرك أهمية تجاربهم وأقوالهم وحكمهم تماماً بشكل واع إلا عندما فقدناهم الواحد تلو الاّخر ..
واليوم للحق أقول :
إنني أتمنى لو يعودوا ثانية إلينا لنتعلم منهم الكثير الكثير ..
تمنينا اليوم لو كنا بالأمس أكثر وعياً وإدراكاً تجاه الأجيال السابقة , لما يحملون من نتاج ما قبلهم بشكل شفهي موروث ( عادات , تقاليد , أغاني , حكم , أمثال , رقص , دبكات , شعر , ألعاب , أزياء , أشغال يدوية , ..... إلى غير ذلك .. ) التي كانت تعكس حياة الناس في تلك العصور .
وتمنيت لو كنت قد جلست معهم ساعات أطول لاّخذ وألتقط وأكتسب وأسجَل المزيد المزيد من المقابلات اليومية والوثائقية والتاريخية والطبقية , وعندها بالضبط نكون قد أفدنا أجيال المستقبل للتعلم من تاريخنا الشعبي الإيجابي بعيداً عن تاريخ القصور والسلاطين , والأمراء والملوك , لنكون أمناء لفهم الإيجابي من التراث , ودورنا التربوي الطبقي والديمقراطي , ليصبَ في حصيلة المعارف والعلوم الإجتماعية والإنسانية والثقافية الحضارية لأجيالنا المقبلة , ويغني تجاربها , ويحقق وصل الوشائج الميتة بين الماضي والحاضر عبر عملية التطوَر الإجتماعي والتاريخي وقوانينه العلمية المتطورة دوماً نحو الأفضل .
يقول المثل الشعبي : " من ليس له قديم , ليس له جديد " .
و " من ليس له ماض , ليس له حاضر " . ونحن نقول : لنجعل الجيَد الثوري والشعبي والمفيد من الماضي يخدم الحاضر والمستقبل في تواصل حضاري مستمر هدفه الأسمى تحرير الأرض والإنسان من الإحتلال الأجنبي والإستغلال والظلم والعبودية والفاشية .
مما تقدَم .. نستطيع تحديد المسؤواية في عرقلة التواصل الحضاري الشعبي , والتراث ونتاجه الفكري , وإدراك دوره , والإعتزاز به وتطويره في عصرنا , ليخدم في النهاية تحرر الإنسان والشعوب كافة , شاء الظلاميون والطغاة والأنظمة القمعية وأتباعهم أم أبوا , هذه المسؤولية التي تتمحور في المكوَنات السلطوية والمؤسسات التالية :
1 – الأسرة : ......للبحث بقية
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