|
المندائيون ومنظمة اليونسكو والدولة العراقية...
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 2476 - 2008 / 11 / 25 - 09:25
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
المندائيون طائفة غنوصية يصبغُها صفاء قناعتها أن النور للروح قبل الجسد ، وللفردوس قبل حياة الأرض ، ويعتقدون أيضاً أن الذهب زينة الدنيا عندما يكون من عرق الجبين ، وهمسة العاشقين ومهارة أصابع المندائي..وهم اليوم في العراق يتناقصون ويشحون كما ضفاف يعطش لجريان الماء ، واعتقد أن العراق لن يكون عراقاً بدونهم أو بدون غيرهم من سكان البلد الأصليين . فهم يمتلكون في هذه السهول والبطائح أزلاً لايُعرف تاريخه لأنه يعود حتى الى أول الأنبياء ، أي انهم كانوا حتى قبل ولادة حرف الكتابة ، وكانوا في أزمنة غابرة أقدم حتى من الزقورات . يسكنون بطائح الماء ، وينعزلون في خشوع صلواتهم ، ويتجولون بين القرى المتباعدة في مدن القصب والسمك ، يقرأون الطالع ويشفون الجرح ، ويصنعون من لمعان المعادن ابتسامة النساء والمخشلات والأغراض المطلوبة لبيت الزوجية ، ويُعتقد ايضاً أن المندائيين الصناع الأوائل للكأس النذري الذي جعله السومريون شارة وجودهم عندما رسموه والفراتين يفيضان منه . والمندائيون الأقرب الى الماء الطاهر كونه ضرورة من ضرورات التعميد ، فقد يسودُ الأعتقاد انهم ليسوا صاغة للحليَّ فقط ، بل كانوا من صناع المنجل والمطرقة والأواني التي كانت تجرى فيها مراسيم التعميد وطقوس العبادة ، وربما حتى قيثارة شبعاد بصندوقها الذهبي الزخرف بالأحجار الكريمة والعاج قد صنع وصمم من قبل مندائي ما كان يعيش مع ملته بين ظهرانية أهل سومر وحتى قبل أيام ابراهيم ( ع ) . وقد فُسر التصاقهم بالماء ، بأنه قد يعود في اصوله وجذور المعتقد الى طوفان نوح ( ع ) . وهذا دليل أن صحت تلك المرجعية ، على أنهم من الموحدين الأوائل ، وهذا التوحيد الوثوق فيه تأكد من خلال الذكر الحكيم في أكثر من آية عندما ساوى الصابئة مع اهل الذمة من النصارى واليهود وكما في سورة المائدة قوله تعالى (( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون..)) ، هذا التشريف الآلهي يمنح الطائفة وثوق القوي في الدفاع عن خصوصيتها وديانتها ووطنيتها ، بل أن المندائي لن يحتاج اي حجة اخرى لوحدانيته ب، الرغم من أن كتبهم المقدسة والمتوارث من ادعية الصلوات والتعميد وأهمه ما جاء في كتابهم المقدس ( الكنزا ربا ) ويعني الكنز العظيم ، فيه الكثير من السُور والتلاوات والادعية والتصوير والقصص والحكم والشواهد ، ما يدل على أن هؤلاء القوم ينتسبون الى الفكرة السماوية الاولى التي بشر فيها آدم ( ع ) ، ذريته ليكونوا صالحين..والذي يتمعن في قراءة آيات الكتاب وسورهُ سيكتشفَ القيمة والمعنى والدقة في تعامل المندائي مع خالقه ، لأن تعاليم الكتاب لاتحيد عن الذكر ومشاركة الآله الواحد في جميع افعالنا حتى التي تأتي بواسطة الملائكة الصالحين ، وهي في اغلبها تقود المندائي الى ديمومته وصلاح نفسه ، كما في الوسيط النوراني ( زيوا ) ، الذي يعتقد فيه المندائيون روحاً نورانية تهدي الى الصلاح والخير والفضيلة ، كما في الملاك جبرائيل عند المسلمين والذي نقل رسالة الوحي الالهي الى النبي محمد ( ص ) وكان وسيطا لتلاوة مايؤمر به النبي ويُوصى ويُنزل من آيات القران الكريم. يُوثقُ المندائيون تواريخهم بشيء من