نص المقابلة التي أجرتها جريدة أ أكتوبر معه في العدد 79.
يجب على الجماهير عدم فسح المجال لتقسيمها وتصنيفها على أساس "اللغة التي ينطقون" بها و توزيع الهويات " القومية " المختلفة عليهم و التي ليست في صالحهم إطلاقاً، إذا نظرنا إليها من وجهة النظر الإنسانية. وعدم إفساح المجال للرد على الفاشية بالفاشية، هذا هو درس مهم يجب أن نستفيد منه، لعدم تكرار الظاهرة " الصدامية
اوكتوبر: "قرار حول الهوية الإنسانية لمدينة كركوك وحياة آمنة لأهاليها" وثيقة مهمة لتأمين الأمن والاستقرار في كركوك ولمنع الصراعات القومية فيها. نحن نشرنا هذه الوثيقة في الأعداد السابقة من الشيوعية العمالية. ولكن نرى من الضروري وفي هذه الفرصة، أن توضح أكثر تصور وحل الحزب للمشاكل العالقة في المدنية؟
سامان كريم: في البداية وقبل أن أجيب على سؤالكم، أرى من الضروري الإشارة إلى إن هذه الوثيقة أصبحت بشكل أو بأخر وميضاً للأمل في داخل صفوف جماهير المدينة، هذه هي نقطة مهمة وتجعلني أرى مستقبلاً آمناً ومستقراً لأهالي كركوك، وهذه بادرة تفرحني طبعاً. نحن وضمن نشاطنا العملي-السياسي في بعض المحلات والمؤسسات الحكومية، نعمل على جمع التواقيع لصالح هذه الوثيقة، وأهالي كركوك يستقبلوها بشكل رائع، وظهرت لنا إن أهالي كركوك فعلا يطمحون إلى الأمن والاستقرار وحياة آمنة، وفي هذا الإطار نحن في بداية الطريق. إن المشاكل و العوائق التي تواجه أهالي كركوك هي عدم وجود الخدمات المدنية العامة و قلة المراكز الصحية و المدارس باللغات المختلفة، و خراب الطرق ووجود العاطلين عن العمل وانعدام الأمن والاستقرار وقلة أجور العمال وارتفاع أسعار المواد الضرورية و الخوف من الصراعات القومية وانفجار الوضع، هذه هي مشاكل أكثرية أهالي كركوك.
وإجابة لسؤالكم، أنتم أشرتم إلى أهمية هذه الوثيقة لتأمين الأمن وصد الصراعات القومية. في هذا الصدد أريد أن أشير إلى نقطة مهمة وهي إن مرحلتنا الراهنة، هي مرحلة نهوض الجماهير بدورها الفاعل في سبيل عدم تكرار تجربة الحكومة المقبورة. أقول عدم تكرار التجربة، نظراً لأن القضية ليس سقوط حكومة البعث فقط، هذه الحكومة أصبحت مقبورة وانتهى، ولكن حكومة البعث وصدام ليس مسألة شخص واحد فقط، بل إن صدام كان يمثل بطلا قوميا لحركة القومية العربية، وعلى الأساس هذا جعل العراق جزءاً من " الوطن العربي" ووزع الهويات القومية على المواطنين في العراق، ودونها في دستورها المؤقت.على هذا الأساس بدأ بسياسة التطهير القومي وإلى أقصى ما يمكن. و أقدم على الأنفال و إلقاء القنابل الكيميائية وفي كركوك مارس سياسة التعريب حتى النخاع، و دفع بالسياسة الشوفينية إلى أقصى إمكانياتها. إن المهم هو كيفية منع تكرار السياسة اللاإنسانية هذه. إذن يجب على الجماهير عدم فسح المجال لتقسيمها وتصنيفها على أساس "اللغة التي ينطقون" بها و توزيع الهويات " القومية " المختلفة عليهم و التي ليست في صالحهم إطلاقاً، إذا نظرنا إليها من وجهة النظر الإنسانية. وعدم إفساح المجال للرد على الفاشية بالفاشية، هذا هو درس مهم يجب أن نستفيد منه، لعدم تكرار الظاهرة " الصدامية". و على الجماهير أن تقبل بالهوية الإنسانية في موضع هويات البعث. ولجلب انتباه الجماهير في العراق وخصوصاً لأهالي كركوك، منذ ولوج بحث " القومية" و " التقسيم القومي" و "العراق جزء من الوطن العربي" إلى الدستور والساحة السياسية في العراق، حيث دخلت هذه العناوين ولأول مرة في دستور 27تموز من سنة 1958، ومنذ ذلك الوقت لم تتمكن الجماهير في العراق وخصوصا في كردستان أن تتذوق طعم الراحة والاستقرار. عليه يجب على الجماهير أن تنظر بوعي إلى دورها ومكانتها في بناء وتشكيل الحكومة و الدستور الذي يمنع تكرار التجربة الصدامية. بهذا المعنى أن وثيقتنا هي وثيقة لصد كافة الممارسات والسياسيات ضد الإنسانية التي مارستها حكومة البعث المقبور. هذه الوثيقة هي دعوى و ضمان حزبنا لعدم تكرار هذه التجربة المرة. عليه يجب على الجماهير و أي طرف هو ضد تكرار التجربة الصدامية، أن يساند هذه الوثيقة وبقوة.
