|
هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 2) لماذا تأخرت الثورة الاممية؟
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2478 - 2008 / 11 / 27 - 10:01
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في أواسط القرن التاسع عشر، كانت هناك آمال كبيرة لحدوث ثورة أممية في أوروبا، ففي أزمات (1825) وما تلاها، كان العالم ينتظر تحولاً جذرياً في أسلوب الإنتاج الرأسمالي في البلدان الصناعية، ولكن لم تنطلق ثورة أممية أبداً في القرن التاسع عشر، بل انتهت أروع محاولة من المحاولات التاريخية في باريس عام (1871) بمجزرة، قتل وشرد وأعدم فيها (100) ألف إنسان من الكومونيين، نظراً لعدم انطلاق ثورة أممية في أوروبا، وبعد ثورة الكومونة، تأخرت الثورة الأممية، نصف قرن تقريباً (1871 إلى 1917 ) وبعد ثورة (1917 - 1923) تأخرت الثورة الأممية، قرابة قرنٍ لحد اليوم، ورغم الكثير من المحاولات الثورية عام (1956) في كلٍّ من بولونيا وهنغاريا، وعام (1968) في كلَّ من فرنسا وجيكسلوفاكيا، إلاَّ أنَّ العالم لم يرَ محاولة مماثلة للثورات السابقة، نظراً لعدم وصول القدرة الانفجارية للأزمات، إلى حد إغلاق الطريق أمام تطور رأس المال الأممي. إذاً، بمَ تفسر هزيمة الثورات السابقة وعدم انطلاقها إلى المستوى الأممي المطلوب؟
أولاً: بعد أن أصبحت أسواق أمريكا وآسيا، جزءاً من سوق رأس المال الصناعي بصورة فعلية، وذلك من خلال شبكة من وسائل التداول، كالمواصلات والخطوط البرقية، حدث انعطاف أممي آنذاك في دارات رأس المال، البالغة عشر سنوات، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأدت الاستطالة الطبيعية لدارات رأس المال في السوق العالمية بين الأزمة والازدهار، إلى دفع الثورة القارية الى الوراء في القرن التاسع عشر، ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر، كانت الدارات تبلغ خمس سنوات في أوروبا الصناعية، أمَّا في النصف الثاني، فبلغت كل دارة، عشر سنوات تقريباً.
ثانياً: إنَّ نشؤ بلدان صناعية جديدة، وفتح أراضٍ واسعة أمامها لاستثمارات جديدة، والسيطرة على ميدان أوسع للتنافس في السوق العالمية، أدت إلى توفير الآليات، التي تسيطر الرأسمالية بواسطتها على الأزمات التي تواجهها بسهولة، وهنا يستنتج ماديو القرن التاسع عشر، أنَّ التغيرات في السوق العالمية، ألغت الفرصة المواتية لانطلاق ثورة أممية إلى أجلٍ غير معروف في التاريخ، لأنَّ البؤرة الأساسية للأزمات، أي البلدان الصناعية، انتهزت فرصة استبعاد خطورة الأزمات العنيفة المتكررة، من حدودها الضيقة (وفقدت الأزمات على هذا النحو، نصيباً كبيراً من قدرتها الانفجارية، كارل ماركس، رأس المال)، لأنَّ العناصر التي تنطلق بموجبها أزمات رأسمالية، ونعني بها العوامل التي تؤدي إلى الانخفاض في المعدل العام للربح، هي نفسها العناصر التي تبطئ الهبوط في فترات مختلفة، لأنَّ الأسباب نفسها، تؤدي إلى تراكم أسرع لرأس المال.
ثالثاً: إنَّ انتهاز الفرصة لاستغلال العمل بصورة واسعة في آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، أدى بالضرورة إلى الازدياد في الجزء المتحول من رأس المال، مقارنةً مع جزئه الثابت في المستوى الأممي، وهذا العامل، لم يؤدِ إلى الازدياد في المعدل العام للربح في المستوى العالمي وحسب، بل وأدى أيضاً إلى تقاسم الخسائر بين البلدان الصناعية المختلفة، ممَّا أدى إلى تخفيف قدرة الانفجارات على أرض الاستثمارات الشاسعة، مقارنة بالحدود الجغرافية الضيقة التي كان يدور فيها رأس المال في أوروبا الصناعية.
رابعاً: هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى الارتفاع في معدل الربح، وكلُّ ارتفاع من هذا النوع، يعني ثبات الرأسمالية وازدهارها الأممي لفترات طويلة من التاريخ، على سبيل المثال: انخفاض قيمة رأس المال الثابت، مقارنةً مع رأس المال المتحول، رغم بقاء التركيب العضوي لرأس المال على حاله، وإطالة وقت العمل الإضافي، وتقليص وقت العمل الضروري نتيجة للتقدم الصناعي، وتطور العلوم الطبيعية، واستخدامها لاكتشاف أكثر العناصر الجيدة للأدوات الإنتاجية، ونوعية المواد الأولية، وإعادة استعمال النفايات، وانخفاض قيمة النفقات في المعامل كنفقات المراقبة مثلاً، فالشدة في العمل، تمارسها الرأسمالية خلال الآلات الإلكترونية وليس الأفراد، إلخ ...