الحذر والحصانة ، لشعورهم بأن الأزمنة بتعاقبها لم تكن عادلة معهم ، أي أنهم بسبب عصامية الحفاظ على الأرث وتحاشي تجربة الاندماج الديني والمجتمعي مع الحضارات الأخرى ، ولأصرارهم على الأبقاء على الأرث بذات الصفاء والتداول الحَصري بين الطائفة ، وعدم تأثرهم بأي متغير ديني وطقوسي وتقبلهم الصامت لك فعل ورد فعل ازاء مايأمنون ، تحملوا الكثير من المصاعب والأهمال وبعضها وصل الى حد المجازر ومحاولة افناءهم بحجج تأخذ طابعاً دينياً في بعض الأحيان وعرقياً متطرفاً في أحيان أخرى ، وفيها الكثير من التجني على أساس أنهم من عبدت النجوم ، والبعض ادعى أنهم من ارث الزيرادشتيه مستنداً الى الاصول السكانية الاولى لهذه الطائفة عندما كانت تجمعاتها السكانية في منطقة دهلران والبطائح الممتدة في منطقة الطيب والاهوار المشتركة بين العراق وأيران. وبعضهم أستند الى تأويل بعض العادات والطقوس دون معرفة الجوهر والمدونات المقدسة لهذه الطائفة ومنها كتاب الكنزا ربا وتعاليم يحيى وغيرها ، ولم ينتبهوا في هذا التعامل القسري الى أي نص قرآني يؤكد على أن الصابئة من أهل الذمة ، وهم في هذا وحدانيون ، وتلك مسألة اخذت من دراستها وطراً في محاولة السيد الخامنئي دراسة تاريخيتهم ومرجعيتهم الدينية ، وله في هذا الأمر فتوى قاطعة وأستنباط موثق في رسالة بحثية على أن الصابئة المندائيين أصحاب كتاب وهم من أهل التوحيد. لم ينفتح المندائيون على ضرورة التعريف بجوهر دياناتهم إلا في اواسط القرن العشرين عندما سمح مشايخهم للمستشرقة البريطانية ( الليدي دوورا ) المختصة بالدراسات واللغات الشرقية القديمة بالأطلاع على بعض أسرار الديانة والمعتقد والعيش معهم لمراقبة ممارسة هذه المعتقدات عن قرب ، كما سُمحَ لها بالأطلاع على محتوى الكثير من الكتب المندائية المقدسة ، واغلب معايشتها مع الطائفة تلك التي قضتها في منطقة الكحلاء في العمارة وبعض المناطق وبمساعدة كبير مشايخ الطائفة في العمارة ، وخرجت بحصيلة وفيرة من المعلومات والأنطباعات دونتها في كتاب ونشرته ، بعد أن القت الكثير من المحاضرات في المعاهد والجامعات البريطانية ، وهي تتحدث عن هذه الطائفة ومكوناتها الأجتماعية والدينية ، وقد ترجم الكتاب من قبل بعض المثقفين المندائيين في مقدمتهم المربي المرحوم ( نعيم رومي ) وصدر في اكثر من طبعة وآخرها الطبعة التي صدرت عن دار المدى في دمشق عام 2007. اليوم هذه الطائفة العريقة والتي يكن لها العراقيون الأحترام بمجمل اعراقهم وطوائفهم وخاصة الطائفة الشيعية التي جاورتهم وتعايشت معهم على مدى عقود تتعرض لخطر الأنقراض داخل الوطن الأم. بعد أن أخذ شتات الآلاف المؤلفة من العوائل المندائية في هجرة تكاد تكون جماعية بسبب النظرة القاصرة والمتطرفة التي ظهرت بعد الأحتلال اتجاه الاقليات والأعراق الدينية مشمولة بالكثير من الاراء الباطلة والتكفيرية والوحشية وصل الى الحد أغتيال الكثير من ابناء هذه الطائفة وبعض مشايخها وخاصة في مدينة بغداد ، مما اضطرهم الى الهجرة عن بلادهم وهم الأكثر شوقاً للبقاء فيها ، والمساهمة في رقيها بعدما كان للسجل الحضاري العراقي أسماء مندائية كثيرة طرزت عليه ابداعها وتألقها حيث يشهد للمسيرة التربوية الحديثة في العراق منذ نشأتها في اواسط القرن التاسع عشر ظهور طاقات علمية وتربوية ساهمت في تربية النشيء الجديد وخاصة في مدارس الجنوب