إن أي دستور أو اقتراح أو قرار من أي طرف كان، يلوح، أو فيه إشارة لها علاقة بالهوية القومية للعراق، أي تعريف العراق على إنه بلد قومي عربي، تضع مباشرة "القوميات" الأخرى في خانة الدرجة الثانية، إن لم يكن هكذا، فلماذا هذه الإشارة إذن؟. وفي الوقت نفسه أي طرف يعرف مدينة كركوك بهوية كردية أو عربية، يؤكد مباشرة على جعل " القوميات" الأخرى فيها بخانة الدرجة الثانية، إن لم يكن هكذا فإن هذه التعاريف ليست لازمة أصلاً. وفي هذا الصدد إن الإدلاء بحقوق "الأقليات القومية" باعتقادي بحث فارغ ليس له صلة بالحقوق إطلاقاً.في هذا الإطار هناك دستور 16 تموز سنة 1970 لحكومة البعث، الذي يوضح بصورة واضحة الحفاظ على "حقوق الشعب الكردي"ولكن معناه العملي يعني الأنفال وإلقاء القنابل الكيميائية و آلاف الإعدامات والسجون المؤبدة و القمع الدموي. هذه المقدمة لها أهميتها لأن بحثنا الأصلي في هذه الوثيقة هو إذا الجماهير في كركوك أرادت الاستقرار والأمن، والابتعاد عن الحروب والاقتتال فيما بينهم، عليهم بالضرورة الاعتقاد بهوية واحدة وهي الهوية الإنسانية، وهذا بغض النظر عن اللغة التي يتحدثون بها ومن أين جاءوا، إن الفقرة الأولى في وثيقة كركوك تشير إلى ذلك، أي تشير إلى إن مدينة كركوك ليست لها أية هوية قومية، ومدينة لكافة أهاليها من العرب والكرد والتركمان والكلد والآشوريين. أما الفقرة الثانية تؤكد على حقوق الجماهير في إطار قانوني واضح، من حيث استخدام لغة الأم في المدارس والدوائر الرسمية والإعلام… وبهذا المعنى إن اللغة تصبح وسيلة للتفاهم والتواصل وليست وسيلة لإشعال الحروب. أما بصدد الفقرة الثالثة، فهي فقرة نعالج بها قضية فورية، القضية التي يعاني منها"الكرد" من أهالي كركوك، والتي بسببها اعتقلوا و أصبحوا نازحين واستولوا على بيوتهم، و عاشوا سنوات تحت الخيم الرديئة في مدن كردستان، وعاشوا رغماً عنهم في ظروف مأساوية، أو التركمان الذين تم تهجيرهم في إطار تلك السياسة. إذن إن حلنا أو جوابنا للنازحين في كردستان و جزء منهم أصبحوا نازحين في مدينتهم أيضاً في الوقت الحاضر، هو إن من الحقوق المسلمة بها أن يعودوا إلى ديارهم وسكناهم، وتسهيل الأمور لهم، وتعويضهم. و إذا وجد عائق أو مشكلة ما في هذا الإطار، مثل حجز بيوتهم أو الاستيلاء عليها من قبل شخص ما لحد الآن، في هذه الحالة يجب أن نسلك طرقاً قانونية، ونحتاج طبعاً إلى محكمة خاصة، خاصة بمعنى التحقيق في تلك المشاكل بأسرع ما يمكن و يعطي الحق لصاحبها و تعويضهم أيضاً، ولو ليست لدينا مثل هذه الحالات بشكل واسع. وهكذا الفقرة الرابعة، هي إجابتنا لمشكلة فورية، وهي التي تسمى ب" الوافدين أو المستفيدين" تلك العبارات اللاإنسانية، والتي وراء استخدامها في الوقت الحاضر مصالح سياسية ، يحاولون بها وبنفس السياسة السابقة و في هذه المرة بحجة " كردية" مدينة كركوك الإقدام على سياسة التطهير القومي" لقومية" أخرى، ومن ثم انفجار الصراع القومي فيها. ولكن هناك غاية في الموضوع وهي إنه ذا فرضنا إن كركوك ستعرف بالهوية "الكردية" و أكثر من ذلك إذا انفصلت كردستان وشكلت فيها دولة و أصبحت كركوك جزءاً منها، لماذا يستوجب طرد هؤلاء "المستفيدين والوافدين" من قبل أي طرف أو أي شخص ما؟ إذن إدخال هذه العبارات والإلحاح على طردهم هي سياسة لإشعال الصراع والاقتتال القومي في سبيل تمرير سياساتها ولحل المعادلات السياسية بين الأطراف المعنية في هذا الصراع و والفوز بها، وليست لها أية صلة ب" الناطقين باللغة الكردية" في مدينة كركوك وكردستان. أما بخصوص الفقرة الأخيرة للقرار، فهي حكم أهالي كركوك على كل الأطراف والأحزاب التي تهيئ الأرضية لإشعال الحروب و الصراع القومي، وتقول لهم بشكل صريح "إنكم مجرمون، لأنكم تثبرون القلاقل والاقتتال في مابين أهالي كركوك وتدفعونهم إلى قتل بعضهم البعض في سبيل توسيع رقعة سلطتكم".
أكتوبر: إن البحث الذي، هو موضوع للنقاش والجدل الساخن، هو المشروع الذي قدمته الكتلة الكردية في مجلس الحكم، وفيه فقرة حول إعادة " العرب المرحلون والوافدون" إلى أماكنهم السابقة، و أنتم واجهتم هذه المسألة في مقابلتكم مع تلفزيون العراقية. ما هو رأيكم حول هؤلاء المواطنين الذين ينعتون ب" المستفيدين والوافدين" و يعيشون في الوقت الحاضر في كركوك؟
سامان كريم: نحن عالجنا بوضوح في وثيقة كركوك وفي الفقرة الرابعة قضية" المستفيدين والوافدين". من وجهة نظرنا إن حل هذه القضية بسيط وسلس لأي إنسان ليس له نظرة قومية عمياء. نحن نقول يجب أن نفرق بين سياسة التطهير القومي لحكومة البعث، و بين العوائل الذين تم توطينهم في كركوك، فلهم مصالحهم الخاصة بهم من حيث حصولهم على الأراضي والإمكانات المادية، وهذا الشيء في مصلحتهم ومصلحة عوائلهم، وبصورة عامة الإنسان يتحرك حسب مصالحه، و يعيش في المكان الذي يضمن معيشته بصورة أفضل. من الواضح إنهم جاءوا إلى كركوك في إطار سياسة التطهير القومي و تعريب مدينة كركوك و لكن هم ليسوا مسؤولين عن السياسة التي أقدمت عليها حكومة البعث، مثل العوائل الكردية الذين لم ير تكبوا الجريمة قطعاً حين " صححوا قوميتهم" و بدلوا قوميتهم إلى القومية العربية تحت الضغط في سبيل بقائهم في المدينة، والشيء نفسه صحيح " للمستفيدين والوافدين" الذين يرغبون في العيش في مدينة كركوك في سبيل تحسين أمورهم الحياتية. المجرم الأصلي هو حكومة البعث التي رأسها صدام حسين. فهو مقبور، وعلى الجماهير في العراق وكركوك أن يحفروا القبر لسياساتها أيضاً فبدونه تتغير الوجوه فقط. في هذا الصدد هناك آلاف العوائل من أربيل و وكركوك بقوا في مدينة السليمانية ولم يرجعوا إلى مكانهم الأصلي، وسببه واضح تماماً وهو في