|
العولمة وسمات الأزمة المالية الاقتصادية
نزار عادلة
الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 03:35
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
تبين الأزمات المالية والاقتصادية التي تتعرض لها دول العالم بأن السمات الرئيسية للعولمة ربما كانت التالية: هيمنة مطلقة للاقتصاد المعولم "السوق العالمية المحررة من القيود" على كافة المجالات الأخرى: الاجتماعية والثقافية والأخلاقية الخ. وبالتالي اخضاع كل شيء لقانون السوق، للحساب الاقتصادي دون استثناء بما في ذلك العلاقات الاجتماعية الأكثر قدسية كالتعليم والثقافة والحقوق وغيرها. ويزداد الأمر فداحة بهيمنة الرأسمال المالي في الاقتصاد والسياسة، وينجم عن هذا هيمنة البرجوازية الريعية على البرجوازية المنتجة، مع انتشار الأنشطة الطفيلية البعيدة عن العمل الإنتاجي. كتوظيف المال في المصارف، والمضاربات في أسعار العملات والأسهم والسندات وغيرها، أيضا المضاربات العقارية والسلعية والوساطة في الصفقات المشبوهة والأنشطة المحظورة. والتسابق حول ريوع الموقع والنفوذ يضاف أيضا ريوع الملكية كالريع النفطي والريع العقاري وغيرها ويتقلص بالتالي دور العمل امنتج ومكانته الاجتماعية بشكل عام. يتحول الاقتصاد العالمي بل والمجتمع العالمي وبصورة متزايدة إلى نوع من كازينو وينتشر بالعلاقة المباشرة مع هيمنة الريوع، الفساد والشطارة والجريمة المنظمة وأنواع التهريب وتكاثر الدويلات الحرة كفراديس للشركات العالمية تمارس فيها كل الموبقات انفلات نوازع متوحشة وروح المغامرة والخديعة والوصولية وسحق الآخر دون رحمة. بكلمة موجزة، يسود قانون الغاب في المجتمع كما الطبيعة. يزداد التناقض حدة في المجال الاقتصادي المعولم، والمجال السياسي المتقوقع وراء الحدود القومية التقليدية وينجم عن ذلك أيضا تقلص دور الدولة في بلدان العالم النامي أو الثالث وهي أصلا دول رخوة تجاه الدول الصناعية القوية... وخصوصا تجاه المؤسسات العالمية والشركات متعددة الجنسية. ويجري التصنيف... تصنيف الأثرياء حسب ما يمتلكون من مليارات الدولارات وتصنيف الدول بحسب ما تحققه من معدل نمو وحجم إنتاجها الوطني وتصنيف الشركات حسب أرقام أعمالها وحجم أرباحها. ولكن ما هي سمات الأزمة العالمية الآن؟ وكيف نفهم أسبابها وتداعياتها على بلدان العالم وخصوصا البلدان النفطية الخليجية؟ الركود والكساد يعني قبل كل شيء عدم القدرة على تصريف السلع نتيجة لقصور القوة الشرائية لدى المستهلكين، وبالتالي تعطيل جزء من الجهاز الإنتاجي أو الطاقة الإنتاجية عن العمل وظهور بطالة بين العاملين. الركود الحالي يراد به ابتزاز المجتمعات لتقبل الإجراءات التي تمس حياته اليومية. كإلغاء الدعم عن المواد الغذائية. وعدم الحصول على السكن اللائق، وتدني مستوى الخدمات العامة وزيادة الرسوم وفرص الضرائب، والتلاعب بأموال الدولة. بشكل عام صراع ضاري بين كبار مالكي رؤوس الأموال في الشركات الكبرى والبورصات ومطلب هؤلاء سد الفجوة باستمرار ما بين القيمة الحقيقية للأصول التي في حوزتهم وقيمتها الكاذبة أو الوهمية التي تولدت عبر سنوات. الأزمة المالية الاقتصادية العالمية ليست أزمة ركود أو كساد، وإنما هي أزمة اجتماعية اقتصادية وأخلاقية عامة. الأسواق المالية وخصوصا في البلدان النامية والخليجية تحديدا ساعدت على توسيع فئة الريعيين في هذه المجتمعات فالمساهمون هم الرأسماليون الذين ينالون دخلا دون أن يمارسوا إنتاجا، وفي شكل الشركات المساهمة تظهر طفيلية الرأسماليين بوضوح فالمساهمين مجرد ملاكين في حين تدار المؤسسة عموما من قبل جهاز مأجور. وقد أدت المضاربات في أسواق الأسهم بمختلف أنواعها إضافةً إلى سياسة الإنفاق التي أنتجتها الحكومات الخليجية عبر 30 عاما إلى خلق رأس مال صوري لا يقابله أصول عينية. وقد أدى ذلك إلى نتيجتين، أولا التضخم النقدي وبالتالي ارتفاع الأسعار الذي يتخذ وسيلة لامتصاص القيمة الحقيقية للمدخرات البسيطة لدى عامة الناس وزيادة تكاليف المعيشة. وتقول التقارير أن 140 ألف عميل في السعودية توقفوا عن سداد القروض وقد تم ضخ هذه القروض في الأوراق المالية. مع الأزمة المالية تعالت الأصوات عن الركود الاقتصادي وضرورة تدخل الحكومات واتخاذ الإجراءات اللازمة لانعاش الأوضاع الاقتصادية. وتقوم الحكومات في هذه الحالة بزيادة الإنفاق وضخ المزيد من المال وشراء نسب من الشركات المضاربة وهكذا تتماشى سياسة الحكومات مع مصالح الفئات الطفيلية من الرأسماليين. طبعا من غير