أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - ســاعات أندريه جِـيد الأخيرة















المزيد.....

ســاعات أندريه جِـيد الأخيرة


سعدي يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 763 - 2004 / 3 / 4 - 09:46
المحور: الادب والفن
    


  ربما اعتبرَ القاريءُ  ، أندريه جِـيد ، والحديث عنه الآن ، ضرباً من العودة إلى ماضٍ شِـبه منسيٍّ  ،  وهو أمرٌ مفهومٌ في ثقافةٍ ليست متّـصلةً  ، لكن أندريه جيد حاضرٌ في ثقافة بلده وقارته ، بل حتى في سلوك مواطنيه ، ولا تزال الدراسات عنه ، شخصاً ومبدعاً ، تحظى بالإهتمام ، ومن بينها هذه الدراسة ذات الصفحات السبعمائة التي
أُلخِّصُ منها  " ساعات أندريه جيد الأخيرة " . عنوان الكتاب : أندريه جيد – حياةٌ في الحاضر .
Andre Gide – A Life in the Present -  By Alan Sheridan- Penguin Books  1998
القاريء العربي عرف جِـيد في كتبٍ ممتازة الترجمة ، وكان لطه حسين فضلُ تقديمه إلى لغتنا  في مطبوعات دار الكاتب المصري ومجلتها الشهيرة ، ومن بين تلك الكتب كما أتذكر ، أوديب – ثيسيوس ، الباب الضيق ، وترجم له اللبنانيون " قوت الأرض " و " السمفونية الراعوية " و " مزيفو النقود " .
كانت حياة جِـيد في منتهى الغنى والجدل  ،والتحولِ بجانبيه المعنوي والماديّ ، ومن هنا جاءت صعوبة عمل ألن شريدان الذي استقصى هذه الحياةَ المفعمةَ ثراءً وتفاصيلَ ذاتَ مغزى ، يوماً بعد يومٍ ، في دأبٍ يستحقّ الإعجاب
والتقدير .
***
السادس عشر من شباط [1951 ] ، وصل الدكتور دولاي صحبةَ زوجته . لاحظ دولاي نصف زجاجة شمبانيا غير مفتوحة ، على الطاولة الصغيرة جنب السرير ، مع كتابٍ لفرجيل وعلبة سجائر جمل شبه كاملة. قال جيد وهو
يتنفس بصعوبة : " أخشى أن تكون جُـمَـلي غير سليمةٍ نحويّـاً " .
يقول أحد أصدقائه :" إنه الخوف القديم الذي أسـرّني به  ، قبل عامين ، في شباط 1949 ، خوف فقدانه السيطرةَ على اللغة  ، كلماتٍ ونحواً ، وهو قلقٌ معتبَـرٌ  ، من جانب شِـغِّيلِ أدبٍ مخضرم ، يشعر أن الأداةَ
التي صنعها صابراً ، ومنحها قوّتَـه ، شـرعت تهجره " .
بدا جِـيد كمن ينام ، ثم فتح عينيه وقال : " هو دائماً ، الصراعُ بين المعقول ، وغير المعقول " .
بعد الظهر ، قال بيير هربرت للسيدة الصغيرة Petite Dame   :
" أفَـلا تظنين ، إن كانت هذه هي النهاية ، أن من الأفضل أن تحاولي إبلاغه بأنكِ كنتِ تدوِّنين ، خلال ثلاثين عاماً ، يومياتٍ عن كل ما قاله وفعلَـه ؟ سوف يبتهج لهذا " .
في الساعة الخامسة ، جاء جان شلومبرجر من روما بعد أن أُخطِـرَ بالنهاية الوشيكة.
وصفَ الدكتور مارتن البنسيلين ، وضاعفَ زَرقةَ السباسماغلين ، كي يُبقي جِـيد مستيقظاً ، لكنه كان يائساً من بقاء الرجل ، غداً ، على قيد الحياة .
في العاشرة ، جاء مارتان دوجارد الذي كان يتابع التطورات ، عبر الهاتف ، وأمضى الليلَ على أريكةٍ بالأستوديو.
وفي اليوم التالي كتب إلى جاني بوسي يقول :
" عيناه مغمضتان ، إنه ينام ساعاتٍ ، ثم يفتح عينيه ، ببطءٍ شديدٍ ، متعرفاً على من حوله ، مشيراً إليهم بودٍّ ، ومبتسماً ، ثم يستغرق في النوم " .
عندما سأله الطبيب إن كان يشهر بألمٍ ، أجابَ بوضوحٍ : " مطلقاً ، لا " .
لا خوف ، لا تمرُّد ، لا أثرَ لقلقٍ أو ندمٍ ، طمأنينةٌ تامّـةٌ . نوعٌ من الـمُـضِـيّ مع قوانين الطبيعة .
لا يمكن للمرء أن يتخيل موتاً أكثرَ عذوبةً ، وأقلَّ عاطفيةً .
دوّنت السيدة الصغيرة :
لم ينم أحدٌ حقاً ، البارحة . هو نام لحسن الحظ .
عندما استيقظ جِـيد قال : كل شـيءٍ على ما يرام  Tout est bien ، وطلبَ قهوةً .
لم يكن أحدٌ ليتوقع أن يسمع صوته ثانيةً .
في ما بعدُ ، قال لِـبيث : صعبةٌ هي المغادرةُ .
انعقدَ نوعٌ من المجلس العائليّ :
ماذا تراهم فاعلينَ ، لو اقترحت الحكومة جنازةً رسميةً ؟
رفضوا الفكرة بالإجماع .
لقد رفض جِـيد ، دائماً ، تكريمات الدولة . ولسوف تكون الجنازةُ الرسمية مناقضةً كلَّ ما ناضلَ من أجله .
السيدة الصغيرة دخلت إلى غرفة جيد ، وأخبرته عن " الدفاتر " التي دوّنتْـها عبر ثلاثين عاماً . غمغمَ : وداعاً .
كانت السيدة الصغيرة حزينةً لهاجس أنه ربما لم يفهم ما قالته .
لكن بيير ، خرج بعد قليل ، ليقول لها إن جيد أخبره : " لقد فهمتُ تماماً ما قالته السيدة الصغيرة . ممتاز. ممتاز " .
مـرّ يوم الأحد ، الثامن عشر من شباط ، بلا أي تغييرٍ في حالة جيد .
في الصباح أخذت الإبنةُ كاترين ، وبيث ، والممرضة ، المريضَ المحتجَّ ، ليغتسل ، ويبدل ثيابه .
جاء الطبيب الشاب صباحاً ، وأعطاه الزَّرقاتِ المعتادةَ .
الزوار جاؤوا .
 والهاتف لم ينقطع عن الرنين .
بعد العاشرة مساءً ، صارت أنفاسُ جيد متقطعةً جداً .
جيد ممددٌ . فمه مفتوحٌ واسعاً .
يده تمسك بها يدُ بيث .
الآن ، هم عشرة في الغرفة ، إضافةً إلى الممرضة وجلبرت .
 ولعدة لحظاتٍ بدا الزمن متوقفاً .
مالت عليه الممرضةُ وتحسست قلبه – انتهى الأمر.
لا نأمة .
لا حركة .
كان الصمت لا يُـطاق ، حتى بدا لانهائياً .
فجأةً ، كسـرتْـه أليزابث. قبّـلتْ يده ، وخرجتْ .
تلتْـها كاترين .
***


