|
المرأة: المتن والهامش
مروان العلان
الحوار المتمدن-العدد: 2475 - 2008 / 11 / 24 - 09:04
المحور:
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
يبدو أن البشرية ستظلّ مشغولة بمسألة المرأة، ولن يتوقف سيل الكتابات والحوارات في ذات الموضوع على مدى العديد العديد من السنوات، إن لم يكن العقود والقرون القادمة. فالبشرية التي أنفقت آلاف السنين في تثبيت هيمنة طرف العلاقة الأقوى جسدياً، وأقصت الجانب الأقوى في المجالات الأخرى كافة، ستجد نفسها محتاجة لذات القدر من السنوات حتى تعيد جزءا من النصاب المفقود لأصحابه، هذا في حال توجّهت البشرية لذلك، فإن لم يكن التوجّه نحو هذا الهدف فإن كل الجهود ستتبدّد بأسى، وبمزيد من المظالم والجرائم المتضاعف ضد المرأة؛ وجوداً وكياناً وحقوقاً وشخصية إنسانية. لن تكفي النوايا الحسنة لإيجاد حلّ مناسب، كما لن تجدي الفلسفات التنظيرية المتراكمة جيلاً وراء جيل، وفيلسوفاً في إثر فيلسوف، ونبيّاً في إثر نبيّ، في زحزحة ما ترسّخ في الوجود البشري من تقسيم طبقي بين طرفي العلاقة الإنسانية، هذا إذا لم تساهم في تكريسها واجتراح مزيد من صور ونماذج الهيمنة الذكورية للطرف الأقوى جسدياً. ولو استعاد الناس نبوّات أنبيائهم بتوجهات جديدة في هذا المجال فلن تكون كافية في إحداث التغيير المطلوب، هذا إن لم تؤكد ما جاءت به من قبل في تأكيد هيمنة الرجل على المرأة، وإعادة إلصاق تشريع إلهي لهذه الهيمنة. من أين بدأ الخلل؟ هل منذ انهار النظام الأمومي كما تقول أدبيات الحركات النسوية التقدمية في أوروبا؟ أم منذ بدأ تقسيم العمل وانقسم المجتمع البشري إلى أغنياء وفقراء، كما تقول الأدبيات الماركسية الكلاسيكية؟ والسؤال الما قبل ذلك هو: هل كان بالفعل هناك نظام أمومي في المجتمعات البشرية بالمعنى الذي يمكن اعتباره نقطة انطلاق للبحث في مسألة المرأة؟ وإذا أخذنا بالمقولات الداروينية في نشوء الإنسان، فمنذ متى بدأ إحساس الرجل بتمايزه وهيمنته على الحضور البشري بكليته، بعد إحساسه بتمايزه عن الكائنات الأخرى؟ قبل الإجابة على هذه الأسئلة يصبح الحديث عن مسألة المرأة رجماً بالغيب، وحديثاً في عالم من الضباب الفكري. لذا فإن الحديث يجب أن يبدأ من «الآن»، أي الواقع الراهن لوضعية المرأة، وما تعيشه من اضطهادات مركبة، على امتداد زمن وجودها الإنساني، أي منذ أن تصرخ صرختها الأولى وحتى تصمت صمتها الأخير. يشير بيير داكو في كتابه «المرأة: بحث في سيكولوجيا الأْعماق» إلى أن مشكلة المرأة هي فيما يسميه «فقدان الاعتبار»، وهو بهذا يلخّص، عن وعي عميق، مسألة المعاناة الواقعية الحالية لمرأة في مختلف أرجاء الكرة الأرضية، مع تفاوت في نسب انتقاص الاعتبار بين تجمع بشري وآخر، لكن المرأة في كل المجتمعات البشرية بعمومها تعاني من نقص ما من الاعتبار. ما هو الاعتبار الذي تحدث عن داكو؟ وهل هناك طريقة لإعادة الاعتبار للمرأة بحيث تتوازن البشرية في بناء العلاقات السويّة بين طرفي العلاقة معاً؟ الاعتبار هو زاوية النظر والقيمة التي تنبني عليه للمنظور إليه، وهذا التعريف من عندي وليس لبيير داكو. فما هي زاوية النظر للمرأة في المجتمعات الإنسانية المختلفة؟ نتيجة لمرور آلاف السنوات على وضعية الإذلال والدونية التي عاشتها المرأة، واستمرار هذه الوضعية بأشكال شتى وصور مختلفة فإن المرأة تكون قد وصلت إلى موقع لا يمكن اعتباره إنسانياً على الإطلاق، بل ربما كان وضع الكائنات الأخرى والأشياء التي يمتلكها الرجل في وضع أفضل من وضع المرأة. فالمرأة لا تعتبر في نظر الرجل ملكية خالصة، إذ لديها ما يجعل ملكيتها موضع شكّ، فهي تفكّر وتتصرف بوعي، وهذا يجعل من تملكها كبقية الأشياء مسألة غير متاحة حسبما يريد «الذكر»، وبهذا فإن طرف الخيط هو في يد المرأة من حيث المبدأ، ويمكنها التعامل مع هذا الطرف بالطريقة التي تضمن لها تحقيق إنجازات على صعيد إعادة الاعتبار لذاتها، وفرض زاوية نظر تتيح للناظر إليها أخذها في الحسبان. والمقصود