المتوقع أن تضع هذه الحكومات خططا للتنمية الاقتصادية وذلك لسبب واضح وهي أن الثروة والسلطة إذا تركزت في يد فئة محدودة لا يمكن الحديث عن التنمية الاقتصادية وإن آلية الارتباط بالرأسمالية هي التي تعمل على تطويق التطور في الأطراف التابعة لها وهي التي تقود إلى ربط رأس المال هذه الدول بدورة رأس المال العالمي ومؤسساته وشركاته المتعددة الجنسية والتي تحدد أشكال توظيفه وأين يوظف، عبر 40 عاما تبعثرت الفوائض النفطية من خلال تركز الثروة في أيدي فئات محدودة وبعد ذلك الاتجاه إلى انقاذ شركات ومؤسسات دولية شبه فعلة. ومن هنا فأن ما يتبناه رأس المال الاقطاعي ليس مصالح الدول الخليجية وشعوبها. وإنما كيفية حل مشاكل رأس المال العالمي الذي تنتابه أزمات حادة ضمن أزمات النظام الرأسمالي العالمي. وسبق في العام 1981 حيث اشترت الحكومة الكويتية شركة "سانتافي" الأمريكية بجميع أجهزتها وممتلكاتها مع الإبقاء على كادرها الإداري وطاقمها الفني ويقول الكاتب الكويتي محمد سليمان غانم في هذا العدد في كتاب صدر عام 1986 "مما هو جدير بالذكر ويدعو للسخرية هو أن المستر جيرالد فورد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق قد أصبح أبرز أعضاء مجلس إدارة الشركة الأمر الذي يوحي لنا بأن ذلك قد يبدو مكافأة له "لعدائه الصريح والواضح لمصالح الشعوب العربية والدول النامية وصداقته الحميدة لإسرائيل وصلاته الوثيقة برأس المال الصهيوني". المهم أن الصفقة بلغت قيمتها 2500 مليون دولار والكلفة بالضبط للثمن 3000 مليون دولار مقابل 51 دولار للسهم الواحد بينما سعر السهم في البورصة 24 دولار والقيمة الدفترية للسهم 11 دولار أي أن قيمة الشراء تعادل أكثر من ضعفي القيمة السوقية واعتمدت الصفقة على دراسة قدمتها مكاتب استشارية أمريكية. وفي هذا العدد يقول جاسم السعدون في القبس 4 حزيران 1985 "إن الحكومة فرطت بمليار ونصف المليار من الدولارات لصالح حملة أسهم سانتافي من كبار الرأسماليين في الوقت الذي تبخل فيه على المواطنين استمرار الدعم لبعض المواد الغذائية تحت سياسة "ترشيد الانفاق". الأزمة المالية الاقتصادية وضعت دول الخليج العربية أمام الإفلاس أيضا مع تراجع أسعار النفط وقد كانت عوائد الاستثمارات الخارجية تلعب دورا موازيا لقطاع النفط، ومكملا في التعويض أمام انخفاض الأسعار. ولكن الآن ما جرى أن أسعار النفط انخفضت والعوائد تآكلت أمام الإفلاس وأزمة أسواق الأسهم. وهكذا مع إهمال للقطاعات الإنتاجية غير النفطية وبدلا من أن تدعم الفوائض النفطية الاقتصاديات الوطنية من خلال توسيع القاعدة الإنتاجية، حدث العكس تماما. أصحاب رؤوس الأموال يرحلون باستمرار أموالهم إلى الخارج والمحصلة استنزفوا الاقتصاديات المحلية وامتصوا مدخرات بلدانهم عن طريق رفع الأسعار والمضاربات وأضافوا إلى أرصدتهم في الولايات المتحدة ودول أوربا وقد تآكلت الآن. ولا تزال الأزمة قائمة. هي درس لنا في كل الأحوال أسبابها الحقيقية زيادة حجم الأموال الضخمة التي ضخت بالقطاع العقاري حيث قدمت قروض لأعداد كبيرة ولشريحة واسعة في الولايات المتحدة. في ظل غياب دراسات الجدوى الاقتصادية مما ترتب عليه عدم الوفاء بالالتزامات المالية وتشكل النسبة 50% من المقترضين. إضافة إلى قيام البنوك باستقطاب الطرف الثاني المدين بفوائد متدنية. مما وفر قاعدة تسويقية ناشطة للعقارات بداية. نجم عنه ارتفاع سعر العقار وتحويلها لأصول مرهونة قابلة لإضعاف ديون أخرى. في كل الأحوال بدأت الإفلاسات ولكن أموال النفط جاهزة للإنقاذ!!
#نزار_عادلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحت يافطة محاربة الفساد في القضاء
المزيد.....
-
-اختيار محتمل للغاية-.. محلل يشرح السبب الذي قد يدفع إيلون م
...
-
المبادرة المصرية تطالب بسرعة تنفيذ القرار القضائي النهائي بإ
...
-
-نتنياهو ضحى بالرهائن الإسرائيليين من أجل مصلحته الشخصية- -
...
-
أمريكا أوّلا وآخرا.. وزير خارجية ترامب المرتقب يتعهد بتغيير
...
-
فيرتز نجم ليفركوزن يدخل دائرة اهتمام بايرن
-
الانضباط أولا..مدرسة ألمانية تفرض غرامة مالية على المتأخرين!
...
-
سلطات مولدوفا تعرض الاستقالة على رئيسة إقليم غاغاوزيا مقابل
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مصادرة 3300 قطعة سلاح ودبابات للجيش ال
...
-
ساعر يرد على بلينكن: إقامة دولة فلسطينية ستؤدي إلى إنشاء -دو
...
-
نوع من الجبن -يحارب- ألزهايمر!
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|