انها قضية مواطنة يمنية تمثل جرحا عاما وقضية نازفة للمرأة عموما ..انها قضية المواطنة اليمنية - ليلى ردمان عايش - والتي صدر بحقها حكم عن محكمة عدن في القضية الجنائية الاستئنافية الرقمة 105 لسنة 2000 يقضي برجمها بالحجارة حتى الموت لاقترافها جريمة الزنا ..
ان ليلى هي التي دفعتني لكتابة هذا التقرير، ليس لانها ما زالت في السجن بانتظار تنفيذ الحكم بعد صدوره، ولكن لانها واحدة من مئات الآلاف، ان لم نقل ملايين النساء في العالم اللواتي يعانين من الظلم وضياع الحقوق واهدار الكرامة والضعف الانساني لمجرد كونهن نساء.
بدءا اؤكد تمسكي بقيم مجتمعنا العربي الاصيلة وبعدالة الشريعة الاسلامية ، ولكن يجب ان لا ينطوي تحقيق العدالة ووجوب اقامة حد الاسلام عندما يكون هناك تجاهل تام لعدد من الحقائق الهامة ومن شأن تطبيقه ايقاع ظلم لا يرضاه اي صاحب ضمير ، ومن هذه الحقائق، كما اوردت الانباء، ان ليلى ردمان كانت مراهقة لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها عندما وقعت ضحية اعتداء دعوني اسميه اعتداء لانها كانت امرأة صغيرة ، امية، ووحيدة ..
وانها وان كانت لا زالت على ذمة رجل، الا انه كان قد هجرها وتركها بلا معيل مدة طويلة سبقت الفعل المسند اليها.
والغريب في الامر ان الفاعل والمحرك الرئيس وهو شريكها في الجريمة تمكن من الافلات من العقاب من خلال الادعاء بانه طلق زوجته برغم انه لم يثبت ذلك ، وقد حكم عليه بالجلد والسجن سنة ونصف، وهو الآن حر طليق بعد ان قضى العقوبة مع انه استغل وضع ليلى وحاجتها للمأوى والمأكل واستدرجها الى منزله لمساعدتها مقيما معها علاقة غير مشروعة.
ان للاغتصاب وجوهاً عدة و ليس شكلاً واحداً، والتغرير والاغواء بداية شائكة له، كما ان ليلى حسبما اثبتت الحقائق لم تحظ بدفاع قانوني ولم تتح لها الفرصة لعرض حالتها بصورة عادلة، خاصة لجهة حقها في الرجوع عن الإقرار أو اثبات الاكراه المعنوي الذي تعرضت له أو الخطأ المادي الذي تمثل في اعتقادها ان مجرد تسجيل دعوى فسخ زواج بحق زوجها يمثل انفكاكا من رابطة الزوجية.
ان الموضوع خطير لأن ليلى ليست سوى حدث ومن المفروض ان تحظى بتطبيق الاحكام والمعايير الخاصة بالاحداث في مجال العدالة الجنائية كما ان من الأسس الشرعية الهامة اتاحة الفرصة للتوبة والرحمة والعفو خاصة وأنه من غير المستبعد بل من الطبيعي ان يكون اعترافها الذي أدلت به قد تم كرها وتحت ضغوط غير مشروعة .
ان فرض العقوبات البدنية وعقوبة الاعدام رجما بالحجارة حتى الموت في ظل الظروف التي احاطت بالقضية ، وفي ظل الاوضاع المعاصرة ينطوي على تعذيب وتمييز وظلم ، وقد اجتهد العديد من علماء المسلمين بجواز الحكم والأخذ بأي من المذاهب المختلفة وبالاجتهادات الاكثر ملاءمة لمصالح المجتمع طالما ان الهدف هو اقامة العدل ودرء الظلم ويقودنا هذا الى وجوب توضيح حق المرأة بالحياة والتوبة وبدء حياة نظيفة ومساعدتها، فليس ذنبها انها وحيدة امية وسط مجتمع لا يرحم بل يجب تصويب مسار حياتها من خلال الارشاد والتعليم والتدريب والاصلاح ..
أثارت قضية ليلى استهجان المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان ، ودفعت العديد من الكتاب والمثقفين الى الدعوة لحملة من أجل حث القضاء اليمني على العدول عن ذلك الحكم وأخذ الأسباب والدوافع بعين الاعتبار ، وهذا الشرح المفصل لقضية ليلى لم اجد عنه بديلاً كمدخل يقود الى الاغتصاب وأشكاله والآثار النفسية لجريمة الاغتصاب عموماً، وتعرف جريمة الاغتصاب بأنها مواقعة شخص ذكر لأنثى (غير زوجته) بدون رضاها، ويذهب البعض من الباحثين الى اعتبار اكراه الرجل زوجته على ممارسة الجنس شكلا من أشكال الاغتصاب وهذا الأمر مازال مثار جدل ومفتوح للنقاش.
أما العنصر المعنوي فهو يقوم على اتجاه إرادة الجاني إلى مواقعة المجني عليها بغير رضاها مع علمه بذلك. وتعد جريمة اغتصاب المرأة من الناحية النفسية أشد أنواع السلوك العنيف الذي يقترفه الرجل بحقها ذلك لأنه سلوك يطعن عفتها وإنسانيتها وتأتي ظاهرة الاغتصاب لترفع المرأة بها صوت الاحتجاج لما يلحقه بها المعتدون تحت ظروف التهديد أو الاغواء.