بهذا ليس «الذكر» وحده، بل «الأنثى» أيضاً، إذ استطاع الرجل إعادة تكوين المرأة في بعض الأحيان لتكون عدوة ذاتها وجنسها وشريكاتها في الحياة. هنا نتحدث عن معركة. وهي معركة مفتوحة، والأسلحة المستخدمة فيها هي جزء من ترسانة الرجل ضد المرأة، ولكن لا بدّ من معرفة أي سلاح في أي مكان وضدّ أي رجل، وفي أي زمان. معركة ضد وعي راسخ، ومقدسات لا نهاية لها، ومواقف يجب أن توضع موضع الإدانة رغم النظر إليها بعين الاحترام والتقدير والهيبة، وضد أشخاص عملوا ويعملون على تجميد وعينا في نقطة تاريخية قاسية على الوجود الإنساني بكليّته، وليس على المرأة وحدها. إنها ضد الدين واللغة والقيم السائدة والعادات المتوارثة.. ضد الأنبياء والآلهة والفلاسفة والمصلحين الاجتماعيين الزائفي الوعي. ضد الأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية. ضد الثقافة السائدة وأصحابها. لا يصل الأمر حدّ القتل كما تفعل بعض النساء في بعض دول العالم، سواء المتقدّمة علمياً أو تلك المتخلفة. ولا يصل كذلك حدّ تعميم المقولة ضد كل الرجال، بل من الرجال من يعمل على إعادة تكوين نفسه ليكون إنساناً بدلاً من بقائه «ذكراً» فقط حيث أن مستوى الحضور البشري ينقسم الآن إلى «ذكر» و«أنثى»، لا إلى رجل إنسان وامرأة إنسان كذلك. ولكي تستعيد المرأة اعتبارها يجب أن يكون الرجل إنساناً لا «ذكراً» لأنه الناظر، وهي المنظور إليه، وطالما أنه ليس إنساناً بل هو «ذكر» فإن نظرته للمرأة لن تتغيّر. كما أن نظرة المرأة لذاتها يجب أن تنطلق من كونها إنسانة لا «أنثى»، لأنها طالما تتحدث وتفكر وتعيش كأنثى، أي كموقع اشتهاء فإن نظرتها لنفسها ستجرّها دائماً لفقدان الاعتبار. ربما أن المسألة ليست بكل هذا الوضوح وكل تلكم البساطة، خصوصاً وأننا نتحدث عن معركة شرسة ومتواصلة وقد تمتد لعشرات الأجيال من البشر.. هذا إذا قُدّر للبشرية أن تعيش لتحقق ذلك، لأن التهديد الواقع على رأس البشرية من قبل رأس المال وهجمته الشرسة على البشرية قد توصل إلى كارثة كونية، يصبح فيها الحديث عن مسألة المرأة ضرباً من العبث التافه. كوني امرأة، لا «أنثى».. كن رجلاً لا «ذكراً» وبدون تحقق هذا فلن نتمكن من وضع يدنا على جوهر إنسانيتنا. إننا نتحدث بصفتنا «إنساناً»، ولكننا حين نتصرف ننقسم فوراً إلى «ذكور» و«إناث»، بينهم من الصراع والتاريخ المرير ما لا يمكن تصوّره، فكيف محوه. ليس مطلوباً رفع الراية البيضاء من أحد الطرفين استسلاما لمطالب الآخر، كما ليس مطلوباً تصفية طرف لحساب آخر، وبالتأكيد ليس حلّاً أن ينقلب الوجود البشري رأساً على عقب، فيصبح أحد الطرفين مكان الآخر تمامًا. لأن الأمر لن يجعل من الرجل «إنساناً» بل يبقيه «ذكراً» مهزوماً في انتظار فرصة للانتقامك، كما سيجعل من المرأة صورة لأنثى منتقمة جاهزة للردّ على الآخر.. وهذا يقلب الأمور إلى الأسوأ.
#مروان_العلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمة التحرير الفلسطينية: من الكفاح المسلح إلى المفاوضات
المزيد.....
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
-
المملكة المتحدة.. القبض على رجل مسن بتهمة قتل واغتصاب امرأة
...
المزيد.....
-
جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي
/ الصديق كبوري
-
إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل
/ إيمان كاسي موسى
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
الناجيات باجنحة منكسرة
/ خالد تعلو القائدي
-
بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê
/ ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
-
كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي
/ محمد الحنفي
-
ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر
/ فتحى سيد فرج
-
المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟
/ مريم نجمه
-
مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد
...
/ محمد الإحسايني
المزيد.....
|