سبيل مصالحهم ومن حقهم أن يختاروا مكان حياتهم ومعيشتهم. ولكن استعمال عبارة " الوافدين" هي أتفه من ان يكون لها أي معنى، لأن الوافد هو الشخص الذي يقصد كركوك في سبيل العمل، هل الأشخاص الذين ينطقون العربية ممنوع عليهم أن يعملوا في السليمانية أو في أربيل. إذا يعمل شخص ما في مدينة ما فمن الطبيعي أن تكون له كامل الحقوق مثل باقي الأهالي الذين يسكنون في المدينة. النقطة المهمة في هذه الصدد، إن الرد على هذه القضية أي قضية كركوك "وهي قضية مصطنعة من قبل حكومة البعث" ليس من الممكن حلها حسب الوثائق التاريخية. هناك مشكلة عالقة والمسألة هنا حل هذه المشكلة. ونموذج الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي واضح للعيان في هذا الصدد. إن أكثر من 95% من المواطنين الإسرائيليين هم من " الوافدين والمستفيدين"، ومع ذلك ليس هناك طرف ما ومن ضمنها القوى الفلسطينية تطلب بمسح دولة إسرائيل. وتلك القوى متفقة على حدود الرابع من حزيران لسنة 1967لبناء دولتهم المستقلة. وعلى نفس المنوال إن أكثرية المواطنين من أمريكا وكندا وأستراليا هم من " الوافدين والمستفيدين"وأصبحوا اليوم أصحاباً لدولة، وحتى المواطنون الأصليين الذين يسمون ب" نيتف" Native في هذه البلدان لم يشكلوا نصف في المائة من عدد سكان بلدانهم. من الواضح إن تلك البلدان ليست لديهم تلك المشاكل التي لدينا نحن في كركوك، ولكن أريد أن أقول إن الجواب لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بوسيلة الوثائق التاريخية ليس فقط غير ممكن، بل تعمقه، مثل ما في كركوك إن وثائق سنة 1957 سوف لن تحل لنا هذه المشكلة بل تعمقها، مثل ما نراه الآن.
إن كل في ما في القضية والمشكلة وحلها، له علاقة مباشرة برؤيتنا إلى هذه المشكلة، هل الأصل هو حقوق الإنسان وحرياته ورفاهه أو التفرقة و تفجير الأوضاع والاقتتال، بذريعة " كردية" المدينة أو " عربية" المدينة. ما هو ذنب آلاف الأطفال الناطقين باللغة العربية الذين ولدوا في كركوك و يلعبون مع الأطفال الذين ينطقون بالكردية، ويذهبون مع البعض إلى المدرسة، حتى يتم إعادتهم إلى مكان من الممكن أنهم لم يزوروه و لم يعرفوا عن طبيعته و طقسه. هؤلاء كانوا ضحية لسياسة التطهير القومي لحكومة البعث، عليه يجب منع أن يضحى بهم بسبب سياسة التطهير القومي الكردي. إن مطالب أهالي مدينة كركوك، هي توفير الأمن والاستقرار والرفاهية وتحسين أحوالهم المعيشية، وتوفير الحريات السياسية والمدنية، و العيش مع بعضهم البعض كمواطنين لهم حق المواطنة المتساوية. إن تأريخ مئات من السنين من التعايش بين أهالي كركوك و ملحمة كاروباخي تبرهن على إن أهالي كركوك يرغبون في حياة آمنة ومستقرة لمدينتهم. وإن هذه المشكلة هي مصطنعة، عليه يجب على أهالي كركوك أن لا تزج بنفسها وأن لا تضحي بنفسها ضد مصالحها.