وللمجتمعات الغربية وجهة نظر حول الاغتصاب اذ تشدد على معاقبة مرتكبه وذلك لوقوع الاذى الجسدي والنفسي على المرأة اما مجتمعاتنا فلها قوانينها الاخلاقية والجزائية وتأخذ مشكلة الاغتصاب لديها بعدا مختلفا اذ تحكمها علاقة بموضوع الشرف والعرض ويمثل لدينا انتهاك الشرف بالاغتصاب دون النظر الى الضحية نفسها ويتم في بعض الحالات تزويج المرأة بالرجل الذي يغتصبها إذ يلجأ المغتصب الى هذا حتى يفلت من العقوبة ..
ان المسألة ليست ستر للمرأة بل هي تستير وتعتيم حتى في بعض الاحيان يصل الامر بان تتهم المرأة المغتصبة بأنها من دفعت الرجل الى اغتصابها عندما نظرت اليه بطريقة معينة او لم تقاوم كما يجب !!!
وظاهرة اغتصاب النساء رغم كونها شائعة في كل بلدان العالم إلا أن نسبتها تقل هنا أو ترتفع هناك وبين يدي الان احصائية حديثة عن بلد عربي هو الأردن ففي هذا البلد العربي الإسلامي هناك (750) جريمة اغتصاب سجلت عام 2002وكانت نسبة أعمار (95%) من الضحايا أقل من (18) سنة وسجلت الإحصائية الآنفة نسبة (26%) من الجرائم ارتكبها أقارب الضحايا.
كما أن النسبة المئوية لأعمار الضحايا الأقل من 15 سنة بلغت (34.8%) أما أعمار الضحايا ما بين 15 – 18 سنة فقد بلغت (65.2%) وعن صلة الجاني بالضحية فقد بلغ عدد القضايا التي يوجد صلة قرابة بينهما بلغت (26.1%) في حين بلغت نسبة (73.9%) للحالات التي لا يوجد صلة قرابة.
أما عن مكان ارتكاب الجريمة فكانت النسبة المئوية لمنازل الضحايا تبلغ (50%) أما المنزل الذي يخص المتهم والمقصود به (في شقة استأجرها لها المتهم) أو منزل والدة المتهم أو بيت المتهم أو منزل شقيقة المتهم فبلغت (31.25%) في حين شكلت نسبة السيارة كمكان لجريمة الاغتصاب (12.5%) ..
هذا وانتهت الدراسة التحليلية بأن نسبة زواج الجاني من الضحية بلغت (8.7%) في حين أن الحالات التي لم يتم زواج الجاني من الضحية لكونه محرماً/وهذه النقطة ايضا هي مثار جدل بين من يحرمه ومن لا يحرمه/ فبلغت (21.7%) أما الحالات التي لم يتم زواج الجاني من الضحية فبلغت (69.6%) ولا شك أن مثل هذه الدراسات تنبه الناس إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر ، فبينما نرى معظم حالات ضحية الاغتصاب في الأردن تقع في الفئة العمرية غير الناضجة التي يمكن خداعها خصوصاً مع انخفاض مستوى الثقافة الجنسية في المجتمع حيث لا تتضمنها المناهج ولا يغطيها الإعلام ويجب التركيز على أهمية إدخال الثقافة الجنسية السليمة إلى عقول الفتيات والذكور بشكل علمي وصحيح في سن مناسب يجب تحديده.
أما في بقية أنحاء العالم وليكن ما يقوم به عساكر الجيش البريطاني في كينيا الأفريقية نموذجاً: إذ درست وزارة الدفاع البريطانية لائحة شكوى تقدمت بها (650) مواطنة كينية أكدن أنهن تعرضن للاغتصاب من قبل جنود بريطانيين أثناء تدريبات في بلادهن، وقال محامي الكينيات: إن عمليات الاغتصاب المتكررة وقعت وبشكل منهجي منذ 1977م دون أن تتدخل بها الوزارة لوضع حدّ لها. وأكدت ضحايا الاغتصاب أنهن تعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل الجنود الذين يعتبرون هذه الممارسات ضرباً من التسلية!
كما أن هناك نوعاً آخر من الجرائم ، تسمى /الجريمة المسكوت عنها/، وهي تحرش أرباب العمل أو المديرين أو المدرسين بالنساء ، وفي العادة لا تسجل هذه الجرائم؛ بسبب خوف المرأة على وظيفتها، أو طمعها في تعويض، أو صعوبة الإثبات او الخوف من الفضيحة، وأشهر الحوادث التي كشف عنها شكوى احدى النساء رجلاً من رجالات (الكونجرس) من /أوريجون/ وحين اشتهر أمره سجلت عليه 26 امرأة ، شكاوى من هذا النوع ، ممن سبق أن عملن معه في الكونجرس وخارجه.ولعل حادثة تحرش الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون بالمتدربة السابقة في البيت الابيض مونيكا لوينسكي مازالت في الاذهان.
اما النسبة الأكبر من حوادث العنف ضد المرأة فقد سجلت أعلى الأرقام في الباكستان 80% ثم تنزانيا 60%. ثم اليابان 59% بنما 54%. أميركا 28%. وكندا 27%.
إن الارقام والدلائل تتحدث عن نفسها من خلال ما عرضنا وما قدمنا له عن موضوع ليلى التي مازال موضوعها عالقاً ،وندع باب الحوار مفتوحاً بين الاصدقاء والقراء والشيوخ وكل صاحب فكر للمزيد من الآراء ..