العراقي وفي الأخص محافظتي العمارة والناصرية والبصرة . كما تتشرف الطائفة أن يكون من بين ظهرانيتها العالم الدكتور عبد الجبار عبد الله اول رئيس للجامعة العراقية في العصر الحديث ، وغيره من مبدعي الكلمة والقلم والطب والفلك والفن والعلوم الأخرى ، ومنهم الشاعرة لميعة عباس عمارة صاحبة الديوان الشعري الرائع ( لو انبأني العراف ) ، وتعد من رائدات الحداثة الشعرية النسوية في العراق وواحدة من ملهمات رائد القصيدة العراقية الحديثة المرحوم الشاعر بدر شاكر السياب. وازاء هذا الخطر الذي يكاد أن يكون أول جرس انذار في العراق بأختفاء واحد من مكونات الشعب العراقي ، وأن حدث فهذا ينعكس تماماً على رؤى الآخرين للمتغير الجديد عندما لا يحرك احد ساكناً للحفاظ على هذا المكون النادر ، ولم يصدر أي بيان حكومي يضع رؤية واضحة وتدابير حاسمة ازاء ما يهدد وجود المندائيين ، بل انهم كمكون تاريخي لهذه البلاد حرموا من حق التمثيل في النسبة الظالمة التي حددها مجلس النواب في الكوته العرقية لكراسي مجالس المحافظات ، وكان الأجدى بالمشرع الدستوري أن يضع لهذا المكون وغيره من المكونات التي فقدت حق التمثيل ، يضع مقعدا شرفياً لهم في البرلمان والمحافظات الجنوبية التي يتواجدون فيها بكثافة ومنها محافظة بغداد. كما تقع على عاتقة ممثلية العراق في منظمة اليونسكو لفت نظر المنظمة الدولية الى هذه الكارثة الحضارية أن تختفي طائفة لها أزل قديم من الخارطة العراقية بسبب موجات العنف والتطرف والتكفير ، وعليها أن تحث المنظمة العالمية الى تسمية أسبوع عالمي شعاره ( من اجل الحفاظ على المكون المندائي على التراب العراقي ) ، وهذا يحتاج من الممثلية العراقية في منظمة اليونسكو ومقرها في باريس الى جهد اعلامي وثقافي وترجمة موروث هذه الطائفة والتنسيق مع المنظمات المندائية في العالم ، وتعريف العالم فيه لغرض لفت الأنظار وانجاح حملة عالمية من أجل هذه الطائفة التي ظلت وعلى مدى عصور وأجيال ومتغيرات محافظة على ثباتها الحضاري والقومي والوطني ، ولم تتاثر بأي مرحلة وأي ثقافة وافدة بل تمسكت بعراقيتها واصولها وعصاميتها للحفاظ على نقاء وصفاء معتقداتها. رؤية نضعها تحت انظار الحكومة ومنظمة اليونسكو من أجل جعل هذا الأسبوع تظاهرة عالمية وثقافية تهدف من اجل أبقاء التراث العراقي الأصيل منغرساً في الأرض كما نخيل العراق.
المانيا / 24 تشرين الأول 2008
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جنود ميثولوجيا زقورة أور..
-
عيون خضر ، فراشة حمراء ، وماعون صيني...
-
بطيخ من المريخ ..مشمش من العواشك ...
-
مدينة عفك ، لا تحب مدينة شيكاغو...
-
مديح لزهور حسين ..عتب على البرلمان ...
-
دموع التماسيح ودموع المطر ...
-
كلام عن أنوثة المحظور..في وطن محتل
-
مسيحيو سهل نينوى ...
-
مارتن لوثر .. وعشائر بني ركاب ..
-
الدجاج وبطون اهل النيجر والمشخاب ..!
-
ساهر الناي وشارب الشاي وغولدا مائير ..
-
صيف مدينة العمارة
-
الموت في العراق هو ثمن الشجاعة
-
نعوم جوميسكي ..والمستكي ...
-
أفارقة البصرة ..وأغنيات الهله هولو ..
-
اليوم العالمي لغسل اليدين بالماء والصابون ..
-
أسد وعلى خده شامه ...
-
تفاحة الخد .. وشفاه البنت والولد..!
-
القناة الفضائية للحزب الشيوعي العراقي..
-
بعض غنوص يحيى المندائي ...
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
|