أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حسام مطلق - أبقار الشرق الأوسط والمربع الخشبي














المزيد.....

أبقار الشرق الأوسط والمربع الخشبي


حسام مطلق

الحوار المتمدن-العدد: 2478 - 2008 / 11 / 27 - 04:58
المحور: كتابات ساخرة
    


والدي كان يمتلك مزرعة لتربية الأبقار, لم يكن أي من الأهل يرافقه لزيارتها, كانوا يفضلون مزرعة أخرى في منطقة رأس العين, هي اقرب, وفيها أشجار ومساحات واسعة مزروعة بالقمح والقطن وفقا للموسم. مرزعة الأبقار كانت في الشدادي وهذا ساعتين ونصف زيادة في الطريق غانيك عن الروائح الكريهة التي تفوح منها. بالنسبة لي كانت تلك خصوصية أنا مستعد لتحمل الكثير من أجلها, ثلاث ساعات على أقل تقدير في السيارة مع أبي منفردين, عالم خاص دونا عن أي من أخوتي, حوارات مطبوعة في الذاكرة ولن تزول.
هناك في مزرعة الأبقار, الثيران, وهي قليلة, معزولة عن البقر, ليس لأسباب دينية, بل عملا بنصيحة الطبيب البيطري. في المزرعة تجري طقوس التزاوج, الطبيب البيطري قادر على تحديد مواعيد الإخصاب لكل بقرة, ليس بواسطة جهاز فحص الحمل أو مراقبة الدورة الشهرية, له طريقة مختلفة, وعلى العموم لا أعرف ان كانت طريقة ام حساب أم تقدير.
التزاوج كان يتم بوضع الثور مع البقرة الجاهزة للإخصاب في مربع خشبي معزولين ويتركان فترة من الزمن حتى يقع عليها الثور, الامر روتيني وعادي, فيه تفضيلات من نوع البقرة الأكثر نفعا تعطى للثور الأكثر فحولة ضمانا للسلالة الأفضل. أذكر أن الطبيب البيطري نبه إلى نقص وزن الثيران وتبين أن العمال يتقاعسون عن نقل العلف إلى حظيرتهم, فهي بعيدة عن حظيرة الأبقار حيث يخزن العلف, ولذا كان الثيران يأكلون فقط في مرعى النهار, يومها طلب والدي أن يعلف احد الثيران جيدا قبل الأخرين وقبل اعادتهم إلى الحظيرة, فعلمت أن هناك طريقة اخرى لتفضيل الثيران أيضا, هو الأكثر فحولة. في احدى المرات هاج ثور وبدأ ينطح الأضلع الخشبية, كاد أحدها أن يسقط من نطحاته الهائجة, فأسرعوا باحضار مقطورة التراكتور كي يسند السور بعد أن وضعوا عليها الكثير من الشوالات الفارغة حتى يضمنوا الا يقتل نفسه بنطحى تصيب الحديد لا الخشب.
الوالد قال " شوبو هاد البغل " المزارع أجاب : الظاهر يا ابو حاتم عشقان. وكان الحل بدلوا الأنثى. نجحوا في صرف انتباهه عن الباب واستبدلت الأنثى وعائد هائجا . تكررت المحاولات دون جدوى . في النهاية كان القرار : ما دام مافي فايدوا منوا خذوا على السلخ.
الإنسان تسيد الأرض, وفي كل جزء منها صار ربا, كل واحد منا بطريقة أو اخرى صار يمارس إلهية على الأرض. الديانات القديمة كانت تعتبر الإنسان جزء من الأرض, قادم من الطبيعة, بل حتى الألهة كانت جزء من الطبيعة. فرب للمطر وربة للخصب وإله للحرب وهكذا. الجميع أله وبشر أبناء الطبيعة. حتى في الزردشتية التي منها تحدرت اليهودية جزئيا الربان هما للخير والشر, لشيئين من طبائع الكون والوجود, ربان من الكون لا خارجان عنه. مع اليهودية صار الله خارج الكون, صار سيدا له, وبطبيعة الحال أوكل أمر السيادة على الأرض لأكرم خلقه بني اسرائيل. المسيحية والإسلام خرجا جزئيا عن هذه النظرة عندما سيدا الإنسان عموما على الأرض وليس قوم دون غيرهم. ممثل الرب في الأرض صار مطلقا, ليس فقط في حياة الحيوان بل وحتى في كرامة الإنسان. القتل لم يعد دفعا لضرر أو جلبا لمصلحة, صار تعبيرا عن إلوهية مطلقة.