وهكذا، نرى أنَّ الانخفاض في التركيب العضوي لرأس المال مقارنة بحدوده الجغرافية، وسرعة زمن دوران رأس المال في المستوى الأممي، أدت إلى حالة من التوازن في الاقتصاد العالمي لفترات طويلة من الزمن. أمَّا اليوم، فيجري العكس، حيث بدأت الخلية الأساسية لرأس المال بالانشطار كخلايا سرطانية، وستصيب بالضرورة، كلَّ قطاع صناعي، وزراعي، وتجاري، ومالي، في العالم خلال السنوات القريبة القادمة، ففي الخمسين سنة الأخيرة، ومع أحدث التطورات الإلكترونية، التي تتكاثف أكثر فأكثر، وتزيد باستمرار من قيمة رأس المال الثابت مقارنةً مع رأس المال المتحول، ستنطلق انفجارات أعنف فأعنف في الأزمات القادمة، أما النتيجة النهائية لهذه الانفجارات، تقف على تعويض إمكانية الخسائر للرأسمالية من جهة، وإيجاد مجالات جديدة للاستثمارات من جهة أخرى، وحين نرى أنَّ العالم مشبعٌ بالمنتجات الصناعية، فعلينا البحث في الموضوع من بُعد آخر من أبعاد الإنتاج، فهل من الممكن اتساع مجال الاستثمارات إلى ما وراء الحدود الجغرافية للأرض؟ وهل تؤثر هذه الأنواع من الاستثمارات، على الارتفاع في المعدل العام للربح؟ وهل تعطي العودة إلى الشكل السوفيتي للإنتاج (القطاع العام، احتكار السوق من قبل الدولة) إمكانية توازن أبدي في الإنتاج الرأسمالي؟
إنَّ المجالات الخارجية، لا تعطي إمكانية استغلال العمل، بالصورة التي شاهدتها الرأسمالية في القرون الأخيرة، في آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، نظراً لعدم استخدام المجالات الخارجية، كمصدر للمواد الخام، والأيدي العاملة الرخيصة، وكما بين التاريخ أنَّ السيطرة على اختلال التوازن في المجتمع العالمي، خلال تنظيم الإنتاج، في شكليه الأمريكي والسوفيتي، خرافة من خرافات الاقتصاديين البرجوازيين لا أكثر، فلا يمكن للرأسمالية، إخفاء الطبيعة التناقضية لملكيتها، لا في شكل الاقتصاد الحر (الأمريكي) ولا في شكل الاقتصاد الاحتكاري (السوفييتي) فاختلال التوازن، يعني بكل بساطة، تمرد الإنتاج من الإدارة الرأسمالية، أياً كان شكلها، الملكية الخاصة للدولة (السوفييتي) أم الملكية الخاصة للرأسماليين الفرادى (الأمريكي). وكما بين التاريخ، ليس بمستطاع الإنتاج الرأسمالي، تلبية الحاجات الإنسانية، وحماية المستهلك من تضخم الأسعار، والفقر، والمجاعة، والكوارث الاجتماعية الأخرى، لا في شكله الأمريكي (القطاع الخاص) ولا في شكله السوفييتي (القطاع العام) لذلك لم يكن من المستغرب، أن يواجه الاقتصاد السوفييتي، كالاقتصاد الأمريكي، اختلال التوازن مرات عديدة في تاريخه، ويكفي ذكر موت (15) مليون شخص من الجوع في الاتحاد السوفييتي السابق في زمن لينين (1919 – 1923) وفي زمن ستالين (1932 -1933) وانتشار الفقر في أمريكا الصناعية طوال تاريخها.
إذاً، ماذا ننتظر من الأزمات اللاحقة التي لا بد وأن تهز العالم بموجبها من جديد، رغم كل محاولات الرأسماليين لتخفيف قدرتها الانفجارية؟ وهل هناك إمكانية كونية لتعويض الخسائر، أم أنَّ الانتاج سيتحرك أخيراً، نحو حد إغلاق الطريق أمام تطور رأس المال الأممي؟ و ما هو هذا الحد؟
يتبع
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 1) أز
...
-
المجاعة الكبرى في الاتحاد السوفياتي: موت الملايين من الجوع ف
...
-
الاتحاد السوفياتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – المجاعة:
...
-
الاتحاد السوفيتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الرا
...
-
الاتحاد السوفيتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الثا
...
-
الاتحاد السوفيتي: أسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الثا
...
-
الاتحاد السوفياتي: إسطورة إشتراكية القرن العشرين!
-
أمريكا، بؤرة الأزمات و الحروب
المزيد.....
-
صوفيا ملك// لنبدأ بإعطاء القيمة والوزن للأفعال وليس للأقوال
...
-
الليبراليون في كندا يحددون خليفة لترودو في حال استقالته
-
الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن
-
كلمة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي ال
...
-
الفصائل الفلسطينية تخوض اشتباكات ضارية من مسافة صفر وسط مخيم
...
-
الجيش اللبناني: تسلمنا مواقع عسكرية من الفصائل الفلسطينية
-
مباشر: حزب النهج الديمقراطي العمالي يخلد ذكرى شهداء الشعب ال
...
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|