يـنهي مارتان دوجارد مقالته " ملحوظات عن أندريه جيد "  بقوله :
كانت الساعة العاشرة والدقيقة العشرين تماماً .
منذ أمس لم أرض جفنيه مفتوحَـينِ .
لا تَفـجُّع . حزنٌ هاديءٌ …
إن هدوء تلك النهاية لَـنافعٌ ؛ ذلك التخلي . ذلك الإستسلام المثاليّ لقوانين الطبيعـة ، يصِـلانِ إلينا .
علينا أن نظل ممتنِّــينَ له ، إذ جعلنا نعرف كيف نموت جيِّــداً !

                                   
                                                          لندن 3/3/2004



#سعدي_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ســاعاتُ لوركا الأخيـرة
- لو كان الصبحُ جميلاً
- عُـرسُ بناتِ آوى الباريسيّ
- أمُّ المعاركِ : حربُ - القَـبَـضايات -
- البــلدُ المستحيــلُ
- امبراطوريةٌ ليست كالأخريات ، أيضاً
- طبيعةٌ غيرُ مـيِّـتةٍ
- إمبراطوريةٌ ليست مثلَ الأُخرَيات
- حــياةٌ جـــامدةٌ
- الليلةَ … لن أنتظرَ شـيـئاً
- - قوائمُ - بلا حدود …
- صــلاةُ الوثــنِــيّ - إلى عبد الرحمن منيف
- بِــمَ نُـبـاهي الأُمَــم ؟
- جورج بوش في حضرة الطفلِ المعجزةِ
- موســوعةُ النهب الأميركي لآسيا
- الطفل‘ المعجزةُ
- الغَــيــارَى
- لُـزومُ ما لا يَـلْـزَم
- شـــارعُ المتنبي باترِك كوكبورن
- وَرْبة وبوبيان … وقناة بَنمـا


المزيد.....




- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - ســاعات أندريه جِـيد الأخيرة