كان يمكن لصديقي الثور أن يظل في المزرعة وأن يبقى سنوات, ولكن إلوهية أبي تضررت فكان لا بد من السلخ. أما لما استعيد معكم هذه القصة؟ فاستعارة من الأغنية المصرية الشهيرة " كتاب حياتي يا ناس " فإن هذه الحادثة هي ببساطة ملخص حياتي بكاملها .
في البداية ظننت أن القضية في أمي وأخواتي والرغبة النسائية العميقة في تقرير حياة الرجل. أبعدوا أول قصة حب عن طريقي, وتلك كانت في الثانوية مع أخت أحد زملاء الدراسة, كنت أضعف من أن أقاوم, للدقة أجبن من أن أنطح السور الخشبي, إكتفيت بكتم الألم, دائما يكون لهم مبرراتهم فلا تسألوني ما هو السبب, الشرق الأوسط مليء بالأسباب التي يمكن لأي فرد أن يتدخل مستندا إليها في حياة فرد أخر.
مرت سنوات حتى تمكنت من مواجهة المعضلة, ولكن المواجهة لم تكن بدون مقاومة من الطرف الأخر, القصة أنتهت بأن قطعت علاقتي مع الاسرة بكاملها, وهذا تلطيف للقول : الاسرة نبذتني ونبذت تمردي.
لم أدرك أن التوقيت الذي سوف احصل فيه على حريتي من أمي وأخواتي سوف يكون هو التوقيت الذي يدفع بطرف أخر اشد بشاعة كي يلعب الدور نفسه في حياتي: أجهزة المخابرات.
قبل سنوات تعرضت لضغوط شديدة للارتباط بإمرأة ولكنني كنت استحضر بطولة الثور الذي سيق إلى السلخ ورفض الخضوع. بدوري قاومت وسلخت ولكنني شعرت بفخر الشهادة. مع أن المرأة إياها كانت مميزة ولو تركت الأمور لطبيعتها لربما وقعت في حبها ولكن لابد لمن يعمل في المخابرات أن يكون غبيا, ليس بأنه أقل ذكاء فقط, بل بأنه يريد للخطة أن تمر بطريقة الله المدبر, هو لا يكترث للنتيجة, هذا ما تخلص إليه, هو يكترث إلى أن تقع النتيجة على يديه. ظننت الملف طوي هناك. ظننت أن اختلاف الاصول العرقية هو الدافع للمربع الخشبي الذي نصب حولي, ولكن للأسف عادت القضية للظهور من جديد. ألم اقل لكم كتاب حياتي يا ناس.
أحداث عصفت بي في الأيام القليلة الماضية جعلتني أعرف من أبي, ومن المزارع, ولكنني إلى اللحظة لم احدد من هو الطبيب البيطري. هذه المرة أنا أكثر قوة وأمتلك الجرأة التي تجعلني انطح السور الخشبي حين تحل القضية بتبديل الإناث, فالذهن المخابراتي الذكي, كما أبي والمزارع, لا يمكنه أن يفهم جوهر المشكلة.
إسمحوا لي أيها السادة أن اسحب لقب الشهادة من كثر من الأغبياء اللذين ضحيتم بهم على قربان مبادئكم وقيمكم البالية, وأذنوا لي أن أمنحه لذاك الثور, فقد فهم معنى الحرية أفضل مما فهمها الكثير من البهائم التي تعيش في الشرق الأوسط.



#حسام_مطلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع الأمة بين المفقود والموجود
- ذهنية المتذاكي
- لؤلؤة أو لولو كما تقولين
- إنفجار دمشق : الوطن بكروز دخان
- لماذا تفشل الليبرالية عربيا
- استعادة الدور الرأسمالي ضرورة وطنية
- كيف تحقق الرأسمالية الآمان الاجتماعي
- الواحدية في تاريخ الفلسفة
- الانسان العربي ووعي الذات
- النظرية الأمنية : مقارنة بين المخابرات الأميركية والعربية
- القضية الكردية بين الغدر والحق
- المراة في الاسلام
- فتوى سعودية من آل الشيخ: المسلسات التركية حرام
- مختارات من أقوال الحكماء - 2
- الدراما السورية بين الواقع والرسالة
- أنا وصاحباي, الله والشيطان ; الجزء الأول- الواقعية السياسية
- في اصل الاخلاق والقيم الجمعية
- القدس عاصمة إسرائيل الابدية
- هينغتون وحروب خط الصدع
- الوزير والسكرتيرة وزوجة الرئيس


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حسام مطلق - أبقار الشرق الأوسط والمربع الخشبي